دخلت يومها الرابع .. حرب المدن تفتك بالمدنيين في السودان
الخرطوم – عاين
لليوم الثالث على التوالي، يعيش السودانيين تحت وطأة حرب ضارية بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم ومناطق متفرقة في البلاد وسط ارتفاع حصيلة القتلى من المدنيين وتفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين.
وبحسب اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، فإن عدد القتلى من المدنيين ارتفع الى 97 شخصاً مقابل 942 مصاباً، وأشارت اللجنة في بيان صحفي الاثنين، الى تعرض مستشفيات ومرافق صحية بالعاصمة الخرطوم ومدن سودانية أخرى الى القصف بالمدافع والأسلحة النارية مما أدى لخروج مستشفى الشعب والخرطوم عن الخدمة وإلحاق اضرار بليغة بمستشفى بشائر، وهو ما اعتبرته انتهاك صريح للقوانين والمعاهدات الدولية.
ودارت اشتباكات عنيفة بين الجيش والدعم السريع حتى فجر الاثنين في منطقة وسط الخرطوم والقيادة العامة استخدمت خلالها الأسلحة الثقيلة والطائرات حسب شهود قريبين من موقع الاحداث، قبل ان تهدأ الأوضاع قليلا خلال الساعات النهارية وتنتقل المواجهات بين الطرفين خلال الفترة المسائية الى ضاحية جبرة جنوبي العاصمة حيث توجد مقرات للدعم السريع.
وشهدت مناطق شمال أمدرمان التي كانت ملتهبة غضون يومي الحرب الماضيين، هدوء اليوم الاثنين، واستطاع المواطنين الخروج من منازلهم للحصول على بعض الاحتياجات المعيشية من المحال التجارية المجاورة، كما لم تسجل أي مواجهات في الولايات السودانية التي هدأت نسبياً وفق شهود تحدثوا مع (عاين).
وما تزال الحرب النفسية بين الجيش السوداني والدعم السريع هي من تحكم المشهد، فكلا الطرفين يسارع بنشر صور وفيديوهات يزعم خلالها سيطرته على مواقع استراتيجية، لتبدأ معها حملات من النفي والنفي المضاد.
وبثت قوات الدعم السريع على منصاتها الرقمية فيديوهات تزعم دخولها منزلي قائد الجيش الفريق اول ركن عبدالفتاح البرهان، والفريق شمس الدين كباشي والسيطرة على القيادة العامة والقصر الرئاسي ودائرة الاستخبارات العسكرية، الامر الذي نفاه متحدث الجيش بشدة لكنه اقر بسيطرة الدعم السريع على قاعدة مروي شمالي السودان في اول بادرة من نوعها منذ اندلاع الحرب.
وفي خضم المعارك أصدر قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان قراراً قضى بحل قوات الدعم السريع وتجريد قادتها من الرتب العسكرية وإلغاء انتداب منسوبي القوات المسلحة لديها، وهي خطوة لم يرد عليها الدعم السريع حتى كتابة التقرير.
ومع استمرار الاشتباكات العسكرية تراجعت الأوضاع المعيشية بشكل لافت لدى المواطنين في العاصمة الخرطوم الذين شكوا من نقص حاد في مخزونهم الغذائي، وصعوبة الوصول الى المرافق الصحية لعدم وجود ممرات آمنة وانقطاع في مياه الشرب والتيار الكهربائي لثلاثة أيام متواصلة.
يقول المواطن صالح موسى من سكان ضاحية الصالحة جنوبي امدرمان في مقابلة مع (عاين) “لم اكن متحسباً لهذه الحرب لذلك لم يتمكن من ادخار أي مبالغ أو مواد غذائية في منزله، فهو عامل بسيط في مطعم بأحد أسواق الخرطوم ودخله محدود يكاد يفي احتياجاته ليوم واحد، لقد توقف عملنا اجباريا لثلاثة أيام بسبب الحرب وهي فترة طويلة لم اعتاد عليها حتى في عطلات الأعياد تجدني نعمل”.
ويضيف “مكان سكني آمن نسبياً وهو ما يقلل المخاوف في أن نموت برصاص طائش كما حدث مع إخواننا في المناطق الملتهبة، ولكن سيقتلنا الجوع والمرض إذا استمرت المواجهات العسكرية لأيام قادمة، نسأل الله ان يوقف هذه الحرب التي لن نحتمل تطاول امدها.. رسالتي للقوات المتحاربة ان تحتكم لصوت العقل رأفة بالمواطنين البسطاء”.
فيما يؤكد محمد عبد القادر في مقابلة مع (عاين) أن المخابز في مدينة أمدرمان خفضت طاقتها التشغيلية وصارت تعمل في أوقات قصيرة خشية من نفاد مخزونها من الطحين حيث انقطع الامداد تماماً بسبب اغلاق الجسور النيلة والطرق الرابطة بين انحاء العاصمة السودانية الخرطوم، مما خلق حالة من الشح في الخبز مما اضطر المواطنين للاصطفاف بغرض الحصول عليه.
ويضيف “لقد اختفت الخضروات تماما من الأسواق خاصة الطماطم وهناك نقص في اللحوم الحمراء وارتفاع أسعارها، مما دفعني للجوء الى مطاحن بلدية للحصول على كميات مقدرة من دقيق الذرة وادخاره في المنزل تحسبا للحرب الدائرة التي ربما تطول ايامها”.
ويجسد محمد عبد القادر وصالح موسى لواقع مأساوي يواجهه الملايين من سكان العاصمة الخرطوم الذين يكافحون من اجل الحصول على احتياجاتهم من المواد التموينية تحت زخات الرصاص ولهيب الاشتباكات العسكرية التي دخلت يومها الثالث دون بروز أفق للحل، بل ترتفع أصوات المعركة على أنين المدنيون البسطاء.
وبالتزامن مع شح الغذاء، هناك أزمة حادة في مياه الشرب في مدن العاصمة الثلاث الخرطوم، بحري، ام درمان وذلك إثر تعطل محطات نيلية رئيسية نتيجة الاشتباكات العسكرية، كما تعاني احياء سكنية واسعة من انقطاع دائم في التيار الكهربائي على مدار ثلاثة أيام ماضية بسبب تأثر محولات كهربائية بإطلاق النار.
وتوقفت وسائل النقل العامة تماماً وسيارات الأجرة بعد اغلاق كافة محطات توزيع المواد البترولية في العاصمة مما أدى لانعدام الوقود وصعوبة نقل المرض الى المستشفيات.
وكان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان صرح لقناة الجزيرة أمس السبت، إن قوات الدعم السريع هي التي بدأت الهجوم ولفت إلى أن القوات المسلحة لن تسمح بتكوين قوات موازية لها.
بينما وصف قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد الجيش السوداني بالكاذب وقال إن قوة من الجيش فاجئت قواته بهجوم واسع في العاصمة السودانية. وبدأت التوترات العميقة بين الجيش والدعم السريع الثلاثاء الماضي حينما وصلت قوات من الدعم السريع إلى منطقة مروي شمال السودان وتمركزت قرب المطار الرئيسي ورفضت دعوات وسطاء لمغادرة المنطقة حسب اشتراطات البرهان.