“جوع ومرض ومضايقات”.. لاجئو جنوب السودان في النيل الأبيض
عاين- 6 أغسطس 2024
في مخيمات اللجوء بولاية النيل الأبيض وعلى الضفتين الغربية والشرقية للنيل، يرزح نحو (350) الف لاجئ ولاجئة من دولة جنوب السودان تحت وطأة آلام اللجوء القاسية، موزعين على (10) مخيمات منسية تنعدم فيها مقومات الحياة الأساسية.
وتمنع السلطات الحكومية اللاجئين من حق التنقل إلى خارج المخيمات بحثاُ عن العمل، لسد حاجتهم من الغذاء. كما أنها في كثير من الأحيان تتهم اللاجئين وخصوصا الذكور بالانتماء إلى أحد طرفي النزاع، الجيش والدعم السريع.
قالت تهاني أجاك، وهي ناشطة فاعلة في حقوق اللاجئين الجنوب سودانيين ومقيمة بمعسكر الرديس (2)، إن “أعداد اللاجئين الجنوبين زادات بعد اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع منتصف أبريل 2023.”
وتضيف في مقابلة مع (عاين):”نزحت العديد من الأسر الجنوب سودانية إلى معسكرات اللجوء من مدن السودان المختلفة وخاصة مدن ولاية الخرطوم بعد اندلاع الحرب”.
مواقع المعسكرات
يتواجد اللاجئون في ولاية النيل الأبيض في (10) معسكرات تقع على ضفتي النيل الأبيض الشرقية والغربية بمحليتي الجبلين والسلام.
وفقا لرئيس مجتمع معسكر الرديس (1) رياض الونغ تتوزع معسكرات اللجوء العشرة في ولاية النيل الأبيض على ضفتي النيل الغربية والشرقية. وتضم الغربية معسكر الجمعية الذي يأوي (35000) لاجئ، وخور الورل (70000) وأم صقور (60000) والرديس (1) الذي يأوي (20000) والرديس (2) (45000) ومعسكر الكشافة (17000) ومعسكر جوري (14000).
أما المعسكرات الشرقية وفقاً لألونغ أيضا، فتضم معسكر العلقاية (50000) لاجئ ودبة بوسن (18000)، ومعسكر القناة (20000). ليصبح عدد اللاجئين (349) ألف لاجئ ولاجئة، موزعين على هذه المعسكرات.
أوضاع قاسية
يعيش اللاجئون أوضاعا سيئة، إذ لم تصرف لهم منذ مدة طويلة مواد من الحطب والقنا والحصير لتجديد منازلهم أو مشمعات تقيهم الأمطار غزيرة الهطول في موسم الخريف بولاية النيل الأبيض، وفقا للناشطة في حقوق اللاجئين الجنوب سودانيين، تهاني أجاك.
تقول أجاك لـ (عاين): “يعتمد اللاجئون فقط على حصة غذائية شهرية تصرف لهم مكونة من ذرة وعدس وزيت طعام وملح”. وتضيف: “يضطر بعضهم لبيع جزء من حصتهم الغذائية لسد احتياجاتهم الناقصة وإضفاء تنوع غذائي بديلاً للعدس”.
يضطر اللاجئون لبيع حصصهم الغذائية لإضفاء تنوع غذائي بديل للعدس
ناشطة في شؤون اللاجئين
يوجد مركز صحي إسعافي واحد بكل مخيم تنعدم فيه العديد من المعدات والإمكانات الصحية مثل المعامل الطبية لإجراء الفحوصات إلى جانب محدودية الدواء وغياب العديد التخصصات الصحية- وفقاً لاجاك.
وبسبب كثافة أعداد المرضى يطول صف الانتظار. ولا يصل العديد منهم إلى مقابلة الطبيب، خاصة وأن العيادة الطبية تأخذ عدداً محدوداً من المرضى. تقول أجاك. وتضيف: “يعود المرضى إلى منازلهم إلى حين أن يحالفهم الحظ، ويقابلوا الطبيب المرة المقبلة”.
ووفقا لاجاك، فإن حكومة ولاية النيل الأبيض توفر الأرض التي تأوي اللاجئين إضافة إلى أنها توفر قوة أمنية لحراسة هذه المخيمات، وليس لحماية اللاجئين.
وحول فاعلية المنظمات في مخيمات اللجوء بالنيل الأبيض، في توفير الغذاء والعلاج، فإن أجاك تقول: ليس تماماً. لا يوجد تسجيل جديد، لأن الهجرة بعد اندلاع الحرب صارت عكسية من السودان إلى دولة جنوب السودان.
