حرب السودان.. أزمة النفط تضع (جوبا) على حافة الإفلاس

عاين- 9 مايو 2024

يخسر اقتصاد جنوب السودان الهش 100 مليون دولار شهريا-وفقاً لنائب برلماني في جوبا- منذ توقف النفط الصادر عبر الأراضي السودانية؛ بسبب تلف الأنابيب في ولاية النيل الأبيض غربي العاصمة الخرطوم منذ مارس الماضي.

وكان السودان أبلغ جنوب السودان رسميا في مارس الماضي بتوقف الخام إلى ميناء التصدير عبر خط الأنابيب لوجود تلف في منطقة النعيمة بولاية النيل الأبيض، وتعذر الوصول إلى البلدة لصعوبات أمنية.

ومنذ ذلك الوقت لم يعد ممكنا تحديد وقت معين لاستئناف ضخ الخام من جنوب السودان عبر السودان في ظل صعوبة انتزاع ضمانات أمنية لوصول الإمدادات اللوجستية إلى محطات الضخ في بلدتي العيلفون وسط السودان ومنطقة النعيمة بولاية النيل الأبيض، على الرغم من إنهاء فريق من شركات النفط صيانة خط النعيمة استعدادا لضخ الخام.

نقص الموارد

ذكر نائب في برلمان جنوب السودان في حديث لـ(عاين) مشترطا عدم الإشارة إلى اسمه لوجود تحركات بين جوبا والخرطوم في هذا الصدد أن الموعد المحدد لتصدير خام جنوب السودان لن يقل عن عام ونصف، لكن تحركات البلدين مؤخرا قد تجعل الفترة الزمنية تتقلص إلى ستة أشهر.

وأضاف: “بنهاية هذا العام يمكن لنفط جنوب السودان أن يصدر عبر الشمال إذا سارت الأمور كما يجب ورفض الإجابة عن سؤال (عاين) عما إذا كانت جوبا تدرس عرضا من شركة إماراتية إقراضها 12 مليار دولار مقابل إنفاق 90% من قيمة القرض على تشييد بنية تحتية عبر كينيا مقابل التخلي عن الخط الناقل في الشمال ورد قائلا: “لا علم لي بهذا الموضوع”.

خط الأنابيب من أعالي النيل (سودان تريبيون)

وهناك مخاوف من تأجيل ثالث للانتخابات في جنوب السودان، والتي ستعقد في ديسمبر القادم خلال هذا العام. ويقول النائب البرلماني: “إذا لم يستأنف النفط لن تتمكن الحكومة من تمويل الانتخابات.. الفرضية الراجحة تأجيلها إلى وقت لاحق ريثما تتوفر الموارد اللازمة”.

وأضاف: “المشكلة أن الكهرباء والوضع المعيشي لملايين من السكان يتأثر بتوقف إيرادات النفط لن تحصل جنوب السودان على إمداد كاف من الوقود أيضا”.

ضمانات أمنية

وينتج جنوب السودان 103 ألف برميل يوميا من المتوقع أن يصل الإنتاج في العام 2029 إلى 112 ألف برميل-بحسب إحصائيات صادرة عن حكومة جوبا- ومع ذلك فإن هذا البلد مهدد بالانتقال إلى مرحلة العنف نتيجة تأزم الأوضاع الاقتصادية والمخاوف من تجدد اضطرابات في الولايات خارج العاصمة جوبا.

يقول العامل في قطاع النفط مهند عبد الباري لـ(عاين): إن “حكومة سلفاكير لم تحسن التعامل مع ملف النفط منذ اندلاع حرب السودان بين الجيش والدعم السريع، وتباطأت في التعامل مع موضوع استراتيجي مثل النفط”.

وأضاف: “هناك مقترح بضرورة التنسيق بين شركات النفط والسودان وجنوب السودان والدعم السريع لإدارة عملية ضخ النفط، لكنه متعثر لا يتحمس حياله الجيش والدعم السريع لتباعد الثقة بينهما”.

ويردف عبد الباري قائلا: “المشكلة أن جزءاً كبيراً من الخط الناقل للنفط يقع تحت سيطرة الدعم السريع في هذه المناطق لا يمكن الحصول على ضمانات أمنية للعاملين في الشركات، ولا يمكن نقل الإمدادات مثل الوقود لتشغيل المولدات وتسخين الخام”.

وانعكس توقف النفط على سعر صرف العملة في جنوب السودان، ويباع واحد دولار أمريكي في السوق الموازي في جوبا بـ 290 ألف جنيه جنوب سوداني مرتفعا من 120 ألف جنيه قبيل توقف النفط عبر الشمال.

وتبعا للارتفاع الكبير في سعر الصرف ارتفع الوقود إلى أربعة آلاف جنيه لواحد “جالون” والسلع التموينية والنقل وخدمات النقل وهناك توقعات بانتقال مليوني شخص إلى طبقة معدمة تماما جراء تآكل الأجور في القطاع العام.

خنق السودان

يقول الباحث اقتصادي في جوبا وليام أوكيلو، إن جنوب السودان تعامل بنعومة مع قضية استراتيجية مثل النفط، وفوجئت بسيطرة الدعم السريع على ولايات تمر عبرها أنابيب النفط، أو تنقل المواد اللوجستية مثل ولايتي النيل الأبيض والجزيرة والعاصمة الخرطوم.

