سنار .. سيناريوهات توسع حرب السودان
عاين-16 يوليو 2024
لم يكن وصول الحرب إلى ولاية سنار جنوب شرق السودان بالحدث العادي مثل سابقاته، إذ تجري توقعات واسعة بأن يشكل نقطة تحول كبيرة في مسار الصراع المسلح المحتدم بين الجيش وقوات الدعم السريع لأكثر من عام، نظرا للموقع الجغرافي الاستراتيجي لسنار التي تمثل حلقة وصل بين شرق البلاد وغربها.
تحولات لن تقتصر على السياق العسكري وخارطة السيطرة الميدانية لطرفي الحرب، لكنها وفق مختصين، ستمتد لتلقي بتأثيرات إضافية على الوضع الإنساني من خلال موجات نزوح جديدة، كما تجعل مواطني سنار العالقين في منازلهم، وولاية النيل الأبيض، وإقليم النيل الأزرق تحت وطأة حصار شديد وما يخلفه من تدهور معيشي.
وبعد اجتياح قوات الدعم السريع لولاية سنار والسيطرة على عاصمتها سنجة في نهاية يونيو الماضي، نزح 135 ألف شخص إلى ولاية القضارف وحدها، بحسب مسؤول في مفوضية العون الإنساني صرح إلى وكالة السودان للأنباء الرسمية، كما فر آخرون إلى إقليم النيل الأزرق وكسلا ونهر النيل شمالي البلاد، وجميعهم يواجهون ظروفاً إنسانية قاسية، ويفاقمون محنة النزوح في السودان.
مع تواتر تهديدات قوات الدعم السريع بالتقدم نحو ولايات أخرى، ترتفع المخاوف من تقلص المساحات الآمنة في السودان؛ مما يفاقم الوضع الإنساني.
ومع تواتر تهديدات قوات الدعم السريع بالتقدم نحو ولايات أخرى واجتياحها، ترتفع المخاوف من تقلص المساحات الآمنة في السودان؛ مما يفاقم الوضع الإنساني، لا سيما وأن المدن التي يتوقع انتقال الحرب إليها تضم آلاف النازحين، وهي تضيق بهم في الوقت الراهن، وهم في ظروف بالغة التعقيد في ظل نقص الغذاء والإيواء.
وتوسعت قوات الدعم السريع شرقا، وتجاوزت مدينة الدندر التي تضم جسر نهر الدندر وهو معبر رئيسي للمواطنين نحو ولايات شرق البلاد، وقطعت الطريق المؤدي إلى ولاية النيل الأبيض عند منطقة جبل، وهي بذلك تعطي احتمالات كثيرة لهجماتها القادمة على قواعد الجيش التي صارت بمثابة جزر معزولة، وفق خبير عسكري.
تشتيت الجهود
يقول مصدر عسكري في الجيش لـ(عاين) إن قوات الدعم السريع تخطط خلال المدى القريب للسيطرة على ولاية النيل الأبيض، لأنه من الصعب أن تغامر بالتحرك شرقاً على الأقل خلال فصل الخريف الحالي؛ نظراً إلى وعورة الطريق، وقد تكبدت خسائر فادحة منذ أيام في أثناء محاولتها التوغل شرق مدينة الدندر.
ويشير المصدر، إلى أن الجيش يعول على تشتيت جهود قوات الدعم السريع في القرى والمناطق النائية التي ليست لها تأثير ميدانية، مع التركيز على حماية القواعد العسكرية المهمة، حيث تعزز القوات المسلحة وجودها في النيل الأبيض وإقليم النيل الأزرق والقضارف، والمناقل، وهي جاهزة لمواجهة أي هجمات أو مغامرات جديدة للدعم السريع.
وبحسب المصدر، فإن الجيش سوف ينفتح على كل الأراضي السودانية في الجزيرة وسنار والعاصمة الخرطوم من أجل استعادة السيطرة عليها، وفق ترتيبات أمنية وعسكرية تجري حالياً.
بينما يشير مصدر بقوات الدعم السريع تحدث لـ(عاين) أن قوات الجيش وعناصر نظام المؤتمر الوطني المخلوع ستظل هدفاً لهم في أي مكان والأوقات كلها، وسوف يذهبون إلى كافة الولايات والأقاليم، لكن لا يدري من ستكون الأولى؛ لأن ذلك مرتبط بتقديرات عملياتية ميدانية، فقواتهم مستعدة للتحرك في أي وقت.
