محاولات سرقة الثورة السودانية
تقرير: عاين 20أبريل 2019م
تتكالب جهات داخلية وخارجية عديدة من أجل إجهاض وصول الثورة السودانية إلى مطالبها الجذرية المرتبطة بإقامة الديمقراطية المدنية وايقاف الحرب، ومعالجة أزمات الاقتصاد وغيرها من أزمات السودان المستفحلة.ورغم العديد من الخطوات الداخلية التي قام بها المجلس العسكري في القبض على عدد من رموز النظام السابق، و اعلان اعادة هيكلة الاجهزة الامنية، ومصادرة دور الحزب الحاكم وحصر ممتلكاتها اضافة لضم قوات الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية والخدمة الالزامية للقوات المسلحة وحصر ممتلكاتها وأصولها، الا ان العديد من الشواهد ما تزال مقلقة بشأن تسليم السلطة للمدنيين والقضاء على الدولة العميقة التي خلقتها الحركة الاسلامية في السودان منذ ثلاثين عام.
وتحاول بعض الدول سيما العربية سرقة الثورة السودانية، وتمارس إغراءات على المجلس العسكري الذي تكون عقب سقوط الرئيس عمر البشير بتقديم الدعم للمجلس العسكري فى السودان. اذ ان بعض قادته تجمعهم علاقات جيدة خلقها وجود القوات العسكرية السودانية التي تقاتل لصالح بعض هذه الدول – بحسب مراقبون، هذه الدول تقول انها تستهدف إستقرار السودان وتؤيد الإنتقال السلمي للسلطة. وأعلنت دول الخليج والسعودية ومصر وجامعة الدول العربية ودول اوربية دعمها لمجهودات المجلس العسكري والقوى السياسية للتوصل لحكومة انتقالية.
لكن مراقبون يرون أن تحالف دول الخليج والسعودية التي تخوض حرباً ضد الحوثيين فى اليمن تريد ان تضمن استمرارية وجود القوات السودانية فى اليمن.وتعد أبرز وجوه النظام الانتقالي العسكري ذات علاقة وثيقة بحكومة الإنقاذ مثل رئيس المجلس عبدالفتاح البرهان، وغيره من عضوية المجلس مثل محمد حمدان (حميدتي) المتهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور وعدد من مناطق النزاعات في السودان.
وجوه قديمة متجددة
رئيس المجلس العسكري الإنتقالي، عبدالفتاح البرهان، كان قائداً للقوات البرية بالجيش السوداني، وقد اشرف على القوات السودانية التي تقاتل فى اليمن مع قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي). وآخر منصب له هو المفتش العام للقوات المسلحة السودانية، قبل أن يتولى رئاسة المجلس العسكري الانتقالي.
أما قائد قوات الدعم السريع نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي تقاتل قواته الحوثيين الموالين لإيران في اليمن لصالح دول عاصفة الحزم، ارتكبت قواته جرائم ضد المدنيين العزل فى إقليم دارفور غربي السودان تتمتع بحماية من القيادة العليا.
يرجع تاريخ الرجل الثاني فى المجلس العسكري محمد حمدان دقلو الى مليشيات مسلحة كانت تستخدمها الحكومة السابقة في الحروب الداخلية، تطورت قواته الى ان اصبحت قوات لها مشاركات خارجية في عاصفة الحزم ومكافحة الهجرة غير الشرعية، واستمد حميدتي شرعيته من مليشياته التي اصبحت قوة ترجح الكفة.أما فريق أمن جلال الشيخ ، عضو المجلس العسكري الحالين فقد كان نائب مدير جهاز الأمن على عهد المدير السابق صلاح قوش، مما يدل على تورطه الكامل في كافة أشكال الانتهاكات التي حدثت خلال الفترة الاخيرة من عمر التظاهرات.
