“ورشة الإطار الدستوري”.. سد الفراغ أم عملية سياسية؟
17 أغسطس 2022
في خطوة مفاجئة، أعلنت اللجنة التسييرية لنقابة المحامين عن ورشة ترتيبات الإطار لإعلان دستوري استمرت لثلاثة أيام، وجاء ذلك بعد أيام قليلة من إعلان قوى الحرية والتغيير عن فراغها من مسودة إعلان دستوري ستعرضها على كافة الجهات ذات الإختصاص.
وفيما خرجت الورشة بتوصيات عديدة لرسم ملامح ما تبقى من الفترة الانتقالية، قوبلت الورشة بكثير من ردود الأفعال المؤيدة والمعارضة للخطوة من جهات قانونية وسياسية تهتم بالوضع الدستوري في البلاد، وبرزت تساؤلات حول قدرة توصيات الورشة على سد الفراغ الدستوري القائم منذ العام 2019م.
أصداء مختلفة
وشاركت في الورشة أعداد كبيرة من القانونيين والسياسيين والدبلوماسيين والأجسام المهنية والسياسية ممثلة في أحزاب الحرية والتغيير كتحالف وبعض الأحزاب غير المنضوية تحته وعدد من حركات الكفاح المسلح بجانب بعض لجان المقاومة، فيما أعلنت لجان أخرى مقاطعتها للورشة ووصفها بتجاوز لجان المقاومة التي بصدد توحيد مواثيقها الثورية، بالإضافة لهيئة محامي دارفور والجبهة الديمقراطية للمحامين. في الوقت الذي فضل فيه أنصار النظام البائد من المحامين الهجوم على الورشة بحجة محاولة اللجنة التسييرية تسييس نقابة المحامين.
ووردت قبل إعلان الورشة، تصريحات متكررة من قيادات بارزة في تحالف الحرية والتغيير- المجلس المركزي- بشأن الإعلان الدستوري الذي سيعلنه التحالف ويطرحه للجهات ذات الإختصاص لإبداء الرأي، وتلت تلك التصريحات، إعلان المجلس العسكري الانقلابي خروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية ودعوته للقوى المدنية لتشكيل حكومتها، في خطوة فُسرت بأنها اقتراب تسوية سياسية برعاية الآلية الثلاثية التي حضر منها مسؤول بعثة يونيتامس جلسات ورشة الإعلان الدستوري الأخيرة.
خطوة الشروع في صياغة إعلان دستوري قبل الإعلان السياسي، مفارقة للعرف السائد في تأسيس الوثائق الحاكمة، فيما يبرر داعمو الورشة بأن الإعلانات السياسية تحتاج أرضية دستورية لبناء التحالفات على أساسها ويتم الاتفاق فيها على كيفية تشكيل الجسم السياسي الذي سينفذ الترتيبات الدستورية.
ملامح التوصيات
وأقرت الورشة توصيات عديدة بخصوص مؤسسات السلطة الانتقالية وموجهات السلام والأجهزة العدلية و الحقوق والحريات العامة والعلاقات المدنية العسكرية والإصلاح الأمني والعسكري و توصيات الحوار الدستوري، وجاء فيها إجراء حوار واسع حول القضايا التفصيلية النوعية بما فيها العدالة الانتقالية.
توصية من ورشة الترتيبات الدستورية: تحديد مهمة القوات المسلحة خلال الانتقال في الدفاع عن سيادة وحماية حدود البلاد واحترام وحماية الدستور
وحددت الورشة مهمة القوات المسلحة خلال الانتقال في الدفاع عن سيادة وحماية حدود البلاد واحترام وحماية الدستور الانتقالي وتنفيذ السياسات المتعلقة بالإصلاح الأمني والعسكري وفق خطة متفق عليها من جميع الأطراف وصولا إلى جيش مهني وقومي، بجانب تنفيذ الترتيبات الأمنية المقررة في اتفاق جوبا لسلام السودان والاتفاقيات التي تأتي لاحقا، كما أقرت مراجعة النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية وشروط القبول للكلية الحربية ومناهجها الدراسية وإزالة التمكين في كل القوات النظامية، وأولت مسؤولية جهازي الشرطة والأمن للسلطة التنفيذية على أن يكون رئيس الوزراء هو القائد العام.
أشباح الوثيقة
وثبتت الورشة الحكم على ثلاثة مستويات اتحادية اقليمية او ولائية ومحلية كما ثبتت أجهزة الحكم الانتقالي بمجلس تشريعي ومجلس وزراء ومجلس سيادة، وأوصت في جانب الحقوق بالتوقيع والمصادقة على كافة الاتفاقيات المتعلقة بالحقوق والحريات وخاصة اتفاقية مناهضة التعذيب، وأكدت التوصيات أن اتفاق جوبا لسلام السودان جزءا من الإعلان الدستوري مع مراجعته بموافقة الأطراف الموقعة عليه، بجانب التوصية باستكمال عملية السلام مع الحركات المسلحة التي لم توقع وتوطيد دعائم السلام الاجتماعي والتعايش السلمي وتشكيل مفوضية السلام لصناعته وبنائه، مع عقد مؤتمر قومي لوضع أسس السلام المستدام ومعالجة جذور الحرب.
