السودان وروسيا.. محادثات الذهب والسلاح وأسئلة التعاون
عاين- 11 يونيو 2024
وُصفت جولة أجراها نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار في روسيا طوال الأسبوع الماضي بـ”الهادئة” بمقابل صادم بعد أن وضعت إدارة بوتين مخاوفها على طاولة عقار في موسكو وابلغته وفق مراقبين دبلوماسيين عن مصير النشاط الأوكراني في الأراضي السودانية لمساعدة الجيش في القتال ضد الدعم السريع.
في شهر فبراير الماضي تداولت وسائل الإعلام الأوكرانية عن وجود عناصر من الجيش في السودان تساعد القوات السودانية للقتال ضد قوات حميدتي خاصة في أم درمان وفق هذه التقارير تمكنت هذه القوات من تقديم العون الفني للجيش السوداني الذي رجح كفته في المنطقة منذ منتصف مارس الماضي.
النشاط الأوكراني
نُشرت التقارير حول النشاط الأوكراني في السودان عقب لقاء جمع قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان بالرئيس الأوكراني خلال رحلة البرهان إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2023.
ويقول الباحث في الشؤون الدبلوماسية مصطفى بشير، إن موسكو وضعت أسئلة ساخنة على طاولة مالك عقار خلال زيارته الحالية إلى روسيا موفداً من رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
وتابع: “تعاملت موسكو مع عقار على أنه مبعوث البرهان باعتبار أن القرار يعود إلى الجيش وعناصر أمنية في الدولة لذلك أبلغته بالمخاوف حول الوجود الأوكراني في السودان وفي جدول أعماله لم يكن مدرجاً لقاء الرئيس بوتين”.
ويعتقد بشير في مقابلة مع (عاين) أن روسيا لديها مصالح أكبر من مصالحها مع السودان في المنطقة، وأبرزها هذه الدول الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومصر وفرنسا وهي غير متحمسة للدخول في مواجهات مع هذه الدول من خلال وجودها في المياه السودانية في البحر الأحمر شرق البلاد.
ويقول بشير، إن روسيا تضع في الاعتبار أن الحكومة القائمة في مدينة بورتسودان غير شرعية وربما لهذا السبب تريد موسكو الحصول على الكثير من الجنرالات في السودان بأقل ثمن لأن إدارة بوتين تعلم أن البرهان ونظامه في أضعف الحالات.
وأضاف: “الحكومة القائمة في بورتسودان لديها علاقات تعاون مع أوكرانيا وهذا استفزاز بالنسبة لإدارة بوتين في ذات الوقت جماعة فاغنر الروسية التابعة لوزارة الدفاع لديها علاقات مع الدعم السريع … موسكو لديها حسابات دقيقة في التعامل مع الطرفين المتحاربين في السودان لذلك هي لا تندفع وترمي بثقلها وتُبرم اتفاقاً مع حكومة البرهان”.
ويرى بشير، أن التعاون بين البرهان وإدارة بوتين لن يصل مرحلة العلاقة المطلوبة حسب رغبة الجنرالات إلا إذا وصل السودان إلى مرحلة القطيعة مع السعودية والولايات المتحدة البلدين اللذين يحاولان الهيمنة على أمن البحر الأحمر.
محادثات القاعدة الروسية
وكان وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم صرح لوسائل إعلام روسية الخميس الماضي رداً على سؤال حول حديث عن رغبة روسيا في شراء قطعة أرض في السودان لنشر قاعدة عسكرية قال: “حتى الآن يجري الحديث حقيقة عن رغبة روسيا في أن يكون لها منفذ على البحر الأحمر وليس عن شراء قطعة أرض لهذا الغرض”.
ويزور جبريل إبراهيم روسيا للمشاركة في مؤتمر سان بطرسبرغ الاقتصادي وقال إن الشركات الروسية يمكنها بناء مصفاة للنفط في بورتسودان ومحطات للكهرباء في عدد من مناطق السودان.
وتحدث إبراهيم، إلى ضرورة تفعيل الشراكات الاقتصادية بين السودان وروسيا في مجال المعادن وهو الاختبار الذي تبحث عنه إدارة بوتين لقياس مستوى جدية الجنرالات في ترميم العلاقات معها وفق ما يقول المستشار الإعلامي السابق بمجلس الوزراء فائز الشيخ.