تغييرات شكلية
محللون سياسيون يرون ان المجلس العسكري الانتقالي هو امتداد للنظام السابق، وليس هناك فرق بين النظام السابق والنظام الجديد، حيث تم تكوين المجلس العسكري من ذات النخب المركزية التي حكمت السودان منذ الاستقلال. ينطبق الأمر ذاته على الأحزاب السياسية التي تفاوض مع المجلس العسكري باعتبارها أحزاب المركز، و يقول دكتور حامد علي لـ(عاين) أن الأحزاب السياسية الموجودة، جزء منها أحزاب اسر، الصادق المهدي أحد أبنائه كان داخل النظام، ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير كان أخوه مشاركاً بإسم الحزب الاتحادي المسجل، وبالنسبة لحميدتي الان يحركه حسبو، وبرهان يحركه علي كرتي. يواصل علي “نفس النظام ونفس الاستمرار، وهذا يتطلب بالنسبة للقوى التي قدمت التضحيات ان تتوحد إرادتهم، ليكون هناك تغيير حقيقي. لابد أن يأتي أهل الهامش ويكونوا جزء أساسي ومؤثر في مسألة التغيير، سيما وان المجلس اتى بحميدتي رجل رصيده أنه من اهل دارفور ويملك أموال في البنوك وجبال من الذهب“. ويضيف الا أن الرجل دخل المجلس لحماية مصالحه، ويقول “إن التغييرات التي حدثت شكلية، والتغيير العميق لم يأتي بعد ولا يأتي من المركز بهذه الطريقة، يأتي أيضا من الهامش، والناس الذين قتلوا ودماءهم سالت، هم اهل الوجع، لابد ان يكونوا جزء من الحل الأكبر، وهم من يقود التغيير، وليس التغيير الموجود فى الخرطوم، ونفس الوجوه تكرر نفسها، ذات الأشخاص معارضة وحكومة، وهذا شيء مؤسف“.
اتحاد الكتلة التاريخية
ويقول حامد أن التغيير الذي حدث في السودان، تغيير كبير جدا ربما يهدد مصالح البعض، والدول التي رحبت تنظر إلى مصالحها الاقتصادية والسياسية. حيث يشرح حامد إن “هذا شئ طبيعي ان يرحبوا بما حدث في السودان، وفي تقديري ان هذا لن يغير في المعادلة السياسية شئ، والمعادلة الان كلها معادلة داخلية، تحتاج إلى الضغط في اتجاه التغيير، ويرفعوا صوتهم ويطالبوا من المجلس ان يتنحي حميدتي وغيره من المشهد السياسي، اذا اردنا يتقدم السودان الى الامام. ويجب أن يشارك في هذا المجلس أيضا مدنيين، ويبعد العسكر من الحياة السياسية، وهذه هي المسألة الضرورية“. ويشير حامد الى ان اهل المركز لم يعوا الدرس بعد، ويسأل “أين المرأة، واين اهل الهامش؟ لماذا لا تدعون لحل المليشيات والدعم السريع؟” وطالبهم أن يتذكروا في ظل التهافت والتكالب على السلطة، أن أهل دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق والشرق سكبوا سكبوا دماء عزيزة في سبيل الحرية والعدل والمساواة. ويتابع علي “هذه الكتلة التاريخية عليها أن تتوحد لتصنع السودان، واولي الابتعاد عن مؤسسات الانتقال فهي تكرس لذات الواقع والاستمرار في النضال ومناهضة العنصرية والإقصاء حتى ينعدل الميزان“.
السودان تابعا ذليلا للخليج
يطرح دكتور محمد جلال أحمد هاشم تساؤل، لماذا تدعم السعودية والامارات والولايات المتحدة الامريكية نظاما يقف من خلفة تنظيم الاخوان المسلمين، وهي الدول التي أعلنت حربها علي هذا التنظيم؟، يقول جلال ل(عاين) “نعم، اعلنت حربها على تنظيم الإخوان المسلمين، لكنها مقولة لا يجوز أخذها هكذا على علاتها، فهذه الدول اعلنت الحرب فعلا على تنظيم الاخوان غير المدجنة، في ذات الوقت أعلنت تحتضن وترعى تنظيمات الاخوان التي رضيت بأن تكون مطية للامبريالية العالمية، وما دول المنطقة الا مخلب قط، ويعني هذا ان الانقاذ(2) ليس فقط قد ألقت بكل ثقلها خلف الاجندة الامبريالية العالمية، بل رضيت ان تجعل السودان تابعا ذليلا للسعودية والإمارات التي لعب شعب السودان دورا كبيرا في ترفيعها حضاريا وثقافيا، ولا عجب. فهم في هذا يسيرون في خطي الانقاذ (1)، وبالفعل قبل أن يمضي على مجلسهم يومان، شرعوا عبر المتحدث بأسمهم في استجداء العون، الا بئس الشحاذ وبئس المشحوذ منه“.
