تواجد عسكري روسي محتمل بالسودان.. ماهي التأثيرات؟
عاين- 3 سبتمبر 2024
مع اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، تواصل روسيا تعزيز تواجدها وتأثيرها في السودان. ويتجلى هذا التفاعل في مجموعة من الأنشطة السياسية والاقتصادية والعسكرية، مما يثير تساؤلات حول مغزى هذا التقارب وتأثيراته المحتملة على السودان والمنطقة بشكل عام.
في عام 2017، قدمت مجموعة فاغنر، المرتبطة بالكرملين، دعمًا لنظام الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير. ورغم الإطاحة بالبشير في 2019، استمرت فاغنر في نشاطها داخل السودان، بما في ذلك دعم انقلاب 2021 الذي أسفر عن تشكيل حكومة تسعى لتعزيز علاقاتها مع روسيا.
بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023، افادت تقارير تشير إلى تورط فاغنر في تقديم الدعم العسكري واللوجستي لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، بينما تنفي هي ذلك. وتمحور هذا الدعم حول توفير الأسلحة والتدريب، ما أثار قلق الدول الغربية التي رأت في هذا الدعم تصعيدًا للوضع في السودان.
موقف موسكو الرسمي:
بالرغم من هذه التقارير، حافظت موسكو رسميًا على موقف محايد تجاه الأطراف المتصارعة في السودان. دعا الكرملين إلى الحوار ووقف إطلاق النار، مؤكدًا أهمية استقرار السودان كشريك استراتيجي لروسيا في إفريقيا. إلا أن الدعم غير الرسمي الذي تقدمه مجموعة فاغنر يعكس تناقضًا في الموقف الروسي.
يعد تعدين الذهب أحد أهم المصالح الروسية في السودان، حيث تدير شركة “مروي جولد”، التابعة لفاغنر، عمليات تعدين وتهريب الذهب. وساعدت هذه الأنشطة في تمويل عمليات فاغنر وتخفيف تأثير العقوبات الدولية على روسيا.
ذهب وقاعدة عسكرية:
يُعتبر السودان مصدرًا مهمًا للذهب الذي يساعد روسيا في التخفيف من تأثير العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب الحرب في أوكرانيا. ويُعتقد أن تهريب الذهب السوداني عبر مجموعة فاغنر يتم إلى روسيا، مما يعزز احتياطياتها من الذهب ويساهم في تحقيق استقرار نسبي لاقتصادها.
في أواخر عام 2020، توصلت روسيا والسودان إلى اتفاق لإنشاء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان على البحر الأحمر. كان من المخطط أن تضم القاعدة مركزًا لوجستيًا بحريًا ومنشآت لإصلاح السفن، مما يعزز القدرة الروسية على التواجد والتأثير في المنطقة.
ورغم التوصل إلى الاتفاق، واجهت الخطة تحديات متعددة، بما في ذلك الشكوك حول شرعية الحكومة السودانية القائمة وعدم الاعتراف الدولي بها. كما تعللت الحكومة السودانية سابقًا بأنها غير منتخبة وأن إقامة القاعدة يحتاج إلى موافقة برلمانية.
مع احتدام الصراع الداخلي، ترى روسيا أن هذا هو التوقيت الأمثل للضغط على السودان للمضي قدمًا في إنشاء القاعدة. في المقابل، يحتاج الجيش السوداني إلى الدعم العسكري، مما يجعله عرضة للضغوط والابتزاز في سبيل الحصول على الأسلحة والمعدات اللازمة.
يرى عمر أرباب، وهو ضابط سابق بالجيش السوداني ومحلل عسكري، أن العلاقة بين روسيا والسودان في هذه المرحلة هي علاقة حاجة ومصلحة واستغلال، بل وأقرب إلى الابتزاز منها إلى الشراكة الاستراتيجية.
يقول أرباب في مقابلة مع (عاين): “روسيا تسعى لوجود عسكري في ساحل البحر الأحمر، وتعتقد أن هذا هو التوقيت الأمثل للضغط على السودان لتحقيق ذلك.
ورأى أن هناك مخاوف روسية من عدم قدرة السودان على الإقدام على هذه الخطوة، خاصة في ظل عدم الاعتراف المحلي والدولي بأي حكومة مقبلة”.
