انقسام تجمع المهنيين.. صراع التسوية واستكمال مهام الثورة
الخرطوم:14 يوليو 2020م
أدت الخلافات التي نشبت داخل تجمع المهنيين السودانيين، إلى زعزعة الثقة الكبيرة التي يوليها الشارع للتجمع، وذلك للدور الكبير الذي لعبه في قيادة ثورة ديسمبر 2018 ونجاحه في إيصال التظاهرات إلى إسقاط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ويرى كثيرون أن سبب الخلافات الأخيرة نزاعات سياسية حول قيادة التجمع، بعد الإنتخابات التي كانت نتائجها اختيار سكرتارية جديدة وتغيير مجلس التجمع ومناديبه لدى المجلس المركزي لتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير. الأمر الذي يرجح مراقبون بعصفه بالتجمع وإلقاء تأثيراته على الحكومة المدنية والفترة الإنتقالية بشكل عام.
بدايات الصراع
ويتكون تجمع المهنيين من أجسام مهنية ممثلة لأغلب القطاعات يصل عددها إلى 18 جسم مهني، وبعد الخلافات الأخيرة أعلنت 6 أجسام مهنية وهي لجنة أطباء السودان المركزية وتجمع المهندسين السودانيين والتحالف الديمقراطي للمحامين بشكل جزئي وتجمع مهنيي الأرصاد الجوية وتجمع البيئيين السودانيين وتجمع اختصاصيي المارود البشرية، أعلنت رفضها للانتخابات ووصفتها بالمزورة رغم اشتراكها فيها، وقالت إن التجمع تمت اختطافه بواسطة حزب سياسي دون تسميته، في الوقت الذي أعلنت فيه بعدم شرعية السكرتارية المنتخبة. فيما قامت السكرتارية الجديدة بعدد من الإجراءات منها إيقاف جميع الناطقين الرسميين باسم التجمع وسحب مناديبه من كل اللجان والهيئات الحكومية، في خطوة كانت بداية للتصعيد الإعلامي من الطرفين بعد أن أضحى الصراع بين مكونات التجمع جماهيريا دون حله تنظيمياً.
جدوى الجُودية
وفي ذات السياق، قام المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير بإيقاف مناديب تجمع المهنيين المبعوثين لديه، وشكل لجنة للجلوس مع أطراف الصراع في التجمع لرأب الصدع وحلحلة المشاكل الداخلية بدلاً عن التراشق الإعلامي الذي أفقد التجمع بريقه وقدرته على قيادة الشارع والتأثير فيه. وفي بادرة منه، أعلن رئيس لجنة التحقيق المستقلة في أحداث فض الإعتصام، المحامي نبيل أديب، عن جلوسه مع الأطراف المصارعة في تجمع المهنيين لإنهاء الخلاف الدائر بينهما، ولكن تلك اللجان لم يظهر لها أثر سوى إيقاف التصعيد الإعلامي من الطرفين.
الإستيلاء على الصفحة
ورغم أن الأجواء بدأت في الهدوء قليلاً بعد تبني التجمع لمليونية 30 يونيو الماضي ودعمها، إلا أنه في ذلك اليوم، سيطر مندوب لجنة الأطباء في المكتب الإعلامي، على صفحة تجمع المهنيين بموقع التواصل الإجتماعي بالفيسبوك، المنبر الإعلامي المعروف لتجمع المهنيين، الأمر الذي أثار ضجة واسعة على مواقع التواصل الأجتماعي بين ساخرين من الخطوة ومنتقدين لما وصفوه بعدم المسؤولية.
ويتهم ناشطون على وسائل التواصل الإجتماعي، الأطراف المتنازعة في تجمع المهنيين، بالإنتماء لأحزاب سياسية تحاول فرض أجندتها في تجمع المهنيين، وذلك بإسقاط صراعات قوى الحرية والتغيير على تجمع المهنيين، وذلك بتصنيف بعض الكيانات المهنية وفقاً لأعضائها المعروفين بانتمائهم لأحزاب سياسية، وتتوزع تلك الاتهامات بين الحزب الشيوعي وحزب المؤتمر السوداني والتجمع الإتحادي.
خطين متوازيين
وبهذا الصدد، تقول عضو مجلس تجمع المهنيين المنتخب قمرية عمر لـ(عاين)، إن الصراع الدائر داخل التجمع يمكن تصنيفه بين مجموعتين الأولى تدعو لتصحيح مسار الثورة والتغيير الجذري والأخرى تفضل خط الهبوط الناعم الذي لا يرنو إلى تغيير كامل بالبلاد وذلك لارتباط مصالح تلك المجموعات بمصالح النظام البائد حسب قولها، مشيرة إلى أن البعد السياسي للصراع يكمن في انتماء تلك المجموعات المهنية لأحزاب تختلف دعاواها بين التغيير الجذري والتغيير الجزئي.