“فكرة الورشة جاءت من الحوجة لتأطير دستوري” يقول الأمين العام للجنة التسييرية لنقابة المحامين الطيب العباسي لـ(عاين)، ويفيد إنهم انطلقوا من مفهوم المواطنة وحق الجميع في المشاركة، مبررا بذلك مشاركة جهات إسلامية لها دور في تقويض الدستور في العام 1989 في الورشة.
وأضاف العباسي:”في تحركنا لوضع إطار دستوري، نعتبر كل القوى الحية الفاعلة بخصوص الدولة وطريقة الحكم والتأسيس الدستوري معنية ولهذا دعونا الجميع، والإقصاء يتنافى مع روح الدستور”.
نقابة المحامين تنفي أن تكون الدعوة لورشة الترتيبات الدستورية تغطية لعملية سياسية تقوم بها الحرية والتغيير
ونفى العباسي، أن تكون الدعوة المقدمة من اللجنة التسييرية لنقابة المحامين تغطية لعملية سياسية تقوم بها الحرية والتغيير، مؤكدا أن الجميع تمت دعوتهم للورشة وأن الحضور كان نوعيا شمل تعددا من كل القوى السياسية المهتمة بالشأن الدستوري.
وحول مشاركة الحركات المسلحة التي تساند الانقلاب العسكري يوضح العباسي، أنها “تقف موقف الحياد من كل الأطراف ومشاركتها في السلطة تأتي من عمق التزامها باتفاق جوبا”، مشيرا إلى توصية الورشة بالإبقاء على اتفاق جوبا مع مراجعته مع الأطراف الموقعة.
ودافع العباسي، عن استباق خطوة الإطار الدستوري لأي إعلان سياسي. موضحا أن نقابة المحامين وضعت الإطار الذي ستجتمع حوله كل القوى الثورية المدنية الفاعلة من أحزاب سياسية ونقابات مهنية ولجان مقاومة للتواضع على إعلان مبادئ دستورية ومن ثم ميثاق لحماية الدستور والدولة المدنية.
ونفى أمين نقابة المحامين، تجاهلهم لمواثيق لجان المقاومة والجهد المبذول منها، مؤكدا أن كل المواثيق الثورية للجان المقاومة سيتم استصحابها في صياغة إعلان المبادئ الدستورية وقضايا الحكم والانتقال.
الحياة الدستورية
وينتقد قانونيون الخطوة باعتبارها محاولة لفرض إعلان على الفترة الانتقالية، واشترطت ذلك باستعادة الحياة الدستورية بشكل كامل باستعادة العمل بدستور السودان الذي قوضه انقلاب 1989، وبهذا الصدد تقول القيادية بهيئة محامي دارفور، نفيسة حجر لـ(عاين)، إن الورشة تفتقد للأساس الدستوري السليم والتأسيس للوثائق، وأشارت إلى وجود قواعد دستورية منذ العام 1956 معدلة للعامين 1964 و 1985 تمت باستفتاء الشعب السوداني ويجب العودة لها دون الحاجة لوثيقة دستورية جديدة.
وأكدت حجر، على عدم حاجة البلاد لمؤتمر دستوري نسبة لوجود الدستور المذكور، وعن رفض عدد من لجان المقاومة المشاركة في الورشة، قالت حجر: “إن لجان المقاومة ليست وصية على القوى السياسية كما أن الأخيرة ليست وصية على لجان المقاومة ومن حق الجميع المشاركة في التأسيس الدستوري”.
وفي هذا الصدد، أوضح الأمين العام للجنة التسييرية لنقابة المحامين، أن الورشة أوصت كذلك بالرجوع لكل الدساتير المتواترة على حكم السودان ومراجعتها واستلهامها، منبها في الوقت ذاته أن الراهن اختلف بشكل كبير عن الأزمان التي تم إقرار تلك الدساتير فيها وأن اختلاف المعطيات يجعل من الصعب إعادة العمل بها نظرا للواقع المختلف بما فيه النزاعات القلبية والحروب وقضايا العدالة الانتقالية وغيرها.
عملية سياسية
وعن تصريحات الحرية والتغيير عن اقتراب إعلانها لمسودة إعلان دستوري ومن ثم المشاركة في ورشة الإطار الدستوري، يقول المحلل السياسي د. بكري الحاك لـ(عاين)، إنها خطوة غير موفقة، وأضاف أن لجنة تسيير نقابة المحامين ليس من حقها عزل أي إنسان من المشاركة في حوار التريبات الدستورية، ولفت إلى أن الورشة ضمت عدد من الشخصيات التي لعبت دورا تأريخيا في توفير غطاء فكري وفلسفي وقانوني لممارسات النظام البائد.
بكري الجاك: ورشة نقابة المحامين أوحت باقتراب موعد عملية سياسية تحتاج لإطار دستوري جديد
ورأى بكري، أن الورشة كان من الأجدى أن تتم تحت اسم الحرية والتغيير بدلا عن عمل تغطية بلجنة المحامين، وأكد في الوقت ذاته على أن الورشة لن تتمكن من سد الفراغ الدستوري، وأرجع ذلك لاتجاه الورشة لصياغة إطار دستوري.
وأشار الجاك، إلى أن الورشة أوحت باقتراب موعد عملية سياسية تحتاج لإطار دستوري جديد، واعتبر أن الخطوة غير محسوبة سياسيا بشكل جيد مفضلا أن تكون الورشة عن إعلان دستوري مباشرة ويرى أنه كان سيتم الالتفاف حوله من اللجان والنقابات المنتخبة كما كان سيتم استصحاب مواثيق لجان المقاومة في الإعلان.