السودان “كنز الموارد” مُهدد بالتشظي إلى إقطاعيات مسلحة
عاين- 28 سبتمبر 2023
تراود “النزعات الانفصالية” بعض القوى السياسية والمسلحة في السودان، في وقت تبقى احتمالات تقسيم هذا البلد الشاسع إلى دويلات محط شكوك قوية بالنسبة لفاعلين في العمل السياسي في الوقت الراهن ومبرراتهم في ذلك أن دول الجوار لا ترغب في البقاء بجوار “بلد فاشل ومفكك”. فيما يرجح آخرون حدوث تفكك للبلاد المكونة من ستة أقاليم رئيسية وفق “سيناريوهات مرعبة” لجهة أن الانقسام السلمي ربما يكون ترفاً لاسيما مع استمر الحرب الحالية.
اندلعت الحرب في السودان في أبريل الماضي وتنتشر في ثمانية ولايات وتتوزع مناطق النفوذ المسلح بين أربعة قوى رئيسية تشمل الجيش الذي يسيطر على شمال وشرق وأجزاء من كردفان والوسط بينما الدعم السريع يتحدث عن سيطرته على أجزاء من العاصمة السودانية وأجزاء من إقليم دارفور وكردفان فيما تحتفظ حركة جيش تحرير السودان بمناطق نفوذها العسكري بين سفوح جبال مرة في إقليم دارفور وتطلق عليها بـ”المناطق المحررة”.
أما الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو تحكم مناطق تخضع لسيطرتها منذ أكثر من عشرة أعوام في جبال النوبة -جنوب كردفان- وأجزاء من النيل الأزرق في ذات الوقت تتصاعد حمى البحث عن اتفاق قديم أعاده إلى الواجهة في يونيو الماضي سلطان دار بحر سعد الدين وتنص اتفاقية “قلاني” التي جرى توقيعها بين سلطنة دار مساليت والحكومتين الإنجليزية والفرنسية في 19 سبتمبر 1919 على الانضمام للسودان الإنجليزي على أن يحتفظ السلطان بإدارته الأهلية في سلطنته وحكمه الذاتي وأن تكون لحكومة السودان إدارة غير مباشرة على سلطنة دارمساليت بولاية غرب دارفور كما تمنح الاتفاقية الحق للمساليت بالإنفصال عن السودان دون اعتراض من أي جهة.
وبالتزامن مع نشوب القتال بين الجيش والدعم السريع نقلت “حكومة الأمر الواقع” التي تشكلت بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 والتي يهيمن عليها الجيش أعمالها إلى مدينة بورتسودان كانت في الأسابيع الأولى تبريرها تسيير شؤون الولايات من مكان آمن والآن ترتفع الإرهاصات بشأن تشكيل حكومة جديدة في البحر الأحمر تعلن نفوذها الإداري على جميع الولايات غير معترفة بأي سلطة قد تنشأ في مكان آخر.
سيناريو إقطاعيات مسلحة
يقول أستاذ السياسة والإدارة بجامعة لونغ إيلاند في نيويورك بكري الجاك لـ(عاين)، إن الحرب في السودان بدأت بين الدعم السريع والبرهان كفصيلين يحاولان الاستحواذ على السلطة بعد سقوط نظام البشير ثم أخذت أبعادا أخرى مثل الخطاب المناطقي الشعبوي العرقي.
ويرى الجاك، أن هناك عوامل تغذي مخاطر تقسيم السودان والتجييش على الأساس العرقي والاصطفاف القبلي بين طرفي النزاع مثل فكرة الدفاع عن العرض والأرض في معسكرات بمناطق خاضعة لسيطرة الجيش.
ويتابع بالقول: “وضعية تقسيم هذه البلاد يمكن النظر إليها وفقا للواقع العمليات العسكرية على الأرض والبرهان منذ خروجه من القيادة العامة نهاية أغسطس الماضي برز الحديث عن تشكيل حكومة في البحر الأحمر”.
ويقول الجاك إن الدعم السريع أيضا لديه منطقة نفوذه العسكري التي ربما تتطور لاحقا إلى تشكيل سلطة مدنية وحتى احتفالات المولد النبوي في أمدرمان هذا الأسبوع جاءت بعد الحصول على تصريح من الدعم السريع- حسب الجاك.
خارطة جديدة لتجنب التفكك
ويتوقع الجاك، صعود المعارك العسكرية لطرفي القتال في السودان لخلق مناطق تقيم فيها سلطة أمر واقع غير معترف بها دوليا في ذات الوقت، وهناك معلومات عن مضي الدعم السريع حثيثا لتشكيل سلطة في الخرطوم.
ويرى الجاك، أن تقسيم السودان أو انقسامه ليس أمرا مستحيلا إذا نظرنا إلى سيطرة الجيش على الشمال والشرق وأجزاء من وسط البلاد وسيطرة الدعم السريع على بعض مناطق دارفور خاصة مع الإرهاصات التي تتحدث من أن سقوط الحامية العسكرية في نيالا أصبحت قاب قوسين أو أدنى.
