حكم المدنيون والعسكريون في السودان.. الإرتباك يتسيد المشهد
4 فبراير 2021
عندما تقاسم المدنيون السلطة الانتقالية مع العسكريين في السودان بعد الاطاحة بنظام البشير عُين قادة كبار في الجيش أعضاء في مجلس السيادة الانتقالي وأشيع على نطاق واسع على أن هذا المجلس “مجرد هيئة تشريفية” لكن مع مرور الوقت والتدقيق في سطور الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية التي جرى تعديلها لاحقا تكشف أن الأمر ليس كذلك.
عقب تشكيل المؤسسات الانتقالية في سبتمبر 2019، اختبر السودانيون سير الشراكة مع العسكريين، وكان الاختراق الدستوري الأول قيادة العسكريين في مجلس السيادة الانتقالي محادثات السلام مع الحركات المسلحة. وعندما سأل الصحفيون عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق شمس الدين الكباشي عن عدم دستورية تولي مجلس السيادة الانتقالي لمحادثات السلام أشار الكباشي إلى أن الوثيقة الدستورية نصت على رعاية مجلس السيادة الانتقالي لمفاوضات السلام قائلاً إن عبارة رعاية تعني تواجد “السيادي في عملية السلام”.
بعد نحو عامين من تشكيل الحكومة وما تلى هذه الفترة من تطورات سياسية بل الاتهامات العلنية المتبادلة حول فشل كل طرف في السلطة لاسيما المتعلقة بادارة الاقتصاد بحيث يستحوذ العسكريون على ورثة مالية ضخمة من شركات القوات المسلحة والشرطة وغيرها من الاجهزة الامنية وسط شكاوى المدنيين في الحكومة من تجنيب هذه الأموال وابتعادها عن الخزينة العامة .
“الفترة الانتقالية هشة ومعقدة جدًا عكس الفترات الانتقالية التي شهدتها البلاد قبل سنوات لأن الوضع الآن فيه جيوش متعددة جميعها ألغام قابلة للانفجار وتحتاج إلى مجتمع مدني فعال غير مرتبط بالخارج للاصطفاف والضغط لقلب الموازين في العلاقة بين المدنيين والعسكريين بالضغط على الطرفين لتحقيق أهداف الانتقال”. هذا ما يراه المحلل السياسي أشرف عثمان في حديثه لـ(عاين).
لعب غياب الحاضنة السياسية -قوى الحرية والتغيير- دورًا كبيرًا في إضعاف الشق المدني داخل هياكل السلطة الانتقالية. وهذا الغياب يعتقد مسؤولون مدنيون أنه يتمثل في تعزيز الصلاحيات التي منحت للعسكريين بالسيطرة واصلاح الاجهزة العسكرية والأمنية بحسب نص الوثيقة الدستورية. ويعترف المتحدث الرسمي باسم مجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي في مقابلة مع (عاين) أن الوثيقة الدستورية منحت صلاحية الإشراف والمسؤولية المباشرة على الأجهزة العسكرية والأمنية للعسكريين ولم يُمنح الشق المدني في مجلس السيادة الانتقالي هذه الصلاحيات.
“عندما توجه الاتهامات للمدنيين بعدم الفاعلية مقارنة بالعسكريين نقول لهم دائمًا ماهي الصلاحيات والمهام التي أوكلت لنا ولم نقوم بها ؟ ـ هذه اسئلة مهمة للغاية ويجب ان تُطرح لكن المقابل يقوم المدنيون في (السيادة) بمجهود خلق حالة الاستقرار الكبيرة داخل مجلس السيادة ناتج من تقاسم الملفات مع العسكريين وهذا نتاج للثقة وتعزيز العمل المشترك رغبة في استقرار الفترة الانتقالية والوصول للانتخابات“. المتحدث الرسمي باسم مجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي |
وأضاف الفكي : “ تناسى المفاوض الممثل للحرية والتغيير وضع المدنيين في مجلس السيادة فهم بنص الوثيقة الدستورية ليس لهم صلاحيات تنفيذية أسوة بالعسكريين ولكن العسكريين هم طرف الوثيقة الآخر وبالتالي في كل القضايا السياسية الكبرى يتحدث العسكريون إلى المجلس المركزي للحرية والتغيير وليس المدنيين الذين يجلسون بجوارهم في مجلس السيادة”.
