(البرهان) يطرق أبواب الصين.. لماذا؟
عاين- 9 سبتمبر 2024
لم تثن العلاقة الفاترة بين السودان والصين السنوات القليلة الماضية قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان عن “طرق باب بكين مجددا” على هامش مشاركته في المنتدى الصيني الأفريقي مطلع سبتمبر الجاري.
انحسر النشاط الاقتصادي للصين في السودان خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس المعزول عمر البشير؛ بسبب تراكم الديون وعجز الخرطوم عن سدادها ولم تكن العلاقة بأفضل حال خلال فترة الانتقال المدني في عهد رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك الذي توجه غربا نحو الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.
خلال زيارته إلى الصين عقد البرهان لقاءات مع عدد من الشركات الوطنية الصينية بما في ذلك شركة متخصصة في الأنظمة الدفاعية، ووقع مدير منظومة الصناعات الدفاعية التابعة للجيش السوداني الفريق أول ميرغني إدريس الاتفاق نيابة عن السودان مع الشركة الصينية.
استعادة الصناعات الدفاعية
ينوي الجيش السوداني من خلال اتفاق المنظومة الدفاعية مع الصين إنعاش الصناعات الدفاعية في الولايات التي يسيطر عليها بتوطين صناعة الذخائر والأسلحة الصغيرة بعد ما فقد مصانعه في العاصمة السودانية، والتي سيطرت عليها قوات الدعم السريع شمال وجنوب الخرطوم.
وتقدر خسائر قطاع أنظمة الصناعات الدفاعية في العاصمة الخرطوم عقب اندلاع الحرب ووقوع المقار تحت سيطرة الدعم السريع بـ 1.7 مليار دولار حسب تقديرات غير رسمية لباحثين الاقتصاديين من بينهم محمد إبراهيم الذي يؤكد أن فقدان الجيش للصناعات الدفاعية “أصابه في مقتل” ويحاول تعويضه من خلال العودة إلى الصين التي أصبحت جزءا من المعادلة الدولية.
الصين لن تغامر بالعودة إلى السودان في ظل الفوضى
اقتصادي
ويقول إبراهيم لـ(عاين): إن “الصين لن تغامر بالعودة إلى النشاط الاقتصادي في السودان قبل معرفة مصيرها ديونها العالقة منذ سنوات دون تقدم يذكر.
وأضاف: “مؤتمر باريس الذي أقيم في مايو 2021 في عهد الحكومة الانتقالية طرح إمكانية إعفاء الصين ديونها على السودان وبكين خارج نادي باريس لم تتحمس للأمر؛ لأنها تريد استرداد أموالها“.
يعلق الباحث في العلاقات الدولية أحمد السيد علي، على اتفاق السودان مع الجانب السوداني بأنها إجراءات روتينية، ولا تزال الصين بعيدة عن العودة إلى السودان عقب انخفاض نشاطها منذ سنوات حكم البشير لأسباب تتعلق بتراجع إنتاج النفط غرب البلاد وارتفاع نشاطها في دول الجوار.
وأضاف السيد في مقابلة مع (عاين): “عندما تطرح على دولة ما مشاريع اقتصادية ودفاعية يكون السؤال التالي ماذا ستقدم لي أنا ما هي الفوائد التي سيجنيها … الدول لا تفكر بالعاطفة، وتأتي إلى بلد فقد عاصمته الرئيسية لصالح قوات شبه عسكرية، ثم هرب بعيدا إلى مدينة صغيرة شرق البلاد، واتخذها عاصمة مؤقتة“.
سلاح الشرق
“سلاح الشرق” هكذا عنون الصحفيون الموالون للجيش المقالات التي نُشرت خلال اليومين الماضيين في إشارة إلى مساعدات عسكرية صينية على خلفية اتفاق البرهان مع بكين في صفقة تشمل مشاريع الطاقة والنفط والموانئ.
لم تفصح الحكومة القائمة في بورتسودان تفاصيل الصفقة بين الصين والسودان، لكن الاتفاقات تشمل النفط والطاقة واستعادة منظومة الدفاعات التي دمرت خلال الحرب في العاصمة السودانية، وتستحوذ على أجزاء واسعة منها قوات الدعم السريع.
