سنار تستقبل بإمكانيات متواضعة آلاف النازحين من حرب ود مدني
الجيش يحقق في انسحاب قواته من ود مدني والدعم السريع تعيّن (كيكل) قائداً للفرقة العسكرية
عاين– 19 ديسمبر 2023
حمل “وليد حسين” أفراد عائلته في سيارته الخاصة، وغادر مدينة ود مدني مسرعاً باتجاه سنار هربا من نيران المعارك الضارية المحتدمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم، تاركاً خلفه منزله بكامل مقتنياته سوى بعض الملابس والحقائق الصغيرة أخذها إلى جانبه، وساعتها لم يفكر في ما سيواجه من مصير، وكان همه النجاة بنفسه وصغاره.
ركب حسين “رحلة المجهول” ووصل إلى سنار بعد عناء كبير، ولم يكن له سابق معرفة بتلك المدينة أو قريب يمكن أن يأوي إليه، فلم يكن أمامه خيار غير افتراش الرصيف بإحدى الطرقات حيث نفد الوقود عن سيارته، وجلس وهو في حيرة من أمره، في حين ينقصهم الغذاء ومياه الشرب.
ولم يكن وليد الذي تحدث إلى (عاين) من مدينة سنار، سوى واحد من مئات الآلاف من الذين فروا إثر المعارك في مدينة ودمدني، ووصلوا إلى مدينة سنار، وهم يواجهون أوضاعاً قاسية في الوقت الحالي، فلم يجدوا مأوى وسط نقص حاد في الغذاء، بينما تقود مجموعات شبابية ومواطنون بالأحياء السكنية المختلفة في سنار مبادرات طوعية لتوفير الأطعمة ومياه الشرب وتخفيف جزء من معاناة هؤلاء النازحين.
انعدام الوقود
وفاقم مأساة النازحين من ودمدني انعدام المواد البترولية في أعقاب إغلاق كامل لمحطات توزيع الوقود، مما قاد إلى تكدس السيارات في الطرق بعد أن نفد وقودها.
ويقول شاهد من (عاين) إن السيارات متكدسة من مدخل سنار الشمالي وصولا إلى منطقة التقاطع وجسر المدينة، ويمتد الزحام حتى سوق المدينة وأحياءها الطرفية، وغالبها متوقفة بسبب نفاد وقودها.
وفي صباح الثلاثاء وصل سعر جالون البنزين سعة 4 لترات إلى 75 ألف جنيه في السوق السوداء، وفي نهاية اليوم نفسه انعدم بشكل كلي، وعرض أصحاب سيارات 100 ألف جنيه مقابل الجالون ومع ذلك لم يعثروا على كميات من البنزين تمكنهم من الوصول إلى وجهتهم.
ومن بين العالقين في العراء بمدينة سنار أطفال ونساء وأشخاص كبار في السن، ومصابين بأمراض مزمنة لم يتمكنوا من الحصول على الرعاية الطبية اللازمة، فالوصول إلى المستشفى الرئيسي بسنار أصبح مهمة شبه مستحيلة في ظل انعدام وسائل النقل نتيجة شح الوقود، فضلاً عن الزحام غير المسبوق، فقطع مسافة كيلومتر واحد بحاجة إلى ثلاث ساعات على الأقل، وفق مراسل (عاين).
وليس لـ”وليد حسين” سابق تجربة مع النزوح وويلاته فهي المرة الأولى التي يغادر فيها منزله بمدينة ود مدني قسراً، ووجد نفسه حالياً في رحلة مجهولة الوجهة لا يدري أين يذهب، وفي أي مكان يأوي أسرته، وذلك حسبما يرويه بأسى خلال مقابلة مع (عاين).
ويقول حسين: “أجد نفسي أمام محنة كبيرة، لقد تركت منزلي بكامل مقتنياته، وخرجت فقط بسيارتي وأمتعتنا الشخصية مع قليل من النقود ربما تنتهي خلال مدى قريب. لا أعرف كيف أدبر سكناً لأسرتي وأطفالي صغار وبمعيتي أيضاً والدي وهما كبار في السن، الطقس بارد ليلاً، ولم نستطع الحصول على الغذاء اللازم واللبن للصغار”. وإلى جوار وليد كانت مئات السيارات القادمة من مدني تقطعت بها السبل في منطقة سنار التقاطع، بعضهم يحلم بقطرات من الوقود بغرض مواصلة رحلته والعبور نحو ولايتي النيل الأبيض والنيل الأزرق وإقليم شرق السودان، وآخرين بلا وجهة يراقبون مصيرهم المجهول من على الأرصفة.
يجلس “أحمد علي” في حيرة تحت خيمة نصبها متطوعين على طريق الأسفلت في منطقة أبوجيلي شرقي سنار وشقيقه المريض بالفشل الكلى يرقد على الأرض بجواره وهو يبحث عن سبيل للوصول إلى المستشفى للحصول على جلسة غسيل، لكنه لا يرى أملاً في ذلك في ظل انعدام وسائل المواصلات.