وتؤكد أجاك نقص وانعدام الدواء إلى جانب تأخر وصول الحصص الغذائية. وتوضح ” إذا وصلت، فإنها تصل ناقصة”.
وإزاء ذلك فإن أجاك تطالب بتوفير الحماية الحقيقية للاجئين الجنوبيين في معسكرات النيل الأبيض، وفقاً لما نصت عليه مواثيق حقوق الإنسان وحقوق اللاجئين للحد من الانتهاكات التي يتعرضون لها مثل حظر حرية التنقل والتعرض للضرب والاعتقال والقتل والاختفاء والترحيل الإجباري والأبعاد.
تتوق أجاك، إلى تحسين أوضاع اللاجئين الجنوبيين المعيشية، وترغب بشدة في توفير الخدمات الصحية لهؤلاء اللاجئين في مختلف التخصصات الطبية.
وأفادت أجاك بأن اللاجئيين الجنوبيين الذكور الموزعين على هذه المعسكرات العشرة خاصة الشباب يعانون التمييز والملاحقة بذريعة انتمائهم إلى أحد طرفي الصراع، الجيش أو الدعم السريع، وتطالب أجاك بأن يتوقف هذا التمييز فوراً.
استغلال النساء
هناك في معسكرات اللجوء بالنيل الأبيض، يتعرض النساء فيها لمضايقات وانتهاكات بشكل متواصل من قبل المجتمع المضيف في أثناء ذهابهن لجمع حطب للوقود. وفقا لأجاك التي تأمل أن تتوقف هذه الاعتداءات أيضاً. وتقول “يتعرض هؤلاء النسوة للاستغلال بسبب الفقر والحاجة الاقتصادية.” أما الأطفال، فإنهم يعانون في هذه المعسكرات من سوء التغذية وانتشار الأمراض على نحو لافت، تشير أجاك.
تفرض السلطات المحلية بولاية النيل الأبيض على اللاجئين الجنوبيين تقييدا يمنعهم الخروج من المعسكرات بحثا عن العمل.
رئيس مجتمع الرديس (1) رياض الونغ، يعتبر أن ذلك يعد أبرز التحديات التي تواجه اللاجئين الموزعين على معسكرات اللجوء بولاية النيل الأبيض.
يقول الونغ في حديث لـ(عاين): “في السنوات الماضية كانت هناك إمكانية للتحرك من معسكر إلى معسكر آخر. ويضيف:”الآن كل السبل مقفلة أمام اللاجئين الجنوبيين خاصة الرجال والشباب”.
وبخصوص فاعلية مفوضية العون الإنساني بولاية النيل الأبيض، في تقديم الخدمات للاجئين الجنوبيين في المعسكرات. يقول الونغ: في ظل الحرب السودانية المندلعة لا يوجد دور للمفوضية إنها غائبة تماماً.”
تحديات الخريف
تعتبر ولاية النيل الأبيض إحدى الولايات السودانية شديدة المطر خلال هذه الفترة من العام. وفي هذه المعسكرات التي تضم آلاف اللاجئين الجنوب سودانيين الذين يعانون ويلات اللجوء القاسية، فإن فصل الخريف يمثل تحدياً آخر.
“تسبب فصل الخريف في قطع الطريق بين المعسكرات ومدينة كوستي؛ مما يؤدي إلى توقف الخدمات التي تُقدم لآلاف اللاجئين”. يقول رياض الونغ.
وبحسب الونغ لا توجد منظمات فاعلة على الأرض عدا الهلال الأحمر السوداني الذي ينحصر دوره في توزيع الغذاء. لكنه يقول إن إدارة مفوضية اللاجئين (COR) مهمتها إدارة المعسكر والمنظمات الزائرة ومراقبة نوعية الخدمة التي تقدم للاجئين.
نقص الغذاء
تعاني هذه المعسكرات من مشكلات الصحة والغذاء، وتمثل هذين المشكلتين تحديا كبيراً أمام اللاجئين. وهنا، فإن ألونغ يقول: “لا يوجد علاج كاف في المراكز الصحية خاصة للأطفال والنساء الحوامل”. ويضيف:”يموت الناس بسبب عدم توفر العلاج.”
يموت الناس في مخيمات النيل الأبيض بسبب عدم توفر العلاج
رياض الونغ رئيس مجتمع الرديس (1)
وفيما يختص بالغذاء، يشير ألونغ بقوله” تم تقليص المواد الغذائية بنسبة (35)%، بحجة أن برنامج الأغذية العالمي (WFP) ليس لديه ميزانية لتلبية حاجات اللاجئين.
