“شيعة السودان” تحت تضييق الحكومات والمجتمع
12 أبريل 2022
لم يتبق من الحسينية الوحيدة المملوكة لشيعة السودان والواقعة على مقربة من شارع المك نمر وسط العاصمة سوى بعض الأثاث المهترئ وارفف الكتب الفارغة بعد مصادرة المؤلفات الشيعية.
الحسينية التي تأسست في العام 1996 أمرت حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير في العام 2014 بمصادرتها وإغلاقها مع دور ايرانية عديدة بالعاصمة والولايات وذلك بعد قطع حكومة الرئيس المخلوع العلاقات مع ايران والتحول إلى التحالف مع دول الخليج.
“مسألة الحريات الدينية بعد سقوط البشير لاتختلف كثيرا عن الماضي.. صحيح هناك درجة من الحريات تسمح بإقامة المناشط علناً لكن دون أي حضور إعلامي“، يقول لـ(عاين) أحد الذين انتموا في وقت سابق للمذهب الشيعي.
ويرجع ذلك إلى عوامل عدة؛ بينها تحفظ شيعة السودان أنفسهم – حسب تعبيره – بسبب أن الأغلبية الساحقة تعتنق المذهب السني، لكن مع ذلك فإن ثمة انتهاكات وقعت ولاتزال ضد الشيعة في السودان، إذ يواجهون تضييقا شديدا في دخول الكتب والمؤلفات وتداولها. وفي السنوات الماضية صادرت السلطات المختصة كتبا ومؤلفات شيعية من معارض الكتاب بالخرطوم أكثر من مرة.
فيما يقول منتمي سابق لمذهب الشيعة طلبا عدم ذكر إسمه، إن “الشيعة في السودان تيارات وهي انعكاس للشيعة في العالم الإسلامي، لكن أكبرها تيار ولاية الفقيه ذو الصلة بإيران، وأن هذا التيار توسع بعد عام 2012 حيث كان التيار العراقي أو ما يعرف بالتيار الرسالي هو الأكبر ويعتقد أن هذه الفترة تمثل البداية الحقيقية للشيعة في السودان”.
المذهب ضحية السياسة
أسس الشيعة في السودان أول جمعية في العام 1991 والتي ارتبطت -وقتها- بزيارة الرئيس الإيراني؛ رفسنجاني للخرطوم، ويصنف مراقبون فترة حكم البشير بأنها أكثر فترات التمدد الشيعي في السودان مع الإشارة بوجود تيار داخل الحركة الإسلامية متعاطف مع الشيعة أو محايد تجاههم.
لكن العامل الفعّال هو العلاقات القوية مع إيران في ظل عزلة دولية طوّقت حكومة البشير حينها، في وقت يشكو بعض الشيعة الذين تحدثوا لـ(عاين)، من النظرة إليهم باعتبارهم جماعة تنظيمية أو سياسية مرتبطة بإيران أو العراق، لا جماعة دينية لديها مذهب مثلها مثل الكثير من الجماعات.
استخدمت حكومة البشير المذهب الشيعي كرتاً سياسياً، إذ أنه وبعد قطع العلاقات مع إيران عام 2014 وانخراط البشير في تحالف خليجي.
ولم يكتف الرئيس العزول وقتها بالمصادرات والإغلاق، بل مضى أكثر من ذلك، حيث أضاف مادة جديدة في القانون الجنائي السوداني-تعديل 2015، وجاء نص المادة المضافة كما يلي (من يسب علناً أو يطعن بأية طريقة في أي من صحابة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أو أي من زوجاته أو آل بيته يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز خمس سنوات والجلد بما لا يجاوز أربعين جلدة).
تضييق قديم متجدد
الكاتب والمهتم بقضايا الحريات؛ السر السيد يقول: إن مسألة الحريات تعني بالضرورة الذهن الذي ينظم ويراعي عملية التنوع، ويشدد السر الذي تحدث لـ(عاين)، على أن خطاب الإعلام الرسمي كان خطابا سلفيا، لا يراعي التنوع، والأدلة كثيرة جداً في البرامج التلفزيونية والإذاعية.
ويقول السيد ” أن الرئيس السابق؛ عمر البشير نفسه لديه موقف من التشيع وأعلنه أمام الملأ”. وأشار السيد، إلى قضية المناهج التعليمية التي شهدت معارك ضارية خلال فترة حكم الإسلاميين بسبب سيطرة السلفيين عليها، عطفاً على ذلك؛ أقامت حكومة البشير مؤتمرات عن ”خطر“ التشيّع، وتبنى الإعلام الرسمي خطاب تكفيري ضد الشيعة.
