وقف عدائيات.. السودانيون بإنتظار خيارات مجلس الأمن
عاين- 9 مارس 2024
في خطوة أحيت آمال السودانيين في إيقاف الحرب ووصول المساعدات الإنسانية، صوّت مجلس الأمن الدولي وفقا للقرار 2724 الخاص لوقف الأعمال العدائية في السودان خلال شهر رمضان الذي من المقرر أن يبدأ اعتبارا من الاثنين 11 مارس الجاري.
القرار الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي من مقره في نيويورك مساء الجمعة حصل على 14 صوتا مقابل امتناع صوت واحد ووفقا للمراقبين الدبلوماسيين لن يكون القرار ملزما للطرفين المتحاربين في السودان – الجيش والدعم السريع.
الجيش.. موافقة مشروطة
قبيل انعقاد الجلسة استبقت وزارة الخارجية السودانية هذه التحركات التي قادتها بريطانيا وهي الدولة التي صاغت مشروع القرار بترحيب حكومة بورتسودان المدعومة من الجيش بمناشدة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الذي ناشد الجيش والدعم السريع بوقف الأعمال العدائية في شهر رمضان بالمقابل لم تكتف الخارجية السودانية بالترحيب بل مضت إلى وضع بعض الشروط التي تتمثل في تنفيذ الجيش عدد من الهدن التي بلغت 14 هدنة خلال العام 2023 بينما لم تلتزم قوات الدعم السريع بالهدن الموقعة مع الجيش وفقا لمنبر جدة بالمملكة العربية السعودية كما عبر بيان الخارجية السودانية.
ومن ضمن الشروط التي وردت في بيان الخارجية السودانية الصادر مساء الجمعة 8 مارس 2024 التزام قوات الدعم السريع بالخروج من منازل المواطنين والمرافق العامة والأعيان المدنية.
وشملت الشروط الصادرة من حكومة بورتسودان المدعومة من الجيش حسب بيان الخارجية السودانية انسحاب الدعم السريع من ولايتي الجزيرة وسنار وسط البلاد علاوة على إخلاء مدن الجنينة والفاشر ونيالا وزالنجي والضعين وهي عواصم ولايات إقليم دارفور والتي اعتدت عليهما رغم توقيعها على إعلان المبادئ الصادر من منبر جدة في مايو 2023 وفق البيان.
وشددت الخارجية السودانية لتنفيذ وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان على وقف قوات الدعم السريع لما أسمتها بـ”الفظائع وانتهاكات القانون الإنساني الدولي” وقانون حقوق الإنسان التي ترتكبها “المليشيا” في مختلف الولايات التي اعتدت عليها بما فيها ولايات دارفور والجزيرة وسنار والنيل الأبيض. وجنوب كردفان وغرب كردفان.
واشترط بيان الخارجية السودانية أيضا إعادة المنهوبات العامة والخاصة ومحاسبة مرتكبي أعمال التدمير التي طالت المرافق العامة وممتلكات المواطنين التي نُهبت خلال الحرب بواسطة قوات الدعم السريع.
وأضاف بيان الخارجية السودانية: “بعد وقف الحرب، يتم اتخاذ الترتيبات السياسية اللازمة بعد مشاورات واسعة مع القوى الوطنية كافة لإدارة الفترة الانتقالية التي يعقبها إجراء الانتخابات العامة ليختار الشعب من يحكمه”.
وأردف البيان بالقول: “أن حكومة السودان على يقين بأن الدعم السريع التي شنت حربها على الدولة والمواطن خلال شهر رمضان المبارك من العام الماضي عاطلة من كل وازع ديني أو أخلاقي أو وطني ولا يمكنها بالتالي مراعاة حرمة الشهر الكريم”.
ترحيب الدعم السريع
قوات الدعم السريع رحبت بقرار مجلس الأمن الدولي الخاص بوقف الأعمال العدائية في السودان خلال شهر رمضان، وأبدت استعدادها للحوار حول آليات مراقبة متوافق عليها لضمان تنفيذها وتحقيق الأهداف الإنسانية المطلوبة.
كما اقترحت قوات الدعم السريع إستغلال هذه الخطوة لإجراء مشاورات جادة نحو بدء عملية سياسية لوقف دائم لإطلاق النار وصولاً لحل شامل للأزمة.
وبررت الدعم السريع استجابتها لقرار مجلس الأمن الدولي من واقع “مسؤوليتها الأخلاقية” تجاه الشعب السوداني على حد تعبيرها وقالت إن موافقتها تنسجم مع موقفها المبدئي الرافض للحرب ويتسق مع رغبتها في رفع معاناة المواطنين.
