السودان: “صيف حارق” وامداد كهربائي شحيح  

 9 مارس 2022

في مقهى قريب من المطار الرئيسي بالعاصمة السودانية يقضي “أحمد” 30 عاما بضعة ساعات ليلا ريثما يعود التيار الكهربائي إلى الحي الذي يقطنه وهي عملية تديرها “وزارة الطاقة” بالتناوب اليومي لإدارة الإنتاج الشحيح.

وتدفع أزمة الطاقة في البلد الذي يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة المواطنين إلى البحث عن بدائل أخرى إما بالذهاب إلى المقاهي أو انتظار الكهرباء لساعات في درجات حرارة مرتفعة.

ويقول أحمد في حديث لـ(عاين): “عندما أعود من عملي لا تتوفر الكهرباء ليلا وتستغرق عودتها أربعة إلى خمسة ساعات وهذا يحدث بالتناوب يوما بعد يوم ولذلك أحضر  إلى المقهى وأشاهد مباريات كرة القدم لانه  إذا مكثت بالمنزل هذا يعني الجحيم لأنني لا أستطيع النوم”. ويضيف: “فكرت في شراء مولد صغير لكنه سعره تجاوز الـ 500 ألف جنيه ما يعادل ألف دولار ودخلي الشهري لا يسمح بشراء الوقود”.

السودان: "صيف حارق" وامداد كهربائي شحيح

تزايد المخاوف

و تتزايد مخاوف السودانيين مع اقتراب شهر رمضان من تطاول الأزمة لفترات تمتد من خمسة ساعات في فترات الظهيرة إلى ثلاثة ساعات ليلا بالتناوب بين الأحياء يوميا فمن لم تزره القطوعات ليلا بالتأكيد يأخذ نصيبه صباحا. وكان مدير عام الشركة القابضة للكهرباء والتي تضم خمس شركات رئيسية – عثمان ضوء البيت أشار في تصريح لوكالة السودان للأنباء نهاية الأسبوع الماضي إلى أن “برمجة القطوعات” ما بين ثلاثة إلى ساعتين صباحا ومساءا بسبب نقص الوقود.

ينتج السودان نحو 1800ألف ميغاواط في أفضل الحالات بينما يحتاج إلى 3600ألف ميغاواط لتغطية الاستهلاك العام في المساكن والصناعة والزراعة والخدمات التجارية.

وتعثر مشروع حكومي بإضافة 900 ميغاواط للشبكة من تركيب محطة حرارية في مجمع قري بالخرطوم بحري شمال العاصمة ومحطة أخرى في بورتسودان شرق البلاد عقب انقلاب 25 أكتوبر الذي أطاح بحكومة عبد الله حمدوك التي بدأت هذه الخطة لإتمامها هذا العام إذ أن رئيس الوزراء كان يشدد على خلو صيف 2022 من القطوعات.

ويوضح مصدر بوزارة الطاقة أن : “المشروع توقف بسبب التمويل ومطالبة المقاول بسداد النفقات  إضافة لتوقف الشركة الألمانية التي صنعت الماكينات من تقديم الخبرات الاستشارية ” قائلا : “الارادة الحكومية تلاشت في اتمام المشروع في الشهور التي تلت الانقلاب العسكري لأن الوضع يمكن تسميته في قطاع الكهرباء بالكارثي”.

وقال المصدر الحكومي لـ(عاين)، إن الحكومة الانتقالية كانت تعتزم الاعتماد على شركة سيمنز الألمانية لتطوير قطاع الكهرباء خاصة وأن هذه الشركة لديها مشاريع ناجحة مع دول الجوار. ولم تحقق زيادة أسعار الكهرباء مطلع هذا العام استقرارا نسبيا بل أن هذا القطاع يتجه نحو تدهور مريع بحسب استطلاعات مع المحللين لأن “وزارة الطاقة”  لا يمكنها سد العجز بسبب “إتلاف خطط الحكومة الانتقالية” وانهاك احتياطي النقد الأجنبي وتوقف شراء قطع الغيار للمحطات الحرارية.

ويؤكد عبد الله عبد المنعم الذي يدير استثمارات صغيرة في سوق جنوبي العاصمة في حديث لـ(عاين)، إنه اشترى مولد كهربائي بقيمة 700 ألف جنيه ما يعادل 1.2 ألف دولار للحفاظ على المنتجات التي يعرضها ويتزود بالوقود بسعر متقلب بين الحين والآخر لأن الحكومة تلجأ الى وضع ضرائب من قطاع الكهرباء والوقود بسبب الأزمة الاقتصادية على حد تعبيره.

لا يوجد استقرار قريب

ويؤكد المحلل في قطاع الطاقة أحمد حاج الأمين في حديث لـ(عاين)، أن الكهرباء لن تستقر قبل ثلاثة أعوام إلى عامين إذا انفقت الدولة نحو ملياري دولار لبناء محطتان تنتجان 1.5ألف ميغاواط لان حوجة البلاد على المدى البعيد 4.5 ألف ميغاواط.

