فقدان أجزاء من الجسد أوسمة على صدر الثوار

قصص مؤلمة ترصدها شبكة (عاين) . . . فقدان أجزاء من الجسد أوسمة على صدر الثوار

 

فقدان أجزاء من الجسد أوسمة على صدر الثوار

تقرير عاين :26يناير 2019

“هذه الاصابة بمثابة وسام فخر بالنسبة لي ولن أنظر إليها باعتبارها اعاقة في المستقبل” هكذا قال “محمد صالح عادل” ذو الثلاث وعشرون ربيعاً متماسكاً وهو يتحدث إلي مراسل شبكة “عاين” رغم فقدانه يده اليمنى في التظاهرات التي اندلعت في معظم أنحاء البلاد منذ أكثر من شهريروي “عادل” إنه سمع دوي الإنفجار ونظر الى يده ليجد ان الدم ينزف بكثافة لحظتها علم أنه فقد كفه بالكامل ، فضغط على اوردته وشرايينه بكل قوة حتي لا يفقد دمه بالكامل وبدأ يردد الشهادة تحسباً لأنه ميتاً لا محالة ، ومن ثم اسعف الى مشفى وأجريت له عملية جراحية عاجلة ، وضمدت اليد ، وتكفلت جهات خيرية –لم يسمها – بعلاجه ، وعندما التقيناه كان جرحه قد التأم تماماً ويتصرف بحرية.

واخبرنا انه لايشعر بأنه فقد جزءً مهماً من جسده ويفعل كل اشياءه كما أعتاد حتى قبل أن يلتئم الجرح ، وهذه الإصابة لم تنتقص من عزيمته للعمل على رحيل النظام ، وانه عاد وشارك فى المواكب الأخيرة التي دعا لها تجمع المهنيين السودانين ، واكد انه باقي على العهد الذي قطعه من اجل الشعب السوداني رغم أنه لا يستند على خلفية سياسية، مؤكدا أنه سيتوجه إلى مقاضاة الجهات الأمنية وأخذ حقه بالقانون ، وعادل من أبناء الولاية الشمالية جاء للعاصمة ليكمل مسيرته التعليمية ويقطن داخليات جامعة الخرطوم ، آخر  الكلمات التي قالها ان إصابته بمثابة وسام فخر ولن ينظر اليها إعاقة في مقبل الأيام 

علامة النصر

فقدان أجزاء من الجسد أوسمة على صدر الثوار

محمد صالح عادل” فقد كفه الأيسر بعد إنفجار قنبلة صوتية محاولة إرجاعها ، داخل جامعة الخرطوم ، حكاية هذا الشاب العشريني تعكس موقف أنداده من هذا الجيل الرافض لبقاء نظام البشير،والذي كان ينظر اليه الكثيرون بأنه  جيل “إنقاذي” ولكن هذه الصورة سرعان ماتلاشت من أذهان الجميع ، بعد إنطلاق إنتفاضة ديسمبر والتي لازالت مستمرة يمثل محمد عادل ورفاقه عمودها الفقري ، إذ هو لم يكن وحده فهناك شاب اخر من ابناء ذات الجامعة يدعى “ابوبكر الفاضلابي” فقد ثلاثة اصابع وجزء من كفه ، هذين الشابين شكلا أيقونة نضال للأخرين رغم فقدان كل منهما لكفه إلى أن اليد الأخرى لم تتوقف عن التلويح بعلامة النصر، واصيب لاحقاً “سامح سيد” و”البكري حسن” فقد الأول عينه ولايزال الثاني قيد العناية الطبية بإصابات مركبة، هذه نماذج من مئات المصابين وتقدر إحصاءات غير رسمية أعدادهم بحوالي (402) مصاب فى كل مدن السودان  فيما قالت السلطات السودانية ان هناك حوالي 219 جريحا .

فقدان أجزاء من الجسد أوسمة على صدر الثوار

منع الاسعافات

ابوبكر عبدالمنعم عثمان محمد المعروف بـ”الفاضلابي” اصيب بعبوة يعتقد أنها قنبلة صوتية ، تسببت في فقدانه ثلاثة أصابع وجزء من كفه اليمنى ، فى يوم الخميس الثاني والعشرون من ديسمبر الماضي أثناء خروجه للشارع فى تظاهرة سلمية طالبت  برحيل نظام الرئيس السوداني عمر البشير. لم يستطع ابوبكر التعرف على هوية الشخص الذي أطلق عليه القنبلة الصوتية التي سقطت بالقرب منه وحملها لكي يعيدها بذات الإتجاه الذي اتت منه صوب القوات الأمنية ، لم تسعفه الثواني وإنفجرت القنبلة الحارقة في يده ليجدها تنزف بشدة واصابعه لم تعد موجودة. سرعان ما اسعفه رفاقه الى المشفى وكان فاقداً للوعي ، فتح عينيه للحظة حينها رأى أن إدارة مستشفي حوادث بحري كانت رافضة إسعافه بينما يراقب الطبيب جرحه النازف بخوف وقلق شديدين وهولايستطيع ان يفعل شئ أمام رفض إدارة المشفى إستقباله يقول ابو بكر انه ظل ينزف لبرهة وكان افراد من الامن قد حضروا إلى المستشفى حسبما أخبر رفاقه لاحقاً.