وقالت إن وقف إطلاق النار يؤدي إلى تسريع وصول المساعدات الإنسانية لمستحقيها في جميع أنحاء السودان متهمة الجيش السوداني بعرقلة نقل المساعدات إلى المدنيين لمعاقبتهم على ذلك.
وعزت قوات الدعم السريع عدم التزام القوات المسلحة باتفاقات الهدن السابقة خلال الحرب إلى تعدد مراكز اتخاذ القرار داخل الجيش والتي وصفتهم بـ”كتائب النظام البائد”.
عدم توفر إرادة
وجراء استمرار القتال بين الجيش والدعم السريع منذ 11 شهرا تفاقم الوضع الإنساني وتحذر الأمم المتحدة أن حوالي 25 مليون شخص يواجهون نقصا في الغذاء والإمدادات الصحية إلى جانب وجود 19 مليون طفل بلا مدرسة ومستقبل غامض جدا في أزمة صنفت على مستوى العالم بخصوص وضع الأطفال في السودان.
الحرب خلفت مقتل 14 ألف من المدنيين كما انعدمت الممرات الآمنة التي تتيح للمواطنين مغادرة المناطق الساخنة إلى جانب الإنهيار الذي يلاحق الاقتصاد وتحذير صندوق النقد الدولي من انكماش الاقتصاد بنسبة 24 % هذا العام.
ويعلق الباحث في العلاقات الدولية أحمد الرشيد، على القرار الصادر من مجلس الأمن الدولي بنوع من عدم التفاؤل إزاء تنفيذه على الأرض وإخماد المدافع وبالتالي تواجد فرص إمكانية إدخال الإغاثة عبر الحدود إلى 25 مليون شخص.
ويرى الرشيد، أن شروط الجيش التي عبر عنها بيان الخارجية السودانية تعد “شروط تعجيزية” لأن مناشدة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بوقف الأعمال العدائية في شهر رمضان جاءت لاختبار قدرة الطرفين المتنازعين على سماع صوت العقل والتوقف فورا عن القتال لكن على ما يبدو أن الشروط التي بدرت من الجيش تحتاج إلى طاولة مفاوضات أكثر من كونها شروط لقبول وقف قصير للأعمال العدائية.
وأردف: “مجلس الأمن لم يضغط بما فيه الكفاية لجعل القرار ممكنا، وعلى الأرض لم يتحرك بفاعلية وترك الأمر في يد الجيش والدعم السريع وهي عملية تشبه وضع الخيارات وترك حرية القرار لهما دون تأثير أو ضغوط أو حوافز”.
ويرى الرشيد، أن مجلس الأمن أصدر قرارا وتركه على طاولة الطرفين المتحاربين في السودان دون أدوات فاعلة لتنفيذه على الأرض وبريطانيا التي صاغت القرار لا تجد ترحيبا من الحكومة القائمة في بورتسودان والمدعومة من الجيش وتنفيذ القرار بشكل كبير يعتمد على موقف القوات المسلحة باعتبارها جهة مؤسسية تمثل الدولة ويمكن تكثيف الضغط على الدعم السريع من خلال عدة أدوات لموافقتها على القرار بشكل كبير خاصة مع خسائرها لبعض المواقع العسكرية.
القرار بروتوكول اختياري
وحسب نص القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي مساء الجمعة 8 مارس 2024 دعا وفقا للبروتوكول الاختياري الأول إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية خلال شهر رمضان، ويدعو جميع أطراف النزاع إلى البحث عن حل مستدام للنزاع من خلال الحوار.
ودعا قرار مجلس الأمن جميع الأطراف إلى ضمان إزالة أي عوائق وتمكين وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق، بما في ذلك عبر الحدود وعبر خطوط التماس والامتثال بالتزاماته بموجب القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك حماية المدنيين والأعيان المدنية، والتزاماتها بموجب إعلان الالتزام بحماية المدنيين في السودان (إعلان جدة).
ويشجع القرار المبعوث الشخصي للأمين العام إلى السودان، رمطان لعمامرة، على استخدام مساعيه الحميدة مع الأطراف والدول المجاورة، لاستكمال وتنسيق جهود السلام الإقليمية.
وعبر مجلس الأمن على متن القرار عن بالغ القلق إزاء انتشار العنف والحالة الإنسانية الكارثية و المتدهورة، بما في ذلك مستويات الأزمة أو ما هو أسوأ من انعدام الأمن الغذائي الحاد، لا سيما في دارفور، ويعرب عن القلق كذلك إزاء التقارير المستمرة عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي، وانتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان القانون، بما في ذلك حالات العنف الجنسي في حالات النزاع.