ويقول السليك لـ(عاين) إن زيارة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار إلى روسيا جاءت لإكمال زيارات نفذها مدير المخابرات السوداني إبراهيم مفضل إلى موسكو مؤخرا إلى جانب زيارة وزير الدولة بالخارجية الروسية إلى بورتسودان.
ويرى السليك، أن عدم انعقاد لقاء بين عقار وبوتين ليس بالضرورة أن يكون مؤشراً سلبياً ربما تصح رواية وجود ظروف أخرى حالت دون ذلك بالمقابل تتخوف روسيا من تقلبات السلطة في السودان.
وتابع: “المخاوف الروسية تتمثل في عدم وجود شرعية لدى الحكومة في بورتسودان وفي عدم ثقتها في مبدأ قادة مجلس السيادة السوداني حول تطوير العلاقات بين البلدين”.
فتور إدارة بوتين
ويعزو السليك أيضا الفتور الروسي في التعامل مع الحكومة في بورتسودان إلى غياب المؤسسات وفي ذات الوقت تود إدارة بوتين أن تطأ أقدام روسيا في البحر الأحمر ولا تمانع في تزويد الجيش بالأسلحة ومقابل ذلك تريد الأموال أو الحصول على الذهب.
ويقول السليك، إن التطورات بين روسيا والسودان تطرح عدداً من الأسئلة حول خروج الدعم السريع من المعادلة وحول مصير الجيش السوداني خلال الحرب وهل سيتمكن من تحقيق الانتصارات وهذه الشكوك تساور موسكو حينما تناقش الملفات مع الجنرالات أو المبعوثين من السودان.
وأردف السليك: “أيضا الملف الأوكراني في السودان هل سيتمكن الجيش من إغلاقه خاصة مع الأنباء التي تفيد إلى تواجد أوكراني في معارك الخرطوم إلى جانب الجيش”.
ويوضح السليك، أن هذه الشكوك والتساؤلات تجعل روسيا مترددة ومتخوفة من الدخول في بحر لا ساحل له مع الجنرالات في السودان لأن الدبلوماسية في روسيا تبنى على المواجهات والبراغماتية والمصالح المباشرة لذلك إدارة بوتين لن تزود الجيش بالسلاح دون مقابل.
ويردف السليك: “متى توفرت الأموال أو الذهب ستمنح روسيا السلاح للجيش السوداني ولن تفعل ذلك حتى لو رست سفنها للتزود بالوقود في بورتسودان كعرض من البرهان مثلما فعل الرئيس المخلوع عمر البشير قبل سنوات”.
الذهب مقابل السلاح
ورغم الإعلان عن بنود اتفاق مبدئي بين روسيا ومجلس السيادة السوداني حول بناء قاعدة لوجستية عسكرية روسية في المياه السودانية بالبحر الأحمر وهو اتفاق أبرمه البشير في العام 2017 مع بوتين إلا أن موسكو لا تزال تضع شروطها على طاولة البرهان.
في هذا الصدد يقول دبلوماسي سابق بوزارة الخارجية السودانية مع التحفظ على نشر اسمه إن روسيا قد تبدأ التعاون مع الجيش وتزوده بالأسلحة مقابل الذهب مع الوضع في الاعتبار ممارسة إدارة بوتين ضغوطا على البرهان لتمرير اتفاق القاعدة العسكرية وهو قرار صعب بالنسبة لقائد الجيش السوداني اتخاذه في هذا الوقت لأنه يعني خسارة السعودية وواشنطن كما إنه عرف بالتردد والنكوص عن الاتفاقات.
وأردف الدبلوماسي في حديث لـ(عاين): “في المرحلة القادمة سيكون التعاون بين السودان وروسيا في قطاع التعدين سيسمح لموسكو الحصول على الذهب مقابل السلاح مع إرجاء القاعدة العسكرية إلى وقت لاحق”.
وزاد قائلا: “إذا حصلت روسيا على الذهب ستبيع السلاح للجيش السوداني مثله مثل أي جيش في العالم يدفع المال ليحصل على العتاد والسلاح بما في ذلك الطائرات الحربية”.