بعد شد وجذب أسعف أبو بكر ومن ثم نقل الى مشفى الجمعية التخصصي حيث أجريت له عملية جراحية عاجلة بعد إكتشاف بقايا شظايا من القنابل الصوتية ، وأجريت له لاحقا عملية أخرى حيث تم زرع يده تحت ستار بطنه لتنمو أنسجة اليد تمهيداُ لزراعة اصابع صناعية في مقبل الأيام. كنا هناك حين كان ابوبكر يعاني جسدياً وبدت حركته مقيدة بعض الشئ لكنه لم يستسلم ويبتسم دائماً ويمازح من حوله بعفوية ، بعد يومين عدنا لزيارته مرة أخري وكان قد مثل لعملية جراحية ثالثة تم إخراج اليد من البطن وبدأ يتحرك بحرية أكثر من سابق أيامه ، وبعدها غادر المشفى مساء ذات اليوم و سينتظر لحين التئام جرحه .

حق الشهداء

فقدان أجزاء من الجسد أوسمة على صدر الثوار

طوال فترة تواجدنا مع الفاضلابي في المشفى كان يواسي من حوله و يلوح بعلامة النصر بين لحظة واخري ، واخبرنا انه سيواصل نضاله حالما تسمح ظروفه الصحية ولن يهدأ له بال الى ان يسقط النظام. الفاضلابي الذي تنحدر أصوله من  منطقة الفاضلاب بمدينة عطبرة ويدرس في جامعة الخرطوم ولاينتمي الى تنظيم سياسي. وقال الفاضلابي  في حديثه لـ (عاين) “فقدان أجزاء من يدي لم يزيدني الإ يقيناً وإصرار بذهاب هذا النظام وحالما تتحسن صحتي سأخرج الى الشارع مرة اخري  وانا اكثر قوة و استعيد حقي والشهداء الذي قتلو غدراً بالرصاص لن ندع دماءهم تضيع ”

إعتداء وحشي

فى موكب السابع عشر من من يناير الجاري أصيب “البكري حسن” يعمل معلم بمدينة النهود ، غرب السودان ، وبحسب أفراد من أسرته فقد تم الإعتداء عليه فى المظاهرة السلمية بمدينة النهود. الاعتداء علي البكري كان وحشيا من قبل مليشيات النظام وتفرقت إصاباته الحادة بين الضرب في الرأس والعنق والظهر وأصيب بكسر في عظم اللوح الأيمن وهناك إحتمال وجود كسر في عظام الرقبة، حسب افراد الاسرة. احضر البكري لمستشفى مدينة الأبيض فاقداً للوعي تماماً مع وجود انسداد في التنفس ، تم شفط لأجسام غريبة وتراب وإفرازات تنفسية ،وعلاماته الحيوية غير مستقرة حيث يعاني من تسارع في دقات القلب وانخفاض في التنفس. لاحقاً اصبحت حالته شبه مستقرة لكنه غير قادر على الكلام ولكنه يستطيع الكتابة وقام بتدوين “أن مليشيات النظام قامت بملء فمه بالطين وتغطيس الرأس في الماء .

وعند الكشف على الصدر وجد الأطباء إنخفاض فى دخول الهواء في الجهة اليمنى مقارنة باليسرى، وصورة الأشعة للصدر هناك تشير الى وجود جسم غريب فى  الرئه ويحتاج إلى أشعة مقطعية للرأس والرقبة و منظار للرئة ، ولكن ذلك ليس متاحاً فى مستشفى الأبيض وتم تحويله إلي مستشفي إبراهيم مالك بالعاصمة الخرطوم .

فقدان العين

فقدان أجزاء من الجسد أوسمة على صدر الثوار

فى ذات التاريخ الذي أصيب فيه البكري تعرض سامح سيد للإصابه فى منطقة بري وسط الخرطوم للإصابة فى عينه بعبوة غاز مسيل للدموع ، فقد عينه اليسرى جراء هذه الإصابة  أجريت له عملية الإستئصال بمستشفي “رويال كير”.