ويبدي علي خلال مقابلة مع (عاين) خشيته من تدهور الوضع الصحي لشقيقه نظراً لحاجة مريض الكلى إلى الخضوع لجلسة الغسيل الدموي في موعدها، وأن أي تأخير سيكون له تداعيات خطيرة على حياته.
ويقول: “اضطررنا للخروج من منزلنا في مدني بعد تصاعد الاشتباكات المسلحة بعد أن عشنا لحظات مرعبة، لا يهم إلى أين نذهب الآن، وأين نسكن، فقد يهمني الحصول على مركز صحي يستطيع شقيقي الحصول على غسيل الكلى”.
نزوح مزدوج
وبعد أن وصل إلى ود مدني فاراً من جحيم حرب العاصمة الخرطوم، وجد حسن أزرق نفسه مضطراً لخوض رحلة نزوح جديدة أكثر قسوة من سابقاتها، ويقول خلال مقابلة مع (عاين): “في بداية الحرب كنت أحتفظ ببعض النقود، وأتيت إلى ودمدني، وتمكنت من إعادة الاستقرار، ولكن لا يمكنني عمل الشيء نفسه حالياً؛ نظرا لتوقف نشاطي الاقتصادي ومصدر دخلي لأكثر من 7 أشهر ماضية”.
ويضيف: “أتيت إلى سنار ولا أدري كيف أدبر شؤون حياتي. نشعر بحزن عميق لما حل بي، فالدولة غائبة ولا أحد يساعدنا سوى مجهودات عظيمة من شباب متطوعين، لكن عدد النازحين يفوق مقدرتهم”.
تقطعت السبل بوليد حسين ورفاقه في النزوح في مدينة سنار، بينما تظل أصواتهم خافتة في ظل تصاعد أصوات البنادق على مختلف الجبهات بعد أن أخذ نطاق الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع يتوسع نحو مزيد من المناطق الآمنة، وباتت المخاوف حاضرة من أن تلتهم نيران الصراع ملجأهم الجديد “سنار”.
ويقول وليد حسين: “لا نعرف إلى أين نذهب، واقعنا مأساوي للغاية، فلم يكن أمامي خيار غير البقاء هنا على قارعة الطريق إلى أن يأتي الفرج من المولى عز وجل، فليس لنا أمل دون”.
وسيطرت أمس الاثنين قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني الاستراتيجية بعد معارك مع الجيش السوداني الذي يقول إنه بدأ تحقيقا حول أسباب وملابسات انسحاب الفرقة الأولى التابعة له بود مدني، فيما عيّن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي، “أبو عاقلة محمد أحمد كيكل” قائدا للفرقة الأولى مشاة مدني بولاية الجزيرة ورئيس اللجنة الأمنية بالولاية،
وقال المتحدث باسم القوات المسلحة العميد نبيل عبد الله، في بيان اطلعت عليه (عاين): “يجري التحقيق في الأسباب والملابسات التي أدت إلى انسحاب القوات من مواقعها شأن بقية المناطق العسكرية، وسيتم رفع نتائج التحقيق فور الانتهاء منها لجهات الاختصاص وتمليك الحقائق للرأي العام”.
من جهتها قالت قوات الدعم السريع إن “تحرير ولاية الجزيرة من قبضة أعداء الشعب، يعد خطوة في اتجاه تحرير كامل الوطن والتفرغ لبناء الدولة السودانية على أسس جديدة تحقق الحرية، والعدالة، والمساواة، والديمقراطية”.
ودعا بيان الدعم السريع الذي اطلعت عليه (عاين)، المواطنون الذين نزحوا بالعودة إلى ديارهم، وسنعمل على حمايتهم بما يضمن استقرارهم والحفاظ على أمنهم وسلامتهم والحصول على كافة الخدمات الأساسية الضرورية وتأمين وصول المساعدات الإنسانية بتسهيل دخول المنظمات العاملة في الحقل الإنساني.
وذكر البيان: “نعيد التأكيد بصدور قرار بتشكيل قوة لمحاربة الظواهر السالبة وهناك توجيهات مشددة لجميع القوات بالتعامل مع كل من يهدد حياة الناس بالحسم اللازم والمحاسبة الفورية، والعمل مع أهل الولاية على تأمين فتح الأسواق والمؤسسات العامة وتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية ومحطات المياه والكهرباء”.
ودعا البيان أهل الجزيرة لا سيما الشباب والنساء إلى الشروع فوراً في تشكيل لجان مدنية لإدارة ولايتهم ،و”سنوفر ما يلزم من الدعم والمساندة لهم بما يضمن تحقيق الاستقرار كما نرحب بجميع المبادرات التي وصلتنا من اللجان الشبابية والمجتمعية”.