كتائب الظل… مجموعات اسلامية ام منظومة متكاملة؟
تقرير: عاين 23 أغسطس 2019م
منذ التهديد الذي أطلقه النائب الاول السابق لرئيس الجمهورية والرجل القوي للحركة الاسلامية علي عثمان محمد طه، بوجود ما أسماه “كتائب الظل” تحمي النظام الإسلامي في السودان، شغل المصطلح الأوساط السياسية والاعلامية. وحذر طه الملقب في أوساط قادة الحركة الاسلامية باسم “شيخ علي” بأن النظام الإسلامي في السودان لديه قوات ودولة موازية ستحمي النظام.
واختلفت الكثير من الآراء بشأن وجود وماهية واماكن وجود هذه القوات، وكيفية نشأتها وتطورها والعنف الذي تستخدمه ضد المتظاهرين. وفيما يشكك البعض في وجود تلك القوات وأن تهديدات طه قصد منه تخويف المتظاهرين وبعض الاطراف الاقليمية بجانب بعض التيارات داخل السلطة، يتمسك آخرون بان تلك القوات موجودة بالفعل تتكون من التشكيلات الجهادية والأمنية المختلفة كالدفاع الشعبي والأمن الشعبي والطلابي والكتائب الاستراتيجية وغيرها من الوحدات داخل الوزارات والمؤسسات الحكومية.
وارتفعت حدة التساؤلات بشأن “كتائب الظل” بالتزامن مع ارتفاع وتيرة التظاهر، وظهور الملثمين والسيارات التي تجوب العاصمة دون لوحات الي جانب تحدي اعتصام القيادة الذي شكل تحولا مزعجا لمكونات النظام القديم بالإضافة للمجلس العسكري.
كتائب وواجهات
بعد دخول ملايين السودانيين الى مقر الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش، غابت على الفور عن الأنظار مئات السيارات التي يعتقد انها لكتائب الظل من أمام مقار هذه الكتائب التي تتدثر بواجهات مدنية وترفع لافتات شركات تجارية ومراكز تدريب وغيرها من المؤسسات التي لا يعلم السودانيين لها تاثيرا .
هذه المباني، لم تقتصر على المناطق المكتظة بالشركات التجارية كمنطقة وسط الخرطوم بل تمددت في الأحياء السكنية حتى الشعبي منها.وتغطي هذه الكتائب تحركاتها بواجهات تجارية مختلفة، ويروي مواطنون من سكان هذه الأحياء ان عناصر هذه الكتائب يتحركون في الاحياء بهئيئاتهم وهندامهم الذي يشي بانتمائم لهذه الكتائب لا سيما وأنهم يتحركون بحذر وتكتم وبصورة يشوبها عدم الانفتاح على من يجاورونهم من سكان الحي.
انتشار
ويستعيد نزار أبو قصيصة رواية منذ العام 2013 لشركة ظلت لفترة تجاور سكنه في حي اركويت شرقي الخرطوم ويقول لـ(عاين) “كان مريبا حركة الداخلين والخارجين إلى المبنى ولا نرى حتى لافته على المبنى تحدد ماهية عمله الى ان اندلعت مظاهرات سبتمبر في العام 2013 لنجد ان المبنى الضخم يأوي عددا من سيارات اللاندكروزر جديدة الصنع بدون لوحات يستغلها ملثمون مسلحون في فض المظاهرات وقتها”.
وحي اركويت واحد من مئات الاحياء في العاصمة والولايات التي تضم مثل هذه المباني مجهولة العمل والعناوين، هذا الى جانب ان وسط العاصمة يحوى كذلك عشرات المباني التي تقف بداخلها السيارات بدون لوحات ويخرج منها عشرات العناصر لفض الاحتجاجات خلال الأشهر التي سبقت سقوط نظام البشير. وتشارك هذه المباني مجهولة الهوية، مؤسسات حكومية رصدت عاين في أوقات سابقة ان السيارات الحكومية نصف النقل (مظللة) يتم استغلالها في ترحيل المعتقلين إبان المظاهرات الأخيرة بعد ازالة لوحاتها وفق ما رصدت (عاين).
