(قوش) رغم الاختفاء.. تقليب أوراق حساسة في الملف السوداني
تقرير: عاين 10 يوليو 2019م
بسجله الملئ بالانتهاكات بحكم رئاسته سنوات لجهاز الأمن والمخابرات الوطني على فترتين في نظام الرئيس المخلوع عمر البشير الذي طوى السودانيون صفحته ، الا ان رئيس مخابراته قبل سقوط نظامه “صلاح قوش” ظل حتى هذه اللحظة يقلب اوراقا كثيرة في مسيرة التغيير بالبلاد ويلعب أدوارا وصفها البعض بالايجابية وآخرون لم يبارح لديهم محطة رئيس جهاز الأمن الذي نكل بآلاف السودانيين ابان حكم الرئيس السابق.
أوراق حساسة
وتقليب “قوش” لهذه الأوراق الحساسة بحسب مراقبين يأتي من قناعة راسخة لديه بضرورة التغيير في البلاد وقتها وازاحة الرئيس البشير وحرس الانقاذ القديم، انفاذا للخطة الامريكية والتي وسمت بـ “الهبوط الناعم” والتي من شأنها إحداث تغييرا ناعما في كابينة قيادة الحكومة السابقة ومشاركة قوى رئيسية في المعارضة المدنية والمسلحة تحت تحالف “نداء السودان” عبر حوارات عديدة جرت في عواصم اوروبية وافريقية.
وما رسّخ لرئيس المخابرات السابق صلاح قوش ضرورة التغيير، هو تعاونه اللا محدود مع المخابرات الامريكية في كل الادارات الامريكية التي مرت على البلاد. ويرى مراقبون، ان نتائج هذا التعاون لن تاتي اكلها مادامت الانقاذ بقياداتها القديمة تسيطر على البلاد وتتحول من محور دولي الى آخر. لكن “قوش” ظل يعمل وكأنما حاز على الوعد الأمريكي ربما وقتها بقيادة دفة البلاد وخلافة البشير.
تأليب الشارع
الادوات الامنية الكلاسيكية التي استخدمها قوش في ادارة الاحتجاجات المتصاعدة في البلاد منذ 19 ديسمبر، يرى مراقبون انه اختارها بعناية بالنظر الى ما سمونه “بسذاجتها وتكرارها طوال حكم الانقاذ” ومن شأنها أن تؤلب الشارع السوداني ضد نظام الحكم القائم، وجاء اتهامه للموساد الإسرائيلي، بتجنيد عناصر من حركات المعارضة في السودان، لإثارة العنف والفوضى في البلاد، وقال في أول ظهور لمسؤول حكومي علني في يوم 20 ديسمبر ان جهاز الأمن رصد نحو 280 عنصرا من الحركة كانوا في إسرائيل لإثارة الفوضى في السودان ، وجند الموساد قسما منهم”. وقال قوش وقتها في تاكيد نادر على حق السودانيين في التظاهر السلمي، وإن الأمن لا يتدخل إلا بطلب من الأجهزة الشرطية”، موضحاً أن أفراد الشرطة استخدموا الرصاص بعد أن دخل المخربين إلى مقار الشرطة، ما تسبب في سقوط خمس ضحايا بعضهم عن طريق رصاص طائش”.
ومع اشتداد التظاهرات، مارس قوش نفس الاسلوب في عملية تأليب الشارع، وكانت تصريحاته الصوتية التي تطوف بها مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تارة يتهم فيه حزبه باتخاذ اجراءات من شأنها التضييق على السودانيين، بإغلاق شارع النيل امام المواطنين وملاحقتهم بقانون النظام العام. هذه التصريحات أججت الرأي العام السوداني الذي كانت ثورته وقتها في أوجها “فكيف للملايين التي تهدر في الشوارع أن تعيدهم تصريحات بالنظر في قانون النظام العام أو فتح محلات الشيشة علنا في شارع النيل بالخرطوم”. واستمر قوش في هذه التصريحات وصولا الى اتهامه شابة قال أنها قتلت د. بابكر سلامة في منطقة بري. بل وتوعد بمحاكمتها بعد ان قال إنها أقدمت طبقاً لتسجيلات محفوظة لديهم على قتل الطبيب بابكر سلامة برصاصة في ظهره عبر بندقية خرطوش من نوع مورس أخرجتها من حقيبة كانت تحملها.
