أي طريق يسلكه السودانيون لإيقاف الحرب؟

عاين- 3 أكتوبر 2024

منذ اندلاع الحرب في السودان قبل 536 يوماً، تغيّر كل شيء. قُتل الآلاف، وشُرّد الملايين من منازلهم ومدنهم وقراهم. أُجبروا على النزوح القسري بفعل آلة الحرب المدمّرة. وسط إهمال لافت للأزمة سواء من قبل أطراف الحرب أو من المجتمعين الإقليمي والدولي.

وتحولت حرب السودان إلى ما يُعرف بـ “الحرب المنسية”، حيث تراجع الاهتمام الدولي والإقليمي بها، مما زاد تفاقم الأوضاع الإنسانية، وأطال أمد الصراع دون حلول ملموسة في الأفق.

الموقف الدولي

وفي هذا السياق الدولي للأزمة السودانية، يُجمع باحثان سودانيان استطلعتهم (عاين) على ارتباك المجتمع الدولي حيال الحرب في السودان، ويشير الباحث الاستشاري المهتم بقضايا الاجتماع، قصي همرور، إلى أنه إذا كانت لدينا في المنطقة، وفي التاريخ القريب حالات وافية لتدخل إيجابي من المجتمع الدولي في نزاعات داخلية، يمكننا أن نستنبط دورًا متوقعًا وإيجابيًا للمجتمع الدولي في الوساطة أو تقديم حلول شاملة. ومع ذلك، فإن رصيد التدخل الخارجي من قوى تتسمى بالمجتمع الدولي يعكس احتمالاً أضعف من أن نعلق عليه توقعات وآمال.

معظم رصيد التدخل الدولي في البلدان المحيطة ينقل الأزمات إلى مراحل أطول من غياب الاستقرار

الباحث: قصي همرور

 ولفت همرور إلى أن معظم رصيد التدخل الدولي في البلدان المحيطة ينقل الأزمات إلى مراحل أطول من غياب الاستقرار، ما يؤدي إلى تطبيع المعاناة وفق شروط أكثر مناسبة للمجتمع الدولي، وليس لشعوب تلك البلدان.

وأضاف همرور في مقابلة مع (عاين): أن “عددًا من الدول التي تتصدر المشهد كونها من المجتمع الدولي المهتم بقضية السودان هي نفسها متورطة في إبقاء هذه الحرب مشتعلة ومعاناة الشعب السوداني. على سبيل المثال، أصبح واضحًا ضلوع دولة الإمارات في توفير الدعم العسكري واللوجستي لمليشيات الدعم السريع وتقديم الدعم الدبلوماسي والاقتصادي لقيادتهم، ثم إنكار الفعل وتوريته في المنابر الدولية

فيما يرى الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية، محمد تورشين، أن هناك رغبة لدى المجتمع الدولي في تقديم حلول والاشتراك في مباحثات، لكنه بحاجة إلى دوافع قوية للقيام بذلك. ومع ذلك، فإن القضايا الحالية مثل الحرب في أوكرانيا وغزة والانشغالات الانتخابية في الولايات المتحدة وأوروبا تجعل الدوافع تجاه السودان شبه معدومة.

وأضاف في مقابلة مع (عاين): “في خضم هذه الأوضاع، تسعى دول مثل روسيا والصين وإيران لإعادة العلاقات مع السودان، مما قد يدفع الولايات المتحدة لإعادة النظر في موقفها تجاه الملف السوداني. ومع ذلك، يُخشى أن يؤدي وضع القضية السودانية في سياق التنافس الإقليمي والدولي إلى فقدان أهميتها”.

تصاعد أعمدة الدخان جراء المعارك العسكرية من شارع فرعي في أحد احياء مدينة أم درمان

ويلفت تورشين إلى أن الولايات المتحدة كانت حاضرة منذ البداية من خلال منبر جدة، لكنها لم تكن جادة في إلزام الطرفين بتنفيذ الاتفاقات المبرمة، رغم اتهامات الحكومة السودانية للدعم السريع بعدم الالتزام.

على المستوى الإقليمي، يشير تورشين إلى غياب أي تحرك في الوقت القريب، خاصة في ضوء الدور الإماراتي في السودان.

ويشدد تورشين على أن حل الأزمة السودانية لا يمكن أن يتحقق بالتدخل الدولي، إذ إن كل الصراعات في أفريقيا لم تُحل بهذه الطريقة. ويلفت إلى أن الحل يتطلب إرادة من الأطراف المعنية، سواء كانت الحكومة أو الدعم السريع. قبل أن يحذر من أن استمرار الحرب سيتسبب في خسائر فادحة، حيث إن البنية التحتية على وشك الانهيار، مما قد يؤدي إلى انهيار الدولة السودانية أو أجزاء كبيرة منها.

وفي أغسطس الماضي، باءت إحدى المحاولات الرامية إلى إقناع طرفي الصراع في السودان بالجلوس إلى مائدة التفاوض بالفشل، حيث دعت الأمم المتحدة وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للمشاركة في محادثات غير مباشرة في جنيف، لكن لم يتم إحراز أي تقدم ملموس، بسبب غياب وفد الجيش.

