منظمة حقوقية: الدعم السريع ارتكب جرائم عنف جنسي ممنهج بالجزيرة
عاين –22 يوليو 2024
اتهمت منظمة حقوقية قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم عنف جنسي ممنهجة في ولاية الجزيرة أواسط السودان، واستخدامها كسلاح لتهجير الأهالي من مناطقهم، قبل أن تطالب بمحاكمة أممية لقادتها المتسببين في هذه الانتهاكات وبينهم أبو عاقلة كيكل.
وأصدرت شبكة نساء القرن الأفريقي “صيحة” تقريرا بعنوان ولاية الجزيرة: الفظائع المنسية (تقرير العنف الجنسي المرتبط بالنزاع)، ووثق لانتهاكات جسيمة لقوات الدعم السريع خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى أبريل من العام الجاري، شملت الاغتصاب، والاغتصاب الجماعي، والاستعباد الجنسي، والزواج القسري للقاصرات.
وأشار التقرير، إلى تحديات جمة صاحبت عملية الرصد والتوثيق، من بينها انقطاع الاتصالات والتضيق الأمني في مجال الإنترنت الفضائي، والوصمة الاجتماعية التي تمنع الفتيات من التبليغ، وضعف المنظمات الموجودة في عملية الرصد، لافتا إلى أنه رغم الانتهاكات الواسعة لم تحظ ولاية الجزيرة بالاهتمام اللازم.
وشدد التقرير الذي استعرضته المديرة الإقليمية لشبكة نساء القرن الأفريقي (صيحة) هالة الكارب خلال مؤتمر صحفي عبر الإنترنت، إن استيلاء قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة وغرب سنار عرض سكان تلك المناطق لصنوف من التعذيب والعنف والفظاعات، بما في ذلك عنف جنسي ممنهج، وإعاقة العملية الزراعية ووصول السودانيين إلى الغذاء، فهي سلة غذاء السودان، مما أسهم في المجاعة الحالية.
وكانت الجزيرة لحظة هجمات الدعم السريع تأوي وفق التقرير، ما لا يقل عن 6.5 ملايين شخص، منهم أكثر من 1.5 مليون شخص نزحوا إليها من مختلف أنحاء السودان، بما في ذلك جنوب دارفور وغربها، وكردفان، والخرطوم.
ويشير التقرير إلى شهادات سكان قرى الجزيرة عن احتجاز النساء والأطفال رهائناً مقابل تسليم المدخرات. وفي الوقت نفسه، نُهِبَت المنازل بشكل كامل والمحاصيل الزراعية، وأُجبر مئات الآلاف على مغادرة منازلهم. كما وُثِّق العديد من حالات العنف الجنسي التي طالت النساء والفتيات في أعقاب دخول الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة، وكذلك بين النساء اللواتي أجبرن على الفرار من الولاية.
وقال: إن “قوات الدعم السريع استخدمت العنف الجنسي لترويع السكان وإجبارهم على إخلاء منازلهم؛ مِمَّا يتيح لقوات الدعم السريع نهب المنازل بلا عوائق”.
أنماط العنف
وبحسب التقرير، فإن قوات الدعم السريع استخدمت ثلاثة أساليب وأنماط للعنف الجنسي، النمط الأول، يعتمد من العنف الجنسي على الصدمة في المقام الأول، ويحدث غالبًا في الساعات أو الأيام الأولى عند اجتياح بلدة أو منطقة معينة، ويرتبط بفرض السيطرة. إذ عادةً ما يطلق الجنود الأعيرة النارية في الهواء، ويبدؤون في عملية النهب، بدءاً من الأسواق، والمتاجر، والمجمعات التجارية، والمخازن والمرافق الحيوية مثل البنوك إذا وجدت، وبالتالي الانتقال إلى البيوت واحداً تلو الآخر.
ويدخل الجنود البيوت عنوة لتفتيشها بحثاً عن جنود القوات النظامية أو غيرهم من المقاتلين، وبالتالي وإمعاناً في الترويع يستخدمون العنف الجنسي على النساء والفتيات داخل البيوت، ويصاحب ذلك قتل أفراد الأسر من الرجال والشباب في بعض الأحيان الصبية حال تدخلهم لمقاومة الاعتداء الجنسي على النساء والفتيات.
وبحسب التقرير، ووفقاً للعديد من كوادر الدعم السريع في مناطق سيطرتهم أنهم لا يرون غضاضة في ارتكاب العنف الجنسي باعتبار أن النساء جزء من الغنائم التي يحق لهم الحصول عليها حسب شهادات السكان المحليين.
ووثقت شبكة صيحة في تقريرها عددًا من الحالات التي تتبع هذا النمط. إذ وصفت شاهدة، وهي نفسها ضحية للنهب والتهجير من مدينة (المدينة عرب)، هذا النوع من الحالات بوضوح وتقول:”تعرضنا لهجوم في المنزل على يد نحو 10 رجال مسلحين، دخلوا منزلنا قائلين إنّهم يبحثون عن جنود نظاميين وهددونا بالاغتصاب”.
أما النمط الثاني للعنف الجنسي وفق التقرير، فإنه يحدث بعد أن تجتاح مليشيات الدعم السريع منطقة ما، وتضمن أنّ لها قدراً من السيطرة على المنطقة. ففي هذه المرحلة، يبدو أنّ العنف الجنسي يحدث في ظروف مختلفة، وفي هذه الحالات، ينطوي عنف قوات الدعم السريع على مفاوضات مستمرة مع السكان المحليين. وقد يبدو أنّ هدف قوات الدعم السريع في هذا السياق هو التعايش وتحقيق قدر من السيطرة لسلطة الدعم السريع. ويشمل هذا النمط في الغالب عمليات اختطاف وزواج قسري أو مقايضة الفتيات مقابل المال الذي يدفعه أفراد المليشيا للأسر التي لا تمتلك حق الرفض.
