إصرار إثيوبي على ملء سد النهضة وسط مخاوف إقليمية
22 يونيو 2021
مع اقتراب بداية الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي، أعرب السودان عن مخاوفه بشأن تأثير هذه الخطوة على شعبه وأنشطته، مع اتخاذ تدابير للتخفيف من هذا التأثير. ومن المقرر أن تبدأ فترة الأمتلاء الثاني في يوليو القادم والتي تستمر لمدة الـ3 أشهر حتى أغسطس من هذا العام.
وقالت وزيرة الخارجية السوداني مريم الصادق خلال حديثها لقناة العربية يوم السبت الماضي أن السودان ومصر بصدد تقديم شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تطالب فيه المجلس المكون من 15 عضوا بإلزام إثيوبيا بعدم المضي قدما في ملء سد النيل الأزرق دون التوصل إلى اتفاق قانوني مع دول المصب. وأضافت أن السودان يعتمد في شكواه على المادة 35 من الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة والمعنية بالحلول السلمية للنزاعات الدولية.
“سد النهضة الإثيوبي هو أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، والذي يبلغ قيمة تكلفته الإجمالية لبناء السد 4.8 مليار دولار، باستثناء تكلفة خطوط نقل الطاقة، ومن المتوقع أن تبلغ في نهاية المشروع الـ8 مليار دولار“. |
إلى جانب ذلك أعلن وزير الموارد المائية الإثيوبي سيليشي بيكيلي، خلال الاجتماع الثالث والثلاثين لمجلس وزراء حوض النيل الشرقي (ENTRO) الذي عقد في أديس أبابا، أن الجولة الثانية من ملء السد سوف تستمر بغض النظر عن المخاوف الإقليمية. كما أكد الوزير أن قضية ملء السد ليست مطروحة للنقاش بالرغم من غياب مصر التي لم تحضر الاجتماع والتي تسعي لحل دبلوماسي للقضية.
ويعتبر سد النهضة الإثيوبي هو أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، والذي يبلغ قيمة تكلفته الإجمالية لبناء السد 4.8 مليار دولار، باستثناء تكلفة خطوط نقل الطاقة، ومن المتوقع أن تبلغ في نهاية المشروع الـ8 مليار دولار. ومن المتوقع أن يغير حياة ملايين الإثيوبيين، بينما يريد السودان ومصر تنظيماً متفقاً عليه لتدفق المياه مع اقتراب موسم الأمطار.
ضغوط دولية
بينما التقى مسؤولون في أديس أبابا الثلاثاء للنقاش حول ذلك، التقى وزراء خارجية جامعة الدول العربية أيضا في قطر لمناقشة قضية السد. وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن الدول العربية ستواصل الضغط على مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة عاجلة بشأن سد النهضة ، مؤكداً دعمهم للسودان ومصر لتدخل الأمم المتحدة.
وقد ردت إثيوبيا – التي رفضت في السابق مقترحات السودان بإشراك وسطاء في المحادثات التي يقودها الاتحاد الأفريقي – على تصريحات جامعة الدول العربية عبر بيان رسمي على حساب وزارة الخارجية على تويتر ؛ قائلا إن إثيوبيا ترفض “قرار” الجامعة العربية برمتها. وبحسب البيان أهدرت جامعة الدول العربية بالفعل فرصتها للعب دور بناء. يجب أن يكون واضحاً تماماً، وأن مثل هذه المحاولات غير المجدية لتدويل وتسييس سد النهضة لن يؤدي إلى تعاون إقليمي مستدام “.
تأثير التعبئة الثانية
من جانبه دعا وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس إلى اتفاق مؤقت عاجل مع إثيوبيا. وصرح الوزير إن السودان على استعداد لتوقيع اتفاقيات مؤقتة جزئية تتعلق بعملية الملء والعمليات المستقبلية – إذا تم تأكيد النقاط السابقة التي اتفقت عليها إثيوبيا والسودان ومصر كما تم وضع جدول زمني واضح لمزيد من المناقشات.
