بأمر جنرالات الجيش.. السودان يبسط ذراعيه لأنشطة روسيا
23 فبراير 2022
في مايو من العام 2019 وفور سقوط نظام البشير أبرم العسكريون الذين تولوا زمام السلطة في ذلك الوقت اتفاقيتين للتعاون مع روسيا في خطوة أوضحت مدى استعداد قادة الجيش للمضي قدما مع موسكو لـ “بناء تحالف طويل الأمد”.
جاءت الاتفاقيتين في وقت كان السودانيون يعتصمون أمام مقر القيادة العامة للجيش وسط العاصمة السودانية للمطالبة بالحكم المدني وانسحاب الجيش إلى “الثكنات” لكن الاتفاقيتين عكستا بحسب محللين محاولة قادة الجيش للاحتفاظ بالسلطة “في مرحلة ما بعد البشير”.
وتأتي الزيارة التي بدأها اليوم الأربعاء نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو ، إلى موسكو بدعوة من الحكومة الروسية مكملة للقاء رئيس مجلس السيادة الحالي، عبد الفتاح البرهان، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أكتوبر من العام 2019 إبان حكومة الشراكة بين المدنيين والعسكريين.
وزيارة نائب رئيس مجلس السيادة التي بدأها اليوم تعتبر الثانية لمسؤول سوداني رفيع إلى روسيا لاسيما بعد استيلاء الجيش السوداني على السلطة والاطاحة بشركائه المدنيين الأمر الذي وجد مساندة من حكومة بوتن.
الدور الروسي في السودان وتأثيره على مستقبل الديمقراطية في البلاد مصدر قلق للعديد من الفاعلين في الشأن العام وأصبح هناك حديثا متداولات بين المهتمين بالشأن العام في السودان عن “تأثير قوي لموسكو على العسكريين السودانيين مرتفعا أكثر من أي وقت مضى”.
عدة أسباب أدت إلى رغبة العسكريين السودانيين لـ”التعاون الوثيق” مع روسيا أبرزها ان موسكو هي المصدر الأول لأسلحة الجيش السوداني
عدة أسباب أدت إلى رغبة العسكريين السودانيين لـ”التعاون الوثيق” مع روسيا أبرزها ان موسكو هي المصدر الأول لأسلحة الجيش السوداني. ففي الفترة بين 1997 إلى 2018 تسلح السودان من روسيا بقيمة مليار دولار وفقا لإحصائيات غير رسمية متداولة.
حماية الجنرالات
الاتفاقات الموقعة بين قادة الجيش وروسيا في مايو 2019 الغرض منها “تثبيت حلفاء موسكو في الخرطوم” إن روسيا تحاول العودة إلى افريقيا خاصة وأن السودان يملك ساحلا على البحر الأحمر طوله نحو ألفي كيلومتر.
دبلوماسي سابق بوزارة الخارجية السودانية: موسكو تنوي البقاء في السودان باستخدام أراضيه مركزا استراتيجيا
ويقول دبلوماسي سابق بوزارة الخارجية السودانية في حديث لـ(عاين)، إن موسكو تنوي البقاء في السودان باستخدام أراضيه مركزا استراتيجيا خاصة في المنطقة الممتدة من الحدود مع افريقيا الوسطى حتى البحر الأحمر ولو ادى ذلك لتقديم الحماية العسكرية للسلطة الحاكمة في الخرطوم من أي تهديد محتمل.
ويضيف : “أغرت التجربة السورية السلطة العسكرية في الخرطوم على اتاحة الفرصة لموسكو بالاستمرار في التعاون بين النظامين بعيدا عن الأطر الدبلوماسية لأن قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو يشعران أن الولايات المتحدة والغرب قد يسحب البساط من تحت أرجلهما في أي وقت”.
في منتصف العام الماضي جمد السودان اتفاقا مع روسيا حول بناء مركز لوجستي في البحر الأحمر طبيعته الأنشطة العسكرية وتزويد البارجات الروسية بالوقود.
