السودان: عقوبات دولية وفاعلية محدودة على تدفق الأسلحة

عاين- 14 أكتوبر 2025

منذ اندلاع النزاع المسلح بين القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» في 15 أبريل 2023، وأدى النزاع إلى بروز محاولات دولية للضغط على الأطراف المتحاربة عبر آليات مختلفة، أبرزها العقوبات الاقتصادية والمالية والشخصية التي تستهدف الأفراد والكيانات المتورطة في دعم العمليات العسكرية أو تمويلها أو ارتكاب انتهاكات ضد المدنيين.

وعلى مدى أكثر من عامين، اتخذت دول مثل الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، والاتحاد الأوروبي خطوات عقابية متتابعة، شملت تجميد أصول وحظر سفر واستهداف شركات ووكلاء تجاريين يشتبه في تورطهم بتجهيز الأسلحة أو تسهيل التمويل العسكري.

وجاءت هذه الإجراءات في سياق مساعي دولية متصاعدة لتقليل تدفق الأسلحة، محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، والضغط على الأطراف لإيجاد حلول سياسية، في ظل استمرار الأزمة الإنسانية التي تفاقمت بفعل النزوح ونقص المساعدات الأساسية.

ففي22 يناير 2024 فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ست شركات سودانية متورطة في دعم وتمويل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وكانت العقوبات تستهدف الشركات المرتبطة بتصنيع الأسلحة وشراء المعدات العسكرية.

وفي 24 يونيو 2024 فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ستة أفراد من طرفي النزاع في السودان بسبب مسؤوليتهم عن تقويض استقرار البلاد.

وفي 7 يناير 2025، أعلنت الولايات المتحدة أن قوات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية في دارفور. بالتزامن مع هذا الإعلان، فرضت عقوبات على قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) وسبع شركات مرتبطة بها.

وفي 15 أبريل 2024، فرضت كندا عقوبات بموجب قانون التدابير الاقتصادية الخاصة على أفراد وكيانات مرتبطة بالصراع في السودان، وذلك في الذكرى السنوية الأولى لبداية النزاع. استهدفت العقوبات أفرادًا وكيانات من كلا الجانبين.

وكان الاتحاد الأوروبي مدد في 22 سبتمبر الماضي العقوبات المفروضة على الطرفين الرئيسيين في حرب السودان، والتي تشمل تجميد الأصول وحظر السفر، لمدة عام حتى العاشر من أكتوبر تشرين الأول 2026. وتشمل العقوبات عشرة أفراد وثمانية كيانات، منها شركات متورطة في تصنيع الأسلحة والمركبات للجيش السوداني وثلاث شركات متورطة في شراء معدات عسكرية لقوات الدعم السريع شبه العسكرية.

ويضع قرار الاتحاد الأوروبي الأخير بتمديد عقوباته مزيداً من الضغط الدبلوماسي على أطراف النزاع، لكن أثر هذه القيود على سلاسل تموين الأسلحة، على قدرة المنظمات الإنسانية، وعلى توازن القوى داخل السودان لا يزال سؤالاً مفتوحاً على الأرض.

العقوبات تعبير عن استياء أوروبي

ويرى الخبير في شؤون النزاعات، خالد طه، أن العقوبات الأوروبية الأخيرة على أطراف سودانية “لا تشكّل تحوّلًا جوهريًا في الموقف الدولي تجاه الحرب في السودان”، واصفًا إياها بأنها “أقرب إلى رسالة سياسية رمزية تعبّر عن استياء أوروبي من استمرار الصراع، أكثر من كونها خطوة فعالة للضغط على الأطراف المتحاربة”.

وأوضح طه في حديث لـ(عاين) أن العقوبات استهدفت “أفرادًا وكيانات محدودة التأثير المباشر في مسار العمليات الميدانية”، بينما لم تطل “شبكات التمويل أو التسليح الإقليمية التي تُعد العمود الفقري لاستمرار الحرب”. وأضاف أن الخطوة تبقى “في إطار التعبير عن الموقف لا تغيير الواقع”.

تصاعد اعمدة الدخان جراء عمليات عسكرية في الخرطوم – ارشيف

وفي ما يتصل بتأثير هذه العقوبات على موازين القوة بين الجيش وقوات الدعم السريع، أشار طه إلى أنه “من غير المتوقع أن تُحدث تحوّلًا ملموسًا، أو أن تحدّ من تدفقات السلاح، لأن مصادر الإمداد لدى الطرفين لا تعتمد أساسًا على القنوات الرسمية أو الشركات المشمولة بالعقوبات، بل على شبكات تهريب ممتدة عبر الحدود الإقليمية، ودعم خارجي متنوع يصعب تتبعه”.

وأكد أن الطرفين سيتعاملان مع العقوبات “بأساليب الالتفاف المعتادة، عبر تنشيط شبكات التهريب وتوسيع التعاون مع وسطاء وأطراف أخرى، بينها دول، إذ لكل من الجيش والدعم السريع خطوط إمداد مفتوحة على الجوار اللصيق، يمكن أن توفّر احتياجاتهما بعيدًا عن الطرق الرسمية”.

