الأمن السوداني وقتل المواطنين داخل منازلهم

تقرير عاين :17 فبراير 2019

تعرضت عشرات المنازل بالسودان الى إنتهاكات بالغة من قبل السلطات الأمنية أثناء التظاهرات المستمرة الى مايقارب الشهرين ، مايعد إنتهاكاً سافراً للحقوق التي كفلها دستور البلاد للمواطنين ، كما روعت القوات الأمنية السكان داخل بيوتهم بالاقتحام وإطلاق الرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع داخلها ، سيما وأن هذه البيوت يوجد بداخلها أطفال وكبار سن ومرضى ، وتسببت هذه التجاوزات في أضرار تصل إلى القتل. وخلال التظاهرات التي يشهدها السودان إعتدت السلطات الأمنية على منزل بمنطقة “بري” وسط الخرطوم كانت نتيجته فقدان الشهيد معاوية بشير لحياته ، جلسنا الى شقيقته إبتسام التى أخبرتنا تفاصيل الحادثة كاملة ، وكانت يبدو عليها الفخر بأن شقيقها مات بطريقة تشبه مواقفه وجسارته وقالت ” فى السابع عشر من يناير الماضي كانت منطقة بري “الدرايسة” تشهد احتجاجات استمرت لساعات طويلة،  كانت السلطات الأمنية تطارد الثوار في شوارع وأزقة الحي الملتهب لم يجدو أمامهم سوي منزل الشهيد معاوية بشير، الذي كان قابعاً داخل منزله فسمع اصواتهم وهم يحاولون دخول منزله .

ذهب معاوية نحو الباب للتأكد، وجدهم مجموعة من البنات والأولاد، وعند محاولته تأمين الباب رأي أحد العساكر يتقدم نحو المنزل ويحمل سلاحه وقام بتعميره! وبدأ يدفع الباب بقوة حينها أصبح معاوية أيضا يحاول تأمين باب منزله ومعه إبنه الأكبر يحي،  وعند شعورهم بتأمين الباب وبعد الإحساس بأمان الباب عاد معاوية إلى الداخل ثم قرر ان يلقي نظرة على الباب مرة أخرى، حينها رأي أرجل العساكر من خلال فتحة الباب ، وحدد العساكر أيضا موقع معاوية، وفي تلك اللحظة قام أحدهم بإطلاق النار علي الباب ، وظهرت في التشريح رصاصتين الأولى في الرجل، وعند إطلاق الرصاص وقع معاوية علي الارض وصرخ وبدأ الجميع يصرخون معه.

استشهاد

الأمن السوداني وقتل المواطنين داخل منازلهم

وتقول شقيقته لـ(عاين) “ان الطريق كان مليئاً بالعساكر وبعد إطلاق الرصاص هرب جميع العساكر واختفي الناس من الشارع ، وبعد الحادثة  جاء المتظاهرون و قاموا بإسعاف معاوية وقاموا بربط رجله لايقاف النزيف ونقلنا نحن ايضاً بسياراتهم الى المشفى وتم إدخال معاوية مستشفى امبريال  حيث كان النزيف حاد جدا، وظل ينزف منذ ان تم اسعافه من المنزل ظل نزيفا حادا، واتضح أن الضربة أصابت وريد رئيسي. لحظة وصولنا الى مستشفى امبريال لم نجد الطبيب الجراح،  ورغم ذلك بذل الأطباء فى مشفى مجهود لإسعافه، تم إدخاله إلى قسم الجراحة لوقف النزيف ومعالجة التهتك الذي حدث جراء الإصابة، وعند منتصف الليل دخل في غيبوبة وتعطل القلب لمدة أربعة دقائق وتم إنعاشه وعاد إلى حالته الطبيعية ، وعندما خرج الأطباء أفادونا بأن معاوية بخير وطلبوا منا الذهاب الى المنزل والعودة صباح اليوم التالي،  لكننا تفاجأنا وقتها بأن معاوية مازال فى غرفة العمليات وعند الساعة الواحدة ليلاً دخل فى غيبوبة حتي الساعات الاولي من الصباح وبعدها توفي ”

ملاحقات عقب الموت

لم تكتفي القوات الامنية لانتهاكها الذي أدى الى مقتل معاوية بل استمرت فى الإعتداء على بيته حتى بعد وفاته وتحكي إبتسام”  أنه بعد وصول الجثمان تفاجأوا بأشخاص كثر لا يعرفونهم وطلبو من الذين وصلوا الى المنزل مغادرة المكان،  وحينها جاءت سيارة وأطلقت البمبان على المتجمعين فى المنزل، وبدورهم هجم الناس على السيارة وقاموا بتحطيمها وبعد ذلك منعتهم من المجيء الى البيت .  وأنهت حديثها بأنهم فخورين بأن اخيهم مات مرفوع الرأس وقالت “نحن نقول الحمدلله ان اخانا شهيد عاش رجلاً ومات رجلاً ، وكل منطقة بري تعرف جيدًا من هو معاوية بشير من الصغير الى الكبير ، ونحمد الله هو قدم الخير واصلا هو ليس رجل دنيا وهذا الموت الذي يشبهه ويشهد على ذلك تشييع جثمانه الذي حضره الآلاف