وترجح خطط وتكتيكات الجيش وقوات الدعم السريع، فرضية مزيد من التوسع في نطاق الحرب، وسط مساع دولية وإقليمية لإنهاء الصراع المسلح في السودان عبر التفاوض الذي يحظ بترحيب شعبي كبير، لكن تصطدم تلك الجهود برغبة كل من طرفي القتال في الحسم العسكري، حتى يتسن له تشكيل المشهد مفردا.
ويقول الخبير العسكري محمد خليل الصائم في مقابلة مع (عاين): إنه “لا سبيل أمام الجيش غير تحقيق الانتصار على قوات الدعم السريع، التي تنتشر بشكل غير مؤثر الآن، وتتوسع في القرى والمناطق بصورة غير فعالة، ولا تعكس بأي نوع من التقدم الميداني، وإنما هي تحركات الغرض منها النهب والحصول على أكبر قدر من الغنائم من المواطنين”.
مهام دفاعية
ويضيف الصائم: أن “الجيش مهما توفر له من جنود لا يمكن أن يغطي القرى كلها، ويلاحق الدعم السريع، لكنه يظل يحافظ على القواعد الاستراتيجية والمهمة، ويجري عمليات نوعية للقضاء على الدعم السريع، والانتشار الكثيف لا يعني الانتصار أو التفوق الميداني، وهو غير مزعج البتة، ولا يغير في ميزان قوة القوات المسلحة التي سوف تستمر في خطة ضرب خطوط الإمداد عن تلك القوات التي أصبحت فاقدة للقيادة والسيطرة”.
وعلى النقيض، يرى الخبير العسكري عمر أرباب، أن ولاية سنار منطقة مستوية لانطلاق عمليات حربية على ولايات أخرى، فبعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على جبل موية الاستراتيجية جعلت هناك أكثر من احتمال لهجمات جديدة ربما على ربك عاصمة ولاية النيل الأبيض، أو كنانة التي تضم قاعدة جوية للجيش وسنار المدينة نفسها، فقد يختار الدعم السريع الموقع الأضعف لاجتياحه مثلما فعل مع سنجة.
ويشير أرباب الذي تحدث لـ(عاين) إلى أن سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة سنجة، أعطت احتمالاً لهجوم على ربك أيضا وكنانة والدمازين والجبلين بولاية النيل الأبيض، وسنار نفسها بمحورين، وكذلك القضارف شرقي البلاد، ومن هنا تكمن خطورة توغل قوات الدعم السريع في أجزاء من ولاية سنار.
خبير عسكري: حرب سنار لا يمكن قياسها بحسابات المعارك العادية، وقطع الطرق ومنع إمداد المواطنين، بل هي تهديد لمدينة الدمازين، وإيجاد منفذ حدودي ربما يؤمن إمداد لوجستي وبشري.
ويقول: “سيطرة الدعم السريع على سنار لن يصنع فارقا كبيرا في المشهد العسكري، ولكن ستضعف الموقف الميداني للجيش، لأنه سوف يحدث فصلاً تاماً لقواعده في النيل الأبيض، وإقليم النيل الأزرق والقضارف والدمازين، بجانب تضييق الخناق على القوات المسلحة الموجودة في مدينة المناقل غربي ولاية الجزيرة، فهذه الوضعية تتيح للدعم السريع التحرك نحو الدمازين وهو مؤمن الظهر بصورة كبيرة”.
ويضيف: “الوصول إلى مدينة الدمازين سيفتح خط إمداد خارجي، لكن من الملاحظ أن قوات الدعم السريع أصبحت تركز على المناطق الصغيرة بعد أن استعصت القواعد الكبيرة من أجل توسيع نطاق السيطرة، وتضييق الخناق على القواعد الكبيرة”.
منفذ حدودي
ولم يكن خفيا محاولات قوات الدعم السريع البحث عن منفذ حدودي يؤمن لها خط إمداد جديد، بعد تهديد المعارك العسكرية خط إمدادها الرئيسي منذ اندلاع الحرب، والذي كان عبر الشريط الصحراوي في ولاية شمال دارفور الذي يشهد قتالاً ضاري خلال الشهر الماضي، كما أن ضرب مخازن النفط في مصفاة الجيلي شمالي العاصمة الخرطوم أضر بإمداد الدعم السريع من الوقود، وفق لمصدر عسكري.