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك نهاية الأسبوع الماضي، قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش الفريق، عبد الفتاح البرهان إنه يؤيد الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب المدمرة في بلاده.

وحث الرئيس الأميركي جو بايدن قادة العالم المجتمعين تحت سقف الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء الماضي على “التوقف عن تسليح” طرفي النزاع ووضع حد للحرب في السودان.

الموقف التفاوضي

يقول محمد تورشين، الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية، إن إنهاء ما يصفه بـ”التمرد” يرتبط بمسألتين رئيسيتين. الأولى هي إمكانية التوصل إلى اتفاقية سلام بين الحكومة السودانية والدعم السريع. إلا أن هذه الاتفاقية تحتاج إلى جهود كبيرة ومسار معقد، بسبب التباين الكبير في وجهات النظر بين الطرفين.

ويشير تورشين إلى الانتشار الواسع لقوات الدعم السريع في مناطق متعددة بالسودان، يعزز موقفه التفاوضي، وسيؤثر بشكل جدّي على مطالباته في مختلف القضايا. كما أن الحكومة السودانية لن تقبل عودة الدعم السريع إلى ما قبل اندلاع الحرب، ناهيك عن المطالب التي يقدمها الآن.

ويتابع  في مقابلة مع (عاين): “يبدو أن هناك توازنًا شبه كامل في القوى بين الحكومة والدعم السريع”. ويوضح: حتى الآن، لا يوجد تفوق واضح لأي من الطرفين، مما يؤثر في قدرة الطرفين على التوصل إلى تسوية جدية.

أما الخيار الثاني، بحسب تورشين، فهو استمرار المواجهات العسكرية بهدف سحق أحد الأطراف للآخر. ولفت إلى هذا الخيار أيضًا مكلف للغاية، حيث إن جميع الأطراف سودانيون، وبالتالي سيكون من الصعب تحقيق سحق كامل لأحد الطرفين.

ويعتقد تورشين أن الحكومة السودانية والدعم السريع يسعيان لإنهاك بعضهما قبل الوصول إلى خيار التفاوض، وهو ما يحتاج إلى مزيد من الوقت والترتيب والتدريب العسكري، بالإضافة إلى الدعم الإقليمي والدولي.

أكثر رُشدا

أما بالنسبة للمطلوب من القوى السياسية السودانية لإحداث اختراق في حالة الانسداد هذه، فيرى تورشين أن هذه القوى ليس لها دور فعال حاليًا، كونها مدنية وليست عسكرية لذا فإنها غير قادرة على ترجيح كفة طرف على الآخر.

ويتوقع تورشين أن تكون القوى السياسية أكثر رشداً، في وقت يبدو أن الخصام بينها لا يزال كبيرًا، لافتا إلى التباين في المواقف السياسية حول قضايا السلطة والفترة الانتقالية وما بعدها.

كيف رأيت الخرطوم بعد (3) أشهر من الحرب؟ مراسلة لـ(عاين) تعود للعاصمة وتتجول لوقت قصير في شوارع المدينة
شارع رئيسي في مدينة ام درمان- مايو 2023

ويعبر تورشين عن أمله في أن تستغل القوى السياسية فرصة الحوار السوداني السوداني الذي دعا إليه الاتحاد الأفريقي. وأشار “لكن يبدو أن هذه القوى لا تزال غير جادة، ولا تمتلك مشروعًا سياسيًا واضحًا حتى الآن “. وتابع: إذا توقفت الحرب اليوم، فإن الخلافات السياسية ستظل قائمة.

وحول العلاقة بين القوى العسكرية والحلول السياسية، يرى تورشين أنه يجب التعامل بحذر مع القوى العسكرية التي تم إدماجها في المشهد السياسي عبر اتفاقيات سابقة. ويؤكد أهمية أن لا تُمنح هذه القوى فرصًا لأدوار سياسية مستقبلية، بل يجب التركيز على حل القضايا العسكرية والأمنية وإصلاح المؤسسات.

يبرز تورشين أن المجتمع الدولي ليس بحاجة إلى تحفيز، بل يتحرك وفق مصالحه. فالمجتمع الدولي ليس منظمة خيرية، بل تحركاته مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمصالحه.

وبشكل عام، يشير إلى أن القوى الدولية والإقليمية ليست بحاجة إلى وجود سودان قوي، كما أنه لا ترغب في انهيار الدولة السودانية. إنما تفضل أن يبقى السودان دولة ضعيفة، غير قادرة على استغلال مواردها. لذا، فإن استيراد الحلول لن يسهم في حل الأزمة ما لم يتم التوصل إلى حل سوداني سوداني.

توحد القوى المدنية

من جهته، يرى مدير مشروع الفكر الديمقراطي، شمس الدين ضوء البيت، إن الحل السياسي الوحيد الممكن هو أن تتوحد القوى السياسية الحزبية والمدنية، خاصة ثوار ديسمبر بتشكيلاتهم المختلفة، لجان المقاومة، لجان الطوارئ، ومنظمات المجتمع المدني الجديدة.