وجدد الوزير موقف السودان الرافض لربط توقيع الاتفاق مع إثيوبيا، بتقسيم المياه الذي تدعو له الأخيرة. وأشار إلى أن الخرطوم لا تمانع تقاسم المياه مع أديس أبابا، ولكن خارج ملف سد النهضة، لاعتماد الأخير على مرجعية قانونية، هي إعلان المبادئ عام 2015، معتبراً إدخال إثيوبيا لهذه القضية في المفاوضات بأنها (شرط تعجيزي).
ويشعر ياسر عباس بالقلق بشكل خاص من آثار ملء سد النهضة على سد الروصيرص في السودان، والذى يقع على بعد 200 كم فقط من سد النهضة.
واضاف “بدون الاتفاق، يصبح سد النهضة تهديداً مباشراً لسد الروصيرص ، لأنه من المستحيل معرفة كمية المياه التي يجب تصريفها للعمل”. مشيراً أنه بدون تبادل البيانات حول عمليات السدود بين البلدين ، ستتأثر الزراعة وتوليد الطاقة على طول نهر النيل الأزرق.
“السودان على استعداد لتوقيع اتفاقيات مؤقتة جزئية تتعلق بعملية الملء والعمليات المستقبلية – إذا تم تأكيد النقاط السابقة التي اتفقت عليها إثيوبيا والسودان ومصر كما تم وضع جدول زمني واضح لمزيد من المناقشات“.
وزير الري والموارد المائية – ياسر عباس |
ويرى عبد الرحمن صغيرون، مدير إدارة مياه نهر النيل في الوزارة ، في حديث لـ “عاين” ، إن القلق الأكبر هو نقص المعلومات والبيانات المتعلقة بمستويات المياه. وقال: “لقد اضطررنا إلى تغيير نظام تشغيل سدودنا ، وقد أثر ذلك على المجتمعات، وأنشطتها الاقتصادية، وتوليد الطاقة، والزراعة”. كما أوضح المدير كان عليهم تغيير جدول ملء السدود كإجراء احترازي قبل التعبئة الثانية لسد النهضة، حيث يفتقرون إلى البيانات لمعرفة كمية المياه التي سيتم تخزينها وإطلاقها عبر السد. وقال الصغيرون “هذا العام تم تخزين مليار متر مكعب إضافي في سد الروصيرص وثلاثة أرباع هذه الكمية لسد جبل أولياء” ، كإجراء احترازي حيال سد النهضة. ” كما اضطر المزارعون وأصحاب الماشية بالقرب من السدود إلى تغيير خططهم.
وقال إنه بسبب عدم وجود بيانات لمعرفة كمية المياه التي يجب الاحتفاظ بها والإفراج عنها، غمرت المياه الآن بعض أراضي الرعي بالقرب من سد جبل أولياء ، بينما يعاني المزارعون في اتجاه مجرى النهر من محدودية إمدادات المياه. وأضاف صغيرون:”أن توليد الطاقة الكهرومائية، وهو المصدر المهم لإمدادات الكهرباء في السودان، محدود أيضاً حيث يتم تخزين المياه بدلاً من إطلاقها لتوليد الطاقة الكهرومائية. لكن يعود ويوكد أن ادعاءات الوزير عباس العلنية حول ملء سد النهضة دون اتفاق باعتبارها “تهديدًا مباشرًا لتشغيل السدود السودانية” قد تكون مبالغة فيها وفقاً لصغيرون ، حيث يرى أن الزراعة في المشاريع الكبيرة مثل الجزيرة والرهد وغيرهما لن تتأثر بشكل كبير حيث سيتم استخدام المياه المخزنة للري.