الترحيب الخليجي بالتحول السياسي
بينما يوضح د. سالم حميد، مدير مركز المزماة للدراسات والبحوث في دبي “على ضوء التطورات في السودان، قائلا ” ان بعض الدول الخليجية بادرت بتأييد القرار السوداني. أما قيادة دولة الإمارات وجهت بالتواصل مع المجلس العسكري الانتقالي لبحث كيفية مساعدة الشعب السوداني”. يقول حميد ل(عاين) “في هذا السياق جرى الترحيب بالخطوات حتى الوصول الى اختيار عبدالفتاح البرهان لرئاسة المجلس العسكري الانتقالي، وايضا موقف المملكة العربية السعودية جاء مؤيدا لخيار السودانيين، ودعمت ما اتخذه المجلس العسكري الانتقالي من إجراءات“.
ويضيف حميد “جاء ترحيب دول الخليج بالتحول السياسي في السودان في ظل ارتباك قطري تركي واضح، لان النظام السابق كان يمنح الدوحة وانقرة وعودا ومصالح، وهناك شكوك بشأن استمرارها في ظل العهد الجديد، وعكس التحول في السودان انهيار شعبية نظام البشير، إذ لم يعد يوجد من في السودان وخارجه يتعاطف مع النظام الذي قام على التحالف مع الإخوان المسلمين طيلة 3 عقود“.
عاصفة الحزم ومكافحة الهجرة
يقول محمد حسن أوباما المتحدث باسم حركة جيش تحرير السودان، قيادة مناوي لـ(عاين) انه لمعرفة أسباب هذا الترحيب الخليجي والدولي يجب النظر إلى هرم المجلس العسكري، او بالاحري القيادة العليا. وهنا السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لم ترحب هذه الدول بالمجلس السابق الذي يترأسه ابن عوف، وتم الترحيب بالمجلس العسكري الجديد؟ يؤكد أوباما في هذا الجانب أن الأمر مرتبط بتحالف عاصفة الحزم، خصوصا أن رئيس المجلس كان عنصرا أساسيا ومشرفا على ملف مشاركة السودان في حرب اليمن، والقوات المشاركة هي قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي، هو الآن نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي. أتى هذا الترحيب لأن المجلس هو الذي ساهم وقاتل نيابة عنهم، فطبيعي جدا أن يرحبوا ليس من جانب العلاقة فقط، بل المصلحة أيضا. أما بالنسبة للدول الأوروبية الأمر ربما مرتبط بموضوع مسرحية الهجرة غير الشرعية التي لعب فيها حميدتي دور البطل.
وطالب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي، في مقابلته المثيرة للجدل التي أوقف بسببها برنامج حال البلد الذي بثته قناة سودانية 24 خلال أكتوبر 2018، بشكل واضح بضرورة دفع الاتحاد الأوروبي للمقابل المالي اللازم مقابل الجهود التي تقوم بها قواته في وقف الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الذين يتدفقون عبر ليبيا تجاه أوربا من السودان وغيرها من دول القرن الأفريقي. وكان حميدتي هدد الاتحاد الأوروبي في أبريل 2018 بوقف عمليات مراقبة الحدود ووقف المهاجرين القادمين عبر السودان الى أوروبا مالم يلتزم الاتحاد الأوروبي بدفع الدعم اللازم للسودان.
يضيف اوباما “حقيقة هذه الدول ظلت طيلة فترة الإنقاذ تلعب لمصالحها مع النظام والمؤسف أن طبيعة هذه الدول هي تجاوز الشعب واللعب ومكتسباته وارواحه كما حدث في تحالف عاصفة الحزم، الذي ظل أبناء وطننا هم الذين دفعوا ثمنها بأرواحهم في سبيل لا يعنيهم“. ويتابع اوباما “الثورة الآن يقودها جيل واعي جدا، لا تنطلي عليه الحيل والاكاذيب والمصالح، وخصوصا من قبل هذه الدول التي ظلت طوال هذه الفترة سندا للنظام، وتجاهلت شعب الوطن. إذا أرادت هذه الدول اعادة نفس التجربة، فهذا الجيل قادر على تجاوزها. اما اذا اردت ان تتعامل بمبدأ دول جارة تحترم الوطن ومواطنيه في المقام الأول، دون مبدأ المصالح الهرمية، ربما يكون التأثير إيجابيا بين أبناء شعوب دول الجوار، ومساعدة بعضنا البعض، وبناء علاقات طيبة في كل المجالات والاتحاد والوقوف مع بعضها في المواقف الصعبة، كما في الاتحاد الأوروبي“.