مستقبل النقابات في السودان.. تقاطعات سياسية وقانونية
عاين 22 أغسطس 2020
لأول مرة منذ 50 عاماً تطرح الحكومة السودانية مشروعاً للنقابات وكيفية تنظيمها، حيث كانت تصدر القوانين كأوامر جمهورية مؤقتة، ولكن يواجه مشروع القانون الذي طرحته الحكومة ممثلة في وزارة العمل والتنمية الإجتماعية بداية الشهر الجاري، انقساما في الوسط النقابي بين مؤيد لمشروع القانون ورافض له، ويستند كل طرف على دفوعات يرى من خلالها نفع القانون أو عدم نفعه.
وبالرغم من بروز الصوت الرافض للقانون، إلا أن النقد يتجه صوب عملية صياغة القانون التي يتهم فيها الطرف الرافض، الوزارة بالقيام ببعض التعديلات لقانون النقابات 2010 وطرحه كقانون جديد، الأمر الذي يثير ضجة كبيرة في أوساط العمال والمهتمين بالحركة النقابية، ويتهم ناشطون وزارة العمل بمحاولة صنع نقابات بدون مخالب تبعاً للقانون الذي يرون أنه لا يتماشى مع مطلوبات المرحلة الإنتقالية.
ردود أفعال
ومنذ طرح مشروع القانون، توالت البيانات الرافضة والمؤيدة، إذ أصدر تجمع المهنيين السودانيين بياناً قبل اسبوع، يتهم فيه وزارة العدل بتعمد تجاهل القوى صاحبة المصلحة من القانون، وصياغته عبر مجموعات انتقتهم الوزارة، ولفت إلى أن مشروع القانون منح مسجل تنظيمات العمل الحصانة وجعل قراراته نهائية، ووصف المشروع بالمعيب وقال إنه يحمل في طياته محاولات تشتيت البناء النقابي عبر تقوية نقابة المنشأة التي استخدمها النظام البائد لتدجين الحيوية النقابية، وأضاف أن مواده تعمل على تفتيت وحدة الحركة النقابية.
بينما أصدرت كتلة النقابات المستقلة واستعادة النقابات العمالية، بياناً اشادت فيه بالقانون، واعتبرت أنه يستند على تأسيس الحريات النقابية، وذكرت أن القانون أتاح الفرصة للنقابات لصياغة لوائحها الداخلية المتمثلة في اللوائح الخاصة بالتنظيم النقابي والانتخابات النقابية و إجراءات الشكاوي والطعون واللائحة المالية، ورأت أن القانون يتضمن مواد تشمل حريات لم يسبق تضمينها في أي قانون سابق ومنها حق الحماية للتنظيم النقابي في مؤسسات القطاع الخاص.
نقاط الخلاف
وتتصارع مكونات نقابية حول أشكال النقابات التي يقرها مشروع القانون، إذ ترى المجموعة الرافضة أن القانون يمهد لقيام نقابات المنشأة الإنقاذية التي أهلكت الحركة النقابية ودمرتها، بينما يرى المؤيدون للقانون أن القانون اتخذ طريق الحرية النقابية بإقراره الوحدة الطوعية وحق اختيار الجمعيات العمومية لأشكالها سواء كانت نقابة منشأة أو فئة، ويقر المؤيدون في ذات الوقت بتطابق قانون النقابات لعام 2010 مع مشروع قانون النقابات 2020 ويشير إلى أن التعديلات حولت القانون من شمولي إلى ديمقراطي. وفي اتجاه آخر يؤكد المؤيدون على نقطة خلافية في القانون تتمثل في الحق في الجمع بين عضوية أكثر من نقابة، ويأتي تبرير ذلك لجهة اختلاف الواقع الحالي وعمل كثيرون في أكثر من مهنة، بينما يشدد الرافضون على ضرورة إزالة هذه النقطة التي يرون أنها تعطي الحق للمتغولين على المهن في قيادة نقاباتها.
وكانت منظمة العمل الدولية، عقدت في يناير الماضي، جلسة تشاورية مع كل الأجسام النقابية بما فيها تجمع المهنيين وكتلة النقابات المستقلة ووزارة العمل، وأدانت المنظمة في ذلك الإجتماع حل النقابات والإتحادات المهنية الذي أقرته لجنة إزالة التمكين. وتنتظر الأوساط إجازة القانون في الأسابيع القادمة بعد انتهاء أغلب الأجسام المهنية من اختيار لجانها التمهيدية للعمل على الأنظمة الأساسية والتجهيز لانتخابات الجمعيات العمومية لنقاباتها.