ويذهب الخبير العسكري خالد عبيد الله في السياق نفسه، إذ يرى أن حرب سنار لا يمكن قياسها بحسابات المعارك العادية، وقطع الطرق ومنع إمداد المواطنين، بل هي تهديد لمدينة الدمازين، وإيجاد منفذ حدودي والذي ربما يؤمن إمداد لوجستي وبشري، قوات أجنبية لقوات الدعم السريع، وتعيد الزحف مجدداً نحو العاصمة الخرطوم.
مدينة سنار منطقة ربط بين غرب السودان وشرقه وجنوبه، من خلال التقاء طرق الأسفلت، وهي معبر أساسي لشاحنات البضائع وحركة التجارة من وإلى موانئ البلاد على ساحل البحر الأحمر، وما يزال الجيش يحتفظ بالسيطرة عليها لكن كل المسارات المؤدية للمدينة في قبضة الدعم السريع.
ويقول عبيد الله في مقابلة مع (عاين) إن “قوات الدعم السريع تسعى بتوسيع عملياتها في شرق البلاد والتركيز على الشريط الحدودي بعد السيطرة على إقليم دارفور، إلى إعلان حكومة موازية بعد تأمين خطوط إمداد، ولكن هذه التحركات عطلت الحركة على الطريق الرابط مع إقليم النيل الأزرق، والنيل الأبيض من اتجاه الشرق، فأصبح المواطن مهدداً في معاشه، ويخشى التشريد القسري”.
وتعد سنار منطقة ربط بين غرب السودان وشرقه وجنوبه، من خلال التقاء طرق الأسفلت، وهي معبر أساسي لشاحنات البضائع وحركة التجارة من وإلى موانئ البلاد على ساحل البحر الأحمر في السابق. وما يزال الجيش يحتفظ بالسيطرة على سنار، لكن كل المسارات المؤدية إليها في قبضة مسلحي قوات الدعم السريع، وتعيش تحت حصار شامل.
جرائم حرب
ويقول الخبير القانوني معز حضرة في مقابلة مع (عاين): إن “الحصار المفروض على المدنيين في ولاية سنار أو أي مكان آخر فهو مرفوض وفقا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربع التي تمنع حصار المدنيين واستخدامهم كدروع، وما يحدث هو مخالف للقوانين والاتفاقيات الدولية والمحلية الخاصة بحماية المدنيين في أثناء الحرب”.
ويضيف: “طرفا الحرب ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فتقوم قوات الدعم السريع بانتهاكات شتى في حق المواطنين، ويستهدف الجيش المدنيين بعمليات القصف العشوائي، فهو مخالف للقوانين الدولية والمحلية، كما تغلق المسارات، وتتفاقم المأساة الإنسانية، والمجتمع الدولي يدرك ذلك، ودعا إلى حل سلمي، لكن حكومة الأمر الواقع في بورتسودان تتعنت وترفض التفاوض”.
وشدد أن توسع نطاق الحرب في ولاية سنار سيزيد المأساة الإنسانية للمواطنين وتهجيرهم ونزوحهم من القرى كلها نحو القضارف وغيرها، كما سيتأثر مواطنو كردفان ودارفور في تصدير منتجاتهم المحلية زراعية وحيوانية، ووصول البضائع إليهم، فالتداعيات الإنسانية ستزيد.
محامو الطوارئ: حصار سنار أدى إلى نقص الغذاء والأدوية وتوقف الخدمات التعليمية، وعمليات نزوح واسعة، وتعطل الحركة التجارية حتى مع المناطق الأخرى مثل إقليمي كردفان ودارفور.
وبدوره، يرى عضو محامي الطوارئ، محمد صلاح بناوي، أن ما يجري من حصار للمدنيين في سنار يعتبر جريمة حرب بموجب ميثاق روما الأساسي، الذي يحكم عمل المحكمة الجنائية الدولية، ومجرم وفق القانون الدولي الإنساني والقوانين الوطنية التي ترفض تجويع المواطنين كسلاح حرب، أو استهدافهم خلال فترة النزاع.
ويقول بناوي في مقابلة مع (عاين) إن حصار سنار أدى إلى نقص الغذاء والأدوية وتوقف الخدمات التعليمية، وعمليات نزوح واسعة، وتعطل الحركة التجارية حتى مع المناطق الأخرى مثل إقليمي كردفان ودارفور، كما ستزيد وتيرة العنف على المواطنين، فالأزمة في ولاية سنار تفرض تداعيات إنسانية خطيرة للغاية وممتدة، مما يتطلب تدخلاً دولياً ومحلياً عاجلاً لتقديم المساعدة إلى المدنيين وتخفيف معاناتهم، وضمان احترام القانون الدولي الإنساني.