بناء تنظيمي
الموظفة في وزارة المالية الاتحادية بوسط الخرطوم، والتي فضلت حجب اسمها تقول، ان تنظيم هذه الكتائب متماسك ولديهم امير في احد الوزارات. وتقول ل(عاين)، ان هذا الامير يقع تحت امرته العشرات من منسوبي هذه الكتائب لاسيما وانه المسؤول من الوزارات والوحدات الحكومية التي تقع على شارع النيل فقط. وتضيف “في العادة ليست هناك مهام عملية لهذه المجموعات داخل الوزارة وبل يقومون بعملية المراقبة ومتابعة الموظفين ويشكلون مجموعات تدين بالولاء للحركة الاسلامية ومعظمهم من أعضاء حركة الطلاب الاسلاميين في الجامعات وحتى بينهم من هم غير مؤثرين في الحركة الفكرية داخل جامعاتهم لكنهم يدينون بالولاء للحركة الاسلامية ويأتي بهم التمكين الى هذه الوزارات ومن ثم يتسنى لهم القيام بمهامهم التنظيمية.
ما ذهبت اليه الموظفة الحكومية، كان مشهودا في اول موكب لقوى المعارضة 25- يناير- طالب بتنحي الرئيس البشير وسط العاصمة الخرطوم، وذلك باحتشاد الآلاف من عناصر كتائب الظل وانتشارهم لفض مواكب تنحي الرئيس البشير والتي كان مقررا لها الاتجاه الى القصر الجمهوري. ومنعت عناصر هذه الكتائب الآلاف بمعاونة الشرطة والاجهزة الامنية الأخرى من وصول القصر واستخدمت هذه المجموعات عنفا مفرطا بحق المتظاهرين.
تشكيلات أمنية
ولان النظام السابق اعتمد بشكل كبير على الميليشيات والتي ابرزها الدعم السريع، كانت هناك تشكيلات أخرى كالدفاع الشعبي والشرطة الشعبية والوحدات الجهادية الطلابية وهيئة عمليات جهاز الأمن والمخابرات، الى جانب الأمن الشعبي والذي يعد واحد من اكبر واخطر هذه التشكيلات الامنية التي تعمل في الخفاء وتعينها ميزانية ضخمة توفرها شركات أمنية تتحرك برساميل ضخمة وتعمل في اتجاهات عدة وفق ما يقول مراقبون تحدثت إليهم (عاين). مشيرين إلى دور هذه المجموعات أصبح منقسما في فترة حكم الرئيس البشير الاخيرة، فمنهم من يرى ان البشير مع مجموعة بسيطة استأثر بالسلطة وضيّق مساحة التشاور والحوار داخل حزبه الامر الذي اضعف هذا المكون الأمني الخفي والذي ظل مساندى الرئيس البشير بداخله يؤدون دورهم حتى قبل سقوطه ويعتقد ان مجموعات منهم مازالت على العهد القديم وستستمر في ولائها الاعمي للحركة الاسلامية وتتطلع الى عودة حكمها بهذه الحلول الامنية.
حوادث قتل
ومنذ سقوط الرئيس البشير، واعتصام السودانيين في ابريل أمام القيادة العامة للجيش وقعت أربع حوادث بشعة بدءا بحادثة 8 رمضان والتي اطلق فيها مسلحون النار على المعتصمين والثوار أثناء محاولة قوات الدعم السريع والجيش ازالة متاريس بشارع النيل ما أسفر عن مقتل اربعة اشخاص بينهم ضابط في القوات المسلحة. وحينها سارع المجلس العسكرى الي نفى مسئوليته عمّا جرى، واتهم من وصفهم بالمندسين والمتسللين وقوى الثورة المضادة بالهجوم وإطلاق الرصاص على المعتصمين، قائلًا إن “الثورة مستهدفة وتتربص بها دوائر كثيرة”، كما ادعى رئيس هيئة الأركان المشتركة تعرضهم لإطلاق الرصاص من طرف مجهول، كما اعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان، وجود جهات وصفها بالمندسة تحاول إجهاض الاتفاق الذي تم بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وقال البرهان أن تلك الجهات تسعى لإعادة السودانيين إلى ما قبل سقوط النظام السابق، لكنه أكد أن هذا لن يتم، وتعهد بالقبض على الجناة ومحاسبتهم.
