السودان والإمارات تصعيد بلغ ذروته.. لماذا؟
عاين- 11 ديسمبر 2023
في أواخر شهر نوفمبر الماضي، وخلال خطاب ألقاه أمام الجنود والضباط بقاعدة وادي سيدنا العسكرية في أم درمان غربي العاصمة اتهم مساعد قائد الجيش السوداني الفريق ركن ياسر العطا الإمارات العربية المتحدة رسميا بتمويل قوات الدعم السريع بشحنات الأسلحة والمساعدات العسكرية.
جاءت تصريحات العطا مثل كرة الثلج فيما يتعلق بتدهور العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ووصلت حد الطرد المتبادل للدبلوماسيين خلال اليومين الماضيين وبينما بدأت الحكومة السودانية من مقرها في بورتسودان عملية طرد دبلوماسيين إماراتيين ردت أبوظبي على هذا التصعيد بطرد الملحق العسكري السوداني والملحق الثقافي ودبلوماسيين آخرين من سفارة السودان في الإمارات نهاية الأسبوع الماضي.
اتهامات غير مسبوقة
وصفت تصريحات العطا دولة الإمارات بــ”المافيا” في اتهام نادر يصدر من أول مسؤول سوداني منذ سنوات طويلة ضد الدولة الخليجية التي يقيم فيها مئات الآلاف من الرعايا السودانيين وسط مخاوف من ردود فعل قد تصدرها أبوظبي بإبعادهم من أراضيها أو تقليص فرص العمل.
ولدى الإمارات علاقة طويلة مع السودان لكن الأوضاع بين البلدين أصبحت أكثر تعقيدا بسبب تقارب الدعم السريع مع أبوظبي.
ومنذ نشوب الحرب في السودان في منتصف أبريل الماضي بين الجيش والدعم السريع وانطلاق شرارتها من العاصمة السودانية، نقلت غالبية السفارات أعمالها إلى مدينة بورتسودان مقر الحكومة السودانية البديل شرق البلاد، نقلت السفارة الإماراتية أعمالها إلى هناك وعقب انتشار الاتهامات على شبكات التواصل الاجتماعية من أنصار نظام البشير ضد الإمارات اضطرت أبوظبي إلى سحب سفيرها والإبقاء على التمثيل الدبلوماسي بشكل منخفض بدرجة القائم بالأعمال السفيرة بدرية شحي.
سحب السفير الإماراتي
ويقول مصدر دبلوماسي حكومي لـ(عاين)، إن أبوظبي سحبت سفيرها “علي الجنيبي” خوفا من الاضطرابات في شرق السودان وتحريض عناصر موالية للسلطات السودانية على طرد السفير الإماراتي متخذة من التحريض الإلكتروني الشائع على الشبكات الإجتماعية مثل فيسبوك وواتس آب لتنظيم احتجاجات قرب مقر السفارة الإماراتية في بورتسودان.
مصدر دبلوماسي: الحكومة السودانية هي التي بدأت التصعيد بطرد دبلوماسيين إماراتيين، وأبوظبي ردت بطرد ثلاثة دبلوماسيين من السفارة السودانية.
وأضاف المصدر الدبلوماسي: “أبوظبي احتاطت لردة الفعل وتوقعت التصعيد من الجانب السوداني لذلك خفضت التمثيل الدبلوماسي في السودان وقد تصل مرحلة إلغاء البعثات الدبلوماسية بين البلدين اذا سارت الأمور دون حكمة أو تدخل تيار داخل الحكومة السودانية يدعو إلى الحل الدبلوماسي مع الإمارات”.
وأردف المصدر الدبلوماسي أن: “الحكومة السودانية في بورتسودان هي التي بدأت التصعيد بطرد دبلوماسيين إماراتيين وأبوظبي ردت على هذا التصعيد بطرد ثلاثة دبلوماسيين من السفارة السودانية في أبوظبي من أراضيها”.
وكانت وكالة السودان للأنباء نقلت الأحد عن وزارة الخارجية السودانية أنها أبلغت القائم بالأعمال الإماراتي في السودان السفيرة بدرية الشحي باعتبار 15 دبلوماسيين من العاملين في السفارة الإماراتية غير مرغوبا بهم في الأراضي السودانية ويجب عليهم المغادرة خلال 48 ساعة.
وارتفعت الاتهامات ضد الإمارات إلى السطح على خلفية تقارير نشرتها صحف أميركية قالت إن أبوظبي أرسلت شحنات الأسلحة إلى قوات الدعم السريع خلال حربها ضد الجيش عن طريق مطارات أم جرس في تشاد وصلت إلى هناك عن طريق مطار عينبتي في أوغندا وجرى تسليمها إلى مقاتلي الدعم السريع على الحدود مع تشاد والسودان.
تيار (كرتي)
وبدأ الوجود الإماراتي في السودان في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير بإستثمارات تصل إلى 10 مليار دولار، كما زار البشير أبوظبي عدة مرات بحثا عن مساعدات اقتصادية لحكومته التي كانت تواجه ضغوطا اقتصادية خاصة بين عامي 2015 – 2018.
لكن عقب سقوط البشير على خلفية احتجاجات شعبية في العام 2019 عملت أبوظبي على خلق علاقات مع الجنرال محمد حمدان دقلو واستضافته في القصر الرئاسي في العاصمة الإماراتية بمعية شقيقه خلال الفترة الانتقالية وهي الفترة التي سبقت الانقلاب العسكري الذي نفذه حميدتي مع البرهان ضد المدنيين في نهاية 2021.
