الحرب تدفع بآلاف السودانيين إلى رحلات قاسية عبر الصحراء إلى ليبيا
عاين-24 مارس 2024
منذ نحو شهرين، ينتظر “حسين جمعة” في إقليم دارفور غربي السودان، أي أخبار عن أسرة شقيقه “أحمد” التي اضطرتها الحرب للفرار إلى دولة ليبيا بحثاً عن حياة أفضل، حتى يتمكن هو الآخر من بداية ذات مغامرة شقيقه بعد فقدانه الأمل بتوقف الحرب التي تقترب من عامها الأول.
يترقب “حسين” وصول أسرة شقيقه المكونة من (7) أفراد معظمهم من أطفال إلى مدينة “طرابلس” الليبية، وهو يدرك حجم المخاطر التي تواجههم في رحلة تهريب مرعبة يُحاصرهم فيها جحيم الحرب، الجوع، العطش، وبطش المهربين وأهوال الطرق الصحراوية.
ويقول حسين في مقابلة مع (عاين) إنه “يترقب وصول أسرة شقيقه مدينة طرابلس الليبية، حتى يستعد هو الآخر لرحلة مغامرة أخرى برفقة (9) من أفراد أسرته، لجهة أنهم انتظروا كثيراً وقف الحرب، إلا أن خطاب الحرب التصعيدي من الطرفين ينذر باستمرارها لفترة أطول”.
وسط توقعات إطالة أمد القتال في السودان، تزايدت بشكل غير مسبوق أعداد الأسر السودانية الفارين إلى ليبيا خاصة من إقليم دارفور، رغم المخاطر والمهددات في رحلة لا أحد يعلم أين وكيف ستنتهي، لكن يرى البعض أنها “أرحم من البقاء تحت القصف”.
رحلات لا تتوقف
بالرغم من مخاطر وتكاليف الرحلات المرتفعة تنتظم يومياً رحلات تهريب تقود آلاف السودانيين نحو ليبيا في نسق تصاعدي منذ أشهر؛ بسبب عمليات القتال المستمرة في مدن سودانية عدة.
ويؤكد “محمد زكريا” وهو منسق رحلات السفر بمدينة الفاشر، لـ(عاين) إنهم يرتبون ما بين (8-9) رحلات أسبوعياً إلى منطقة المثلث، عوضا عن رحلتين في الأسبوع، لجهة أن أعداد المغادرين ارتفعت ثلاثة أضعاف منذ يناير الماضي مقارنة بالأشهر الأولى للحرب، لافتاً أن معظمهم المسافرين يأتون من مناطق الجنينة، الضعين، نيالا وزالنجي علاوة على بعض القادمين من مناطق كردفان، مضيفاً أن تزايد أعداد المسافرين أدى إلى ارتفاع أسعار التذاكر إلى (200- 250) ألف جنيه للشخص الواحد إلى مدينة الكفرة عوضا عن (120) ألف.
عاش “عبدالعزيز محمد عبدالرحمن” مراحل رحلة من الرعب امتدت شهراً كاملاً قبل أن يصل مدينة “طرابلس بعد أن دفع كل ما يدخره من مال، فلا أحد من السودانيين الذين قرروا الفرار في شاحنات تهريب يعرف ماذا سيحصل خلال الرحلة، ولا كيف ستنتهي.
ويروي عبدالعزيز الذي يعمل معلماً في مدارس نيالا لـ(عاين)، تفاصيل تجربته التي انطلقت من المدينة الأكثر تضرراً بالحرب التي دمرت المنازل المدنيين والبنية التحتية، وانقطعت شبكات المياه والكهرباء والاتصالات، وتدمرت كل المرافق العلاجية.
ويقول: “خرجت بعد يوم من غارات جوية شنها الطيران الحربي ليلاً على مدينة نيالا، متسببةً في مقتل (9) مدنياً من أسرة واحدة بالحي الذي كنت أقيم فيه شمال المدينة”.
ويشير عبدالعزيز إلى أنهم غادروا نيالا إلى مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور وسط عمليات تفتيش قاسية من قبل عناصر الدعم السريع في بوابات جنوب دارفور، بالتوازي مع عمليات تفتيش أخرى في بوابات الدخول إلى ولاية شمال دارفور من قبل الجيش والحركات المسلحة.
وتسيطر قوات الدعم السريع على أربع ولايات بصورة كاملة من بين خمس ولايات في إقليم دارفور، بينما تسيطر قوات الجيش بجانب القوات المشتركة للحركات المسلحة على مدينة الفاشر، في وقت يشن الجيش غارات جوية مكثفة على مناطق سيطرة الدعم السريع.
تواصلت رحلة عبدالعزيز إلى مدينة (مليط) التي تعد أولى نقاط الالتقاء في رحلة الفارين من دارفور إلى مدينة “الكفرة” الليبية التي تبعد نحو 3500 كلم من مدينة “مليط” ومنها تستغرق الرحلة ثلاثة أيام حتى تصل إلى معبر المثلث على الحدود السودانية المصرية الليبية وهناك تتوقف شاحنات تهريب الوقود إلى السودان، حتى تقوم برحلات تهريب عكسية للبشر إلى ليبيا.
