قاعدة روسية في السودان.. مناورة أم ماذا؟

عاين- 15 فبراير 2025 

يعيد الاتفاق السوداني الروسي مؤخرا بموافقة الحكومة السودانية التي يديرها الجيش في مناطق سيطرته، بإنشاء قاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر الجدل حول علاقات البلدين التي ظلت تتعرض لشد وجذب. 

وقال وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف في ختام جولة محادثات أجراها في موسكو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف اليومين 12 فبراير الجاري:”اتفقت روسيا والسودان على كل شيء فيما يتعلق بإنشاء قاعدة بحرية روسية”. وأكد: “توصلنا إلى تفاهم متبادل بشأن هذه القضية”.

ويتيح الاتفاق توسيع حرية الحركة للسفن الحربية الروسية في البحر الأحمر، ويمنح موسكو الحق في نشر 300 عسكري و4 سفن في القاعدة. في المقابل تعمل روسيا على دعم الجيش السوداني بالأسلحة والمعدات الحربية اللازمة لتطويره.

لكن وقائع عديدة تشير إلى أن الاتفاق السوداني الروسي حول القاعدة العسكرية على البحر الأحمر لن يكون من السهل وضعه على الأرض مع وجود تقاطعات دولية وإقليمية ومحلية في ذات الوقت، فإن تعدد مراكز القرار داخل مجلس السيادة والجيش قد يدفع نحو تسريع الاتفاق وتنفيذه باستقبال بارجة روسية عسكرية.

وصرح وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف، لدى زيارته موسكو في 12 فبراير 2025 ولقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف أن الحكومة السودانية موافقة على السماح لموسكو بالوصول إلى ساحل البحر الأحمر لإنشاء مركز لوجستي عسكري.

وزير الخارجية السوداني مع نظيره الروسي في موسكو 12 فبراير 2025- الصورة وكالات

وكانت موسكو والخرطوم اتفقتا في عام 2017 خلال زيارة للرئيس السوداني المخلوع عمر البشير إلى موسكو على إنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان، لكن الاتفاق لم يتم.

ويقول  الباحث في القطاع الأمني والعسكري أحمد محجوب لـ(عاين): إن “إنشاء قاعدة لوجستية بنشر نحو 300 جندي روسي على ساحل البحر الأحمر من الأمور المعقدة، ولا يستطيع السودان وفق وضعه الراهن تنفيذها على الأرض”.

وأضاف: “روسيا تضغط على مجلس السيادة الانتقالي والجيش السوداني لإيصال الاتفاق إلى مرحلة التنفيذ وهناك انقسام داخل مراكز اتخاذ القرار بين الجنرالات والمجموعة الرافضة للاتفاق تدفع بمبررات ومخاوف من العزلة الدولية”.

الانتظار لبعض الوقت 

ونقل مصدر دبلوماسي لـ(عاين) إن وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف أبلغ نظيره الروسي سيرغي لافروف بأن بلاده لا تمانع إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر فقط يتعين على موسكو “الانتظار بعض الوقت” لأن الأوضاع الداخلية لا تسمح في الوقت الحالي بالذهاب نحو التنفيذ.

الجيش لا يفضل تنفيذ الاتفاق والقاعدة الروسية تتعارض مع تطلع البرهان نحو الشرعية

دبلوماسي

ويرى المصدر الدبلوماسي الذي فضل حجب هويته، أن الجيش السوداني الذي يدير الحكومة والدولة يركز على الحرب لا يريد فتح جبهات جديدة في هذا الوقت، كما أنه ينوي تسويق خارطة طريق التوافق السياسي التي طرح بعض ملامحها القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان. مشيرا إلى أن المرحلة القادمة مع اقتراب السيطرة على العاصمة السودانية وتكوين حكومة الدعم السريع، فإن حكومة عبد الفتاح البرهان ستكون حريصة على العمل وفق شرعية معترف بها دوليا.

وتابع: “القاعدة الروسية تتعارض مع تطلع البرهان نحو الشرعية”.

شروط موسكو

“روسيا تريد ضمان عدم تعرض ناقلاتها على ساحل البحر الأحمر إلى تهديد مستمر لذلك تريد موطئ قدم في الساحل السوداني، حتى تتمدد لاحقا إلى مركز عسكري إقليمي لها في أفريقيا”. يقول الباحث في الشؤون الأفريقية والدولية عادل إبراهيم لـ(عاين).

ويتابع: “إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لديها علاقة مرنة مع موسكو مع ذلك فإنها لن تصمت حيال هذا الأمر ستتعامل مع السودان بـ(شراسة دبلوماسية) بدفعه إلى طريق العزلة الدولية الكاملة حال تنفيذ الاتفاق سيما وأن المملكة العربية السعودية تعارض الوجود الروسي على البحر الأحمر”.

موسكو اشترطت الاستثمار في قطاع النفط والتعدين والكهرباء في السودان بتسريع اتفاق القاعدة الروسية

باحث 

ولفت إبراهيم إلى قائد الجيش السوداني يواجه ضغوطا من مراكز قرار متعددة داخل مجلس السيادة والقوات المسلحة للذهاب نحو المعسكر الروسي الصيني وهو لا يفضل هذا الأمر، ويريد التعامل مع الاتفاق لكسب الوقت فقط والمناورة”.

 موسكو اشترطت الاستثمار في قطاع النفط والتعدين والكهرباء في السودان بتسريع اتفاق القاعدة الروسية -وفقا لعادل إبراهيم- الذي يعتقد أن زيارة وزير الخارجية السوداني، علي يوسف إلى موسكو للتوصل لحل مرض للبلدين.

طرق أبواب متعددة

ويتفق الباحث في القطاع الأمني والعسكري أحمد محجوب مع ما ذهب إليه الباحث في الشؤون الأفريقية حول شروط موسكو، ويقول إن “السودان استعجل روسيا للاستثمار في التعدين والكهرباء والنفط وإدارة بوتين تعلم أن هذا هو الوقت المناسب لتمرير اتفاق القاعدة العسكرية؛ لأن السودان يعيش عزلة اقتصادية دولية، ويبحث عن مليارات الدولارات لتمويل الحرب ومؤسسات الدولة التي تقترب من الانهيار بسبب الإفلاس”.

وفي أول تعليق أميركي على اتفاق القاعدة الروسية على ساحل البحر الأحمر قال كاميرون هدسون الباحث البارز في برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط”: أن “الإدارة الأميركية مصممة على الاستقرار الأمني على طول ساحل البحر الأحمر وعدم منح موطئ قدم أو حيازة منطقة ساحلية لإيران أو روسيا، حتى تمضي حركة السفن بصورة آمنة”.

ويعتقد الباحث في القطاع الأمني والعسكري أحمد محجوب، أن مجلس السيادة الانتقالي السلطة الحاكمة في السودان يحاول تمرير شروط خارطة الطريق مع اقتراب السيطرة على العاصمة السودانية وإقليم كردفان في أروقة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.

وأضاف: “موضوع القاعدة الروسية مناورة لتمرير شروط أخرى للمجتمع الدولي، على الرغم من أن هناك مركز قرار داخل الحكومة القائمة في بورتسودان تقف إلى جانب تمكين موسكو في الأراضي السودانية”.