وفقاً لمقارنة بأوضاع اللاجئين قبل الحرب الدائرة الآن في السودان، فإن الأوضاع في معسكرات النيل الأبيض كانت أفضل قبل الحرب، هكذا يقول مودو فيليب، وهو باحث في قضايا اللاجئين الجنوبيين.
يؤكد فيليب في حديث لـ(عاين) بأن اللاجئين الجنوب سودانيين في معسكرات النيل الأبيض، باتوا يعانون أكثر بعد اندلاع الحرب في السودان. ويوضح: “تأزمت أوضاع اللاجئين أكثر مقارنة بالفترة ما قبل الحرب”.
وبالنسبة لفيليب، فإن أبرز المشكلات التي تواجه اللاجئين قيام سلطات ولاية النيل الأبيض، بوضع عقبات أمام اللاجئين الذين يريدون العودة إلى بلادهم.
وبالرغم من تقييد الحركة، فإن عدداً من اللاجئين الجنوبيين يخاطرون بالخروج من المعسكرات بحثاً عن لقمة العيش لعائلاتهم المهددة بالموت جوعاً؛ بسبب تأخر وانخفاض الحصص الغذائية.
فيليب يؤكد أيضاً تدهور الوضع الصحي التعليمي على نحو مريع في كافة معسكرات.
ورأى أن مفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHC) التي تعتبر الجهة الأممية الأولى المسؤولة عن أوضاع اللاجئين، أدت دوراً مهماً منذ اعتراف السودان باللاجئين الجنوبيين في نهاية 2016. إلا أنه يشير بقوله”نتيجة لعوامل كثيرة من بينها نقص الدعم المالي المقدم من قبل المانحين الدوليين لتسيير مهمتها الأساسية في السودان تجاه اللاجئين انخفض الدعم؛ مما ترتب عليه نقص الاهتمام باللاجئين الجنوب سودانيين.
وبالنسبة لمعتمدية شؤون اللاجئين وهي الجهة الوطنية المسؤولة عن اللاجئين، فوفقاً لفيليب، فإنها أكثر الجهات الحكومية التي ساهمت في تدهور أوضاع اللاجئين منذ أن انتقلت إدارة شؤون اللاجئين إليها.
تعتبر مخيمات اللاجئين من جنوب السودان، بولاية الأبيض، أكثر المناطق التي تأثرت خلال السنوات الماضية بسبب الأمطار الغزيرة. ويؤكد فليب أن الأمطار أدت في مرات عديدة إلى دمار وغرق بعض المنازل في تلك المعسكرات.
ومع استمرار هطول الأمطار يشير فليب، إلى عدم وجود أي تحركات جدية من قبل المسؤولين المباشرين للاجئين (UNHCR) و(COR) المعنية بادارة المعسكرات لتوفير ما من شأنه حماية منازل هؤلاء اللاجئين من “مشمعات” وغيره.
وفي اكتوبر 2018 انضمت دولة جنوب السودان إلى اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وبروتوكولها لعام 1967.
ووفقا لفيليب، فإن الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين للعام 1951 التي تنص على التزام الدولة المستضيفة بتلك الاتفاقية. وتابع” السودان ملزم بذلك عبر القانون المجازة في عام 2014.
لذلك، فإن فيليب يرى أن واجب السلطات السودانية التعامل مع اللاجئين الجنوب سودانيون في السودان كأناس لهم كامل الحقوق للحياة بكرامة، والحصول على كل حقوق الأساسية مثل السكن والغذاء والرعاية الصحة والتعليم والمياه الصالح للشرب وحرية التنقل والتوظيف وإعادة التوطين والعودة الطوعية إلى بلدهم الأصلي.
وإلى جانب أن النساء يعانين في معسكرات اللجوء بولاية النيل الأبيض من عدم توفر الغذاء والرعاية الصحية، فإنهن يعانين أيضا من العنف والتحرش الجنسي. وفقاً لفيليب.
ويطالب فيليب الجهات المسؤولة عن اللاجئين تقديم الحماية الكاملة للاجئات الجنوب سودانيات إزاء تعرضهن لأعمال العنف والتحرش الجنسي.كما يدعو لتوفير الرعاية الصحية للنساء وخصوصاً الحوامل، مع ضرورة تشجيع الأطفال على التعليم لبناء جيل وعي ومسؤول في المستقبل.