“توقعات اقتصادية سيئة”.. السودانيون يدخلون العام الجديد بموازنة مضطربة 

31 ديسمبر 2022

بينما قضى السودانيون العام 2022 تحت وطأة ظروف اقتصادية بالغة القسوة، يدخلون العام الجديد وفي البال معطيات اقتصادية أكثر تعقيداً مع استمرار ازمة الديون الخارجية البالغة 59 مليار دولار وتجميد مساعدات دولية عقب استيلاء الجيش على السلطة في أكتوبر 2021.

في العاشر من يناير 2022،  أجاز مجلس الوزراء المكلف الموازنة في اجتماع مشترك مع مجلس السيادة بعد أكثر من شهرين من الانقلاب العسكري بلغت في مجملها (7) مليار دولار وسجل العجز (800) مليون دولار.

ورغم أن موازنة هذا العام سجلت انخفاضا طفيفا في عجز الميزان التجاري من (1.9) مليار دولار للعام 2021 إلى (1.7) مليار دولار للعام 2022 إلا أن هذا الانخفاض لا يعكس مؤشرات إيجابية لأن الاقتصاد السوداني تعرض إلى “كساد كبير” قلل الطلب على الدولار الأمريكي وبالتالي انخفض الاستيراد -بحسب الخبير الاقتصادي والمعاون السابق للجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير أحمد بن عمر-.

ويقول بن عمر، في مقابلة مع (عاين)، إن “ما يثير المخاوف هو عدم وضوح ملامح موازنة العام 2023 وحسب المعطيات فإن موازنة العام الجديد تشبه موازنة 2022 لكن مع الفرق في زيادة الضرائب لأن الحكومة لا تملك حلا سوى اللجوء إلى تغطية العجز من طباعة النقود أو زيادة الضرائب”.

اسواق سودانية

تنوي وزارة المالية خفض الإنفاق على تشييد المباني الجديدة زيادة تمويل البحث العلمي إلى جانب البحث عن مصادر تمويل مستحدثة والتوسع في الإنفاق على الصحة والتعليم خاصة بند أجور العاملين خلال العام 2023 بمقدار نصف مليار دولار حسب ما أفاد مصدر حكومي (عاين).

ويرى بن عمر، إن العجز الذي بلغ 800 مليون دولار في موازنة العام الحالي أرهق وزارة المالية ولجأت إلى التغطية من شهادات شهامة أو الطباعة ومع ذلك تواجه العام القادم “تحديات كبيرة” فيما يتعلق بإضرابات العمال في المؤسسات الحكومية مثل عمال الكهرباء والتعليم .

فيما يوضح مجدي عبد الله المستشار المالي وخبير إدارة المخاطر الاقتصادية في مقابلة مع (عاين)، أن السودان على أعتاب عام جديد و”موازنة مضطربة” لأن الدعم الدولي لا زال معلقا منذ استيلاء الجيش على السلطة لذلك من المتوقع أن يكون العجز موسعا مع ارتفاع الأسعار.

الإنفاق الأمني والعسكري

ويقول عبد الله، إن المجتمع الدولي لا يود استئناف المساعدات الاقتصادية قبل منتصف العام 2023 حال تشكيل حكومة جديدة بناء على الاتفاق الإطاري بين الجيش و”القوى المدنية” وخلال نصف عام سينزلق الاقتصاد إلى “دوامة جديدة من الفوضى”.

وأضاف: “في ذات الوقت وزارة المالية لا تستطيع خفض الإنفاق العسكري لأن وزارة الدفاع حصلت العام الماضي من موازنة العام 2022 على حوالي مليار دولار فيما حصلت قوات الدعم السريع على نصف مليار دولار وحلت ثانيا ورابعا قوات الشرطة والمخابرات والمصروفات الأمنية”.

فيما يتوقع الخبير الاقتصادي، وائل فهمي انكماش الناتج المحلي والقاعدة الضريبية في العام 2023 حسب المؤشرات التي ظهرت في 2022 من خلال إضرابات الأسواق احتجاجا على الضرائب.

ويرى فهمي، أن الاقتصاد السوداني سيزداد تعقيدا خلال العام الجديد لأن العوامل المحيطة “معقدة جدا” مع زيادة الأسعار عالميا إلى جانب الاضطرابات الداخلية مثل استمرار الاحتجاجات الشعبية ضد العسكريين علاوة على توقعات بعودة الاضطرابات إلى شرق السودان وإغلاق الموانئ والطرق الرئيسية.

وتابع فهمي في مقابلة مع (عاين): “علينا أن نضع في الاعتبار الحرب الأوكرانية وداخليا هناك 15 مليون متأثر بنقص الغذاء في السودان حسب تقديرات الأمم المتحدة جميع هذه العوامل ستشعل أسعار الغذاء والخدمات”.

ويرى وائل فهمي، أن المساعدات الدولية إلى السودان لا تزال معلقة ولا يمكن الاعتماد عليها في موازنة 2023.

توقف التنمية

بينما يشير المستشار المالي والخبير في المخاطر الاقتصادية مجدي عبد الله، إلى أن موازنة العام 2022 خلت من بنود التنمية وجاءت صفرية، وهذا يعني التأثير السلبي على قطاع الأعمال التجارية والإنشاءات وتزايد معدلات البطالة لأن بنود التنمية توفر آلاف الوظائف سنويا.