ويقول المصدر الدبلوماسي، إن وزارة الخارجية السودانية طلبت عدم نشر مقاطع الفيديو التي تحدث خلالها الفريق ياسر العطا في أم درمان نهاية الشهر وطلبت حل الأزمة عن طريق الأطر الدبلوماسية بدلا من أسلوب المواجهة.
وأردف المصدر: “هناك تيار داخل وزارة الخارجية السودانية على صلة وثيقة بوزير الخارجية السوداني الأسبق والقيادي في النظام البائد علي كرتي قرر المضي قدما نحو المصادمة مع أبوظبي بإيعاز من كرتي وهذا التيار يدين بالولاء لكرتي بشدة لذلك يذهب في اتجاه إلغاء العلاقات بين البلدين”.
مصير السودانيين
ويقول أيمن عبد المنعم، وهو باحث في الشؤون الدولية، إن “الحكومة السودانية أي – حكومة الأمر الواقع – التي يسيطر عليها الجيش وضعت الملف الدبلوماسي في أيدي راديكاليين من حزب البشير عادوا بعد حرب منتصف أبريل إلى الواجهة لذلك فإن خيارهم تصفية العلاقات بين السودان والإمارات وهي اتهامات تحقق لهم عدة نقاط أولا توجيه الرأي العام وتعبئته نحو عدو وهمي”.
باحث في الشئون الدولية: الإمارات لديها رغبة كبيرة في التواجد بالسودان بحثا عن الموانئ والأراضي الشاسعة للزراعة وتواجه عقبة “التيار الإسلامي” المعادي للوجود الإماراتي في البلاد.
وزاد قائلا: “الأمر الثاني ممارسة الضغوط على أبوظبي للتفاوض معهم مباشرة بإقناع الجنرال دقلو بالعودة إلى بيت الطاعة والبقاء في خانة استئجار البندقية مع ترضية طموحاته السياسية إلى حد ما بوضعه في منصب دستوري في القصر”.
ويرى أيمن عبد الله، أن الإمارات لديها رغبة كبيرة في التواجد في السودان بحثا عن الموانئ والأراضي الشاسعة للزراعة ولديها مشكلة واحدة وهي “التيار الإسلامي” المعادي للوجود الإماراتي في السودان وفي ذات الوقت تعلم أبوظبي أن قائد الجيش البرهان قد يكون التقارب معه سهلا إلى حد كبير.
ويعتقد عبد الله، أن الإمارات متورطة في تمويل الدعم السريع عسكريًا لكن الحكومة التي يهيمن عليها الجيش ليست مؤهلة حتى تقوم بالتصعيد ضد أبوظبي لأن هناك مصالح مشتركة تخص مئات الآلاف من السودانيين في الامارات كما إن الحكومة غير شرعية ووصلت السلطة نتيجة انقلاب عسكري على حكومة شرعية بقيادة عبد الله حمدوك.
تأثير الإمارات على الإيقاد
وشارك وزير الدولة بوزارة الخارجية الإماراتية شخبوط بن نهيان آل نهيان في اجتماعات مع رؤوساء الإيقاد على هامش القمة التي انعقدت في جيبوتي السبت الماضي.
وكانت وزارة الخارجية السودانية في بيان رفضها لنتائج قمة الإيقاد احتجت على إشراك وزير الدولة بالخارجية الإماراتية شخبوط بن نهيان ويأتي هذا التصعيد لاعتقاد الحكومة السودانية القائمة في مدينة بورتسودان شرق البلاد أن بعض أعضاء الإيقاد مقربون من الإمارات التي عقدت تفاهمات معهم بشأن حرب السودان.
ويقول المصدر الدبلوماسي الحكومي، إن “الإمارات قد تكون وراء الطلب الذي تقدمت به تشاد إلى الحكومة السودانية بتقديم اعتذار رسمي حول تصريحات الفريق ياسر العطا مساعد قائد الجيش السوداني”.
وأردف: “الولايات المتحدة الأميركية لم تتمكن من ممارسة الضغوط على الإمارات في حرب السودان لأن أبوظبي لديها علاقات مع إسرائيل وعلاقات متينة مع اللوبي المؤثر في السياسات الأميركية في المنطقة”.
وتابع: “لذلك قررت الولايات المتحدة اتباع السياسة الناعمة وحاولت دفع رؤوساء الإيقاد إلى لقاء وزير الدولة بالخارجية الإماراتية شخبوط بن نهيان والوصول إلى تفاهمات لدفع جهود الحل السلمي في السودان”.
قطع العلاقات كليا
ويقول المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية والدبلوماسي في فترة حكومة عبد الله حمدوك – السفير حيدر بدوي لـ(عاين): إن “تبادل طرد الدبلوماسيين بين حكومة يقودها الجيش في السودان وبين الإمارات قد يسوق إلى قطع العلاقات بين البلدين كليا”.
مسؤول حكومي سابق: إذا ساقت ردود الأفعال الإمارات إلى تصنيف السودان رسمياً كعدو سيؤدي ذلك للمزيد من تزويد الدعم السريع بالعتاد والسلاح.
وأردف بدوي : “إذا ساقت ردود الأفعال الإمارات إلى تصنيف السودان، رسمياً، كعدو، سيؤدي ذلك للمزيد من تزويد الدعم السريع بالعتاد والسلاح وهذا بدوره سيؤدي للمزيد من الاحتراب والدمار وكل هذا ليس في صالح الجيش وليس في صالح تنظيم الإسلاميين”.
ويرجح بدوي، أن قطع العلاقات مع الإمارات ستكون كلفته عالية على السودانيين. وقال: إن “تنظيم الإسلاميين اختطف وزارة الخارجية السودانية بشكل غير مسبوق”.