(توتي).. جزيرة سُكانها تحت الحصار والتنكيل
عاين- 4 أكتوبر 2024
يواجه نحو 4200 أسرة عالقة في جزيرة توتي وسط العاصمة السودانية الخرطوم، خطر الموت جوعا وبالأمراض، نتيجة توسع قوات الدعم السريع في الانتهاكات بحقهم، ونهب ما تبقى من مواد غذائية وأدوية، ووضعهم في حصار محكم، في ظل تصاعد وتيرة المعارك العسكرية وأعمال القصف في المنطقة.
وأطلق متطوعون تحذيرات ونداءات للجهات الإنسانية المحلية والدولية والإقليمية بالتدخل العاجل والفوري لإنقاذ حياة مواطني توتي الذين تنفرد بهم قوات الدعم السريع، وتعرضهم لأبشع الانتهاكات وصلت حد ذبح رجل وزوجته داخل منزلهم، واختطاف المواطنين والمطالبة بفدية مالية نظير الإفراج عنهم.
قوات الدعم السريع نهبت خلال اليومين الماضيين كل المحال التجارية في توتي، كما نهبت مخازن المطابخ المجانية
مواطنان من جزيرة توتي
ويكشف مواطنان من جزيرة توتي لـ(عاين) أن قوات الدعم السريع نهبت خلال اليومين الماضيين كل المحال التجارية في توتي، كما نهبت مخازن المطابخ المجانية، والوجبات الجاهزة في تلك المطابخ تحت تهديد السلاح، مما أدى إلى انعدام كامل في المواد الغذائية في الجزيرة التي بات سكانها في مواجهة الجوع.
وبحسب الشاهدان، فإن مسلحي قوات الدعم السريع نهبوا كل محتويات المركز الطبي الذي كان يقدم الرعاية الطبية لمواطني جزيرة توتي، بجانب العيادة الخارجية وصيدليتين، وإتلاف ما تبقى منها، الشي الذي أدى إلى انعدام تام للأدوية في الجزيرة، وظل المرضى يصارعون آلامهم.
وارتفعت وتيرة الانتهاكات بحق المدنيين في جزيرة توتي عقب الهجمات الأخيرة التي شنها الجيش على مناطق تمركز قوات الدعم السريع في منطقة المقرن في الخرطوم، وجسري “الحديد” والفتيحاب اللذين يربطان أمدرمان بالخرطوم، إلى جانب جسر الحلفايا الذي يربط مدينة أمدرمان مع بحري شمالي العاصمة.
نهب واختطاف
وصارت جزيرة توتي في وسط النيران مجدداً، بصورة مماثلة لما حدث في بداية اندلاع الحرب نظراً لموقع الجغرافي، إذ يحدها من الجنوب القصر الرئاسي ومؤسسات مدنية وعسكرية مثل القيادة العامة للقوات المسلحة، ومن الشرق سلاح الإشارة التابع للجيش، أما من الغرب، فيجاورها مجمع السلاح الطبي والمهندسين وهي أكبر قواعد الجيش، إلى جانب هيئة الإذاعة والتلفزيون القومية.
الدعم السريع سحبت قادتها الرئيسيين توتي إلى الخرطوم عقب اشتداد المعارك العسكرية مع الجيش، وتركت مسلحين خلفها، يمارسون أبشع الانتهاكات بحق المدنيين
مصادر
وأبلغ مصدر من توتي (عاين) أن قوات الدعم السريع سحبت قادتها وعناصرها الرئيسيين من جزيرة توتي إلى داخل الخرطوم عقب اشتداد المعارك العسكرية مع الجيش، وتركت مسلحين خلفها، يمارسون أبشع الانتهاكات في حق المدنيين العالقين في الجزيرة، وصلت حد اختطاف المواطنين والمطالبة بفدية مالية مقابل إطلاق سراحهم.
بدورها، قالت غرفة طوارئ محلية الخرطوم في تعميم صحفي، إنه “منذ عودة الاشتباكات وتضييق الوضع على قوات الدعم السريع كان نتيجته التشفي والانتقام من المواطنين العزل في جزيرة توتي من قبل الدعم السريع. المواطنون الذين يعانون منذ سنة وأكثر أصبحت حياتهم الآن أسوأ بازدياد التنكيل والتعدي”.