مع تزايد الضغوط على رئيس وزراء الفترة الانتقالية عبدالله حمدوك في الشهور الأخيرة وتآكل شعبيته لم يعد رئيس الوزراء ذلك المسؤول الدبلوماسي الذي درج على الصمت بل خرج محذرًا من أن إفلات الشركات الأمنية والعسكرية من الشفافية لن يكون مقبولًا في عالم اليوم وذلك في ديسمبر الماضي.
وبالنظر إلى المكون العسكري فإن الوضع المتعلق بالسلام نفسه فرض عليه موقفًا إضافيًا -بحسب متحدث تجمع المهنيين السودانيين وليد علي، الذي يقول لـ(عاين)، أن العسكريين “اختطفوا ملف السلام” وصنعوا جسمًا ليس موجودًا في الوثيقة الدستورية وهو مجلس شركاء الفترة الانتقالية وعززوا موقفهم في السلطة وهيمنة للعسكريين بمساندة قوى أخرى انضمت إلى هياكل السلطة.
مشهد مترتبك
فيما يرى المحلل السياسي أشرف عثمان أن الفترة الانتقالية الراهنة لا يمكن أن نطلق عليها “فترة تحول ديمقراطي” لأن المشهد السياسي مربك للغاية وتعتمد على نوايا العسكريين والمدنيين واستدرك قائلًا : “نواياهم غير معروفة”. ويشدد أشرف عثمان، على أن ارتباط العسكريين بالمحاور الاقليمية مثل الإمارات ومصر والسعودية قد تدفعهم إلى تقويض الانتقال الديمقراطي لأن العسكريين جربوا هذا الأمر في الثالث من يونيو 2019 في فض اعتصام القيادة العامة جوار وزارة الدفاع بالعاصمة السودانية.
وتابع : “لقد كان انقلابًا عسكريًا مكتمل الأركان لكن قوة الشارع في الثلاثين من يونيو 2019 أجبرتهم على التراجع وهذا لا يعني أنهم تخلوا عن نواياهم السابقة”. ويخوض الجيش السوداني عمليات عسكرية منذ نوفمبر الماضي لاستعادة منطقة الفشقة أبدت قوى مدنية قلقها من هذه العمليات التي قد تؤدي إلى الحرب بين السودان وإثيوبيا والتأثير على الانتقال الهش في السودان سيما وأن قوى موالية لنظام المخلوع سارعت إلى تأييد العسكريين في عمليات الفشقة.
“الفترة الانتقالية الراهنة لا يمكن أن نطلق عليها “فترة تحول ديمقراطي” لأن المشهد السياسي مربك للغاية وتعتمد على نوايا العسكريين والمدنيين الا أن ارتباط العسكريين بالمحاور الاقليمية مثل الإمارات ومصر والسعودية قد تدفعهم إلى تقويض الانتقال الديمقراطي“ المحلل السياسي أشرف عثمان |
ويدفع المشفقون على انهيار الفترة الانتقالية والشراكة بين المدنيين والعسكريين بأسئلة ملحة عما اذا أُتخذ خيار العمليات العسكرية مثلًا في منطقة الفشقة الحدودية مع إثيوبيا بعد مشاورة المدنيين؟ المعروف أن اجتماع مجلس الدفاع المشترك في نهاية ديسمبر الماضي شدد على مساندة الجيش السوداني وهو اجتماع شارك فيه رئيس الوزراء السوداني والمكون المدني في مجلس السيادة مناصفة مع العسكريين.