جاء هذا القرار من العسكريين السودانيين الذين تعرضوا لضغوط من الولايات المتحدة والسعودية ومصر وهي دول على النقيض من الوجود الروسي في السودان.
توغل فاغنر
لم يكن للمدنيين في السلطة الانتقالية حينها أي تأثير على تجميد إجراءات المركز الروسي في البحر الأحمر إذ أن رئيس وزراء الحكومة الانتقالية المستقيل عبد الله حمدوك الذي يتمتع بعلاقة وثيقة مع واشنطن والاتحاد الأوروبي أبلغ القادة العسكريين ضرورة ايقاف المركز الروسي الى حين المصادقة عليه تشريعا دون أن يطالب بالإلغاء كليا.
محلل دبلوماسي: موسكو تتعامل مع الأنظمة العسكرية عبر شركة “فاغنر” الأمنية والمعروفة بتوغل نشاطاتها في مجال التعدين في السودان خلال الخمس سنوات الأخيرة.
ويؤكد المحلل الدبلوماسي، عز الدين عمر، وهو محلل دبلوماسي لـ(عاين)، أن موسكو لا تقدم نفسها بشكل مباشر فيما يتعلق بالتعامل مع الأنظمة العسكرية بل هي تفضل أن تديرها عبر شركة “فاغنر” الأمنية والمعروفة بتوغل نشاطاتها في مجال التعدين في السودان في الخمس سنوات الأخيرة.
ويؤكد عمر ان “فاغنر الروسية” تجني مليارات الدولار من الذهب السوداني بالاتفاقات التي أبرمتها موسكو مع حلفائها العسكريين وتشمل هذه الاتفاقيات السرية قوات”الدعم السريع”.
وعقب استيلاء الجيش على السلطة في السودان منذ 25 أكتوبر الماضي ظل الدور الروسي حاضرا بقوة ففي مطلع نوفمبر الماضي عارض المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي محاولات إصدار بيان فيه إدانة لما أتٌفق عليه بعض أعضاء المجلس بـ”الانقلاب العسكري في الخرطوم” وتمكنت موسكو من تخفيف البيان إلى دعوة الأطراف السودانية للحوار وبناء الثقة.
توسع روسي متوقع
كان التأثير الروسي واضحا في مجلس الأمن وأنه شكل حائط صد لـ العسكريين السودانيين من محاولات الولايات المتحدة ودول أوروبية الانحياز للقوى المدنية والضغط على قادة الجيش في البلد الذي يعاني من تعدد الجيوش عقب توقيع قادة حكومتها الانتقالية اتفاقية سلام مع حركات مسلحة كانت تقاتل حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، بجانب الأزمة الاقتصادية.
وقال الدبلوماسي بوزارة الخارجية السودانية الذي فضل حجب اسمه لـ(عاين): “الوجود الروسي في السودان متصاعد في مثلث حدودي مع أفريقيا وتشاد والسودان لأن موسكو تحاول التمدد على حساب فرنسا في هذه المنطقة خاصة مع قبول مالي وأفريقيا الوسطى بالدعم الروسي على حساب فرنسا التي تواجه معارضة شعبية ايضا”.
ويضيف: “يتأثر السودان بهذه التحولات التي تصنعها روسيا في الحدود مع أفريقيا الوسطى وتشاد خاصة وأن معارضين لنظام ديبي الابن في انجمينا طلبوا مؤخرا مساعدتهم على الوصول إلى شركة فاغنر للإطاحة بالنظام في تشاد وقد يتحقق هذا الأمر الشهور القليلة القادمة”.
وتابع الدبلوماسي: “الأوضاع في الساحل الافريقي من ليبيا وأفريقيا الوسطى وتشاد ستكون تحت النفوذ الروسي بالاتفاق مع السودان خاصة العسكريين”.
الوجود الروسي أصبح واضحا للعيان من خلال مركبات عسكرية عليها جنود وضباط روس يرتدون الزي العسكري وفق لما نقله شهود لـ(عاين) من مدينة نيالا غربي البلاد قبل أشهر.