يقول الباحث في العلاقات الدولية عمر عبد الرحمن لـ(عاين): أن “توجه البرهان نحو الصين جاء عقب ترتيبات أجرتها الحكومة السودانية مسبقا خلال الشهور الماضية كانت الوفود تتحرك بين البلدين لوضع اللمسات النهائية لصفقة تتضمن مشاريع الطاقة والنفط والمنظومة الدفاعية وتحديث الأسطول العسكري للجيش السوداني والموانئ الرئيسية في البحر الأحمر“.
بكين لا تجد الملف السوداني مغريا كما كان بعد فقدان الجيش ثلثي المناطق لصالح قوات شبه عسكرية
دبلوماسي
ويردف عبد الرحمن قائلا: “بكين لا تجد في السودان مكاسب اقتصادية؛ لأن الوضع قابل للانهيار مع توسع رقعة الحرب كما أن الحكومة القائمة في بورتسودان عاجزة تماما عن إدارة البلاد بما في ذلك الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش هذه الأمور واضحة بالنسبة للصين لذلك تعاملت بدبلوماسية هادئة مع الرغبة الملحة لرئيس مجلس السيادة على التعاون، وأعتقد أن البرهان فهم رسالة بكين جيدا“.
ويرى عبد الرحمن، أن الجيش لديه رغبة كبيرة في التفوق العسكري على الدعم السريع. وخلال جولة البرهان ظهر وكأنه أراد تسليم مصيره إلى الصين بشكل كلي مقابل التعاون الاقتصادي والعسكري، ورغم ذلك لا تجد الصين “شيئا مقنعا” للعودة إلى السودان.
ويضيف: “الاستقبال الصيني للبرهان كان فاترا لم يلتق الرئيس الصيني شينغ جينغ بينغ الذي يحظى باهتمام دولي إلا على هامش مأدبة عشاء بالتالي لم يجد أمرا حيويا قد يدفعه إلى عقد مباحثات ثنائية مع البرهان أو مجرد اجتماع مصغر“.
وشارك قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في مراسم توقيع الاتفاق بين منظومة الصناعات الدفاعية والشركة الصينية المتخصصة في الصناعات الدفاعية، ووقع نيابة عن الحكومة السودانية الفريق أول ميرغني إدريس مدير منظومة الصناعات الدفاعية وهو جنرال متهم بمنح نصيب للدعم السريع في العام 2022 في منظومة الصناعات الدفاعية التابعة للجيش السوداني من خلال إقرار اتفاق بحصول حميدتي على 30% من أسهم المنظومة والجيش على 70%.
استقبال صيني فاتر
يصف الباحث في الشؤون الأفريقية عادل أحمد إبراهيم، وضع البرهان بين الوفدين المشاركين في مراسم التوقيع بين منظومة الصناعات الدفاعية والشركة الصينية المتخصصة في الصناعات الدفاعية بـ”المخزية” لأنه مشاركته كانت يجب أن تقوم بناء على الندية أي مشاركة الرئيس الصيني في عملية التوقيع سويا مع البرهان.
مصالح الصين مع الولايات المتحدة الأميركية أكبر من السودان والجنرالات الذين رافقوا البرهان كانوا يملكون إجابة واحدة تقال على مسامع المسؤولين الصينيين “لدينا الذهب”
باحث
ويقول إبراهيم: إن “البرهان يفتقر للمستشارين الذين يقدمون له مشورة واقعية، ويضيف إبراهيم لـ(عاين): إن “البرهان يعيش عزلة دولية وهو دائم البحث منذ الإطاحة بالحكومة المدنية عن شرعية تعيد له بعضاً من المكاسب أو التغلغل إلى المجتمع الدولي والحصول على مساعدات اقتصادية تمنحه بعض الوقت خاصة وأنه محاصر بالأزمات خلال الحرب وتدهورت شعبيته بشكل واضح حتى في الأوساط العسكرية.