يضيف أرباب: “الجيش السوداني بحاجة ماسة للسلاح، وقد يبيع أي شيء في مقابل الحصول على الدعم العسكري في معركته ضد قوات الدعم السريع. هذه الخطوة خطيرة ويمكن أن تفتح أبواب الجحيم على السودان.
ولفت إلى أن وجود القاعدة الروسية على ساحل البحر الأحمر يعتبر مهددًا للإقليم بأكمله ولمصالح الدول الكبرى، مما قد يدخل السودان في صراعات هو في غنى عنها”.
وتابع : “لا أعتقد أن الحكومة السودانية ستمضي قدمًا في هذا الأمر، لكنها قد تستخدم مسألة القاعدة الروسية كورقة ضغط ضد المجتمع الدولي للحصول على تنازلات ومكاسب معينة. ويشير إلى إن السلطة القائمة في وضع لا يُحسد عليه، وخيارات المناورة وبيع المواقف غير مجدية ولن تؤدي إلى نتائج ملموسة”.
دوافع تعزيز العلاقات
من جانبه، يرى محمد تورشين، وهو باحث متخصص في الشؤون الإفريقية، أن كلا من السودان وروسيا لديهما دوافع قوية لتعزيز علاقاتهما في هذه المرحلة الحرجة.
يقول تورشين: “في تقديري، السودان كان أكثر حاجة للتقارب مع روسيا، التي هي أيضًا بحاجة لاستئناف العلاقات مع السودان في إطار محاولة كسب أرضية وحلفاء جدد، خاصة بسبب العقوبات التي تفرضها عليها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون في سياق الحرب الروسية الأوكرانية”.
يوضح تورشين: “منظومة التسليح السودانية تعتمد بشكل أساسي على الصناعات الروسية، وفي وقت يحتاج فيه الجيش السوداني لأسلحة متطورة وتطوير سلاح الجو الذي يمثل ميزة نوعية ترجح كفته في المعركة ضد الدعم السريع، لذا سعت الحكومة والجيش إلى تعزيز العلاقات مع روسيا”.
كما يشير إلى أن “روسيا بحاجة لهذا التقارب لكسب حلفاء جدد، ولتعزيز وجودها على ساحل البحر الأحمر، مما يزيد من نفوذها في أفريقيا والشرق الأوسط، خاصة أن البحر الأحمر ذو أهمية استراتيجية وتأثيرات مباشرة على مسألة التجارة الدولية ونقل الطاقة وأمنها”.
حول تأثير الوجود العسكري الروسي المحتمل في السودان على توازن القوى الإقليمي، يوضح تورشين: “إنشاء روسيا لقاعدة عسكرية أو مركز لوجستي في السودان سيسهم في وضع السودان مجددًا في دوائر التأثير الدولي بشكل كبير، وسيجعل روسيا حاضرة في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر.
سيكون لذلك تداعيات كبيرة على أمن واستقرار المنطقة، وسيزيد حدة الاستقطاب بين القوى الدولية العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا والصين وبعض القوى الإقليمية الأخرى مثل الهند وتركيا من جهة أخرى”.
بخصوص موقف الأطراف الدولية الأخرى، يقول تورشين: “ستسعى عدد من الأطراف الدولية، التي كان لها وجود في القرن الأفريقي مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسا وغيرها، إلى التدخل بقوة.
وأوضح: “لاحظنا أن التدخل بدأ يتشكل بشكل جاد، حيث استشعرت الولايات المتحدة الحضور الروسي المتزايد وبدأت تتحرك بشكل قوي وفاعل لقطع الطريق أمام روسيا ومنعها من توطيد علاقاتها مع السودان”.
وعن موقف الفاعلين المحليين في السودان من القاعدة الروسية، يشير تورشين: “محليًا، موضوع القاعدة الروسية في السودان محل خلاف. هناك مجموعات ترحب بهذه الفكرة وتعتبرها مهمة، مثل الكتلة الديمقراطية وربما تؤيد إنشاء القاعدة الروسية أو تدعو لعلاقات متوازنة مع روسيا.
وفيما يخص “تنسيقية تقدم”، فيرى أن موقفها يميل للغرب والولايات المتحدة الأمريكية، لأنها عندما كانت في السلطة لم تسهم بشكل جاد في المضي بالعلاقات السودانية الروسية قدمًا”.