وفي إحدى الحالات التي وثّقتها صيحة، دخلت قوات الدعم السريع منزل امرأة في الحصاحيصا، وعندما قاومت المرأة تم اختطافها واحتجازها لمدة خمسة أيام. ثمّ عُثِر عليها خارج منزلها، مصابة بجروح بالغة تشير إلى أنّها تعرضت للاغتصاب مراراً على يد عدة جناة.
وأفاد مصدر آخر لشبكة صيحة عن علمه بمجموعة من 40 امرأة يبتن معاً في منزل واحد، منذ أن سمع روايات عن دخول قوات الدعم السريع إلى المنازل ونهبها واغتصاب النساء الموجودات فيها. وهؤلاء النسوة يتفرقنّ كل صباح للاختباء من قوات الدعم السريع.
فيما جاء النمط الثالث للعنف الجنسي، يماثل إلى حد ما النمط الثاني حيث يحدث في أعقاب استقرار المليشيا في المنطقة، إلا أنه ينطوي على استهداف نساء محددات مثل النساء بائعات الأطعمة والشاي والنساء في المساحات العامة، وهو نمط مصحوب بقدر أقل من التفاوض والتنسيق مع السكان المحليين.
استهداف الطبيبات
وأكد التقرير استهداف قوات الدعم السريع العاملات في مجال الرعاية الصحية والعاملات في القطاع غير الرسمي بمعدلات أكبر في أنماط العنف هذه داخل ولاية الجزيرة وخارجها. وهذا العنف ذو طبيعة انتهازية وإجرامية تعكس بشكل واضح نهج الدعم السريع في إهانة كرامة النساء؛ وبالتالي ممارسة صنوف من العنف ضدهن.
ووفقاً لشهود عيان، تتعرض بائعات الأطعمة والشاي في أسواق الحصاحيصا والمعيلق والدباسين والمحيريبا لوحشية وانتهاكات قاسية، ويُجْبَرْن على تقديم الطعام والشراب مجاناً، مع تقديم الخدمات لجنود الدعم السريع، وكانت هؤلاء البائعات يتعرضن للمضايقة والتعذيب والضرب في الأماكن العامة في الأسواق المحلية إذا عصين أو تجاهلا أوامر جنود قوات الدعم السريع.
ووثقّت شبكة صيحة حالات متعددة استهدفت فيها قوات الدعم السريع العاملات في القطاع غير الرسمي، إذ تلقّت صيحة في 17 أبريل خبراً عن حادث وقع في مارس، يشير إلى تعرُّض بائعة شاي تعول أسرتها في الحصاحيصا للتعذيب بالضرب المتواصل والاعتداء عليها بواسطة جنود قوات الدعم السريع على جانب الطريق.
كما رصدت شبكة صيحة حادثة لبائعة شاي تعرّضت للاغتصاب الجماعي في الشارع في 26 فبراير عندما قاومت محاولات أفراد الدعم السريع تم اختطافها وإخفائها قسريًا. كما وردت تقارير عن حالة اغتصاب جماعي لبائعة شاي في الشارع العام وضرب ونهب في 8 مارس في مدينة الحصاحيصا.
توصيات هامة
وبحسب التقرير تنتشر الانتهاكات ضد النساء والفتيات في حالات السفر، إمّا بمفردهنّ أو في مجموعات.
وأوصى التقرير بدعم البرامج التي تساعد المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق النساء والفتيات وجمعياتهم/هن في ولاية الجزيرة وسنار، وفي مختلف ولايات السودان، وتوفير الموارد والحماية اللازمة لهم.
وشدد التقرير على وجود حاجة ماسّة لإنشاء نقاط لخدمات الاستجابة العاجلة والمراكز الشاملة الآمنة وعيادات الناسور في القضارف وكسلا، للضحايا اللواتي بحاجة ماسّة إلى الحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية والنفسية والتوثيق.
كما أوصى بضرورة محاسبة أبو عاقلة كيكل وغيره من قادة قوات الدعم السريع المسؤولين بشكل مباشر عن هذه الانتهاكات المروّعة التي تحدث في ولاية الجزيرة محاسبة جنائية وفق محكمة جنائية خاصة تُشَكَّل تحت سلطة الأمم المتحدة، مثل المحكمة الجنائية الخاصة التي شُكِّلَت في أعقاب مذابح رواندا، للنظر في جرائم الحرب والفظاعات التي ارتكبها الدعم السريع في ولاية الجزيرة وولايات السودان الأخرى؛ إذ تُظهِر الأدلة بوضوح مسؤوليتهم عن تلك الفظائع وجرائم الحرب.
وشدد التقرير أنه “على البعثة الدولية المستقلة لتقصّي الحقائق في السودان الوصول إلى المزيد من المجتمعات المحلية والمدافعين عن حقوق الإنسان والشهود من الجزيرة وتخصيص برامج توعية خاصة. كما يجب تمكين منظمات حقوق المرأة وحقوق الإنسان التي توثق وترصد انتهاكات حقوق الإنسان، وتدريبها على العمل مع بعثة تقصي الحقائق وغيرها من سلطات التحقيق”.