هناك ضرورة لتوحد القوى القوى السياسية والمدنية لنزع الشرعية الأخلاقية والسياسية عن طرفي الحرب

شمس الدين ضو البيت

وأضاف: يجب تتوحد هذه القوى لنزع الشرعية الأخلاقية والسياسية عن طرفي الحرب وحرمانهم من أي مدد معنوي أو بشري أو مادي، سواء من الشعب السوداني، أو من الخارج.

ولفت إلى أن أهمية ثوار ديسمبر تأتي من الإنجاز الذي أحدثوه، وهو الانتصار على الدولة الدينية الإخوانية المستبدة والشمولية، التي سيطرت على كافة مؤسسات الدولة والمجتمع.

وأكد بقوله إن “الحل هو قيام جبهة على رأسها ثوار ديسمبر تستطيع أن تجترح مليونية 30 يونيو جديدة لتوقف الحرب وتعمل على بناء العدالة والسلام والديمقراطية المستدامة”. ولفت ضوء البيت إلى أن استمرار الحرب أحدث أضرارًا بالغة بالدولة والمجتمع والإنسان السوداني.

وأكد أن هناك نقصاً حاداً في الغذاء مع توقف الخدمات كلهن، وانتشار الأمراض والأوبئة، إلى جانب الارتفاع الجنوني في الأسعار. وزاد في مقابلة مع (عاين): “يعيش السودانيون معاناة هائلة، تشرد، وتفكك النسيج الاجتماعي، ولجوء في أنحاء العالم والإقليم.

وأوضح إلى جانب كل الأزمات التي يعيشها السودانيون، فإن هناك عواقب سياسية حالة استمرار الحرب، تتمثل في وجود الدولة نفسها ومؤسساتها.

ولفت إلى أن الحرب تمثل مهددا لوحدة السودان ونسيجه الاجتماعي. أخذا في الاعتبار الانتشار الواسع لخطاب الكراهية والعنصرية وخطاب الجهوية والإقليمية.

وأكد أن هذا النوع من الانقسام يهدد النسيج الاجتماعي، وسيفضي إلى تشظي الدولة السودانية، كما سيؤدي إلى انفصالات لمناطق يتحكم فيها “أمراء الحرب.”

العواقب المحتملة

وفيما يتعلق بالعواقب المحتملة لاستمرار الحرب لفترة أطول دون تدخل دولي، يقول الباحث قصي همرور، إنه يصعب توقع العواقب، لأنها تعتمد على طبيعة الفعل الداخلي (السوداني).

وأوضح: إذا صار الفعل الداخلي أكثر تماسكا ووضوحا، فستنتهي الحرب بانتصار الشعب وتحرك عملية إعادة بناء الدولة السودانية بمؤسسات منضبطة ومراجعات شاملة. لكن إذا نظرنا إلى الأداء الداخلي حاليًا، فإن سمات الإنهاك العام وتلاشي مقومات الحياة العصرية وتكرار الأزمات (مثل المجاعات والأوبئة) تصبح سيدة المشهد، مما يقود إما إلى انهيار الدولة أو ضغط كافٍ لدخول مفاوضات جادة لإنهاء النزاع.

القوى السياسية

أما بالنسبة لما هو مطلوب من القوى السياسية السودانية لإحداث اختراقات مع حالة الانسداد، أشار همرور إلى أن على القوى السياسية مراجعة رصيدها وأدوات عملها بشكل شامل، لأنها تخسر المزيد من الماضي والحاضر والمستقبل. واستمرار الحرب بتلك الطريقة الحالية وبممارسات القوى السياسية الحالية يعني انتحار تلك القوى، مما يتطلب مراجعة شاملة قبل فوات الأوان.

وأوضح قائلاً: يجب أن تعود القوى السياسية لتقوية قواعدها الشعبية، وتكون أولوياتها موقف السند الإنساني والتضامن العملي مع الشعب المتضرر، فضلاً عن جهود تقوية الثورة الشعبية.

التوافق الدولي

أما بالنسبة للتوافق الدولي حول كيفية المضي قدمًا في حل الأزمة، ذكر همرور أن ذلك يعتمد على وصف التوافق الدولي. هناك دول مستفيدة من الحرب، ودول لا تعنيها الحرب في شيء حاليًا، ودول ترى أن ما يجري في السودان يهدد المنطقة المحيطة بآثار سلبية. وبالتالي، ليس هناك توافق دولي حول التعامل مع الأزمة السودانية.

فيما يتعلق بتحفيز المجتمع الدولي على الانخراط في إيجاد حلول دائمة للأزمة، أشار همرور إلى أنه لا يملك حاليًا إجابة شافية. فطالما أن جهات كثيرة في ما يسمى بالمجتمع الدولي تتحكم فيها المصالح الضيقة، فإن تحفيزها على فعل شيء إيجابي سيظل في نطاق أوسع من الأزمة السودانية وحدها.