ويضيف: “القوى السياسية السودانية نظرتها ومقاربتها للتوجهات الإقليمية والدولية محدودة وضعيفة، ودائمًا ما ترتبط بتوجهات قصيرة المدى. لذا فعندما يؤيد طرف، سيرفض الطرف الآخر في سياق المناكفات بين هذه الأطراف السياسية. ولفت إلى ضرورة عدم الأخذ في هذا الصدد بموقف الجيش الذي ينبغي أن يكون مؤسسة في إطار الدولة السودانية”.
وحول العواقب المحتملة لفتح قاعدة بحرية روسية في البحر الأحمر، يقول تورشين: “هناك تأثيرات من دول الجوار؛ مصر لها علاقات جيدة مع روسيا منذ عهد جمال عبد الناصر، لكن المخاوف تأتي من دول الجوار الأخرى مثل السعودية وبقية الدول الخليجية، لأن حدوث ذلك سيشكل تهديدًا حقيقيًا لمصالحها. السعودية دائمًا ما تخشى الوجود الروسي الذي يمثل تهديدًا لمصالحها”.
تأثير على توازن القوى
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية، مصعب محمد على، أن الدوافع الاستراتيجية للعلاقة بين السودان وروسيا تكمن في أن روسيا يمكن أن تكون حليفًا يقدم الدعم العسكري للجيش في حربه ضد الدعم السريع.
وأوضح أن العلاقات مع روسيا تشمل جوانب اقتصادية تتعلق بعمليات التعدين عن الذهب والتعاون في مجالات التقنية العسكرية.
وذكر أن التواجد العسكري الروسي “يؤثر على توازن القوى الإقليمية، لأن وجود قاعدة روسية على ساحل البحر الأحمر يشكل تهديدًا لدول المنطقة ذات العلاقة بأمريكا، ويؤثر أيضًا على غرب أفريقيا باعتبار القاعدة مركز دعم لوجستي، مما يعرض مصالح هذه الدول للخطر. كما يشمل هذا التهديد المصالح للدول الكبرى مثل أمريكا والصين، التي تنظر إليها كمصدر للخطر وتعزيز للنفوذ الروسي في أفريقيا”.
ويضيف: “الأطراف المحلية لا تريد الميل نحو روسيا، بل أعتقد أن الاتجاه العام سيكون نحو التحالف مع الولايات المتحدة. وما يحدث ليس سوى مناورات سياسية في سياق تجهيز البيئة المناسبة لصناعة تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية”.
وحول العواقب المحتملة لإنشاء قاعدة بحرية روسية في البحر الأحمر، يقول مصعب: “سيحول السودان إلى ساحة صراع بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، خصوصًا إذا تم إنشاء القاعدة في فترة الحرب الحالية، مما يؤدي إلى تعميق أزمة الحرب في السودان واستمرارها لفترة طويلة”.
تسعى روسيا من خلال تعزيز علاقاتها مع السودان إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، تشمل تأمين مصادر اقتصادية مثل الذهب، وتوسيع نفوذها العسكري عبر إنشاء قاعدة بحرية على البحر الأحمر، وكسب حلفاء جدد في مواجهة العقوبات الغربية. في المقابل، يبحث السودان، وخاصة الجيش، عن دعم عسكري وسياسي يمكنه من مواجهة التحديات الداخلية المتمثلة في الصراع مع قوات الدعم السريع.
ومع ذلك، يحمل هذا التقارب في طياته مخاطر وتحديات كبيرة، سواء على الصعيد الداخلي للسودان أو على المستوى الإقليمي والدولي. قد يؤدي تعزيز الوجود الروسي في السودان إلى تصعيد التوترات مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى، ويدفع بالسودان إلى أن يكون ساحة صراع بالوكالة بين هذه القوى، مما يفاقم من أزماته السياسية والاقتصادية والأمنية.
يتطلب الوضع الحالي مقاربة حذرة ومتوازنة من قبل السودان، تأخذ في الاعتبار مصالحه الوطنية طويلة المدى، وتعمل على تجنب الانزلاق في صراعات إقليمية ودولية قد تكون عواقبها وخيمة على استقراره ومستقبله.