المندسون مجددا
حالة الارتباك التي سادت العسكر بعد مجزرة فض اعتصام القيادة العام، ذهبت باتجاهات مختلفة الى قدرة المجلس العسكري على تحمل مسؤوليته في حفظ الأمن والتي تعد من أول مبررات وجوده في سدة السلطة.وما زال مثيرا للاسئلة اقتحام قوات عسكرية بالالاف ترتدي زي قوات الدعم السريع والشرطة وتمارس قتلا وتعذيبا باتجاه المعتصمين، ويرتبك قادة المجلس العسكري في تحديد المهاجم وماهو غرضه ويتلو بعد ساعات من المجزرة رئيسه بيانا معلقا به المفاوضات مع الحرية والتغيير ما يشكل اعترافا ضمنيا بان المجلس مسؤول عن العملية الى حين اعتراف رئيس اللجنة السياسية الفريق شمس الدين كباشي وإقراره التام بالتخطيط لفض الاعتصام، ويلى ذلك نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو بتصريحات مختلفة بعد أيام من المجزرة في حجر العسل بنهر النيل ينفي فض الاعتصام ويكشف عن وجود مندسين وأجهزة مخابرات وسط “قوات الدعم السريع” من أجل تشويه صورتها. وأضاف حميدتي أن أفراد “قوات الدعم السريع” ليسوا ملائكة، وأنهم بشر يمكن أن يخطئوا، لكنه شدد على أن القانون سيطال كل من يرتكب الجرم من “قوات الدعم السريع”.
تورط الدعم السريع
وتلت هذه المجزرة أحداث أخرى ابطالها قوات الدعم السريع في مدينة السوكي، 14 يوليو الفائت وادت الى مقتل شخص وإصابات عديدة، وتبع ذلك ايضا قتلى مليونية 30 يونيو في ام درمان، الى ان انضمت مجزرة الطفولة في الابيض كحادثة أخيرة سالت فيها دماء السودانيين.
وما بين حادثة شارع النيل- 8 رمضان وحادثة الأبيض 29 يوليو، سارت تصريحات المجلس العسكري مجددا على مسارها القديم وان من خلف هذه الأحداث “كتائب الظل” وتبعتهم ايضا اصوات مستقلة عديدة اشارت اصابع اتهامها ايضا الى هذه الكتائب، وكان المشهد اكثر وضوحا في الابيض لجهة ان شهود (عيان) أكدوا على الدعوة للتظاهر كانت مفاجئة ولم تدع لها اي قوة سياسية او تجمع المهنيين في الولاية. وافادات الشهود المتطابقة اكدت على ان مجموعات واشخاص مجهولون طرقوا أبواب مدارس المدينة التي كانت مهيأة للتظاهر بسبب الشح الذي تعيشه في المواصلات والوقود والخبز.
تسليح وأزمات
ويرى الخبير في الجماعات الاسلامية، ابوذر الأمين، ان أمر كتائب الظل يتعلق بمنظومة كاملة تعارف عليها باسم الأمن الشعبي وهو جهاز امن خارج الأطر الرسمية للدولة، لكن أي فعل يقوم به يتم تغطيته عبر الأمن الرسمي في عهد المخلوع البشير. وكما هو معروف ان هذه المنظومة -بحسب الأمين- لديها انتشار واسع بالاخص وسط الطلاب وكما هو معروف لديهم أيضا تسليح بقدر كبير ولديهم ايضا حرية واسعة في أوساط الطلاب وهناك أحداث كثيرة شاهدة على ذلك خلال السنوات الماضية.
ويعتقد الأمين في مقابلة مع (عاين)، ان الخطر الأكبر يتمثل في الانتشار الواسع لهذه المنظومة الامنية غير المرئية، لكن بدأ واضحا ومنذ سقوط نظام البشير ان هذه المنظومة في مرحلة غياب القيادة التي كان يمثلها “علي كرتي، والزبير أحمد الحسن، وعوض الجاز” الى جانب آخرين كثر لكن المذكورين اشهرهم. هذا الى جانب ان الولاءات الآن معقودة على اشخاص غير معروفين وهذا خطر آخر يتمثل القيام باعمال تعويق او تخريب للتغيير السياسي في البلاد.
ومعلوم وفقا لـ الخبير في شئون الجماعات الاسلامية في السودان، ان هذه المجموعات لا تعمل فقط على التسليح وجمع المعلومات ورصد المعارضين وغيرها من الاعمال الامنية، لكن الأمر كان أوسع من ذلك وهو سيطرتهم على انشطة كثيرة اقتصادية مثل توزيع الوقود والغاز ودقيق الخبز وكانوا يتحصلون من وراء ذلك على اموال طائلة جدا عن طريق الاحتكار.
ويقول الخبير، ان واحدة من اخطر طرق عملهم هي خلق الأزمات في هذه السلع، وكان منهجا واضحا في ان تستمر الازمات وان لا يحدث استقرار في البلد على الإطلاق، وكلما تنطفئ ازمة يخلقون ازمة اخرى وهذا منهج متبع وفعال طوال الثلاثين سنة الماضية كإشعال الحروب في البلاد دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان هذا الى جانب ازمات السلع الضرورية بما فيها الكهرباء.
ويشير الأمين، الى ان هذا المنهج بخلق الازمات يخلق لهم مساحة للعمل خارج القانون، وخلق حالة أقرب للطوارئ غير المعلنة، وهذه اللعبة المعروفة لديهم بافتعال الازمات مددت عمرهم في السلطة نحو ثلاثين عاما، واعتقد انهم حتى اللحظة يعملون بنفس المنهج ولديهم سلاح منتشر وافرادهم ومصادرهم ايضا منتشرة ايضا سيعملون على خلق الأزمات الاقتصادية.لكن ابوذر يعود للاشارة الى ان هذه المجموعات في حالة عدم قيادة في المرحلة الحالية وربما لن يكون لديهم تاثير كبير لكنهم سيظلون “مزعجين بشكل او بآخر”.
كيانات شبحية
وحول كيفية التعامل القانوني مع هذه المجموعات الاسلامية المسلحة، يشير المتحدث الإعلامي باسم الجبهة الديمقراطية للمحامين، حاتم الياس، الى أنه تلاحظ مؤخرا ان لديها دور خطير ومهدد لأمن البلاد ولما تراضى عليه السودانيين سياسيا واجتماعيا في التغيير الحالي، باعتبار أنها ستواصل هجماتها في محاولة لاستعادة فرض القناعات الأيديولوجية لتنظيم الاسلاميين في السودان.
ويرى الياس في حديث لـ (عاين) “ان هناك صعوبة كبيرة في التعامل القانوني مع هذه الكتائب، لأننا في هذه الحالة نتعامل مع كيانات شبحية ولم يتم حتى الآن اعلانها او ظهورها في اي منبر ولم تعلن أي جهة مسئوليتها عن الأعمال التي تقوم بها كما لم يعلن أحد انه جزء من هذه المنظومات وعليه ما يتداول في الاسافير والإعلام هو محض تخمينات وشبهات”. ويمضي الياس في حديثه مشيرا إلى أهمية تتبع نشاط هذه المجموعات وفضحها ومحاسبتها على الجرائم التي ارتكبتها. “المسالة تحتاج الى عمل قانوني وأمني كبير يتمثل في البداية في تقديم معلومات من قبل من تحوم حولهم الشبهات. هذا الى جانب البناء على تصريحات المجلس العسكري التي اكد فيها ضبط اسلحة لهذه المجموعات في بعض المناطق”.