مخاوف
ومن جانبه، يقول سكرتير النقابات بتجمع المهنيين، عمار الباقر لـ(عاين)، إن المشروع الحالي إذا تمت إجازته كقانون سيؤدي إلى تفتيت وحدة الحركة النقابية وتفكيكها وتشتيت قوتها، ويرجح أن ينتج عن ذلك استمرار نقابة المنشأة التي ظلت الفئات المهنية ترفضها وتؤكد على بطلانها لعقود طويلة، وينتقد الباقر عملية صياغة القانون ويعتبرها تمت بطريقة غير شفافة.
جدل حريات
وأضاف الباقر، أن القانون حافظ على نفس الذهنية الشمولية لقانون 2010 وذلك بتخصيص صلاحيات كبيرة لمسجل عام تنظيمات العمل الذي يعين بواسطة السلطة التنفيذية، وأعاب على القانون وضعه لأكثر من عشرين شرط للأنظمة الأساسية للنقابات وسلب حقها في تكوينها بحريتها الأمر الذي يرى أنه يخالف المعايير الدولية، وتابع :”نرى أن هذه الشروط تقيد حريات الجمعيات العمومية في وضع أنظمتها الأساسية بالشكل الذي تريدة”.
وأشار الباقر، إلى أن مشروع القانون يفرض وجود النقابة العامة على مستوى الولاية فقط دون النظر لكلية قضايا المهن وتداخلها بين ولاية وأخرى، واعتبر ذلك اتجاها لتفتيت وحدة النقابة على مستوى السودان، ومضى القانون، حسب الباقر، إلى جعل النقابات تشكل اتحاداتها العامة على أساس ولائي أي أتاح الفرصة لعدد من الولايات في تشكيل الإتحاد العام ما يقود لوجود أكثر من اتحاد عام واحد للمهنة الواحدة، ورأى أن الحكمة من ذلك هو اتاحة الفرصة للفلول في الدخول في الحركة النقاببة.
ونبه الباقر إلى أن القانون وضع عقوبات في الشأن المالي تصل إلى السجن 6 شهور وربما 5 أعوام في أمر عمل طوعي، واعتبر ذلك محاولة لترهيب الحركة النقابية، وفيما يخص الجانب المالي رأى أنه من الأفضل أن يخضع لمواد القانون الجنائي. وقال الباقر إن الحق في الجمع بين عضوية أكثر من نقابة يعد ثغرة في القانون كذلك لأنه يربك الأمور فيما يتعلق بالضمان الإجتماعي وغيرها.
ومن جهته استبعد القيادي بتجمع تصحيح واستعادة النقابات العمالية محجوب كناري لـ(عاين)، أن يكون المشروع مؤسساً لقيام نقابة المنشأة، مؤكداً أن جوهر المشروع هو إتاحة الحريات النقابية، وانتقد مشروع قانون النقابات الموحد الذي قدمه تجمع المهنيين بحجة أنه يفرض قانون نقابة الفئة مثلما كانت الإنقاذ تفرض نقابة المنشأة.
تعيين النقابات
وبخصوص احتمال أغلبية وجود عناصر تابعة للنظام البائد تتجه لفرض المنشأة في النقابات، قال محجوب كناري إن من يخشى الجمعيات العمومية لا يحق له التحدث عن قانون للنقابات، وتابع :”سنقف ضد كل من يحاول فرض النقابات بالتعيين”. واعتبر ميزة قانون وزارة العمل في أن السيادة متروكة للجمعيات العمومية على عكس قانون النقابات الموحد الذي يفرض السيادة عن طريق النقابة العامة، وبصدد صلاحيات المسجل الواسعة، لفت أن المادة 39 من القانون تجرد الوزير من أي سلطة على النقابة.
ونفى كناري أن يكون القانون الحالي فقط تعديلاً على قانون 2010، مشيراً إلى ان اللجان التي صاغت القانون انتقت أفضل المواد من كل القوانين السابقة وأدرجتها في القانون الحالي حسب توافقها مع المعايير الوطنية والمعايير الدولية إضافة إلى مناسبتها للواقع الراهن الذي يشهد تغييرات في تركيبة الطبقة العاملة، حسب قوله.