المدنيون في مناطق سيطرة الجيش تحت إجراءات أمنية مشددة
عاين- 14 يوليو 2024
تتخذ السلطات الأمنية في الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني إجراءات مشددة تصل مرحلة ملاحقة المدنيين بحجة التعاون مع قوات الدعم السريع مع تشديد القبضة الأمنية في كل مرة تسقط فيها مدينة بيد قوات “حميدتي”.
في الثامن من يوليو الجاري أصدر والي ولاية النيل الأبيض الواقعة على بعد نحو مائة كيلو متر غربي العاصمة السودانية قرارا مفاجئاً بمصادرة المركبات ذات الدفع الرباعي والدراجات النارية من المواطنين وكون لجنة من جهات الاختصاص لمتابعة تنفيذ القرار.
جاء القرار قرار الوالي عمر الخليفة عبد الله في 8 يوليو الجاري وفقاً لأمر الطوارئ تحت الرقم (6) للعام 2021 وتقول حكومة الولاية إنها تتسق مع الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان حينما أطاح بالحكومة المدنية في 25 أكتوبر 2021 وأعلن إجراءات الطوارئ.
كما استند القرار على قانون الحكم اللامركزي للعام 2020 وإجراءات السلامة للعام 1997 حسب المواد التي ذكرها القرار الصادر من مكتب الوالي بولاية النيل الأبيض.
قرار تحت حصار عسكري
وشدد القرار على مصادر العربات ذات الدفع الرباعي والدراجات النارية من المواطنين داخل حدود الولاية وتأتي هذه الإجراءات بينما ترتكز قوات الدعم السريع على حدود الولاية.
ويقول عضو لجان مقاومة كوستي محمد عمر، إن “قرارات الوالي الأخيرة أثارت جدلاً واسعا بين المواطنين في الولاية لأن آلاف المواطنين يستخدمون الدراجات النارية مؤخرا”. مشيرا إلى أن مئات المزارعين أيضا يمتلكون عربات الدفع الرباعي للذهاب إلى الحقول والأسواق بالتالي يعد القرار تغول من حكومة الولاية على ممتلكات المواطنين ولا تقل عن ممارسات الدعم السريع.
ويرى عمر، أن الحملات الأمنية لم تتوقف عند هذا الحد وينتشر العشرات تحت مسمى قوات العمل الخاص وأغلبهم من عناصر النظام البائد ويشنون حملات على المدنيين بحجة مكافحة “الخلايا النايمة”. وأضاف: “كلما دخلت الدعم السريع إلى مدينة تشن القوات الأمنية الحملات بحق المدنيين لاعتقادها أن هناك من يتعاونون من قوات حميدتي وهذا أمر غير مقبول وهروب من المسؤولية”.
وتابع في مقابلة مع (عاين): “قرارات الوالي الأخيرة مدعاة لرجال الأمن لنزع ممتلكات المواطنين جهارا نهارا تحت مسمى الطوارئ وقد يتعدى الأمر إلى البطش والتعذيب والاعتقال لأن القرار منح حق الحجز للمركبة والدراجات النارية ما يعني حجز مالكها لبعض الوقت تحت دعاوى التحقيق”.
بينما تدافع حكومة ولاية النيل الأبيض عن القرارات الأخيرة الخاصة بمصادرة مركبات الدفع الرباعي والدراجات النارية بالقول إن جنود الدعم السريع يستخدمون هذه النوعية من وسائل النقل ويجب أن توضع جميع هذه الوسائل تحت سيطرة السلطة الحاكمة في الولاية.
وأضاف مصدر حكومي لـ(عاين): “هذه الإجراءات لحماية المواطنين من مليشيا الدعم السريع وحتى لا تستغل هذه الوسائل لضرب الأهداف العسكرية في ولاية النيل الأبيض”.