وزاد قائلا: “قوات الدعم السريع يمكن أن تسيطر على مدينة الأبيض في شمال كردفان أيضا”. ويضيف : “من المخاطر أيضا أن الدعم السريع يضم ثلاثة مجموعات مقاتلة ليست بينها تنسيق”.
تباين يواجه الحركات
ويتوقع الجاك، مواجهة الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو صعوبات إذا ما حاولت الذهاب نحو خيار الانقسام لوجود تباين بين المجموعات السكانية “في جنوب كردفان والنيل الأزرق وبنفس القدر فإن حركة عبد الواحد نور لن تتمكن من إقامة سلطة في إقليم دارفور وقد تكتفي بالانتشار العسكري في مناطق سيطرتها ومن الصعب أن تقيم سلطة كاملة لعدم توفر عوامل النجاح”. يقول الجاك لـ(عاين).
انعدام النزعة الانفصالية
لا يرى الباحث في الاقتصادي السياسي معتصم أقرع في مقابلة مع (عاين) وجود “نزعات انفصالية” لدى السودانيين. ويقول أن “هذه التطورات جاءت أثناء الحرب بتلويح من قوات الدعم السريع التي هددت بإعلان حكومة جديدة حال قيام حكومة في البحر الأحمر”.
“قوات الدعم السريع لا تمثل أي منطقة في السودان بما في ذلك إقليم دارفور نسبة لجرائمها الموثقة منذ سنوات والمستمرة حتى الآن وظلت تهدد بإقامة حكومة في مناطق سيطرتها”. يقول أقرع.
ويستبعد كذلك نجاح تقسيم إقليم دارفور وإقامة دولة مستقلة أو حتى في إقليم كردفان ومن بين الأسباب التي ذكرها أنه لا توجد حدود طبيعية بين الأقاليم السودانية وإلى جانب التداخل الاجتماعي بين السكان فهو يرى أن شروط الانقسام غير متوفرة.
في ذات الوقت يعتقد أقرع أن السيناريو الذي قد يحدث ربما يكون بإقامة “سلطة أمر واقع” بواسطة كيانات مثل إعلان الدعم السريع قيام حكومة في مناطق سيطرته وقد يذهب الجيش إلى ذات المنحى حسب الأقرع بالسيطرة على ولايات الشمال والشرق وأجزاء من العاصمة ووسط البلاد علاوة على انفجار الوضع بشكل أكبر بإعلان بعض الكيانات المسلحة والقبلية “سلطة أمر واقع” وستكون جميع هذه الأطراف العسكرية والكيانات غير معترف بها دوليا ولا تُمثل في الأمم المتحدة وهي فوضى تأتي نتيجة استمرار أمد الحرب.
“من الصعوبة بمكان انقسام السودان إلى دويلات مستقلة قابلة للتعايش وتحظى بالاعتراف الإقليمي والدولي سوى أنها قد تكون مناطق نفوذ تحكم بواسطة سلطة القوة”. يضيف أقرع. ويضيف: “مقومات قيام دولة مستقلة في إقليم دارفور على سبيل المثال غير متوفرة لعدم وجود تجانس اجتماعي”.
ويوضح أقرع، أن هناك بعض الدول في الإقليم ليست لديها مصلحة في انقسام السودان وتفككه للحفاظ على أمنها القومي مثل مصر والسعودية في ذات الوقت يرى الأقرع بأن الولايات المتحدة الأميركية موقفها غير واضح وليس هناك فرق لديها بين بقاء السودان كما هو أو حدوث انقسام لأن مصالحها في السودان ليست بقدر من الأهمية. واستدرك أقرع : “لكن مع استمرار الحرب وضعف قبضة الدولة المركزية وانهيارها كل الاحتمالات واردة وقد تكون سيئة”.
الثروات تقود للانقسام
يرى المسؤول بمجلس الوزراء في الحكومة الانتقالية أمجد فريد، أن اندلاع الحرب في العاصمة السودانية “مقبض السلطة المركزية” شكل من أشكال تفكك الدولة بالتالي يظل الانقسام ماثلا إذا لم يتم إيقاف الحرب وفق أسس متينة تخاطب جذور الأزمة بمعزل عن اتفاقات قسمة السلطة والثروة كما يحدث منذ الاستقلال.
“مشاعر الانقسام تتنامى مع شعور المجموعات السكانية باستئثار مجموعة أخرى بالسلطة والثروة” يقول فريد لـ(عاين). ويضيف: “قائد الدعم السريع تلقى تحذيرا شديدا من دبلوماسيين رفيعي المستوى بشأن المضي قدما نحو تشكيل حكومة في مناطق سيطرة قواته لأنها لن تحصل على الاعتراف الدولي”.
