سنار .. حصار إنساني وعسكري والمدنيون العالقون في محنة
عاين-11 يوليو 2024
في وقت تجددت المعارك اليوم الخميس حول مدينة سنار، يواجه السكان العالقون في المدينة والقرى المحيطة بها شبح الموت؛ بسبب نفاد معظم السلع الغذائية وانقطاع المياه الشرب، وذلك جراء الحصار الشامل الذي تفرضه عليها قوات الدعم السريع، والتي تسعى منذ أسابيع للسيطرة عليها.
ومع تراجع الوضع الإنساني للعالقين في سنار، تجددت المعارك العسكرية في محيط المدينة بين الجيش وقوات الدعم السريع، في حين هناك انعدام تام في المسارات الآمنة ليستغلها السكان الراغبون في المغادرة، كما لا توجد وسائل للمواصلات نتيجة شح الوقود، بينما يتخوف أصحاب المركبات الخاصة من التحرك بها خشية نهبها.
وبحسب تجميع “شباب سنار”، فإن اشتباكات مسلحة دارت اليوم الخميس على محيط مدينة مايرنو التي تبعد نحو 15 كلم جنوبي سنار، مما أدى إلى مقتل 2 من المواطنين على الأقل وجرح آخرين، بينما بدأ سكان البلدة عمليات نزوح كبيرة والابتعاد عن منطقتهم التي أصبحت تحت خط المعارك العسكرية.
وبث منسوبون للجيش والمجموعات المسلحة المتحالفة معهم، مقاطع مصورة لعمليات عسكرية ضارية، قالوا إنهم صدوا خلالها هجومين نفذتهما قوات الدعم السريع على مدينة سنار يوم الخميس، مع عرض بعض العتاد الحربي زعموا الاستيلاء عليه، ولم يصدر أي تعليق من قوات الدعم السريع بهذا الخصوص، لكنها ظلت تحاول مرارا للسيطرة على سنار.
وضع معقد
وتعقد الاشتباكات وضع السكان العالقين في سنار، وربما تدفعهم إلى خوض رحلات نزوح إلى المجهول، في ظل انعدام المسارات الآمنة وغياب المواصلات، بينما آثر البعض البقاء في منازلهم وانتظار مصيرهم، وهي كحالة فاطمة أحمد التي تحدثت إلى (عاين) من سنار وهي يائسة تجاه الحياة بأكملها.
وقالت فاطمة: “نحن أقرب إلى الموت من الحياة، ولا يمكننا المغادرة؛ لأن الطرق جميعها يوجَد فيها مسلحو قوات الدعم السريع كما علمنا. نعاني بشدة فهناك انقطاع كامل للتيار الكهربائي منذ اندلاع الأحداث في سنجة وحتى الآن، ونضطر للذهب بعيدا بغرض شحن الهواتف النقالة في محطات الطاقة الشمسية أو المخابز التي ما تزال تعمل حتى نتواصل مع أهلنا ونطمئنهم علينا”.
وتكشف عن نقص في المواد الغذائية، وتوقف العديد من المخابز في مدينة سنار عن العمل؛ بسبب نفاد الدقيق والغاز، إلى جانب شح في الوقود، كما تشهد مياه الشرب انقطاعاً كلياً؛ بسبب عدم وجود الكهرباء، الأمر الذي اضطر المواطنون إِلَى الذهاب والشرب من مياه النيل مباشرة، مما ينطوي عليه مخاطر صحية واسعة.
ومنذ سقوط سنجة في يد قوات الدعم السريع في الثلاثين من يونيو الماضي، أصبحت مدينة سنار التي تضم قاعدة للجيش “لواء” وتطل على الضفة الغربية من النيل الأزرق، تحت حصار شامل من الاتجاهات كلها، وصارت مغادرتها أو الدخول إليها مهمة شبه مستحيلة، إذ قطعت قوات الدعم السريع الطريق المؤدي إلى ولاية النيل الأبيض والمناقل غربي الجزيرة، عند منطقة جبل موية الاستراتيجية.
