السودانيون يترقبون “روشتة” أول مؤتمر اقتصادي لحكومة الثورة
20 سبتمبر 2020
في ظل التأثيرات التي تعصف بالاقتصاد السوداني من ارتفاع معدلات التضخم والذي وصل إلى 166,83% وزيادة سعر الصرف إلى مستويات قياسية، تستعد البلاد لعقد المؤتمر الإقتصادي القومي الأول في الفترة من 26-28 سبتمبر الجاري، وتأمل الحكومة في أن تمثل الخطوة تصويب لمسار الاقتصاد و أن تخرج التوصيات بوضع سياسات مترابطة ومنسجمة، مالية ونقدية، موحدة و متماشية مع السياسات العامة للدولة في كافة المجالات، وفق تحديد دقيق للأولويات وصيانة الموارد.
ويتضمن المؤتمر تسع جلسات رئيسية عامة تناقش السياسات المالية والنقدية وتوظيف الشباب، و15 ورشة قطاعية متعمقة بدأت بمشاركة اختصاصيين وهي تمييز المؤتمر عن المؤتمرات السابقة إلى جانب جلسات حوارية حول الدعم وأنواعه وإشكالاته.
وتتصدر أعمال المؤتمر بحث أسباب ضعف الإنتاج والصادرات وزيادة الطلب على الواردات، وإختلال الميزان التجاري، إضافة إلى التضخم، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، وارتفاع نسبة البطالة، ووصول حد الفقر إلى 65%.
لماذا مؤتمر قومي؟
عضو لجنة الطوارئ الاقتصادية- القيادي بتحالف قوي الحرية، والتغيير ابراهيم الشيخ – ذكر لـ(عاين) أن فكرة المؤتمر الاقتصادي جاءت من وحي نقاشات موازنة العام ٢٠٢٠ بين المجلس المركزي للتحالف والحكومة السودانية بعد أن تعذر الاتفاق على رؤى متفق عليها بين الطرفين على أثر الخلاف على رفع الدعم او بقاءه، وبالتالي طرحت فكرة المؤتمر كمنصة قومية يتم فيها تناول واقع الاقتصاد السوداني من جوانبه المختلفة وصولا لروشتة ووصفة سودانية خالصة تصلح خارطة طريق تقود الاقتصاد في الفترة الانتقالية.
وأوضح الشيخ، أن المؤتمر معني بمعالجة تشوهات الاقتصاد الكلي خاصة معادلة سعر الصرف وانخفاض قيمة الجنيه السوداني المستمر، كذلك تنظيم وتعظيم الإيرادات ممثلة في الضرائب والجمارك وزيادة الإنتاج في حقول الزراعة والصناعة والتعدين وبقية الموارد الأخرى في الخدمات وغيرها. أضاف: هذا كله بالضرورة يستدعي إصلاح الجهاز المصرفي واعادة هيكلة المصارف بالإضافة لبنك السودان وكل أجهزة الخدمة المدنية
تباين حول جدوى المؤتمر
ورغم حالة التفاؤل الحكومي الا أن خبراء اقتصاد اختلفوا حول جدوى هذا المؤتمر، وقدرته على انتشال الاقتصاد السوداني من أزمته، وآثار الخبير الاقتصادي عبدالله الرمادي شكوكا بشأن ما يقدمه المؤتمر معتمدا في ذلك على التجارب السابقة في 10 سنوات المنصرمة والاعتقاد السائد بأن في تلك المؤتمرات عصا موسي ويمكن أن تأتي بالحلول الناجعة.
وقال الرمادي لـ(عاين)، “مشاكل الإقتصاد السوداني لاتحتاج الى مؤتمرات وتوقع نتائج صفرية شأنه شأن نظيراته التي يطبخ فيها كل شئ، واعتبره محاولة في ظل الفشل المريع الذي أقر به تحالف قوي الحرية والتغيير وشريكها في المكون العسكري، وهو ما قادهم إلى حالة من التخبط” .