تنحي البشير
يرسم اعضاء في حزب المؤتمر الوطني المحلول، ادوارا كبيرة لـ “قوش” في عملية اجبار الرئيس البشير على التنحي ولا يتوارون في وصف ما قام به قوش بـ خيانة البشير ونظامه. ويشير عدد من أعضاء الحزب تحدثت إليهم (عاين)، الى ان طموح قوش تصاعد في خلافة البشير بعد الاحتجاجات التي انتظمت البلاد. وظل قوش بحسب اعضاء حزب المؤتمر الوطني يسوّق لنفسه على أنه الخليفة المحتمل سيما بعد اهتزاز ثقة الرئيس البشير به واستعانته بكوادر أكثر ثقة في أماكن اتخاذ قرار في الحزب.
ويرى القياديين في الحزب المحلول، إلى انه وعلى الرغم من ان قوش يرأس جهاز الامن والمخابرات بهيئة العمليات التي تضم نحو 30 ألف جندي، إلا ان تقديرات الرئيس المخلوع وقتها كانت مختلفة وتستهين بهذا العدد من الجنود الذين كانوا تحت إمرة قوش بالنظر للاعداد الاكبر في قوات الدعم السريع والتي كان الرئيس البشير يأمن قائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي” ويعتقد انه سيكون محطته الاخيرة في حسم الاحتجاجات.
جيش قوش
راهن قوش على قوات جهاز الأمن التي يقدر عددها بنحو 30 ألف جنديا في هيئة العمليات، واستمر رهانه حتى بعد إجبار البشير على التنحي لجهة أنه يمثل الضلع الأمني الثالث في البلاد بعد الجيش والشرطة والدعم السريع، فالشواهد على استمرار هذه الرهان هو الاخبار المتضاربة منذ ان اجبره الشارع السوداني على التنحي من عضوية المجلس العسكري الانتقالي، ترشح أخبار من وقت لآخر أنه يتجول في العواصم العربية وصولا الى واشنطون الامريكية وانه ليس من قوائم المطلوبين للاعتقال والسجن كواحد من عناصر النظام السابق التي ارتكبت انتهاكات جسيمة في حق الشعب السوداني وآخرها حوادث القتل التي تمت أثناء ثورة 19 ديسمبر.
ومصدر قوة الرجل ونفوذه تمثلت في الحادثة الشهيرة في مايو الماضى والتي اعترضت فيها حراسته الشرطة من تنفيذ أمر باعتقاله وتفتيش منزله بشأن حساب مصرفي يحوي 46 مليار جنيه سوداني (مليار دولار) لا يُصرف منه إلا بتوقيع قوش فقط.فيما قال نادي أعضاء النيابة العامة السودانية -في بيان وقتها انه وعلى إثر دعوى جنائية أمام نيابة مكافحة الثراء الحرام والمشبوه المتهم فيها صلاح عبد الله محمد (قوش) المدير السابق لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، تحركت قوة من الشرطة يترأسها ضابط برتبة عميد وتحت الإشراف المباشر من وكيل أول النيابة ووكيل النيابة المختص لتنفيذ أمر القبض والتفتيش على منزل المتهم الصادر من النيابة”.
وأضاف البيان “تصدت القوة المكلفة بحراسة منزل المتهم المذكور والتابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني للأمر الصادر، ورفضت تنفيذه أمام وكلاء النيابة العامة وتذرعت بأنها لم يصدر إليها تعليمات”. وتابع البيان “قفزت القوة إلى أكثر من ذلك ووجهت العربة المسلحة (بالدوشكا) نحو عربة أعضاء النيابة العامة، وقاومت تنفيذ الأمر بالقبض والتفتيش، كما هددت القوة المنفذة للأمر باستخدام السلاح الناري على مرأى ومسمع وكلاء النيابة مُصدري الأوامر”.