ويقول أوكيلو لـ(عاين): إن “استهداف مناطق النفط في السودان كان ممنهجا؛ لأن القرض الإماراتي جاء وفقا لهذا الاستهداف أي (اجعل البلد على وشك الإفلاس، وقدم له عرضا ماليا حتى يوافق على شروطك)”.

وأضاف أوكيلو: “وزير مالية جنوب السودان حاليا في دبي يحاول الوصول إلى اتفاق حول القرض الإماراتي البالغ 12 مليار دولار والمخصص 95% منه لبناء خطوط الأنابيب عبر كينيا وهو مشروع وهمي وغير مجد”.

خطوط أنابيب النفط من جنوب السودان إلى السودان (المصدر: ستاندرد آند بورز العالمية, وزارة النفط في جنوب السودان).

ويعتقد أوكيلو، أن الصفقة بين الإمارات وجنوب السودان كانت سرية حتى سُربت من بعض الجهات، ورفضها الرأي العام في جنوب السودان. وقال إن “جوبا ستدفع ثمنا باهظا حال تمرير القرض الإماراتي”. وأضاف: “هذه الصفقة مجحفة للغاية تصادر حقوق أجيال جنوب السودان، وتنتزع قرارها السياسي والغرض خنق الجيش السوداني، حتى لا يحصل على موارد مالية لتمويل الحرب”.

وجراء نقل النفط من جنوب السودان عبر الشمال يحصل السودان على نحو 33 مليون دولار شهريا ونهاية العام الماضي كانت الدعم السريع أرسلت شروطها لحكومة جنوب السودان بمناصفة المبلغ معها أو إيداعها في حساب منفصل إلى حين تشكيل حكومة مدنية في السودان أو إيقاف النفط.

إصلاح الخط الناقل

فيما يؤكد مصدر مسؤول من وزارة الطاقة والتعدين في السودان تحدث مع (عاين) مشترطا عدم نشر اسمه أن الفريق الهندسي فرغ من صيانة محطة النعيمة قرب مدينة الديوم في ولاية النيل الأبيض غربي العاصمة السودانية.

وأضاف: “يجري العمل حاليا في منطقة العيلفون وسط البلاد لتفريغ الخط الناقل للخام من حالة التجمد على طول 400 متر والعمل يمضي وفق الخطة الموضوعة”.

وقد تضع هذه الأزمة جنوب السودان على وشك الإفلاس؛ لأنها كانت تبيع النفط الخام، وتحصل على نحو 100 مليون دولار شهريا لتمول أجور القطاع العام والخدمات العامة مثل الكهرباء والمياه والصرف على الجيش والأمن.

وانفصل جنوب السودان من السودان في العام 2011 مستحوذا على 300 ألف برميل من النفط يوميا، وتناقص الإنتاج منذ القتال في هذا البلد بين قوات المعارضة المسلحة بقيادة رياك مشار والقوات الحكومية في جوبا.

ويقول وليام أوكيلو، إن “الأزمة الاقتصادية في جنوب السودان ستدفع النخبة الحاكمة لوضع ضرائب جديدة على مواطنين فقراء جدا دون أن يكترثوا لفقرهم من أجل تمويل بنود الصرف في المؤسسات الحكومية أو زيادة الثروة المالية، في حين أن التحرك الاستراتيجي كان هو المطلوب حينما هاجمت الدعم السريع مناطق النفط في السودان”.

ما هو الحل؟

ويقول الوكيل السابق بوزارة الطاقة والتعدين حامد سليمان حامد لـ(عاين): إن “التلف الذي لحق بالأنابيب بدأ في محطة العيلفون شرق العاصمة السودانية، وتجمد الخام بسبب عدم تشغيل المولدات التي تقوم بتسخين الخام”.

حقل نفطي في ولاية الوحدة بجنوب السودان- الصورة: يوناميد

وزاد قائلا: “لم تتمكن الشركات من إدخال الوقود لتشغيل المولدات الخاصة بتسخين الخام في محطة العيلفون لعدم توفر الممرات الآمنة وفشل العاملين في التنسيق بين محطتي العيلفون والنعيمة لانقطاع الاتصالات”.

وأضاف: “تجمد الخام في المحطة الرابعة في العيلفون أثر في المحطة الثالثة في النعيمة بمنطقة النيل الأبيض، وتوقف 95 ألف برميل من الخام القادم من عدارييل في جنوب السودان”.

ويقول سليمان، إن “المطلوبات الأمنية لتشغيل خام جنوب السودان عبر الشمال يجب أن تكون بين أربع جهات هي السودان وجنوب السودان والشركات والدعم السريع”.

وأردف سليمان: “حتى لو تمت عملية صيانة الخط النقل في السودان لا توجد ضمانات على عدم التوقف مجددا لذلك يتعين على جميع الأطراف التنسيق في هذا الملف والسماح بمرور العاملين في قطاع بشكل آمنة في جميع مناطق السودان وإدخال الوقود وقطع الغيار”.