وحذرت غرفة الطوارئ بالخرطوم من خطورة الأوضاع في جزيرة توتي المعزولة نسبياً، والتي تشكل خطراً داهماً ومباشراً على حياة المدنيين، وناشدت الجهات المدنية والسياسية والإنسانية الإقليمية والدولية والمحلية، بالتدخل الفوري والعاجل لحماية المدنيين في الجزيرة.
وأضاف التعميم “نؤكد أن ما ترتكبه قوات الدعم السريع من فظائع في جزيرة توتي يعد جريمة إنسانية مكتملة الأركان”.
وبدأت مآسي سكان جزيرة توتي مع سيطرة قوات الدعم السريع عليها في مايو من العام 2023م، أي بعد أسبوعين فقط من اندلاع الحرب الحالية، إذ عمدت إغلاق الجسر الوحيد المؤدي إلى الجزيرة؛ مما وضع سكانها تحت وطأة حصار شديد، وصاحب ذلك تدهور مريع في الأوضاع الإنسانية تجلى في نقص الغذاء والأدوية.
ذروة المأساة
وارتفع معدل الانتهاكات عقب استعادة الجيش السيطرة على مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون في أمدرمان في شهر مارس الماضي، حيث عبر مسلحو قوات الدعم السريع النهر من هناك إلى جزيرة توتي، وأخذوا يتشفون في سكانها، وحولوا الجزيرة إلى معتقل كبير وفق ما أفاد به ناجون (عاين) في وقت سابق، لكن المأساة بلغت ذروتها خلال المواجهات العسكرية التي جرت الأسبوع الماضي.
وبحسب شاهد تحدث لـ(عاين) فإن مسلحي قوات الدعم السريع منذ هجمات الجيش الأخيرة ظلوا يفرضون تضييقاً كبيراً على المواطنين في جزيرة توتي، ويمنعونهم من الحركة، وحال غامر أحد بالخروج يُجْلَد بسياط العنج والخراطيم البلاستيكية، هذا إذا لم تعتقله وتطالب ذويه بدفع فدية مالية لإطلاق سراحه، كما يقتحمون المنازل، وينهبون الهواتف النقالة ومختلف المقتنيات من الأسر.
وشدد أن الخروج من جزيرة توتي أصبح غير ممكن نسبة لإغلاق كل المنافذ وانتشار مسلحي قوات الدعم السريع، وفي المقابل تنعدم المواد الغذائية والأدوية، ومياه الشرب، إذ توقفت محطة السقيا الوحيدة في الجزيرة نتيجة لنفاد الوقود، بينما يصعب الوصول إلى النهر تحت هذه الظروف، فالوضع كارثي وحياة العالقين مهددة.
توقف المطابخ
وذكر أن نحو 4200 أسرة ما تزال عالقة في جزيرة توتي من واقع التردد على المطابخ المجانية التي تقدم وجبتين في اليوم، وهي 12 مطبخا في الجزيرة يتردد على كل واحد منها 350 أسرة، وهي حصيلة تقريبية قابلة للزيادة والنقصان، فقد توقف كل هذه المطابخ بعد نهب الطعام والمواد التموينية من قبل مسلحي قوات الدعم السريع تحت تهديد السلاح.
وقبل الحرب كان يسكن في جزيرة توتي نحو 20 ألف نسمة على مساحتها البالغة حوالي 990 كلم، وتحيط بها المياه من كل جانب، لكن المواطنين اضطروا للنزوح منها بسبب الوضع الإنساني المتدهور والمخاطر الواسعة.
وتبدو المعاناة أكبر عند المصابين بالأمراض المزمنة، وما زالوا عالقين في جزيرة توتي، وبحسب حديث شاهدة لـ(عاين) فإن بعض مرضى السكري دخلوا في نوبات “كومات” نتيجة الجوع، وسط انعدام دواء السكري “الأنسولين”.
وكان تقرير أعدته (عاين) مؤخراً وثق إلى وفاة أكثر من 100 شخص في جزيرة توتي خلال الخمسة أشهر الأولى من اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع؛ بسبب عدم حصولهم على الرعاية الطبية، نظراً لانعدام الأدوية، وإغلاق كافة المؤسسات الطبية، وتبقى مركز واحد فقط يفتقد لأبسط مقومات الرعاية.