تكميم الأفواه
ومطلع هذا الشهر أجرت جميع الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش تعديلا على ساعات الحظر بزيادته إلى 12 ساعة في بعض المدن وتزامنت الإجراءات مع سيطرة الدعم السريع على مدن سنجة والدندر وجبل موية بولاية سنار جنوبي البلاد.
ويقول مهند وهو فاعل المجال الإنساني ولجان المقاومة بولاية القضارف شرقي السودان، إن “الأسواق في القضارف تتحول إلى مدينة أشباح في الفترات المسائية بسبب الحظر كما أحكمت القوات الأمنية قبضتها على الولاية”. ولفت إلى أن تعزيز الإجراءات العسكرية لا يعني التضييق على المدنيين. ويقول مهند والذي اكتفى بالإشارة إلى اسمه الأول نظرا للوضع الأمني لـ(عاين): إن “ولاية القضارف تحولت إلى منطقة عسكرية أمنية بالكامل لا يسمح للفاعلين والنشطاء في غرف الطوارئ بالحركة دون وضع القيود الأمنية وأحيانا المراقبة خاصة عندما تبدأ حملات القوات الأمنية المشتركة يتم القاء القبض على العشرات بحجة عدم حمل الأوراق الثبوتية”.
وأما في ولاية نهر النيل التي تهددها قوات الدعم السريع بنشر مقاطع فيديو عبر شبكات التواصل الاجتماعي فإن الإجراءات الأمنية في مدينة عطبرة والدامر شهدت بعض التطورات وشاهد المواطنين الأسبوع الماضي عرضا عسكريا لقوات ومتطوعين من الشبان ورددوا هتافات معلنين استعدادهم للدفاع عن حدود الولاية التي تقع شمال العاصمة السودانية على بعد 400 كيلو متر.
ويتحدث عماد من مدينة عطبرة لـ(عاين) من أن زيادة ملحوظة في الانتشار العسكري وحالة التأهب الأمني. ويقول: “ربما إن هذه الإجراءات تشعر المواطنين بالطمأنينة من عدم وقوع مناطقهم تحت سيطرة قوات حميدتي المعروفة بالبطش وارتكاب الانتهاكات بحق المدنين لكن هناك جهات لديها ولاء لنظام البشير تستغل هذه الإجراءات لتصفية الحسابات السياسية مع قوى الثورة وأعضاء لجان المقاومة بالملاحقة والاعتقال والتعذيب واطلاق الاتهامات”.
أوامر مستمدة من الانقلاب
يقول الباحث في مجال حقوق الإنسان أحمد عثمان لـ(عاين): إن “مكاتب الولاة في الولايات هي التي تصدر أوامر الطوارئ ولا يمكن إبطالها عبر مكتب النائب العام لأن القرار اتخذته اللجنة الأمنية للولاية تحت مبررات تقديرات أمنية تهدد السلامة العامة للمواطنين وهي تقديرات عادة تلجأ اليها الأنظمة العسكرية لتضييق الخناق على الناشطين والفاعلين في المجال الإنساني والقوى المدنية”.
وأضاف: “معروف أن الهجوم العسكري على المدن يأتي عبر حدودها بالتالي الأولوية لتعزيز الانتشار العسكري في الحدود والمناطق العسكرية لحماية المدنيين لكن اتخاذ إجراءات بمصادرة المركبات والدراجات النارية تنم عن استهداف المدنيين مباشرة”.
ويرجح عثمان، وضع السلطة الحاكمة إجراءات أمنية مشددة على المدن الواقعة تحت سيطرة الجيش وقد تصل إلى التصفية الجسدية بحق الفاعلين في القوى المدنية ولجان المقاومة لأن التيار المتطرف هو الذي يتولى دفة القيادة في الوقت الراهن.
وأردف: “مع سقوط المدن يصعد المتطرفون إلى كابينة القيادة ويعتقدون أن القبضة الأمنية قد تقلل فرص سقوط المناطق وأي شخص في مناطق سيطرة الجيش أو الدعم السريع هو شخص متعاون مع أحد الطرفين في نظر الجانبين”.