وأضاف: “هناك “شبكات تجارة عابرة للحدود، وعائدات من التعدين وذهب النزاع، تُوظّف في التسليح وتمويل الحرب”، مشيرًا إلى أنه “ما لم يُرفق الضغط الأوروبي بخطوات دولية أوسع تشمل مراقبة المنافذ الإقليمية وملاحقة الممولين والوسطاء، فستظل أي عقوبات محدودة الأثر وذات طابع رمزي أكثر منه عملي”.

من جهته ويرى الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، أن العقوبات الأوروبية التي فُرضت مؤخرًا على كيانات سودانية تابعة للجيش وحلفاء لقوات الدعم السريع تأتي ضمن المساعي الأوروبية الرامية إلى التأثير على مسار الحرب في السودان، عبر فرض قيود يُفترض أن تحد من استخدام الأسلحة والمعدات ذات المنشأ الأوروبي، ومن تدوير الأموال المرتبطة بالاقتصاد الحربي. لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن هذه العقوبات، رغم رمزيتها السياسية، “لن تُحدث تأثيرًا ملموسًا على توازن القوى أو مجريات الصراع”.

العقوبات أقرب إلى رسائل سياسية منها إلى إجراءات ذات أثر فعلي

باحث

ويشير تورشين في حديثه لـ(عاين) إلى أن السودان “لم يكن يعتمد تاريخيًا على الترسانة العسكرية الأوروبية أو الأمريكية”، إذ ظلت مصادر تسليحه “مرتكزة على المعسكر الشرقي منذ عهد الاتحاد السوفييتي مرورًا بروسيا وبيلاروسيا، وحتى قبل اندلاع الحرب الأوكرانية”. لذلك، فإن حظر الأسلحة الأوروبية أو تجميد أصول بعض الكيانات، بحسب قوله، “لن يغيّر كثيرًا في واقع التسليح داخل السودان”.

ويشير إلى أن هذه العقوبات “أقرب إلى رسائل سياسية منها إلى إجراءات ذات أثر فعلي”، موضحًا أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة “تدرك جيدًا أن قوات الدعم السريع لا تحصل على السلاح بطرق شرعية أو رسمية، إذ أنها ليست دولة، بل قوة متمردة خرجت من رحم الدولة نفسها”، ومع ذلك “تواصل الحصول على الأسلحة من أطراف إقليمية ودولية لم تُواجه بصرامة كافية رغم المطالبات المتكررة بفرض حظر فعال”.

ويذكّر تورشين بأن دارفور “مشمولة منذ سنوات بقرارات حظر توريد السلاح”، لكن “تدفقات الأسلحة ما تزال مستمرة”، وهو ما يثير “الشكوك حول جدية المجتمع الدولي في تنفيذ هذه القرارات”. ويضيف أن الحكومة السودانية تعتمد في تسليحها على “روسيا وبيلاروسيا، ومؤخرًا على الصين وتركيا، وليس على أوروبا”، وبالتالي “لن تتأثر ميدانيًا بهذه العقوبات”.

عسكريون في العاصمة الخرطوم

أما قوات الدعم السريع، فيوضح تورشين أنها “تتلقى دعمًا عسكريًا ولوجستيًا من الإمارات وغيرها”، ما يجعلها “غير معنية كثيرًا بقيود أوروبا أو الولايات المتحدة”. لذلك، يرى أن أثر العقوبات “لن يتجاوز البعد السياسي أو الرمزي، المتمثل في تضييق مساحة الحركة المالية والتجارية للأفراد والكيانات المستهدفة، دون أن ينعكس ذلك على خطوط الإمداد العسكري أو موازين القوة على الأرض”.

ويعتبر معتصم أبو البشر وهو مستشار قانوني بمركز راؤول والنبيرغ لحقوق الإنسان، إن العقوبات الأوروبية المفروضة على الأفراد والكيانات السودانية تُعد من نوع العقوبات الفردية التي تتبناها عدة دول مثل الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، أستراليا واليابان، وتستهدف الأشخاص أو المؤسسات التي يُعتقد أنها تمثل تهديدًا للاستقرار السياسي أو متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان أو الفساد.

وأوضح في حديثه لـ(عاين) أن الاتحاد الأوروبي يتميّز بنظام خاص لا تُفرض فيه العقوبات إلا بعد توافق كامل بين الدول الأعضاء، وبمجرد صدور القرار تُصبح الدول الأعضاء ملزمة قانونيًا بتنفيذه، بحيث يُحظر على أي دولة أو شركة أوروبية التعامل مع الأفراد أو الكيانات المدرجة في القوائم.

وبيّن أن الاتحاد الأوروبي لا يعتمد العقوبات الثانوية مثل الولايات المتحدة، أي أنه لا يعاقب الأطراف الثالثة التي تتعامل مع الجهة المعاقبة، غير أن أي شركة أوروبية يثبت خرقها للحظر قد تواجه غرامات باهظة أو عقوبات بالسجن، وتشمل العقوبات عادة منع السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي وحرمان الأفراد من التأشيرات.

