“جروح واضطرابات نفسية”.. مصابو ثورة السودان في قلب المأساة
2 أبريل 2023
على مقربة من قاعة الصداقة بالخرطوم التي شهدت مؤخرا مشاورات مصيرية لتأسيس مرحلة انتقالية جديدة في السودان، يجلس “مصطفى أحمد” ومعه العشرات من مصابي ثورة ديسمبر على رصيف قريب من مقر مجلس الوزراء بالخرطوم في اعتصام مفتوح ويشكون إهمالا متطاولا.
ما يؤلم مصطفى ورفاقه ليس الجرح النازف بفعل رصاص العسكريين، بل عدم قدرتهم على توصيل صوتهم لمنصة مؤتمر العدالة الانتقالية الذي احتضنته قاعة الصداقة 16 مارس الماضي، وما يزيد قلقهم هو خوفهم على مستقبل تحقيق العدالة وجبر ضررهم بعد توقيع الاتفاق بعد التجاهل الذي عاشوه طوال الفترة الماضية.
يقول مصطفى أحمد خليل، وهو أيضا متحدث باسم المكتب الطبي لمصابي ثورة ديسمبر في مقابلة مع (عاين): “في كل هذه الضجة التي دارت في قاعة الصداقة لم نسمع أحدا تحدث عن الشهداء والمصابين ولم تقدم أي أوراق بشأن قضيتهم وهذا شيء مخيب للآمال وفيه عدم تقدير لحجم التضحيات التي قدمها الشهداء والمصابون في مسيرة الثورة”.
محاسبة
يقول أحمد عبد المجيد الذي أصيب برشاش خرطوش في مناطق متفرقة من جسده خلال موكب 6 أبريل الماضي، إنه “عانى كثيرا مع الإصابة وأيضا تجرع مرارة الموت لأن أصدقاء له قتلوا أمام عينه الشيء الذي تسبب له في ضغط جسدي ونفسي، وهو لا يقبل بأي تسوية سياسية لا تقود إلى محاسبة الذين أجرموا في حقهم”.
“لقد واجهنا عنفا مفرطا من قبل القوات النظامية خلال المواكب الاحتجاجية، فقدنا على إثره أصدقاء أعزاء، ومن كتب لهم النجاة واجهوا واقعا مأساويا فلا يجب أن يفلت مرتكبي هذه الجرائم عن العقاب”. يضيف عبد الحميد في مقابلة مع (عاين).
ويتواصل اعتصام مفتوح أقامه مصابي ثورة ديسمبر أمام مبنى مجلس الوزراء بالخرطوم لليوم ال11 على التوالي، مطالبا بعلاج المصابين وحل لجنة حكومية تم تشكيلها لأجلهم بسبب قصور في عملها، كما يقول المعتصمين.
وبحسب متحدث المكتب الطبي لمصابي الثورة مصطفى أحمد خليل، فإن عدد المصابين خلال المواكب الاحتجاجية التي أعقبت انقلاب عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021م بلغ 5974 شخصا، وهناك 3200 شخص أصيبوا أثناء مجزرة فض الاعتصام لتصبح الحصيلة 9174 ألف مصاب يعيشون أوضاعا قاسية الآن.
“العديد من مصابي الثورة تعرضوا لأمراض نفسية، وهناك من فقدوا أطرافهم وأعينهم وتفاقم وضعهم مع الإهمال الطبي وعدم تلقي الرعاية المطلوبة، فقد حاول بعضهم الانتحار هروبا من الوضع القاسي. يعيش المصابون حالة مزرية وقد فقدوا الأمل تماما فهم لا يريدون شيئا من هذا الاعتصام غير الحصول على برنامج علاجي سلس”، يقول مصطفى ل (عاين).
ويضيف: “لا نريد غير علاج سلس، وحل اللجنة الفنية الحكومية المشكلة لعلاج المصابين بسبب قصور في أدائها فهي قامت بتسفير أشخاص للعلاج في الخارج وهم ليسوا مصابين، كما أنها ظلت تمارس محاباة أو تمييزا بين مصابي الثورة، وأيضا عملت على تهديد بعض المصابين بقطع برنامج علاجهم حال واصلوا المشاركة في الاعتصام”.
ضوء
وفي ظل واقع مظلم نشأت بعض المبادرات السودانية لعلاج مصابي ثورة ديسمبر المجيدة من خلال تقديم خدمة العلاج النفسي، ومن هذه المبادرات “ساي كير” التي يقوم عليها عدد من الأطباء النفسيين المتطوعين.
وتقول أشجان مالك، وهي متطوعة في مبادرة “ساي كير” في مقابلة مع (عاين) إن “متطوعي المبادرة وعددهم 19 شابا وشابا من خريجي علم النفس توزعوا على ثلاث مجموعات في العاصمة، الخرطوم، بحري، أمدرمان لتقديم الدعم النفسي اللازم للشباب الذين تعرضوا لصدمات خلال الاحتجاجات”.
“وجدنا العديد من الشباب يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة مثل قصور في النوم والأكل إلى جانب خوف مستمر، وذلك بسبب العنف الذي تعرضوا له خلال الاحتجاجات وقتل أصدقائهم أمام أعينهم” تضيف أشجان.
وتابعت: “عمل فريقنا الذي تدرب على برنامج تثقيف الأقران، على تفريغ نفسي لهؤلاء الشباب بأن يجعلهم يتحدثون عما يعانونه ومن ثم تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم. استطعنا علاج كثير من الحالات ومن تستعصي علينا وتفوق مقدرتنا نقوم بتحويلها إلى مراكز متخصصة”.