“بيوتنا تحولت الى دروة”

احمد ابراهيم ، مواطن  يسكن بذات المنطقة “بري الدرايسة” ، حكى معاناته من الاعتداء المستمر من قبل السلطات الأمنية على منزله هو ورفاقه  ، قال احمد لـ(عاين) “فى أوقات كثيرة عندما اعود من العمل اجد مقاذيف البمبان منتشرة فى بهو المنزل والوضع صعب جداً بسبب روائح الغاز المسيل للدموع العالقة بأرجاء منزلنا التي تظل آثارها لأيام بالمكان ، تركت مقذوفات البمبان آثار واضحة على جدران المنزل ، في إحدى المرات وجدنا البمبان داخل حمامات المنزل والمطبخ والغرفة المجاورة للمدخل بالإضافة الى باحة المنزل .

التظاهرات التي شهدتها منطقة بري فى الأيام الأولى لانطلاق التظاهرات كانت هي الأعنف والأشد ، فمعظم المنازل أصابتها أضرار الغاز المسيل للدموع ” البمبان” ، غير أن بعض المنازل أصابتها أعيرة نارية- على حد قوله

واضاف احمد “انا احد الذين يقطنون الحي، تحول منزلك  الى” دروة” وبوابة المنزل اصبحت منصة لإطلاق الغاز المسيل للدموع ومع كل تظاهرة  اصبحنا نجد عدد كبير من مقذوف البمبان على بيتنا ، وكل المقذوفات التي كانت ترد الى منزلنا بشكل متكرر فى أوقات مختلفة صباحاً ومساء دون أن نعلم ، كثيراَ ما نتفاجأ بقوات شرطية وأمنية بالقرب من المنازل وبعدها تنهمر على المنازل عبوات الغاز المسيل للدموع

الأمن السوداني وقتل المواطنين داخل منازلهم

اضرار صحية  

يصف أحمد الأضرار التي لحقت ببيوت المنطقة بأنها  كبيرة جداً على مستوى المنازل بسبب القصف العشوائي لقنابل الغاز ناهيك عن الأضرار الصحية لمن يعانون من أمراض الربو من الأطفال وكبار السن، بعض الأسر اضطرت لمغادرة الحي الى أحياء أخري حفاظاً على صحتهم وسلامتهم ، بشكل عام كانت الفترة الأولي للتظاهرات فى منطقة بري كانت مرعبة جدا وتملك الخوف كل سكان الحي ، بسبب الإطلاق العشوائي للمباني واصوات الرصاص ، بجانب الوجود الأمني وانتشاره الواسع في ميادين الحي والتجوال داخل المنطقة  

انتهاكات للقانون

يقول الخبير القانوني ، محمود سعيد ، ان المادة (29) من دستور السودان لسنة 2005م نصت على الحرية الشخصية والأمان ولايجوز حرمان الفرد من حريته أو تقييدها إلا لأسباب وفقاً لإجراءات يحددها القانون ، فيما تنص المادة (37) من الدستور على عدم إنتهاك خصوصية  الشخص سوي فى الحياة الشخصية أو في مسكنه أو مراسلاته الإ وفقاً للقانون واذا حدث مثل هذا التعدي يمكن أن نقرأه مع المادة (166) من قانون الإجراءات الجنائية وعقوبتها هنا السجن او الغرامة أو العقوبتين معاً