ولم يستبعد أن يكون المؤتمر عبارة عن تجمع صوري وإهدار للوقت والجهد والمال وفي أحيان أخري ملهاة للمواطنين، لخدمة أهداف وجهة وفكر محدد. واضاف: بهذا الشكل لا نتوقع نتائج منه بخلاف الاوراق التي ستقدم والنقاشات المطولة حولها عبر خبراء ومختصين، وتخرج لجنة صياغة بقرارات موضوعة ربما من الآن وبعد نهاية المحفل لن يلتفت إليها احد، ورأى الرمادي، ان أسلوب البحث الأكاديمي يختلف عن تقديم المشورة للجهات التنفيذية.
واقترح الخبير الاقتصادي، انشاء مجلس استشاري أعلى للإقتصاد بعيدا عن المحاصصة او الصبغة السياسية وينتقي 10 من خبراء الإقتصاد يشهد لهم بالمهنية والخبرة الأكاديمية والعملية من داخل السودان، يتبع للمجلس السيادي ويكون بمثابة مستشار له ومستودع افكار ولايتخذ اي قرار يمس الاقتصاد الا بعد المرور عليه وهو ما يلزم السودان في هذه المرحلة الحرجة.
واكد أن أزمة السودان ليس في نقص الموارد وإنما سوء الإدارة والتخطيط والفساد لغياب الكفاءات الحقيقية وقال الخبير الإقتصادي: لم تفشل حكومة المخلوع البشير الا بعد انحيازها لاصحاب الإمكانيات الضعيفة إقتصاديا وتكليف غير المختصين بالمناصب والمواقع الهامة والنتيجة تفشي العبث بمقدرات البلاد الإقتصادية.
إجراءات شاقة
ووافق الخبير المصرفي محمد عبد العزيز، الرمادي فيما ذهب إليه بشأن ضرورة جدية المؤتمر. وقال إن الأهداف الاقتصادية المأمولة من كل المؤتمرات السابقة لم تسفر عن أي نتائج حسب حديثه لـ(عاين) وشددد على ضرورة أن تكون الاجتماعات مفتوحة ويتم سماع الخبراء والمختصين في كافة القضايا المطروحة وان تكتب التوصيات بعد نهاية المؤتمر .
وتحدث عبدالعزيز عن مشكلتين تواجه النظام المصرفي بالبلاد وتؤثر في مجمل الأزمة وهما الكتلة النقدية المتداولة وسعر الصرف، وأشار إلى ارتفاع حجم الكتلة المتداولة خارج النظام المصرفي، سواء بالتزوير أو بسبب الأموال التي كانت تطبع بدون تغطية في نهاية حكم النظام البائد وقال : مما يعقد الوضع أن بنك السودان المركزي لا علم له بحجم هذه الكتلة، ولفت إلى أن الإنقاذ في بدايات حكمها واجهت هذه الإشكالية فسارعت إلى تغيير العملة.
وأوضح الخبير المصرفي أن عدم الدراية بحجم الكتلة النقدية يصعب عملية وضع اي سياسات نقدية، ورأى ان من الضرورة أن يناقش المؤتمر الاقتصادي مسألة تغيير العملة واعتبره إجراء صحيح رغم تكلفته الباهظة بحيث يمكن المركزي بوضع يده على الكتلة النقدية ومن ثم سن سياسته النقدية. واقترح تقليل التعامل بالكاش واللجوء إلى نقاط البيع (الماكينات) بتوفيرها عبر مراكز التسوق وتحديث البنى التحتية المتعلقة بها. وذكر عبدالعزيز، أن جهات داخل المركزي أكدت في وقت سابق أن حكومة المخلوع كانت تطبع كميات من الأموال دون أن تدخل بنك السودان حيث كانت توجه للحزب أو الحركة الإسلامية وغيرها من الأنشطة المشبوهة.