في موازنة العام 2022 جاءت التقديرات كالآتي: “إجمالي الإيرادات العامة بحوالي (3,326) مليارات دولار بمعدل زيادة قدرها (34%) عن موازنة العام السابق 2021 المعدلة بدون منح والتي بلغت (2,474,525) مليار جنيه.

وحددت الإيرادات الضريبية بحوالي (1,943) مليار جنيه بنسبة زيادة (145%) عن موازنة العام الماضي المعدلة”.

ميناء ابو عمامة اراء حول مشروع الميناء - مواطني ولاية البحر الأحمر

وشكلت الإيرادات الضريبية حوالي (58%) عن إجمالي الإيرادات ونسبة (7,0) من الناتج المحلي الإجمالي أما الإيرادات الأخرى (فوائض الهيئات العامة والشركات الحكومية والرسوم الإدارية وعائدات النفط ورسوم عبور نفط الجنوب) بمبلغ (1,383) مليار جنيه بنسبة زيادة (64%) عن الموازنة السابقة وتمثل الإيرادات الأخرى حوالي (42%) من إجمالي الإيرادات ونسبة (4,0%) من الناتج المحلي الإجمالي حسب الموازنة التي اطلعت عليها (عاين).

يرى الخبير الاقتصادي وائل فهمي، أن وزارة المالية يجب أن تركز الحل في الوقت الراهن والخروج بأقل الخسائر حيال موازنة 2023 باللجوء إلى تفعيل الشركات الحكومية مثل شركة أقطان السودان وشركة الصمغ العربي لأنها قطاعات متعلقة بالصادرات وإطلاق بورصات الذهب والمحاصيل.

توقعات سيئة

وفيما يتعلق بالتقديرات السيئة المتوقعة يقول وائل فهمي، إن السودان سيواصل في تنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالمزيد من “خصخصة الخدمات وخفض دعم السلع” لأن الحكومة تعتقد أن عدم التنفيذ يعني التخلي عن برنامج إعفاء الديون الخارجية.

فيما يقدم الخبير الاقتصادي أحمد بن عمر تصورات لخلق موارد جديدة للموازنة القادمة بالحصول على موافقة من الصناديق الخليجية لإنشاء مشاريع تنموية في السودان.

وتابع: “الصناديق الخليجية لديها القدرة على سرعة الاستجابة أكثر من المجتمع الدولي يمكنها أن تقدم مساعدات اقتصادية لبناء مشاريع وفي ذات الوقت توفير آلاف الوظائف هذا سيحرك الاقتصاد أكثر ويمكن انقاذ الموازنة بثلاثة مليار دولار من دول الخليج خاصة الكويت والسعودية”.

التوجه نحو الخليج والصين

وأردف بن عمر: “الصين يجب أن تكون ضمن الخيارات.. نعم لديها ديون على السودان بقيمة 9 مليار دولار لكن يمكن جدولتها وبدء اتفاق جديد لبناء شبكة طرق جديدة وتحديث السكك الحديدية لأن هذين المشروعين سيخفضان تكلفة النقل بنسبة 60%”.

بالمقابل يعتقد المستشار المالي والخبير في المخاطر الاقتصادية مجدي عبد الله أن التوجه نحو الصين أو الصناديق الخليجية يحتاج إلى “كابينة اقتصادية سياسية” موحدة وهذا مفقود لدى السلطة الحاكمة حاليا.

سكك حديد السودان: أمجاد الماضي وانكسارات الحاضر

ويشرح عبد الله التأثير السلبي للانقسامات السياسية داخل أروقة السلطة الحاكمة على الاقتصاد قائلا إن الصناديق الخليجية أو المجتمع الدولي تفضل التعامل مع “كابينة موحدة قادرة على الالتزامات”.

وخلال هذا العام نفذ تجار نحو (40) إضرابا في الأسواق الرئيسية في (16) ولاية سودانية احتجاجا على الضرائب الباهظة وهدد “تحالف يضم التجار” وزير المالية بعدم السداد والاستمرار في الإغلاق اذا أصر على تنفيذها.

ويتوقع الخبير الاقتصادي أحمد بن عمر استمرار زيادة الضرائب في موازنة 2023 على أرباح الأعمال والتجارة والمواطنين والسلع والخدمات لأن البدائل غير متاحة أو لا توجد قدرة استحداثها.

نفوذ اقتصادي جديد

بينما استحوذ “بند الأمن والدفاع” على حوالي 2 مليار دولار موزعة على الجيش والدعم السريع والشرطة وجهاز المخابرات من مجمل المصروفات العامة التي بلغت 7 مليار دولار نالت “بنود التعليم والصحة” أقل من (200) مليون دولار حسب التحليلات المالية لموازنة 2022.

ويرى المستشار المالي مجدي عبد الله أن الحديث عن الشركات الحكومية غير منطقي في ظل “ٍسيطرة لوبيهات” على قطاع التعدين لأن سيطرة شركة الموارد المعدنية الحكومية على قطاع التعدين لم يأت لأنها “مؤسسة قوية” بل لأن “الجماعات الجديدة في الاقتصاد خلال العامين الأخيرين قادرة على ممارسة الضغط عليها حتى في عملية تعيين مسؤولي الشركة”.

وأردف: “الذهب قد يحقق للسودان سنويا 4 مليار دولار وهي قيمة كافية لبناء احتياطي في البنك المركزي لكن في ظل هيمنة الشركات العسكرية وجماعات الضغط الاقتصادية على هذا القطاع لا يمكن حدوث ذلك”.