ويعتقد هذا الدبلوماسي أن “التصرفات العنيفة” التي ترتكبها القوات العسكرية بحق المتظاهرين في شوارع العاصمة السودانية والمدن الأخرى تأتي ضمن تأثير روسي من خلال التدريبات او النصائح الاستخباراتية لجنرالات السودان.
وارتفعت الرغبة الروسية للهيمنة على ساحل البحر الأحمر في السنوات الأخيرة عقب قفزات هائلة لكميات النفط التي تمر عبر البحر الأحمر إذ أنها تشكل 20% من صادرات النفط.
إبعاد المدنيين
ولاحظ المدنيون في العامين الأخيرين عندما تولوا السلطة مناصفة مع العسكريين أن موسكو اقتصرت تعاملها على العسكريين وجرت عمليات مشتركة من استقدام خبراء عسكريين روس دون المرور عبر الاجهزة الدبلوماسية بل وحتى اجهزة الأمن لم تكن على اطلاع بالأمر.
ويقول المحلل السياسي منتصر الزين في حديث لـ(عاين)، إن روسيا لا تتحرك بالأجهزة الدبلوماسية والرسمية في البلدان الهشة لأنها تعتمد على قطاعات امنية تعمل تحت ادارة كبار مسؤولي روسيا.
وأضاف : “روسيا تتعامل بشكل واضح مع البلدان دون مواربة فهي ترسل قطاعاتها الأمنية والعسكرية وتتقاسم الموارد مع الجهات التي تملك نفوذ عسكري وأمني في أي بلد يعاني من هشاشة وتعقيدات مثل السودان”.
ويتابع: “اذا قرر السودانيون إنهاء التهديد الروسي لمستقبل الحكم المدني والبلاد برمتها عليهم إنشاء مركز موحد للمدنيين لقيادة الثورة الشعبية وتنفيذ مطالبهم”.
“المشروع الروسي” في السودان يعد استراتيجيا فهي تحاول الربط بين غرب أفريقيا وشرقها من خلال الاستحواذ على ممرات مائية وسكك حديدية وهذه الأمور ينفذها من يملكون السلطة في يدهم مع موسكو. منتصر الزين، محلل سياسي
وفي الشهر الماضي أبلغت مساعدة وزير الخارجية الأميركي مولي نواب الكونغرس أن السودان يصنف ضمن البلدان الاستراتيجية للولايات المتحدة وتأتي هذه التصريحات في خضم صراع غير معلن بين واشنطن وموسكو حول الوضع في السودان.
بينما يطالب نواب الكونغرس بإيقاع أقصى العقوبات على جنرالات السودان الذين أطاحوا بالحكم المدني في 25 أكتوبر الماضي يبد مسؤولون في ادارة بايدن تريثا ويقولون إن الباب يجب أن يترك مواربا للتعامل مع “البرهان وحميدتي” وهما أبرز القادة العسكريين من لديهم تطلعات التعامل مع روسيا اذا أغلقت واشنطن الباب في وجههم.
تدخل عبر الفوضى
ويرى المحلل الدبلوماسي عز الدين عمر، أن التدخل الروسي” في السودان فوضوي للغاية” لأنه تدخل أمني صارخ ويتحدث شهود بين الحين والآخر عن مشاهدتهم لتنقلات عناصر امنية روسية بين ولايات البلاد وحتى داخل العاصمة.
ويعتقد عمر، ان هذا التصرف خطير للغاية ولذلك مطلوب تصميم مركز موحد للمدنيين للخروج من هذه الأزمة وإبعاد قادة الجيش من التحكم في النظام السياسي.
ويتوقع عمر، أن تحاول الولايات المتحدة الأميركية فرض سيطرتها على الوضع في المنطقة لكن هذا يرتبط ايضا بموقفها في الازمة الاوكرانية خاصة وأن موسكو وجهت ضربة قاضية بالاعتراف إقليمين مهمين في أوكرانيا الاثنين الماضي.
وتابع: “هل السودان أولوية بالنسبة للولايات المتحدة؟”.