وتمظهرات تنفذ قوش هذه يتحدث عنها المجلس العسكري بارتباك كبير وحتى عن مكان تواجده، رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان قال مؤخرا ان قوش غادر البلاد من غير علمهم. وأضاف البرهان خلال إجتماع مع رؤساء تحرير الصحف “خرج قوش دون علمنا رغم أننا وفرنا له الحماية التامة”، وأضاف في تصريحات سابقة”صلاح بعد أن قدم استقالته اتفقنا معه أن يكون تحت حمايتنا وفي حال فُتحت أي بلاغات في مواجهته تأخذ مسارها القانوني” وتابع “تفاجئنا بمغادرته وهو حالياً خارج السودان”.
بصمات باقية
ويرى الكاتب والمحلل السياسي خالد محمد طه، بان الفريق/ صلاح عبد الله المدير السابق لجهاز الأمن والمخابرات ، وبالرغم من إسهامه في إدارة الأمور في إتجاه إجبار الجنرال البشير على التنحي إلأ أن إرث الحنق الجماهيري على الجهاز وقف حائلا بينه وعضوية المجلس العسكري ، وركونه لإمتصاص الغضبة المطالبة بحل الجهاز كله عبر إعلان إستقالته، وفي النفس شيء من حتى، و استنادا على معطيات ما بعد تنحي المشير/ البشير والأحداث الدامية التي رافقت وأثرت على مجريات الحوار والتفاوض حول ترتيبات الفترة الانتقالية والتردي المريع في الأوضاع الامنية والاختلال المقلق في مجمل المجال العسكري يجعل المراقب في زاوية نظر تبين بوضوح تأثيرات غياب صلاح قوش عن المشهد، فقد كان له الضلع الاقوى في ميزان القوى العسكرية النظامية منها وغير النظامية .
اضاف طه لـ(عاين)، “يعلم الجميع إن ما قامت به اللجنة الامنية التي شكلها الجنرال البشير لم يكن إنقلابا عليه بقدر ماهو ( هبوط اّمن ) يقطع الطريق أمام المطالبة بالدولة المدنية الكاملة و يستبق الحراك الاّخذ في التشكل حينها بحيث تتضافر رؤى ومواقف الشباب المدنيين مع صغار العسكريين وهم من الشباب أيضا ، بمعنى أن ما تم كان لحماية الجنرالات ولافراغ شعارات الثورة وللمحافظة على كل مكتسبات رموز النظام بل وتواصل ذات النظام بواجهة جديدة ، ومن أهم تلك المكاسب ضمان عدم المحاسبة على مجمل ما تم اقترافه خلال ال30 سنة الماضية” .
وزاد خالد، “إن كان هنالك منطق يقبل التعاطي والتعامل مع تلك الرموز المدنية والعسكرية فليس هنالك ما يمنع من التعامل مع الفريق صلاح عبد الله ، بل كان ذلك خيارا أكثر امان بالنسبة للثوار ويضمن تفكيك بعض معاقل السلطة القديمة المرئي منها والمستتر ، بالرغم من تقاطعات فكرة ( الهبوط الناعم ) مع الاغلبية العظمى من الشعب السوداني إلا أن أمر تنفيذها يسير الآن بعد دفع كلفة باهظة جدا في الارواح والانفس”. ورجح طه، بان دور الفريق/ صلاح عبد الله سيظل موجود ولو من خلف ستار لأن قوام وتشكيل جهاز الامن والمخابرات خصوصا التشكيل المقاتل ، والقوات المسلحة نفسها ( الجيش ) بل وقوات الدعم السريع هي كلها تشكيلات عسكرية توجد في داخلها بصمات وأعمدة وشخوص اساسية لها ما يربطها بالفريق قوش .