وأضاف: “الانتاج اذا بلغ 3.6ألف ميغاواط من مصادر متعددة تشمل الانتاج والاستيراد من اثيوبيا ومصر فهو غير كاف لأن الطاقة يجب أن تنتج بمعدلات الفائض تفاديا للأوقات الحرجة”. وتابع هذا المحلل: “استيراد الكهرباء من الخارج له عواقب وخيمة ويعرض مصادر الطاقة لمخاطر خاصة وأن الدول في أفريقيا لديها صراعات وتقلبات في العلاقات الدبلوماسية”.

محلل بقطاع الطاقة: عودة عناصر كانت متهمة بتبديد ملايين الدولارات ابعدتهم لجنة التفكيك مجددا لا ينبئ بخير لهذا القطاع

وأشار حاج الأمين، إلى أن السودان سيواجه نقصا كبيرا في الكهرباء هذا العام لأن الوضع الراهن تسيطر عليه “سلطة عسكرية” أعادت عناصر النظام البائد الى قطاعات الكهرباء في “قرّي ” و”وزارة الطاقة” و”سد مروي”. وأردف : “عادت عناصر كانت متهمة بتبديد ملايين الدولارات في قضية المحطة الثالثة في مجمع قري بالخرطوم بحري بعد أن ابعدتهم لجنة التفكيك هذا الوضع لا ينبئ بخير لهذا القطاع”.

وقال حاج الأمين : “عاد عناصر الأمن والسلامة الموالين للنظام البائد بعد الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر بتشجيع ودعم من قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى قطاعات الكهرباء والذين جلبهم أسامة عبد الله وزير الكهرباء الأسبق لغرض التمكين السياسي لحزب المؤتمر الوطني المحلول”.

ويرى حاج الأمين، أن حكومة عبد الله حمدوك واجهت مقاومة كبيرة في اعادة الهيئة القومية للكهرباء بدلا عن خمس شركات تشوبها عمليات فساد وسوء إدارة وتأثيرها كبير على تدهور قطاع الطاقة في البلاد. وقال : “الكهرباء يجب أن تدار عبر هيئة حكومية تحت وزارة الطاقة وفقا لخطط طويلة وقصيرة للخروج من الأزمة هذا يتطلب ايضا حكومة لديها طموحات ..الآن لا توجد حكومة ولا خطط”.

السودان: "صيف حارق" وامداد كهربائي شحيح

توقف مشاريع

ويشير مصدر مطلع بوزارة الطاقة إلى أن : “العجز المتوقع في الكهرباء قد يصل مرحلة القطوعات التي تستغرق نصف يوم أو مرحلة الاطفاء الكامل لأن الانتاج الحالي شحيح والاعطال متوقعة لعدم صيانة المحطات الحرارية وتدني مناسيب النيل في الصيف”.

وقال إن انتاج الكهرباء متعدد المصادر في السودان باستيراد 270 ميغاواط من مصر واثيوبيا وهي غير منتظمة وانتاج 700 ميغاواط من سد مروي و300 ميغاواط من الروصيرص و700 من محطة قري بالخرطوم بحري. وأردف : “غير معروف اذا كانت محطة بحري ستدخل الخدمة لأنها تستهلك وقود بتكلفة 20 مليون دولار شهريا في ظل نضوب العملات الصعبة إذا أرادت الحكومة  تشغليها ستفكر ألف مرة”.

وتدفع قطوعات الكهرباء وارتفاع درجات الحرارة عشرات الآلاف من السودانيين للسفر إلى مصر سنويا مع اقتراب شهر رمضان في بعض السنوات وصل عدد من غادروا إلى هناك الى مليوني شخص هذا العام متوقع انخفاض العدد نتيجة الازمة الاقتصادية لكن ايضا هناك أسباب أخرى مثل هجرة الآلاف بشكل نهائي إلى القاهرة والاقامة الدائمة.

ويقول المهتم في قطاع الكهرباء ايهاب محمد علي لـ(عاين)،ان  40% من الوقود يذهب الى انتاج الطاقة في السودان وتتحمل الحكومة دعم جزء كبير من وقود المحطات الحرارية. وتابع: “لجأت الحكومة الى زيادة الكهرباء لتغطية العجز في هذا القطاع لكن ليس حلا سحريا لأن الفارق كبير بين السعر الحالي وتكلفة الإنتاج بالتالي الحل هو الزيادة المتدرجة في سعر بيع الكهرباء”.

وكان من المؤمل أن تضاعف “البارجة التركية” في البحر الأحمر والتي تغذي مدينة بورتسودان بالكهرباء من محطة حرارية متحركة في ساحل البحر من 150 ميغاواط إلى 250 ميغاواط في مايو الماضي لكن تعثر سداد التكلفة وتراكم ديون الشركة التركية قلص من فرص إكمال الصفقة.

وقال مصدر من شركة توزيع الكهرباء مشترطا حجب اسمه في حديث لـ(عاين) هناك ضرورة إلتزام لجنة الطوارئ الاقتصادية التي كونت أخيرا برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة الجنرال محمد حمدان دقلو في توفير الوقود الكافي وقطع الغيار للأعطال الطارئة لأن بعض الوحدات في “قرّي” متوقفة منذ شهور وهي تنتظر قطع الغيار وتعللت “المالية” بعدم وجود عملات صعبة.