ونبهت قمرية إلى أن اللجنة الثلاثية التي أوفدها المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير بهدف المصالحة بعد إيقاف مناديب التجمع، ألمحت إلى أن المناديب الموفودين سيخلون بالتوازن السياسي داخل المجلس المركزي نسبة لانتمائهم لأحزاب وذلك يزيد عدد موفدي تلك الأحزاب بالمجلس المركزي.
قبول ثم رفض !
وتنفي قمرية أن سبب فقدان التجمع لقاعدته الكبيرة في الشارع، يرجع إلى الخلاف الدائر الآن، مؤكدة أن ذلك سببه انحراف التجمع عن مساره الذي عهدته الجماهير وذلك عن طريف جنوح بعض قادته عن المسار الثوري الذي عرف به التجمع، وأوضحت قمرية أن الانتخابات المشار إليها قامت في موعدها حسب دستور ولائحة التجمع التي تفرض مدة قيادة التجمع بعامين، ولفتت إلى أن المجموعة التي رفضت نتيجة الانتخابات شاركت في كل مراحلها وأقرت بنتائجها في البداية ولكنها بعد ذلك أعلنت موقفها المعروف ووصفت الانتخابات بالمزورة.
الحل التنظيمي
وقطعت قمرية بالخطأ الذي ارتكبته المجموعة الرافضة للانتخابات باتجاهها للتصعيد الإعلامي بدلاً عن حل المشكلة داخل الأطر التنظيمية المعروفة للتجمع، وكشفت أن لجنة المعلمين تقدمت بمبادرة لحل الخلاف تنظيمياً ورأب الصدع ووقف التصعيد الإعلامي حتى لا يخسر التجمع قاعدته أكثر من ذلك، لافتة إلى أن خطوة استيلاء مندوب الأطباء على صفحة تجمع المهنيين بالفيسبوك كانت قاصمة الظهر، ونوهت إلى أن استرداد الصفحة تم بالتواصل مع إدارة الفيسبوك بعد إبراز الهويات المطلوبة.
ودعت قمرية إلى تماسك تجمع المهنيين في هذه المرحلة الحرجة من تأريخ البلاد ليواصل قيادته للثورة حتى الوصول بها إلى غاياتها، قائلة أن هذه الخلافات قد تعصف بالفترة الانتقالية وتهدد وجود الحكومة المدنية وتزيد من فرص الردة على الثورة من كل المتربصين بها.
الاصطفاف الحزبي
وبالمقابل، يقول خالد محمد الحسن عضو تجمع البيئيين أحد الأجسام الرافصة لانتخابات التجمع لـ(عاين)، إن رفضهم للانتخابات جاء بعد رؤيتهم بوجود اصطفاف حزبي معين لتلك الأجسام، وقال إلى أن المبادرات التي قادتها أجسام مختلفة لرأب الصدع هي محل ترحيب مثلها مثل مبادرات 5 أجسام داخل التجمع، ملمحاً إلى أن تلك ال5 أجسام ترفض الإنتخابات ونتائجها طالما أنها تقود مبادرة للإصلاح.
وأوضح أنهم لم يقبلوا بنتيجة الإنتخابات أبداً وأن سير الانتخابات بتلك الطريقة كشف لهم ما سماه بالتكتل الحزبي للسيطرة على قيادة التجمع، وكشف محمد الحسن أن الحل الذي طرحوه لتجاوز الأزمة هو تناسي الإنتخابات وتشكيل قيادة توافقية مؤقتة إلى حين الإصلاح الهيكلي الكامل لتجمع المهنيين.
تماس سياسي
ومن جانبه أكد القيادي بالمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير كمال بولاد لـ(عاين)، أن خلافات تجمع المهنيين محبطة لكثيرين لأن التجمع كان قائداً للاحتجاجات التي أطاحب بنظام البشير، وفي رده على كيفية استمرار عمل المجلس المركزي بدون أحد مكوناته الرئيسية، قال بولاد إن المجلس المركزي تحالف بين أجسام لا يمكن إيقاف عمله لغياب عضوية أحد الأجسام لفترة مؤقتة، وفي نفس الوقت نفى إيقافهم لمناديب تجمع المهنيين بسبب اختلال توازن القوى السياسية داخل المجلس المركزي.
وشدد بولاد على حرص قوى الحرية والتغيير على تماسك تجمع المهنيين وعودته لدوره الريادي في الحركة السياسية والنقابية، منوهاً إلى أن الخلاف النقابي الحالي لا يمكن فصله عن الجذور السياسية للافراد الموجودين بتلك الكيانات النقابية وأن العمل النقابي دائماً على تماس مع العمل السياسية نسبة لطبيعة عمله، واضاف :”لن نسمح لتلك الخلافات بالتأثير على سير الفترة الإنتقالية وسيطرة مكون واحد على السلطة لأن هذه المرحلة مختلفة عن كل تلك المراحل الانتقالية السابقة، وسنبذل كل جهدنا حتى تعود قوى الثورة لتماسكها وقيادة الثورة حتى تصل أهدافها”.