ويتابع عادل أحمد إبراهيم: إن “مصالح الصين مع الولايات المتحدة الأميركية أكبر من مصالحها السودان والجنرالات الذين رافقوا البرهان إلى بكين كانوا يملكون إجابة واحدة تقال على مسامع المسؤولين الصينيين (لدينا الذهب) يمكنكم العمل في التعدين. مضيفا أن “الجيش لديه نهم كبير للاستفادة من الذهب وتمويل العمليات الحربية مع شبهات الفساد التي تلاحق بعض الجنرالات“.
فيما يعتقد الباحث في العلاقات الدولية إبراهيم السيد، إن توقيع السودان والصين على اتفاقات الطاقة وخطوط النقل والتعدين بقيمة 30 مليون دولار بحضور البرهان مشاريع متواضعة، وتعني أن بكين لا تجد الأمر مشجعا في السودان خاصة مع ملامح انهيار البلاد لا يمكن لبلد مثل الصين أن تضع مئات الملايين من الدولارات في مشاريع قد تتعرض إلى الانهيار مع تمدد القتال إلى شرق وشمال البلاد حسب التوقعات.
خفض التعاون العسكري
“التنين الجبار” يطلق على الطائرات الصينية الحربية “جي 20” مقاتلة من الجيل الخامس يطمح الجيش السوداني للحصول على مثل هذه الطائرات من بكين، رغم صعوبة إبرام الصفقة في هذا الصدد لارتفاع كلفتها المالية وعدم رغبة الصين في رفع التعاون العسكري بين البلدين؛ لأن ذلك قد يثير قلق المملكة العربية السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأميركية حسب إبراهيم السيد الخبير في العلاقات الدولية.
ويشير السيد إلى أن ترتيبات زيارة البرهان إلى الصين لم تجر بشكل جيد من الناحية الدبلوماسية، وقد جرى إجلاسه متوسطا مراسم التوقيع على الاتفاقات دون مشاركة مسؤول صيني، ولو من المستوى الثالث.
ويقول السيد لـ(عاين) إن الخارجية السودانية تبحث عن انتصار دبلوماسي مهما كان الثمن لذلك سارع المسؤولون المؤيدون للحسم العسكري إلى فتح قنوات الاتصال مع بكين للحصول على نقاط اقتصادية وعسكرية تتيح للجيش التقدم ميدانيا.
تفتحت شهية جنرالات الجيش نحو الانفتاح العسكري مع الصين على خلفية وصول طائرات صينية معدلة من مصر الشهر الماضي إلى ميناء بورتسودان حسب مصادر دبلوماسية تحدثت لـ(عاين)، ولم ينف الطرفان هذه التقارير التي أكدت سداد دولة خليجية صفقة الطائرات الصينية وهي لا تتعدى عدد طائرتين.
اتفاقيات روتينية
والتقى البرهان بالرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش مأدبة عشاء مساء الخامس من سبتمبر الجاري إلى جانب الرؤساء المشاركين في المنتدى الصيني الأفريقي.
ويعتقد الباحث في العلاقات الدولية عمر عبد الرحمن أن المنتدى الصيني الأفريقي لم يتوصل إلى اتفاقات كبيرة مع بين بكين والزعماء الأفارقة؛ لأن الصين تحاول مغازلة الولايات المتحدة الأميركية ولا تريد رمي “كمية طعم في حوض الأسماك” بالتالي ما الداعي لوضع مليارات الدولارات في بلدان مضطربة ناهيك عن وضع السودان الذي فقد الجيش 70% من مساحة البلاد.
ينوه عبد الرحمن، إلى أن الصين وقعت اتفاقات مماثلة مع الكميرون وإثيوبيا وتشاد، لا تتجاوز قيمتها 150 مليون دولار بما في ذلك الاتفاق مع الجانب السوداني الذي لم يتجاوز 30 مليون دولار.
ويرى عبد الرحمن، أن زيارة البرهان إلى الصين جاءت للمشاركة في المنتدى الصيني الأفريقي وتسلم الدعوة وفقا للاجتماعات التي عقدت في هذا الصدد أما الاتفاقيات الجانبية التي يتحدث عنها إعلام مجلس السيادة الانتقالي “مجرد شكليات” وإجراءات روتينية في مثل هذه المشاركات الدولية.