ويعتقد خبير المياه أيضًا أن المخاوف من حدوث فيضانات بسبب ملء سد النهضة هذا العام غير واقعية ما لم يتعرض النيل الأزرق لأمطار غزيرة تؤدي إلى فيضانات. ويذهب في ذات الاتجاه وزير الخارجية المصري ، سامح شكري، والذى قال في مايو الماضي إن البلاد لن تتأثر بشكل كبير بالملء. ووفقاً لبيتر هاني، أستاذ الري والهيدروليكا بجامعة عين شمس المصرية، فإن إمدادات مياه نهر النيل في مصر لن تكون مهددة إلا من خلال ملء سد النهضة في حالة استمرار الجفاف.
وبخلاف ما يجري تداوله في الإعلام من أن السد سينتج حوالي 6000 ميجاوات من الكهرباء، أكد بيكيلي أن التعديلات في التصميم الخاص بالسد انتهت إلى تخفيض عدد التوربينات من 16 إلى 13، وهو ما سيخفض من إنتاج الكهرباء ليصل إلى 5000 ميجاوات“.
السياسة مقابل التقنيات
كتبت الصحفية زينب محمد: “عند مناقشة السد، تحول خطاب السودان من كونه ترحيبياً على نطاق واسع إلى كونه مريباً وعدوانياً”. وترى هذا التغيير يعكس، إلى حد كبير التأثير المتزايد للجيش في الحكومة الانتقالية”.
ووفقاً لمسؤول سوداني رفيع المستوى مرتبط بمفاوضات السد فضل عدم الكشف عن هويته ، فإن المفاوضات الفنية بين الدول الثلاث حول سد النهضة قد تم حلها عملياً، فقط الجوانب السياسة تعيق الاتفاق. وقال المصدر:”تمت تسوية جميع القضايا تقريبًا، لكن الإفراط في تسييس القضية يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق”. وأشار إلى أن تصريحات مثل القول بأن 20 مليون شخص على النيل الأزرق سوف يتأثرون، والتأكيد على الآثار السلبية والمبالغات التي يطلقها المسؤولون لوسائل الإعلام هي دليل على ذلك”.
ويرى المسؤول أنه في حالة التوصل إلى اتفاق ، فإن سد النهضة سيكون مفيدًا للسودان من حيث تنظيم منسوب المياه ومساعدة المزارعين وتخفيف الفيضانات. كما أقر الوزير عباس بأن هناك عدداً قليلاً فقط من المشكلات التي يجب حلها عبر سد النهضة وأن السد يمكن أن يساعد في إدخال الزراعة النظامية إلى البلاد بدلاً من الموسمية.
الجهات الفاعلة دولياً
يصر السودان، الذي يرى تقدمًا ضئيلًا في المحادثات السابقة، على أن الوساطة يجب أن يكون لها دوراً أكبر خاصة الاتحاد الأفريقي والجهات الفاعلة الدولية الأخرى. وربما يكون ذلك خوفا من التدخل الخارجي، الا أن إثيوبيا رفضت الاقتراح منذ أكتوبر من العام الماضي. وقال الوزير إن طريقة المفاوضات يجب أن تتغير. ويرى السودان أن دور الاتحاد الأفريقي في المحادثات يجب أن تدعمه وساطة رباعية (الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) تحت قيادتها.
قد تكون رغبة الوزير في مزيد من المشاركة الدولية مرتبطة بمقابلة في أبريل الماضي على التلفزيون القومي السوداني حيث اتهم الاتحاد الأفريقي بالتحيز إلى حد ما تجاه إثيوبيا خلال فترة رعايته للمفاوضات بين الدول الثلاث التي استمرت لمدة عام. وقال الوزير عباس في المقابلة التلفزيونية “الاتحاد الأفريقي لم يكلف نفسه عناء الرد على شكوى السودان بشأن المرحلة الاولى من ملء السد”.
ولكن في الوقت الحالي لا يوجد موعد محدد لاستئناف المحادثات بين الدول الثلاث لكن على الرغم من الخطاب القومي المثير للحرب من الدول الثلاث، فإن السودان يعد حلاً قانونياً للمأزق، وليس حلاً عسكرياً. وأضاف:”هذه من الأمور التي ناقشها القانونين، ونحن فقط ننتظر الوقت المناسب لاستخدامه”.