واعتبر الخبير المصرفي، أن أزمة سعر الصرف رهينة بحجم الكتلة النقدية، حيث يلجأ المضاربين لشراء الدولار باي سعر ويتم تخزينه وشدد على ضرورة أن يبحث المؤتمر موضوع الصادر الذي من خلاله تتمكن الحكومة من توفير العملات الأجنبية للمستوردين وبذلك يمكن تقليل الفجوة بين السعر الرسمي والموازي لسعر الصرف. وقال: لابد أن يكون نفس الحكومة طويلا في تكسير السوق الاسود، وتوقع مناهضة السماسرة والمضاربين للسياسات الحكومية التي تهدف إلى استقرار العملة الوطنية وتوفير احتياطي من العملات الصعبة لما يشكله من تقاطع مع مصالحها، وراي أيضا أن يسلط المؤتمر الضوء على شركات الجيش المسئولة عن الصادر باعتبارها جزءا من الأزمة.
تفاؤل الحكومة وتحالفها الحاكم
فيما أبدى عضو لجنة الطوارئ الاقتصادية-القيادي بالحرية والتغيير ابراهيم الشيخ تفاوله بنجاح المؤتمر ، وقال : نحن قادرون على ذلك وهو تحدي قبلناه ويتسق مع روح وقيم ثورة ديسمبر العظيمة واعلان الحرية والتغيير الممهور بالدم” ووصف المؤتمر بالتظاهرة التي تضافرت فيها كل الجهود الشعبية الوطنية والسياسية والحكومية
وأوضح الشيخ في مقابلة مع (عاين)، أنه كان من المأمول عقد المؤتمر عند اجازة الموازنة في نهاية ديسمبر المنصرم ثم حدد شهر أبريل الماضي موعدا لعقده الا ان ظروف جائحة كورونا حالت دون اقامته، ليأتي الاتفاق مؤخرا بين الأطراف المعنية على عقد المؤتمر في الفترة من ٢٦ الي ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٠ رغم كارثة الفيضانات و تفاقم الازمة الاقتصادية..
واشار الشيخ، إلى ان المؤتمر يشتمل على العديد من الورش المختصة لمناقشة كافة الشؤون الاقتصادية من سياسات الصادر والوارد والعائدات التي تغطي حاجة البلاد من سلع الاستيراد الاساسية التي تحتاجها البلاد فضلا عن التطرق للموانئ والسكة حديد والنقل النهري والبحري وسودانير والطيران المدني والمطارات والطرق وغيرها من ملفات المؤتمر وورش الاعداد له، اضافة الى جدل سعر الصرف والدولار والجنيه والمضاربات والذهب والوقود وبنك السودان والموسم الشتوي القادم والحصاد الصيفي وصادر الماشية الذي تم ارجاعه.
وقال الشيخ، “المؤتمر الاقتصادي صار واقعا وعبره تكتمل الصورة وتخرج من بين ثناياه الوصفة السودانية التي تعيد تكييف وحشد الموارد لاقتصاد سوداني معافى من حر موارد البلاد وبدعم الأصدقاء والصناديق العربية والدولية التي ستطمئن بعدها لارادة اهل السودان النازعة للتحرر والانعتاق من اقتصاد الريع الطفيلي والاستهلاكي ولن تجد من مناص لتقديم الدعم والقروض لاقتصاد وطني هدفه تنمية وبناء الإنسان السوداني وكفالة العيش الكريم لهم حسب وصفه.
ووفقا لتصريحات سابقة لوزيرة المالية المكلفة هبة محمد علي، فان دواعي إقامة المؤتمر الإقتصادي تتمثل في إشراك كل أصحاب المصلحة، بمنظوماتهم المختلفة، في وضع السياسات واتخاذ القرار، بغرض صُنع مشروع وطني لإعادة الإعمار والنهوض بالبلاد تتوفر له أكبر مظلة شعبية تدعمه لينجح ويستمر، واشارت إلى أن المؤتمر وسيلة لوضع مشروع نهضوي قومي يعالج الخراب الذي أحدثه النظام البائد. وقالت: ورثنا خرابا هائلا في كل المجالات، مما يستدعي وضع خطط متفق عليها، وذات غطاء شعبي وجماهيري واسع، واشارت إلى أن الحكومة عزمت على عقد المؤتمر الاقتصادي فى مارس الماضي، لكن حالت ظروف جائحة كورونا دون عقد المؤتمر، حتى باتت الظروف مواتية لعقده الآن.