وأضاف أن هذه العقوبات تُعد ملزمة قانونيًا لكل الدول الأعضاء، ويُحظر عليها التعامل مع الأطراف المدرجة التزامًا بقرارات الإجماع الأوروبي.

وأشار أبو البشر إلى أن الاتحاد الأوروبي يعتمد في قراراته على أدلة مفتوحة المصدر، ولا يستخدم الشهادات السرية أو المبلغين السريين، بل يستند إلى تقارير منظمات حقوقية ومصادر حكومية وصحفية ووثائق منشورة للعامة.

وأكد أن العقوبات تُفرض من سلطات تنفيذية لا قضائية، لذلك لا تتطلب درجة عالية من الإثبات بل يكفي أن يكون هناك “أساس معقول” يدل على تورط الجهة المستهدفة.

وأوضح أن آليات الطعن تبدأ داخل النظام الإداري الأوروبي، ثم يمكن بعد استنفادها اللجوء إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أو محاكم الاتحاد الأخرى المختصة، بينما تمتلك الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا أنظمة استئناف داخلية خاصة، تتيح أحيانًا استثناءات محدودة لأسباب قانونية مقنعة.

وأردف أن العقوبات تُستخدم كأداة من أدوات السياسة الخارجية، والهدف منها تغيير سلوك الأفراد أو الشركات المتورطة في الانتهاكات أو تمويل الحروب. لكنه أقرّ بأن فعالية العقوبات محل جدل واسع، إذ يرى كثير من الخبراء أن أثرها رمزي أكثر من عملي، كونها تعبّر عن موقف سياسي ضد منتهكي حقوق الإنسان أو معطلي التحول الديمقراطي.

العقوبات المفروضة على السودان استهدفت شخصيات وكيانات يُعتقد أنها أعاقت التحول المدني بعد انقلاب أكتوبر 2021 أو شاركت في جرائم حرب

مستشار قانوني

وأضاف أن العقوبات المفروضة على السودان استهدفت شخصيات وكيانات يُعتقد أنها أعاقت التحول المدني بعد انقلاب أكتوبر 2021 أو شاركت في جرائم حرب وانتهاكات، مشيرًا إلى أن الهدف هو تقييد حركة هؤلاء الأفراد ومنعهم من ممارسة الأعمال أو السفر بحرية، خصوصًا من يستفيدون ماديًا من الحرب.

منع تدفق السلاح: مٌعقد

وقال إن “مسألة الحد من تدفق السلاح أكثر تعقيدًا، لأن شبكات السلاح تُدار عبر شركات كبرى تمتلك قدرات مالية وعلاقات واسعة، مما يجعل تطبيق العقوبات الكامل أمرًا صعبًا”.

وأوضح أن تفاوت العقوبات بين الدول يفتح المجال للتحايل عبر دول غير منسقة، لذلك تكون فعالية العقوبات أكبر عندما يتم التنسيق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا.

وأكد أن السودان شهد حالات غيّر فيها بعض الأفراد أو الشركات أسماءهم أو سجّلوا كيانات بديلة لتفادي العقوبات، مما يدل على أن العقوبات وحدها لا تكفي لوقف تدفق السلاح أو تمويل الانتهاكات.

قوة من الدعم السريع
قوة من الدعم السريع

وأضاف أبو البشر إلى أن أصل نظام العقوبات الدولية يعود إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي يخوّل مجلس الأمن فرض تدابير اقتصادية وسياسية عند تهديد السلم والأمن الدوليين، لكن منذ عام 2015 بدأت دول عدة تفرض عقوبات وطنية مستقلة دون الحاجة لقرار أممي.

وأوضح أن تشابه الأهداف بين هذه الأنظمة لا يعني انسجامها الكامل، فاختلاف السياسات الخارجية يؤدي أحيانًا لتباين في القوائم، رغم وجود حالات توافق مثل العقوبات المفروضة على شركات الدعم السريع وبنك الجنيد وبنك الخليج ومنظمة الصناعات الدفاعية التي أدرجتها معظم هذه الدول في قوائمها.

وأشار إلى أن آلية العقوبات الأممية تختلف لأنها تمر عبر لجنة الخبراء الخاصة بالسودان التي ترفع توصياتها لمجلس الأمن، وهي عملية بطيئة ومعقدة بسبب الانقسامات بين الأعضاء الدائمين، مما يصعّب التوافق على فرض عقوبات جديدة. وأوضح أن هذا ما يدفع المنظمات الحقوقية والمدافعين للضغط على الدول الكبرى مثل أمريكا وبريطانيا وكندا والاتحاد الأوروبي بدل الأمم المتحدة، نظرًا لبطء آلياتها السياسية.

ولفت إلى أن نظام العقوبات الدولية في تطور مستمر رغم الانتقادات الموجهة له بشأن ضعف الأدلة أحيانًا وطابعه الانتقائي، لكنه يظل من أهم الأدوات المتاحة للضغط على منتهكي حقوق الإنسان، خصوصًا في الدول التي تشهد نزاعات طويلة مثل السودان.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *