“شبح التدويل”.. حرب السودان في محيط مضطرب

عاين- 14 يناير 2024 

 وضع تمدد الحرب في السودان إلى ولايات الوسط وتهديدات نقلها إلى الشرق، دول الجوار الشرقي وأمن البحر الأحمر الذي تتقاطع فيه مصالح بلدان عديدة بينها السعودية ومصر، على المحك.  

وبينما يضطرب الإقليم وأمن البحر الأحمر منذ وقت، يتفاقم الوضع الآن على الضربات العسكرية التي نفذها الجيش الأمريكي بمساعدة بريطانيا على اليمن، تحذر قوى مدنية سودانية من أن نقل الحرب إلى شرق السودان يعني اندلاع حرب بالوكالة مسرحها السودان.

النظامان الإثيوبي والإريتري في الجوار الجنوبي الشرقي للسودان، لكل واحد منهما موقف من حرب السودان بالنظر للتوترات القائمة بينهما. الرئيس الأثيوبي آبي أحمد لديه مواقف معلنة مناوئة للجيش السوداني الذي يسيطر على الحكم في السودان لجهة تحالفه مع النظام المصري العدو لأثيوبيا بسبب أزمة سد النهضة.   

وترى الباحثة في مجال العلاقات الدولية نهلة عبد الرحمن، إن أثيوبيا لديها علاقات جيدة مع قائد الدعم السريع ورتبت له زيارات إلى دول أفريقية مثل رواندا وجنوب أفريقيا وأي تمدد للدعم السريع إلى ولاية القضارف الحدودية مع هذه الدولة فإن هذا لا يعد مشكلة طالما أن قائد الدعم السريع أعطى تطمينات للرئيس آبي أحمد.

كيف رأيت الخرطوم بعد (3) أشهر من الحرب؟ مراسلة لـ(عاين) تعود للعاصمة وتتجول لوقت قصير في شوارع المدينة
النظامان الإثيوبي والإريتري في الجوار الجنوبي الشرقي للسودان، لكل واحد منهما موقف من حرب السودان بالنظر للتوترات القائمة بينهما

وتقول نهلة عبد الرحمن لـ(عاين): إن “أثيوبيا ربما طلبت من حميدتي معلومات عن مستقبل الصراع المسلح وعما إذا كانت قواته ستتوغل إلى شرق السودان خاصة القضارف وكسلا ونصحته بالكف عن التوسع لأنه قد يفقده السيطرة على العاصمة والمدن الكبيرة التي تحت سيطرته”.

 باحثة: أثيوبيا تخشى من توسع الدعم السريع حتى لا يؤلب جنرالات السودان المعارضة المسلحة ضد آبي أحمد

وتتابع عبد الرحمن: “على الرغم من العلاقة القوية بين قائد الدعم السريع وآبي أحمد لكن الأخير يخشى دعم المعارضة المسلحة بواسطة جنرالات السودان إذا ما توسعت قوات دقلو إلى شرق البلاد”.

وتقول نهلة، إن “أثيوبيا لا يمكن أن تعول على سيطرة الدعم السريع لمنطقة شرق السودان خاصة في ظل نزاعها حول أراضي الفشقة لأن سيطرة هذه القوات لا تعني أيلولة المنطقة إليها خاصة مع عجز الدعم السريع في تشكيل حكومة أمر واقع في مناطق سيطرتها”.

إرتريا ترفع درجة الاستعداد

ومع توسع الدعم السريع إلى وسط البلاد منتصف الشهر الماضي رفعت دولة إرتريا درجة الاستعداد العسكري بنقل معدات عسكرية إلى الحدود مع السودان لإغلاقها أمام الانشطة المعادية لها حسب مصدر دبلوماسي تحدث لـ(عاين) مشترطا حجب اسمه.

مصدر دبلوماسي:  إرتريا رفعت درجة الاستعداد العسكري ونقلت معدات عسكرية إلى الحدود مع السودان.

ويقول المصدر الدبلوماسي الذي عمل بدرجة سفير في وزارة الخارجية السودانية في حكومة عبد الله حمدوك لـ(عاين): إن “ارتريا لديها نقاط خوف متعددة من حرب السودان أولا فإن وجود الاسلاميين شرق البلاد قد يجلب لها الجماعات الإسلامية المناهضة لنظام أفورقي، وثانيا، الحرب تجر إليها أثيوبيا التي تتربص بها من خلال تحالفاتها مع قوات الدعم السريع”.

أمن البحر الأحمر

يقع السودان ضمن محيط مضطرب في الناحية الشرقية مثلا على تخوم البحر الأحمر تنشط الجماعات الحوثية في اليمن المدعومة من إيران ضد السعودية وتخشى الرياض من تأثير حرب السودان على المياه الدولية في البحر الأحمر بالتالي قطع الملاحة البحرية أو الوقوع تحت نظر جماعات مناهضة لها.

كما إن الحرب تتزامن مع توسع نشاط حركة الشباب الصومالية إلى جانب صعود توترات بين جمهورية الصومال وأثيوبيا بسبب اتفاق الأخيرة مع “أرض الصومال” وهي دولة غير معترف بها في الأمم المتحدة لتوقيع اتفاق على إنشاء موانئ تخص أديس أبابا مقابل الاعتراف بها.

يقول المصدر الدبلوماسي: “انتقال الحرب إلى شرق السودان مرفوض من الولايات المتحدة الأميركية والسعودية ومصر لحماية أمن البحر الأحمر وربما تم نقل رسائل في هذا الصدد إلى الجنرال دقلو”.

خبير فض النزاعات: نقل الحرب إلى الشرق يضعنا على أعتاب حرب دولية بالوكالة مسرحها السودان

“انتقال الحرب إلى شرق السودان قد يضعها في خانة التدويل دون شك، أي أن الدول ستشارك بالوكالة وستكون مضطرة لحماية مصالحها خاصة المتأثرة بها مباشرة”. يقول الخبير في فض النزاعات جمعة كندة.

ويضيف: “البحر الأحمر منطقة مهمة للتجارة الدولية العابرة أي سيطرة عسكرية عليها في الساحل السوداني ستجعل الدول المتأثرة تضطر للتعامل مع الأمر الواقع بالتالي لا يمكن هنا الحديث هنا عن إيقاف الحرب بقدر ما أن البلدان تحمي مصالحها ولو على أشلاء السودان”.

ويتابع كندة في مقابلة مع (عاين): “حان الوقت لمخاطبة مصالح الدول المؤثرة في ملف السودان بواسطة القوى المدنية حتى لا يتطاول ويتوسع الصراع المسلح.. الدول تنتظر ضمانات من الطبقة الحاكمة ولا تضع في الاعتبار سواء كانوا عسكريين أو مدنيين هي فقط تريد مصالحها وضمانات تلبيتها”.

ولا تقتصر المخاوف في توسع حرب السودان إلى الولايات الحدودية شرقا وشمالا على تزايد حركة النزوح إلى تلك البلدان بل أن هناك قلق تساور هذه الدول من صعود أنشطة قوافل نقل السلاح لطرفي النزاع وعبور جماعات إرهابية وتزايد نشاط عصابات مهربي البشر خاصة الراغبين في مغادرة السودان ويقدر عددهم بـ 25 مليون لا زالوا في تلك الولايات وإقليم دارفور وكردفان في بحث دائم عن مواقع آمنة ولو عبر الحدود.

حاكم كسلا الأسبق: الحرب ستنقل تجارة الأسلحة إلى الإقليم

“توسع الحرب إلى شرق السودان يعني نقل تجارة السلاح والجرائم وتهريب البشر إلى هناك”. يقول حاكم ولاية كسلا الأسبق صالح عمار لـ(عاين).

ويتابع: “يقع السودان في منطقة شرق أفريقيا التي هي محل نزاع من محاور إقليمية ودولية – مثل قطر والسعودية والإمارات ومصر وبعض الدول لديها تحالفات مع الدعم السريع وبعضها مع الجيش”.

السودان: الشرطة تحرر رهائن من عصابة لتجارة البشر وسط العاصمة
ستتحول الحرب إلى لغة مصالح فقط، كل دولة ستعمل حسب التحالفات ومصالحها في الاقليم- صالح عمار، والي كسلا الاسبق

وأردف صالح: “ستتحول الحرب إلى لغة مصالح فقط، كل دولة ستعمل حسب التحالفات ومصالحها في الاقليم وسيتحول السودان الى ضحية جراء هذه المصالح التي قد لا تضع في الاعتبار إنقاذ البلاد وإيقاف الحرب”.

وكانت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) قالت في ندوة عقدتها في كمبالا الأحد الفائت، إن انتقال الحرب إلى شرق البلاد قد يحولها إلى حرب بالوكالة وقالت إن الاضطرابات ستشمل جميع دول الإقليم.

مخاوف مصرية.. دعوة (حميدتي) لزيارة القاهرة

المصدر الدبلوماسي الذي تحدثت اليه (عاين)، يقول إن “قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان (حميدتي) تلقى دعوة رسمية من النظام المصري لزيارة القاهرة، وحتى الآن لم تتلقى مصر الرد من جانب الدعم السريع”.

تشعر مصر بالقلق في أعقاب تمدد القتال إلى ولايات وسط السودان المحاذية لمجرى النيل الأزرق الذي يشكل 75% من واردات مصر من المياه كما إن الممر المائي على البحر الأحمر شرق البلاد أيضا من المرافق الاستراتيجية بالنسبة للقاهرة لأنها السفن التجارية تعبر إلى قناة السويس والأضرار هناك قد تقلل الإيرادات المالية التي تعتمد عليها مصر من القناة والتي تقدر بأكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويا.

توسع الحرب يضطر ملايين السودانيين للمغادرة مجددًا

حرب السودان قد تجبر أكثر من عشرة ملايين مجددا للبحث عن حدود آمنة صوب إثيوبيا وإرتريا ومصر خلال الشهرين القادمين مع الغموض في جهود دولية لا تبذل بشكل قوي تجاه السلام مع تعثر منظمة (الإيقاد) في جمع الجنرالين على طاولة واحدة حتى الآن. يعتقد الباحث في مجال الديمقراطية والسلام مجاهد أحمد خليل.

ويرى مجاهد في مقابلة مع (عاين)، إن “الأمور عندما تصل إلى درجة الفوضى لا يمكن إنقاذها عبر القوات الدولية لأن الجماعات الإرهابية تنشط في مثل هذه البؤر مع وجود عوامل متعددة لتغذية الصراع وقد تجد دول مصر وإثيوبيا وإرتريا نفسها أمام (طوفان إرهابي) جراء تمدد شرارة حرب السودان”.

ويعتقد أحمد، إن تفكير مصر في التعامل مع الوضع القائم على الأرض حسب السيطرة العسكرية شمال السودان حال توسع الحرب “تفكير رغبوي” لا يتطابق مع الواقع لأن الجماعات الإرهابية ستنطلق من الأراضي السودانية الغارق في الفوضى في ذلك الوقت ولا يمكن حسمها عبر الأدوات الأمنية كما تأمل المخابرات المصرية.

الأسبوع الماضي توقعت الأمم المتحدة طرق السودانيين الفارين من الحرب أبواب بلدان الجوار إذا توسع القتال

والأسبوع الماضي توقعت الأمم المتحدة طرق السودانيين الفارين من الحرب أبواب بلدان الجوار إذا توسع القتال في أعقاب سيطرة الدعم السريع على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة وتهديدها بالتقدم نحو ولايات شرق السودان وشماله.

ويعتقد مجاهد أحمد، أن دول الجوار تريد استمرار الجنرالات بالسلطة ولا تثق في بديل جديد خاصة في ظل الضعف الذي اعترى الفترة الانتقالية التي صعد فيها المدنيون بقيادة عبد الله حمدوك لذلك هي عاجزة في دفع الجهود السلمية وإيقاف الحرب وحتى منبر جدة كان مقتصر على وفدي الجيش والدعم السريع وقام بإقصاء المدنيين دون أي مبرر.

يستمر القتال بين الجيش والدعم السريع في السودان مع صعود التحشيد والتسليح خاصة من التيار الإسلامي المقرب من الجيش -حسب ما تقول القوى المدنية- وتراجع هذا التيار نحو معاقل في شرق البلاد والولاية الشمالية ونهر النيل كآخر معاقل الإسلاميين في تلك الولايات وهي ولايات مجاورة لثلاثة دول هي مصر وإثيوبيا وإرتريا وتقع على مقربة من البحر الأحمر.

 وبما أن النزوح هو أول أزمة تتصدر الحروب فإن ملايين السودانيين سيتدفقون إلى تلك الدول كتأثير مباشر للحرب على هذه الدول إلى جانب تدفق الأسلحة عبر حدودها وقد تصعد رغبة جماعات إرهابية للقتال إلى جانب طرف عسكري لاعتبارات دينية وتأثيرات إقليمية خاصة تلك المناهضة للإمارات المتهمة بإرسال العتاد الحربي للدعم السريع.