وبينما دمرت الحرب المشتعلة منذ أبريل بالتركيز على العاصمة السودانية مرافق عامة ونهبت المنازل وشردت خمسة ملايين مواطن ومليون لاجئ عبروا الحدود بينما هناك “حفنة أمل” تلوح بين الحين والآخر عن اقتراب الحل السلمي بين جنرالين يتقاتلان من أجل السلطة حسب ما قالت مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن ليندا توماس.
سباق دولي على الموارد
“مخاطر تقسيم السودان موجودة بناء على عوامل خارجية أولاً، ضمن صراع عالمي على الموارد خاصة بين روسيا والصين من جهة وأوروبا والولايات المتحدة من جهة”. يقول سكرتير رئيس الوزراء عبد الله ديدان لـ(عاين).
ويرى، أن السودان “مُكتنز” بالموارد مثل اليورانيوم في إقليم دارفور والنيل الأزرق وكردفان والذهب في الشمال والشرق ونحن نتحدث عن دولة تذخر بـ”كتلة يورانيوم” لذلك فإن الانقسام طالما ذهب في اتجاه حصول بعض الدول على موارد فإنها قد تفعل ذلك.
إضافة إلى حرب الموارد عالميا فإن سلسلة من الانقلابات اجتاحت أفريقيا مؤخرا في نظر “عبد الله ديدان” قد تكون مشجعة بالنسبة لموسكو للعمل في أفريقيا وتفكيكها عبر ذراعها الأمني والعسكري شركة فاغنر والسودان ليس بمعزل عن الخطط الروسية في هذه القارة وفق سيناريوهات خطيرة.
ويقول ديدان، إن صراع الموارد يمتد إلى ساحل البحر الأحمر ومن سيطر عليه فإنه يتحكم في جزء كبير من مجرى مائي تمر عبره التجارة الدولية وهو صراع خليجي روسي أمريكي.
ومن بين العوامل الداخلية التي قد تؤدي إلى الانقسام رغبة الإسلاميين المتزايدة في إقامة دولة “ مثلث حمدي” حسب التعريف السياسي المتداول بين السودانيين وقال إن الاسلاميين يعملون على فصل دارفور وكردفان وإقامة دولة في البحر الأحمر تحكم في مناطق سيطرة الجيش لكن توقف الحرب يقلل من حدوث هذه الخطة.
وأضاف: “ليست بالضرورة أن تكون هناك دولتين مستقلتين لكن قد يتكرر السيناريو الليبي بتحكم السودان عبر قوتين عسكريتين واليوم هذا موجود على الأرض بشكل كبير في البلاد”. ويقول ديدان، إن “الانقسام قد يكون أخف الأضرار من الفوضى وهي تحكم المجموعات العسكرية على مناطق إذا تحول القتال بين الجيش والدعم السريع إلى حرب أهلية شاملة على أساس عرقي ومناطقي”.
وزاد قائلا: “قد تؤدي الحرب الأهلية إلى ظهور سلطة مجموعات قبلية مسلحة غير خاضعة لسيطرة الطرفين أي الجيش والدعم السريع وخروج الأمور عن السيطرة تماما”. ويضيف : “الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا لا ترغبان في تفكيك السودان فقط يريدون تجفيف الوجود الروسي لأن التفكيك خطر كبير على دول الجوار مثل إثيوبيا وجنوب السودان وتشاد وهي حليفة للغرب أكثر من روسيا”.
“مع تصاعد المخاطر بشأن تفكك السودان لا يمكن أيضا تجاوز إرادة الشعوب في البقاء في بلد واحد لكن هذه المشاعر قد تتبدل بصعود خطاب الكراهية والتصنيف العرقي”. يقول ديدان.
في قرى صغيرة في ولاية غرب دارفور عندما وقعت مجازر اتهم الدعم السريع بارتكابها في يوليو الماضي أثناء شن غارات على الجيش في عاصمة الولاية حاولت قوات دقلو إقامة سلطة مدنية في الوحدات الإدارية لكن محاولاتها لم تنجح ومع ذلك فإن هذه المناطق تظل حتى اليوم تحت “سلطة الحرب”.
ما يثير المخاوف بشأن الانقسام في السودان وتحوله إلى “دويلات فاشلة” أو “سلطة أمر واقع مناطقية” تراجع دور القادة السياسيين عقب اندلاع الحرب ورغبة “قادة راديكاليين” بالجيش في طرد الفاعلين السياسيين المدنيين إما بالتهديد أو التصفية الجسدية وفقا لبيانات لجان المقاومة.
قد لا يعود إلى السودان ما قبل “حرب أبريل” الجارية حاليا سوى اسمه القديم لكن بالنسبة للفاعلين السياسيين فأن البلاد الآن أمام خيارات أغلبها مرعبة وأفضلها وقف الحرب وتسوية شاملة للحفاظ على الوحدة بديلا للفوضى.