“سقوط مُمِيت”.. أطفال بجنوب كردفان ضحايا البحث عن طعام أوراق الشجر
عاين- 25 أغسطس 2025
“ذهبت مع طفلي لجمع أوراق شجرة التبلدي، حتى أتمكن من طبخها طعام له وبقية إخوانه، لكنني عدت به جثة هامدة للمنزل بعد أن سقط من الشجرة، ومات على الفور”. تقول والدة الطفل المتوفي خليفة عبد المتعال بدور إسماعيل لـ(عاين) من منطقة حجر المك ضواحي مدينة كادوقلي في ولاية جنوب كردفان.
وتشير إسماعيل، إلى أنها اعتادت القيام بهذه الرحلة بشكل يومي مع طفلها المتوفى، وجمع أوراق شجر التبلدي وطبخه غذاء كغيرها من سكان المدينة التي تواجه نقصا حادا في الغذاء؛ بسبب حصارها من قبل قوات الحركة الشعبية -شمال والدعم السريع.
حادثة وفاة “خليفة” هي ليست الوحيدة، وتوفي 10 أطفال آخرين في ولاية جنوب كردفان في ظروف مماثلة أثناء بحثهم عن الطعام أو محاولة ذويهم علاجهم بأعشاب سامة.
وقال مصدر طبي في مدينة كادوقلي لـ(عاين): أن “عدد الوفيات بسبب البحث عن طعام بين الأطفال دون الـ 15 عاماً، بلغت 10 وفيات خلال الشهر الجاري. بينها حالة وفاة طفل؛ بسبب لدغة ثعبات أثناء مطاردة لفأر لجهة أن الفئران مصدر رئيسي للحوم في المنطقة. وتوفي 4 أطفال آخرين بسبب السقوط من الأشجار، و5 آخرين بعد محاولة ذويهم علاجهم بأعشاب سامة”.
وبعد مرور أكثر من عامين على الحرب في السودان تشهد ولاية جنوب كردفان “المنطقة الغربية” أوضاعا إنسانية هي الأسوأ في تاريخ الولاية. وتتعرض مناطق كادوقلي والدلنج لحصار من كل الجهات الأمر الذي عطل وصول السلع الغذائية الضرورية والأدوية المنقذة الحياة؛ مما أدى إلى ازدياد الوفيات بسبب الجوع وفقدان الأدوية للمصابين بأمراض مزمنة.
تعتبر مدينتا كادوقلي والدلنج وريفهما المحيط مسارح للعمليات العسكرية منذ العام 2011، ولكن سكان المنطقة يعتبرون الفترة الممتدة من ديسمبر 2023 تاريخ بداية تبادل إطلاق النار هي الفترة الأسوأ على مر تاريخ الولاية. ويصف الممرض بمستشفى الأم بخيتة بالدلنج، خالد فتح الله، الأوضاع الصحية بالمحلية “بالأسوأ على امتداد رحلته العملية التي بلغت 25 عاماً”. ويكشف في مقابلة مع (عاين) عن اكتظاظ المشفى بالمرضى ووصول 12 إلى 15 مريضاً بشكل يومي منهم من يحتاج إلى تدخل عاجل مثل الأكسجين. وقال:” في الشهر الجاري سجل المستشفى 12 حالة وفاة منها 3 أطفال بعد الولادة و2 من الأمهات أثناء الولادة، و7 حالات وفاة لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة”.
كادوقلي تحتضر
بذات القدر تشهد حاضرة الولاية كادوقلي تدهور في الأوضاع الحياتية، حيث ظلت تتعرض لهجوم مستمر من الناحية الجنوبية الشرقية التي تسيطر عليها الحركة الشعبية، ومن الناحية الغربية التي ينتشر فيها الدعم السريع فضلاً عن إغلاق الطريق الرئيس؛ عند منطقة الدشول شمالي الولاية.
أدى الحصار إلى تراجع المواطنين عن ممارسة الزراعة نتيجة الأوضاع الأمنية السيئة، بالإضافة إلى نفاد المخزون الغذائي والعلاجي في المنطقة. وعليه، بات سكان مدينة كادوقلي يعتمدون على الفئران والأعشاب وجذوع الأشجار كوجبات أساسية ووسائل علاج. حيث يتم استخدام طرق النيم والمهوقني بعد غليه لعلاج الملاريا، وبعض الأعشاب لعلاج آلام البطن والصداع الحاد.
وكشف مصدر طبي بكادوقلي عن افتقار المستشفى لكافة الاحتياجات العلاجية الضرورية مع ازدياد وصول المرضى، مما أدى إلى افتراش المرضى الأرض لعدم توفر أسِرَة. وزاد “هناك عدد من المرضى أغلبهم أطفال في انتظار الموت الحتمي لغياب الأدوية”.

ويرجع إسماعيل النور، تدهور الأوضاع الصحية إلى القرار الذي صدر بوقف نشاط المنظمات العاملة في القطاع الصحي. وقال لـ(عاين): “إن قرار الوالي بوقف المنظمات أثر بشكل مباشر على الظروف العلاجية، لأن هذه المنظمات كانت تملك وسائل فعالة لتوفير العلاج”. وأعرب عن استغراب الجميع من هذا القرار في ظل الظروف الحالية.
وكانت السلطات المحلية بولاية جنوب كردفان أوقفت 30 منظمة، من بينها منظمات تعمل في المجال الصحي، في أبريل الماضي.
وتشهد كل مناطق الكرقل كيقا الخيل وكيقا جرو- كرتالا هبيلا والنتل بالدلنج وقرى الحمرة السرف ومناطق شاد كاتشا وبلينجة بكادوقلي الكبرى أوضاع في غاية السوء حيث وصفها مصدر من المنطقة (عاين) ب”المنسية”، وقال: “التركيز الآن على كادوقلي والدلنج كمدن كبرى، ولكن الكارثة الإنسانية في المناطق الواقعة بينهما وحولهما، فإن كانت هناك كارثة إنسانية سوف تكون في هذا القرى والمدن الصغيرة التي ينعدم فيها كل شيء مع صعوبة الوصول إلى المستشفيات خاصة أثناء الخريف”.
وانتقد مواطنون في مدينة كادوقلي تحدثت إليهم (عاين) عملية إسقاط جوي قامت بها القوات المسلحة السودانية في الثامن من الشهر الجاري لمرتبات العسكريين وبعض المواد الغذائية، وتجاهلها المواطنون في إشارة منهم للأدوية المنقذة للحياة للمواطنين المحاصرين في المدينة.
وكانت الفرقة 14 مشاة كادوقلي شهدت بعض التوترات وسط الجنود كالهروب من الخدمة والتمرد على القيادة بسبب عدم صرف مرتبات الجنود لأكثر من عام