رغم ما يعانيه، كانت أول كلمات نطق بها سامح بعد خروجه من غرفة العمليات “تسقط بس” ، وبحسب مقربين منه انه ان عازم على إكمال مابدأه الى يحقق الحراك الشعبي هدفه ، ودرس سامح بكلية العلوم الإدارية بجامعة الخرطوم ، وكان موظف ببنك الخرطوم .  

 

تجاوز الصدمة

وبحسب خبيرة علم النفس ، د. سليمي الخليفة ، ان ماحدث للشابين ورفاقهم بالتأكيد صادم للغاية ، ولكن التعويل النفسي فى صمودهم أمام الصدمة  يكمن في المحتوي البطولي الذي يتمتعن به بعد أن فقدوا أجزاء مهمة من أجسادهم. بالنسبة لهم و جيلهم هم أبطال وصناع موقف وطني يفخرون به، واحتفاء الأخرين بهذه البطولة يجعلهم يتجاوزون الصدمة دون ان تؤثر عليهم نفسيا”

وزادت ” ولكن الصدمة الكبيرة فى العنف فيما تعرضوا له قبل أن يفقدو أطرافهم  من عنف لفظي وضرب بالغاز المسيل للدموع ربما تكون هي المشكلة الأكبر من فقدان الطرف النفسي “تنبه د. سليمي ، إلى أن هؤلاء الشباب فى هذه الفترة يحتاجون لدعم نفسي ومجتمعي من الأصدقاء والأحباء حتى لا ينخرط تفكيرهم في أن هذه الإصابة يمكن أن تعيقهم في حياتهم القادمة. وتمضي سليمي قائلة لـ (عاين) بان هناك إحتياج للتوعية بشأن كيفية التعامل مع الطرف المفقود ، لأن الضحايا يحتاجون  لإرشاد نفسي بعد زراعة الأطراف الصناعية. واضافت ” ان مثل هذه الإصابات فى الحالات العادية تسبب صدمات نفسية يصاحبها حزن عميق ، و تظل أعراض الصدمة باقية لفترة طويلة لا سيما لشباب فى عمرهم خبرتهم قليلة فى الحياة ، ولكنهم ضربوا إنموذجاً للوعي والثبات ومواجهة الصدمات ”

فقدان أجزاء من الجسد أوسمة على صدر الثوار

مقاضاة وزير الداخلية

الخبير القانوني ، عبدالله محمد إبراهيم يقول ” يحق لأي متظاهر تم اصابته فتح بلاغ لدى النيابه المختصه  في مواجهة الشخص الذي أصابه ومقاضاته ، إذا كان الشخص معلوم كما في قضية سارة عبدالباقي شهيدة هبة سبتمبر 2013م ، ويوضح ابراهيم في حديث لـ (عاين) ان المسؤولية لا تنحصر في من اطلق الرصاص إنما تتعداه الى رئيسه المباشر والى وزير الداخلية بحكم منصبه أو مدير جهاز الأمن بحكم منصبه ، وذلك بموجب المادة (146)  من قانون المعاملات المدنية ، ويكون المتبوع مسؤلاً عن الضرر الذي يحدثه تابعه بفعله الضارمتى كان واقعاً منه في حال تادية عمله او بسببه

وأضاف ” قانونياً يحق لأي متظاهر تم إصابته في تظاهرات ان يقوم بمقاضاة الجهة أو الشخص الذي أصابه ، ومن المفترض ان يكون فض التظاهرات عبر الشرطة لاسواها ، بحسب نص المادة 128 إجراءات جنائية التي نصت على : اذا لم يتفرق التجمهر عند صدور امر بذلك  او تصرف مخالف للقانون يجوز للضابط المسؤول أن يأمر بتفريق ذلك التجمهر بأقل قوة ضرورية على ألا يلجأ لإستخدام السلاح الناري إلا بإذن وكيل النيابه ولا يبيح حق استخدام هذه القوة تسبيب الموت ، مشددا ” بمعنى استخدام هذه القوة لا يكون إلا بأمر وكيل النيابه وهذا خلاف ما يحدث الأن. ويمضي قائلا: “ لكن  المؤسف ان السلطات السودانيه تقوم عبر أجهزتها الأمنية وميليشياتها المختلفة بخرق هذه المادة والتنكيل بالمتظاهرين وقتلهم أما جهاز الأمن وبموجب قانونه لايحق له تفريق أي تظاهر اذ تنحصر مهمته في جمع المعلومات وتحليلها ورفعها الى جهة الاختصاص  اما المليشيات الاخرى فهي مليشيات غير قانونية وما بني على باطل فهو باطل –على حد تعبير الخبير القانوني ، عبدالله إبراهيم.