وأضاف القرار : “يُلاحظ الحاجة إلى المساعدة الإنسانية عبر الحدود وعبر خطوط التماس دون عوائق إلى دارفور، ويشجع أطراف النزاع على مواصلة العمل في شراكة وثيقة مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية والمنظمات غير الحكومية الدولية لضمان وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى المحتاجين”.
ورحب القرار كخطوة إيجابية بإعلان السلطات السودانية عن قرارها بتيسير وصول المساعدات الإنسانية عبر معبري الطينة والرنك الحدوديين، وكذلك عبر النقل الجوي للوصول إلى المطارات السودانية في الفاشر وكادوقلي والأبيض.
وحث قرار مجلس الأمن الدولي على مواصلة وتعزيز تنسيق الجهود الإقليمية والدولية لتسهيل إنهاء النزاع واستعادة عملية انتقال ديمقراطي شاملة ودائمة بقيادة مدنية، وترحب في هذا الصدد بتعيين فريق رفيع المستوى تابع للاتحاد الأفريقي معني بالسودان والاتحاد الأفريقي والتزام الاتحاد بالعمل مع شعب السودان لإنهاء القتال ووضع عملية نحو سلام دائم وشامل وديمقراطية وعدالة في السودان.
بداية التدويل
ويقول الدبلوماسي السابق بوزارة الخارجية السودانية السفير الصادق مقلي في حديث لـ(عاين): إن “قرار مجلس الأمن الصادر يوم 8 مارس 2024 يمثل ضربة البداية لتدويل النزاع في السودان”.
وأضاف مقلي: “لأول مرة يصدر قرار من مجلس الأمن بهذا الإجماع من بعد أن ظل يستمع خلال الفترة الأخيرة إلى تقارير أممية من عدة منظمات أهمها مدعي المحكمة الجنائية الدولية والمفوض السامي لحقوق الإنسان و الأمين العام للأمم المتحدة”.
وتابع: “ظل مجلس الأمن الدولي يتلقى التقارير عن الوضع الراهن في السودان من عدد من المنظمات المتخصصة كاليونيسف ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الهجرة الدولية وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الفاو وفريق العمل عن دارفور المكون بقرار من مجلس الأمن رقم 1591 بتاريخ 2005 و الخاص بالوضع الأمني وإمدادات الأسلحة لإقليم دارفور”.
وقال السفير الصادق مقلي: إن “مجلس الأمن لديه لجنة خاصة يتلقى منها التقارير السنوية من فريق العمل والذي تم تمديد ولايته خلال جلسة الجمعة 8 مارس 2024 بقرار تحت الفصل السابع كالعادة لغاية 12 مارس 2024”.
وأردف مقلي: “أجاز مجلس الأمن قرار التمديد لفريق العمل مباشرة بعد تبنيه القرار الخاص بوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان وتسهيل انسياب المساعدات الإنسانية للمتضررين”.
ويعزو مقلي، قرار تمديد فريق اللجنة التي تتبع إلى مجلس الأمن الدولي نتيجة التقرير عن دارفور الذي قدمه في فبراير الماضي لأن لديه عظيم الأثر في بلورة مواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن”.
ويقول السفير الصادق مقلي، إن القرار الخاص بوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان لم يصدر تحت الفصل السابع، وإنما صدر بناءً على البروتوكول الاختياري الاول الملحق بالعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية الذي هو أحد الآليات التعاقدية لحقوق الإنسان والمصادق عليه السودان”.
ويرى مقلي، أن القرار الصادر من مجلس الأمن في 8 مارس 2024 يعتبر أول عتبة للتدخل الدولي في الحرب في السودان وهذا الإجماع الدولي حول القرار والشعور بمخاطر الكارثة الإنسانية في السودان يستوجب علي أطراف القتال في السودان أولا الالتزام بهذا القرار وثانيا الاحتكام إلى صوت العقل لإنهاء معاناة الوطن و المواطن”.
ويعتقد السفير الصادق مقلي، أن أي خرق للقرار واستمرار القتال في السودان سوف يفاقم من هذه الكارثة الإنسانية التي تهدد الوطن ومن ثم المزيد من الضغوط من المجتمع الدولي والإقليمي.
وزاد قائلا: “ليس من المستبعد في هذه الحالة اللجوء إلى الفصل السابع من باب مبدأ حماية المدنيين”.