ويضيف سعيد ” دخول المنازل من المفترض ألا يتم الإ فى حالة التفتيش الذي يكون عبر إجراءات معينة حددها القانون خاصة المادة (87) من قانون الإجراءات الجنائية ، التي حددت كيف يتم التفتيش والغرض المراد منه وفى حضور صاحب المنزل ، ولا يجوز من غير إبراز أمر التفتيش ، على هذا الأساس أينما ورد نص يتحدث عن إستخدام الشرطة والأمن للقوة يجب أن تكون معقولة وفي كل الأحوال يفترض فى هذه القوة التي تسبب الأذى الجسيم او القتل ، وبالتالي دخول البيوت من غير اذن تفتيش وبشكل عشوائي يعتبر إنتهاك كبير ،ولا يوجد نص او قانون او دستور يبيح دخول بيت ولايبيح القبض او تعذيب شخص ،ولايجوز اذا اصطحبنا حرية الرأي والتعبير والاحتجاج  وهي من المسائل المكفولة بموجب القانون واذا استخدمت ذلك بموجب القانون يكون إستخدام حق يسمح به القانون ويتعارض مع الدستور ، وفى حالات التعارض بين القانون والدستور يسري نص الدستور باعتباره الوثيقة الأعلى ، واذا دخلت اي قوة وانتهكت اي بيت بدون إذن هذا مخالف للقانون وبما أنها دخلت بشكل لا قانوني ينشأ تلقائياً حق الدفاع للشخص او الأسرة المعتدي عليها وحتى لو قتلت المعتدى صحيح أن القانون سيحاكمهم ولكنه يعتربهم ليس متعمدين ، والإنسان دايماًعندما يشعر بالخوف على عرضه وماله القانون يعطيه الحق فى الدفاع ليدفع هذا الأذي او الضرر عن نفسه ، بالتأكيد الأسر لديها حق تقاضي جنائياً ومدنياً حتي تجاه السلطة التي يتبع لها الشخص او المجموعة طالما انها تجاوزت القانون واللوائح واعتدت عليها .

ويؤكد سعيد، على ان تردي أوضاع حقوق الإنسان ماهو بالشئ الجديد  فى السودان إنما هو إستمرار لواقع منذ الإستقلال مع تفاوت نسب الإنتهاكات فى العهود المدنية والعسكرية التي تعاقبت على حكم البلاد ،  فى هذه الفترات تذوق الشعب السوداني جملة من الإنتهاكات من التعذيب والقتل فى المعتقلات إنتهاك حرية التعبير والفكر ، وتم فى غياب العدل بمفهومه القانوني ، كيل الاتهامات للآخرين بدون دليل قاطع ، وأضاف ” الدستور فى كل الدول هو أعلي وثيقة يحدد حقوق المواطن بالمواطن وعلاقتهم بالدولة وينظم كل الأشياء

جريمة اجتماعية ونفسية

الأمن السوداني وقتل المواطنين داخل منازلهم

واعتبر مستشار الطب النفسي والعصبي ، علي بلدو، إن إنتهاك حرمة بيت سوداني واحد من قبل أي جهات غير مقننة أو غير قانونية أو لا تحمل إذنا بذلك ، يعتبر انتهاكاً لحرمة جميع البيوت  السودانية ويمثل جريمة إجتماعية ونفسية فى حق الشعب السوداني لا تغتفر تماماً ، ومن ناحيه اخري أن إقتحام مثل هذه الجهات وهذه القوات للمنازل وحرماتها يؤدي إلى صدمة نفسية عميقة على جميع أفراد المنزل أولاً وعلى المجتمع ككل ، وتشمل هذه النزعات أو الآثار النفسية المدمرة الشعور بالصدمة في حد ذاتها وأيضا الشعور بالرغبة في التمرد وتغذية روح العنف والمقاومة ، مما يؤدي إلى إشكالات عميقة وعنف مضاد وفقدان للسلام والأمن المجتمعي وأيضا الدخول في حالة من حالات الرعب والخوف الشديد وإنتهاك الخصوصية والشعور بالدونية وتغذية روح الكبت والقهر داخل النفوس

أبعاد الانتهاكات

مثل هذه الإنتهاكات تغذي التنافر بين فئات المجتمع  المختلفة ويخلق أيضا أطفالا ويافعين مشوهين نفسيا وغير متأقلمين مع المجتمع ،ويؤدي أيضا الى ترسبات عمقية وفقدان الثقة فى السلطة وفقدان الثقة فى القانون ، وهذا يؤدي فى نهاية المطاف إلى أفراد غير متلائمين مع مجتمعهم  ولا يؤمنون التداول والحوار فى المجتمع ويمثل هدماً ركن هام من أركان الصحة النفسية ويمثل أيضا إنهيارا ما يسمى بالأمان النفسي والأمان الإجتماعي والذي أصبح معدوما بإمتياز فى السودان هذه الأيام ، نتيجة للأحداث والتغيرات المختلفة ، مما جعل البيوت أيضا هي ساحة للعراك وساحة لتصفية الحسابات وترويع الآمنين،  وبالتالي الخوف الشديد وعدم الأمان ليلاً ونهاراً ، مما ينعكس سلباً على الصحة النفسية والصحة الإجتماعية ويقود إلى تغيرات فسيولوجية وبيوكيميائية تؤدي فى النهاية لمضاعفات قد تكون فى حد ذاتها للوفاة ، نتيجة للرعب الشديد والسكتات القلبية والسكتات الدماغية