وتوجَد قوات الدعم السريع في منطقة ود الحداد على طريق الأسفلت المؤدي من سنار شمالا إلى ولاية الجزيرة، والتي تسيطر عليها بشكل محكم، كما تتمركز في منطقة دوبا شرقي سنار، والتي تضم جسراً كان يستغله الراغبون في التوجه إلى ولايات شرق السودان، وكذا الحال مع معبر كبري الدندر جنوب شرق ولاية سنار الذي يمثل منفذاً رئيسياً للتوجه شرقا إلى القضارف وغيرها، فهو الآخر تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
وفي الاتجاه الجنوبي من سنار باتت قوات الدعم السريع على مقربة من مدينة مايرنو في طريق الأسفلت المؤدي إلى إقليم النيل الأزرق جنوب شرق البلاد، بعد أن زحفت إليها خلال اليومين الماضيين من مدينة سنجة التي أحكمت سيطرتها عليها في وقت سابق.
وبحسب مصدر عسكري تحدث لـ(عاين) فإن قوات الدعم السريع بدأت الخميس مهاجمة مدينة سنار على نحو متزامن من الاتجاه الجنوبي، ووصل حتى مايرنو، ومن الناحية الشمالية، ودارت معارك ضارية بينها والجيش والمجموعات المسلحة المتحالفة معه.
شح الغذاء
ويقول المواطن الطيب عبد الله من شرق سنار لـ(عاين): إن “التجار أفرغوا محالهم التجارية منذ بداية الهجمات العسكرية على مدينة سنار، ونقلوا بضائعهم إلى الولايات الآمنة نسبياً الشيء الذي أدى إلى نفاد غالبية السلع الغذائية، مع ارتفاع كبير في أسعار السلع التي ما تزال متوترة، فغالبية السكان الذين بقوا في منازلهم بسنار والقرى المحيطة بها، يواجهون أزمة غذائية طاحنة، وهي في تزايد يوم بعد الآخر”.
ويضيف: “يستمر انقطاع التيار الكهرباء عن مدينة سنار لأكثر من 10 أيام متواصلة. لقد سعينا في مغادرة المنطقة، لكن لم نجد أي مسار آمن، فقررنا البقاء”.
من جهته، يقول سيف الدين علي من شرق سنار لـ(عاين) إن “العديد من المخابز في منطقته خرجت عن الخدمة بسبب نفاد الدقيق، كما توقفت غالبية طواحين الذرة نتيجة نفاد الوقود، ونضطر الذهاب إلى مناطق مجاورة وقضاء ساعات طويلة في انتظار الصفوف من أجل طحن الذرة وصناعة وجبات محلية”.
ويضيف:”نواجه أزمة غذائية حادة، سوف تتفاقم في ظل استمرار حصار سنار وتواصل العمليات العسكرية. لقد غادر آلاف السكان مدينة سنار، ولكن ما يزال معظم المواطنين عالقين في مناطقهم”.
ولم يكن الوضع الصحي في سنار أحسن حالاً، فهو الآخر يشهد تدهور، ويعمل المشفى الرئيسي بطاقة محدودة نتيجة انقطاع الكهرباء ومغادرة بعض الكوادر الطبية خشية وصول المعارك العسكرية، كما أغلقت بعض الصيدليات أبوابها ونقل أدويتها، بحسب شاهد من مدينة سنار تحدث لـ(عاين).
وقالت شبكة أطباء السودان في بيان صحفي الخميس، إن قوات الدعم السريع اعتدت الكوادر الطبية في مستشفى دونتاي بولاية سنار، ونهبت الصيدلية المركزية ومخزن الأدوية، واعتبر ذلك بمثابة سلوك متعمد منها لتشريد الأطباء والتضييق على المواطنين بغرض تهجيرهم قسرياً، حسب وصفها.