إعادة إسلاميو السودان العلاقة مع إيران يهدد بعزلة دولية مجددًا

عاين-16 فبراير 2024

بعد أشهر من اندلاع حرب الجيش وقوات الدعم السريع، وعقب سنوات من القطيعة بين إيران والسودان، سارعت حكومة الأمر الواقع التي يسيطر عليه الجيش لاستعادة العلاقة مع طهران التي استندت في الأساس على التعاون العسكري خلال سنوات حكم نظام الإسلاميين.

صعد الإسلاميون الذين أطاحت بحكمهم ثورة شعبية في العام 2019 إلى مفاصل الدولة مجددا بعيد اندلاع حرب 15 أبريل لاسيما سيطرتهم على وزارة الخارجية؛ ومن ثم التحكم العلاقات الدولية.

تأتي استعادة العلاقات مع إيران في وقت تراوح معارك الجيش والدعم السريع مكانها مع امتلاك قوات الدعم السريع زمام المبادرة والتقدم إلى مناطق جديدة في البلاد.

وبين تطلع حكومة الجيش في استعادة علاقاتها والحصول على السلاح الإيراني لمواجهة تمدد الدعم السريع، تتصاعد المخاوف من عزلة دولية تواجهها البلاد إزاء استئناف السودان علاقاته مع إيران وصعود الإسلاميين مجددا للسيطرة على مقاليد الحكم في السودان.

“عودة العلاقات مخطط أعد له الإسلاميون عبر اجتماع رأسه النائب الأسبق للرئيس المعزول عمر البشير، علي عثمان محمد طه، وضم رموز وقيادات النظام الإسلامي المعزول- وفقا لما أفادت به بتطابق مصادر سياسية (عاين).

قادة النظام الإسلامي المعزول وصفوا في اجتماعهم، إن قطع العلاقات السابق مع إيران كان خاطئا ومثله مثل الأخطاء السابقة التي حدثت تاريخيا إبان فترة حكمهم وأبرزها التنازلات التي حدثت في اتفاق نيفاشا– اتفاق السلام مع جنوب السودان- والذي قاد لانفصال دولة جنوب السودان. والآن هناك ضرورة لمجابهة المجتمع الدولي وتطبيع العلاقات مع إيران. حسب المصادر السياسية.

الرئيس السابق عمر البشير في طهران- ارشيف

وفي يناير من العام 2016 أعلنت الحكومة السودانية التي يقودها الإسلاميون قطع علاقة الخرطوم مع طهران تضامنا مع المملكة العربية السعودية التي تعرضت سفارتها وقنصليتها في إيران لاعتداءات.

وفي الوقت الذي تكشف فيه مصادر عسكرية تحدثت إليها (عاين) عن رسو سفينتين محملتين بالأسلحة الإيرانية إلى بورتسودان في شهري نوفمبر وديسمبر الماضيين. ذكرت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية في يناير الفائت نقلا عن 3 مسؤولين غربيين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، أن “السودان تلقى شحنات من طائرة (مهاجر 6)، وهي طائرة بدون طيار ذات محرك واحد تم تصنيعها في إيران، عن طريق شركة القدس للصناعات الجوية، وتحمل ذخائر موجهة بدقة”.

“استعادة حكومة الجيش للعلاقة مع طهران حاليا ارتبط بحصوله على المسيرات الحربية الإيرانية”. يقول عضو في تحالف الحرية والتغيير مفضلا حجب اسمه.

ويتابع في مقابلة مع (عاين): “يبدو أن غضب الجيش السوداني؛ مما يحصل عليه العدو في أرض المعركة إلى جانب مساواته إقليميا ودوليا مع -مليشيا متمردة- حسب وصفه جعلته يسعى للتقارب مع إيران لإيصال رسالة للعالم بأنه يملك بدائل يمكن أن تعدل موازين القوى لصالحه”.

انتهازية ومخاوف أن تقود الخطوة للبند السابع

“تسيد الإسلاميين للمشهد في إعادة العلاقات مع طهران يؤكد أنهم ينتهجون ذات الأسلوب القديم الذي قاد البلاد إلى العزلة الدولية. يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد لطيف لـ(عاين).

ويرى لطيف، أن الخيارات في السياسة الخارجية السودانية تقوم على السياسة الانتهازية. ويشير إلى أن قطع العلاقات التي تمت مع إيران كانت في محاولة لكسب العلاقات مع السعودية في ذلك الوقت.

فيما يعتقد السفير السابق، إبراهيم فضل أيوب، أن قطع العلاقات مع طهران في السابق واستعادتها حاليا لا تتم فيها مراعاة المصالح السودانية، ويصف الأنظمة العسكرية بـ”التبعية”. حسب حديثه لـ(عاين).

“قراءة من كتاب الإنقاذ القديم”. يصف الناطق الرسمي باسم الحرية والتغيير، جعفر حسن، خطوة تطبيع العلاقات مع إيران.