ويرى السيد، أن موقف الحكومة الانتقالية بعد ثورة ديسمبر هو نفسه موقف حكومة البشير ويتابع ”الشيعة في السودان لم تتم محاصرتهم بالشكل العنيف، لكن ما يحدث أنهم غير معتبرين في الخارطة الدينية“ وأن الحديث عن الحريات الدينية لا يرتفع إلا في حضور الوفود الأمريكية.
ولاختبار الحريات في عهد الحكومة الانتقالية التي تشكلت بعد ثورة ديسمبر 2018، يقول القانوني عمر عبد الله، وهو شيعي منذ الثمانينات إنه ضمن مجموعة تمثل الشيعة، حاولوا الجلوس مع وزير الشؤون الدينية والأوقاف السابق في الحكومة الانتقالية؛ نصر الدين مفرح، لكنها فشلت بسبب تماطل الوزير، ويشير عمر الذي تحدث لـ(عاين)، إلى موعد تم تحديده مع الوزير، لكن أُلغي في اللحظات الأخيرة من قبل مكتب الوزير.
نصر الدين مفرح نفى لـ(عاين)، علمه بأي طلب موعد مع الطائفة الشيعية، لكنه أكد وقتها أن اللوائح لن تسمح لأي طائفة تسئ أو تخلق فتنة دينية في البلاد أو التواصل والتخابر مع دولة خارجية بحسب تعبيره، ويشدد بالقول ”لن نسمح بممارسة أي نشاط لهم لما يحدثه من زعزعة للأمن والسلم المجتمعي.
وحول استرداد ممتلكاتهم يقول مفرح إنها ليست محل خلاف، فقط كان ينبغي عليهم تقديم مستندات الإثبات.
يمضي القانوني الشيعي عمر عبد الله للتأكيد على استمرار الانتهاكات بالقول: إنهم قرروا الذهاب بشكل مباشر لإدارة داخل الوزارة، معنية بتسجيل الجماعات الدينية، لكن طلبهم قوبل بالتماطل وعدم التجاوب، ولم يتسن لهم فعل أي إجراء حتى حدوث انقلاب ٢٥ أكتوبر.
وحول أعداد المنتمين للمذهب الشيعي يقول عمر: ليست هناك إحصائيات دقيقة وكل الأرقام المتداولة تخرج من التيارات السلفية، غير أنه يوضح أن تزايداً لافتاً ظهر خلال السنوات الأخيرة وبشكل خاص من التيارات اليسارية، ويشار إلى أن معظم الشيعة في السودان كانوا سنة ثم تشيعوا، أي لم يولدوا شيعة، ويبدو بوضوح أن التحديات التي تواجه الطائفة الشيعية في السودان لا تزال قائمة، إذ لم يكن أتباع الشيعة على استعداد للسماح بوصول وسائل الإعلام إلى المناسبات الشيعية، رغم أن بعض الذين تحدثوا لـ(عاين) أكدوا أن الغالبية تفصح عن هويتها المذهبية وسط الأهل والمعارف وحتى داخل مؤسسات العمل، ووفقاً لعمر عبد الله إن بعض الشيعة المتحدرين من خلفيات سلفية لا يفصحون عن تشيعهم بل أن الطائفة نفسها تطلب أحياناً من البعض عدم الإفصاح إعمالاً لفقه التقية المعروف عند الشيعة.
ويشار إلى أن التشيع أصبح حالياً يتمدد عبر الأسر، وفقاً لبعض الذين تحدثوا ل(عاين)، وهذا لا يستدعي حرجاً في الإفصاح لكن بالمقابل ربما يشير هذا الأمر إلى أن التحفظ الشديد في الدعوة للتشيع بحيث أن الأمر أصبح مغلقاً داخل بعض الأسر.
يقول عمر، إن الثقافة السودانية هي ثقافة شيعية وأن التشيع في السودان قديم منذ 500 عام وليس حديث عهد بإيران، وهذا الرأي يرتكز على ربط جماعة صوفية أطلق عليها إسم ”الزبالعة“ ظهرت في القرن السابع عشر في مناطق حول الجزيرة وسط السودان ومنطقة النيل الأزرق، البعض يتهمها بأنها جماعة شيعية بينما آخرون يذهبون إلى أن الزبالعة فرقة شيعية تعرضت لاضطهاد وشيطنة مبالغ فيها وهذا ما عرضه كتاب ”الإسلام الباطني في السودان“ لمحاسن زين العابدين.
كان ”الزبالعة“ يرفعون شعارات شيعية، وبحسب عمر عبد الله كانوا يقرون ما يعرف عند الشيعة بالشهادة الثالثة؛ أي أن يضيفوا في نداء الصلاة عبارة ”أشهد أن علياً ولي الله“.
تم إنتاج هذه القصة بدعم من المركز الدولي للصحفيين ICFJ و Code of Africa