مدنيون بصلاحيات محدودة
ويقول متحدث مجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي : “عندما توجه الاتهامات للمدنيين بعدم الفاعلية مقارنة بالعسكريين نقول لهم دائمًا ماهي الصلاحيات والمهام التي أوكلت لنا ولم نقوم بها ؟”. وأضاف الفكي : “هذه اسئلة مهمة للغاية ويجب ان تُطرح لكن المقابل يقوم المدنيون في (السيادة) بمجهود خلق حالة الاستقرار الكبيرة داخل مجلس السيادة ناتج من تقاسم الملفات مع العسكريين وهذا نتاج للثقة وتعزيز العمل المشترك رغبة في استقرار الفترة الانتقالية والوصول للانتخابات”.
ورغم تمديد الفترة الانتقالية عقب اتفاقية السلام والتي قد تمنح فرصة للقوى المدنية لترتيب صفوفها والاستعداد للانتخابات في بيئة سياسية ملائمة إلا أن تطاول الفترة الانتقالية يضعف تحقيق الأهداف بحسب متحدث تجمع المهنيين وليد احمد الذي يتساءل : “هل التمديد في هذا الوضع الحالي إيجابي؟”. يقول وليد، “لا أعتقد ذلك لأن الوضع سيء اقتصاديًا وامنيًا فالمطلوب من الفترة الانتقالية إجراء التفكيك الحقيقي للتمكين وهذا لم يحدث حتى الآن لازال النظام يجد الحماية من المكون العسكري بشكل واضح حتى في العلن ولم يعد سرًا”.
بينما يُلقي العسكريون في خطابات أقرب إلى التعبئة السياسية باللائمة على المدنيين في تدهور الوضع المعيشي والاقتصادي وذكر عبد الفتاح البرهان في خطاب ألقاه نهاية العام الماضي على هامش تدريبات عسكرية شمالي العاصمة السودانية إن الوضع ازداد سوءً.
مردفًا “جميعنا نتحمل الفشل” دون أن يخص طرفًا بعينه غير أن هذا التصريح بالنسبة لوليد علي متحدث تجمع المهنيين أن العسكريين يتحدثون من منطلق شعورهم بالقوة أي أن هناك إحساسًا داخل المكون العسكري أن قادة الجيش هم من يقررون “إنهاء اللُعبة ” وكأنهم يحملون الفشل للمدنيين رغم أن اسوأ الملفات التي حظيت بالفشل هو الملف الأمني. وأضاف : “نحن عندما ننتقد حكومة حمدوك لا ندعو إلى إسقاطها منفردةً … يجب أن تسقط السلطة الانتقالية بأكملها أو إجراء إصلاحات داخل حكومة حمدوك والمكون المدني في السيادة”.
انقلاب جديد:
بينما ذكر مصدر عسكري في مقابلة مع (عاين) مشترطًا عدم توضيح هويته أن الوضع في البلاد غير جيد في الوقت الراهن وقد يقرر العسكريون بناءً على السخط العام وتدهور الوضع جراء التشاكس السياسي داخل قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين حل الحكومة الانتقالية وتشكيل حكومة كفاءات غير حزبية والدعوة إلى انتخابات خلال ستة أشهر.
وأضاف المصدر العسكري: “السودانيون انفضوا من تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير والمجتمع الدولي لن يرفض الانتخابات المبكرة لأن الغاية هي الديمقراطية وليست فترة انتقالية تتصاعد فيها أزمات تهدد الدولة برمتها”.
لكن المحلل السياسي أشرف عثمان يرى أن هذا الخيار صعب جدًا لأن عوامل المواجهة بين العسكريين والقوى الثورية لاتزال مستمرة وإن لم تعد كما كانت في الثلاثين من يونيو 2019 لكنها موجودة على حد قوله. وأردف عثمان : “لا يمكن الدعوة الى انتخابات مبكرة أو حل حكومة حمدوك والعسكريون لا يجدون غطاءً دولياً لدرجة المغامرة بالدعوة إلى انتخابات مبكرة وتسريح الحكومة الانتقالية”.