ويتابع في مقابلة مع (عاين): “تصرفات الإسلاميين ستورد البلاد موارد الهلاك بالدخول في علاقة مع دولة مرفوضة إقليميا وعالميا.. من الواضح أن الإسلاميين ينتقمون من الشعب السوداني، ويفرضون عليه العودة إلى مربع العزلة الدولية التي بذلت حكومة الفترة الانتقالية مجهودات جبارة لتخرج البلاد منها”.

سفينة حربية إيرانية بميناء بورتسودان- الصورة: ارشيفية

من جانبه اعتبر المدير السابق لمكتب المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان كاميرون هدسون، أن عودة الجيش إلى حلفائه في طهران، إشارة واضحة إلى أنها هي نفس القوات المسلحة السودانية القديمة. مؤكدا في مقابلة مع (عاين) أن “عودة الإسلاميين بقوة إلى السيطرة والتحكم في السودان هو مصدر قلق كبير للغاية بالنسبة لواشنطن”.

وأعرب حسن عن مخاوفه من أن تكون هذه الخطوة غير المدروسة، بأن تعبد الطريق نحو الفصل السابع، وربما تضع البلاد في مواجهات عسكرية مع دول أخرى.

فيما يرى محمد لطيف، أنه لا يمكن أن تكون هناك توقعات بأن تقدم طهران أي دعم سياسي للسودان؛ لأنها تدور في قطب مضاد للاتجاه العالمي.

فيما يصف السفير إبراهيم أيوا القرار بأنه “يفتقر إلى الحكمة”، وأكد أنه من البديهي أن يزعج التوجه نحو إيران الدول الغربية ومعظم الدول العربية.

وقال لـ(عاين): “هذا التقارب يضع السودان في محور واحد تتزعمه روسيا وكوريا الشمالية وإيران؛ ومن ثم يبعده من المحور الحيادي الذي يضع في اعتباره مصالحه الذاتية”.

تطاول الحرب يلقي بأعباء كبيرة في الإمداد والتسليح

الخبير العسكري اللواء متقاعد أمين إسماعيل يقول لـ(عاين)، إن “الجيش اعتمد على موارده الذاتية في الصناعات، لكن هذا لا يمنع السودان الاستفادة من علاقاته الدولية في مجال تنويع التسليح وتغطية الاحتياجات اللوجستية”.

ويتهم قادة الجيش دولة الإمارات بإمداد قوات الدعم السريع بشحنات الأسلحة الأمر الذي تنفيه الأخيرة.

ينوه الدبلوماسي الأمريكي هدسون، أن سعي الجيش للفوز في هذه الحرب جعله يتواصل مع حلفائه القدامى كنتيجة طبيعية لتفوق الدعم السريع بحصوله على التأييد الدولي.

ومن وجهة نظر الدبلوماسي الأمريكي، فإن العلاقات العسكرية مع إيران مثل دائرة خبيثة سقط فيها الجيش، كلما زاد علاقته مع الإسلاميين تزداد عزلته، وكلما زادت عزلته يوطد علاقاته مع إيران أكثر من أجل الحصول على المساعدة.

ويعرب هيدسون، عن حيرته حول ما هو السيناريو الذي قد تعتبره واشنطن الأسوأ: حكومة قوات الدعم السريع أم حكومة إسلامية!

وقطع بأن تطبيع العلاقات السودانية الإيرانية يعقد علاقة الخرطوم مع واشنطن التي تريد تأكيدا من القوات المسلحة السودانية بأنها مهتمة بالتغيير الحقيقي، وليس فقط تهتم ببقائها.

ويقول: “في الوقت الذي تطير فيه الطائرات المقاتلة الأمريكية والبريطانية لضرب الجماعات الحوثية المدعومة من إيران هو الوقت الأغرب تماما لعقد السودان علاقات مع طهران”.

الخارجية: عودة العلاقات مع إيران ليس ضد أحد

ولم تتلق (عاين) ردا من الخارجية السودانية حول المخاوف الإقليمية والدولية من التقارب مع إيران في ظل المتغيرات العسكرية خاصة على شواطئ البحر الأحمر.

وزير الخارجية السوداني المكلف، علي الصادق في طهران في أول زيارة له بعد عودة العلاقات بين إيران والسودان (الخارجية الإيرانية)- فبراير 2024

ونقلت وكالة السودان للأنباء– الرسمية، عن وزير الخارجية المكلف، علي الصادق، الأربعاء، أن استئناف العلاقات مع إيران يعد أمرا طبيعيا في سياق التعامل الدبلوماسي بين الدول، وأن الخطوة ليست موجهة ضد دولة أو مجموعة.

وأفاد الصادق في اجتماع مع السفراء المعتمدين والمقيمين ببورتسودان بأن علاقات السودان مع إيران “ليست موجهة ضد أي دولة أو مجموعة دول ولا ضد نظام إقليمي أو دولي قائم في المنطقة؛ ومن ثم ينظر إليها على أنها شيء طبيعي وعادي في العلاقات بين الدول واستئناف لتعاون سابق طويل في المجالات الاقتصادية ومجالات التنمية والاستثمار بين البلدين”.