اختيار المهربين
عند الوصول نقطة المثلث تحاصر الشكوك المغادرين، أيهما تختار من المهربين السودانيين أم الليبيين؟، ويُفضل التعامل مع مهربين ليبيين، لجهة أن السفر مع بعض المهربين السودانيين قد لا يكون مضموناً من مخاطر عديدة.
وبحسب إفادات سودانين وصلوا ليبيا، فإنه وفي معظم الأحيان يتم تنسيق الرحلات الناجحة مع السودانيين الذين تمكنوا من الوصول إلى مكان آمن، عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو بالتنسيق مع أصدقاء أو عائلات موجودة في ليبيا، علاوة على الحجز والتنسيق المباشر مع “مهربين” عبر صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي.
مخازن تجميع الفارين
وبالنسبة لعبد العزيز الذي اختار مهربين سودانيين، يقول إن “رحلة الرعب الحقيقية بدأت من منطقة المثلث، وأنه واجه الموات عدة مرات قبل بلوغ مدينة الكفرة الليبية التي تمثل بوابة للسودانيين الفارين خاصة من دارفور”.
يقول عبدالعزيز، أنه وصل المدينة الليبية برفقة (15) عائلة سودانية، وسرعان ما وجدوا أنفسهم محتجزين وتحت إقامة جبرية فرضتها عليهم عصابة اتجار بالبشر بالتعاون مع المهرب الذي أتى بهم في مستودع كبير بمزرعة يستخدم لتجميع المهاجرين يسمى “مراكز إيداع” وهي أماكن مكتظة، ولا توجد بها مقومات، ولا تصلح لإقامة إنسان.
بقي عبد العزيز ورفقاؤه في منطقة الاحتجاز هذه قبل أن يسلموا إلى مهرب آخر وصل بهم إلى وجهتهم النهائية مدينة طرابلس.
ما حدث لعبدالعزيز ورفاقه يشابه تجارب تعرض لها آلاف اللاجئين السودانيين الذين فروا من جحيم الحرب في السودان إلى دولة ليبيا، وكل مرة تنشر تفاصيل صادمة عن ظروف إقامتهم في مزارع أو مستودعات ومخازن تجمّيع المهاجرين.
تضارب الأرقام
وتتضارب الأرقام حول أعداد السودانيين الذين دخلوا ليبيا هرباً من جحيم الحرب المحتدمة في السودان منذ أبريل من العام الماضي.
وتقدر المنظمة الدولية للهجرة عدد اللاجئين السودانيين في ليبيا بنحو (125) ألف و(363) مهاجرا، من بينهم 6000 وصلوا إلى ليبيا منذ بداية الحرب وفق إحصاءات منظمات سودانية وليبية، فيما تشير أرقام أخرى إلى تسجيل دخول (31) ألف مهاجر سوداني حتى نهاية شهر يناير الماضي. والرقم قد يصل (400) ألف
ووفقاً لإحصائية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن عدد طالبي اللجوء السودانيين في ليبيا يصل إلى نحو (15) ألف لاجئ، أي نحو ثلث عدد طالبي اللجوء المسجلين لديها والقادمين من مختلف الدول الأفريقية.
محطة عبور
ويرى محمد عوض الكريم، وهو مسؤول سابق في مكتب الجالية السودانية في ليبيا إن دولة ليبيا هي ليست الوجهة المناسبة للهجرة، لأنها تعاني أيضاً من عدم الاستقرار السياسي، ويمكن أن تتحول المدن إلى ساحات مواجهات مسلحة خاصة أنها تدار عبر مجموعتين سياسيتين، مجموعة الغرب في طرابلس، والشرق في بنغازي التي تخضع لقائد الجيش “المشير خليفة حفتر”.
ويشير عوض الكريم في مقابلة مع (عاين) إلى أنه ورغم الأوضاع السياسية المطربة التي تعيشها دولة ليبيا، إلا أن آلاف السودانيين تربطهم علاقات جيدة مع الليبيين، وتعتبر امتداداً تجارياً اجتماعياً جيداً خاصة من ولايات دارفور، لذلك أصبحت إحدى الخيارات الصعبة وجهات اللجوء إلى السودانيين الفارين الحرب، وأضاف عوض الكريم أن معظم اللاجئين السودانيين يعتبرون دولة ليبيا محطة عبور إلى الدول الأوروبية، ويعملون بصفة مؤقتة عمال في التعليم والمصانع والمتاجر بجانب عمال البناء، بأجور متواضعة لا تمكنهم من بناء مستقبل.
ويتابع عوض الكريم: يظل أمامهم خياران لتحقيق حلم العبور إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، أما الهجرة غير النظامية عبر “قوارب الموت” في رحلات بحرية محفوفة بالمخاطر قد تكلفك حياتك، أو عبر المفوضية السامية للاجئين من خلال التوطين في “بلد ثالث” وهي عملية معقدة، وتبدو شبه مستحيلة حسب شهادات سودانيين.