الدين والدولة اشكالية البناء السليم في السودان
تقرير: عاين 28أبريل 2019م
بدأ الحديث عن علاقة الدين بالدولة منذ وقت مبكر، ويعد من أحد أسباب تأخر الدولة السودانية، تلك العلاقة المتبادلة والمتنازع عليها بينهما.وقد صار الحديث عنها جوهرياً في الحوار السياسي. وأصبح من الضرورة أن تقف الدولة مُحايدة تجاه كل مواطنيها، بالاحتكام الى العدالة في نظام ديمقراطي. وعلي الفرد الصالح أن يتربي في دولة علمانية، ففي السودان بدأ إدخال الدين في السياسة في عهد الرئيس الاسبق جعفر نميري، بفرض الأحكام السلطوية، وكسر القيم والأعراف والتقاليد المتعارف عليها تحت شعارات فِكر الإخوان المسلمين وارد أن يخلق من الفرد كائن خائر ومستكين لا يقاوم السلطة وجنونها. مستخدماً الإسلام أداة للقهر وبطش الناس.
ونشأت الدولة على معايير الدين الشكلي خالي الوفاض من كنهه الدين بجوهره المتسامي. وبدلاً أن يصير الدين هو القائد لمُعتنقه تحول إلى تنقيب ضمائر الناس! ظناً من دعاة الإسلام السياسي بأن ذلك سيعيد صياغة الإنسان. في أكبر تناسي لما تذخر به البلاد من تنوع، فساد التطرف وظهرت مكامن الإقصاء؛ وبدلاً من إعادة صياغة الإنسان تمت إعادة صياغة السودان.
الجذور والتدين يبتدر دكتور النور حمد حديثه مع (عاين) بفذلكة تاريخية.. وهي أن العالم مر بالحكومات الدينية في أوروبا. منذ القرون الوسطى إبان سيطرت الكنيسة والإقطاع مع الملكية. ملمحاً إلى أننا لم نكون بدعة من ذلك، “يعني أن تطورنا التاريخي يجعلنا لا نستطيع القفز فوق قدراتنا التي نتجت عن تراكم تاريخي، لذلك من الطبيعي جدا، ان الناس يروون في هويتهم الإسلام عروبية”. ويضيف بالنسبة الهوية تواجهنا اشكالية في معرفة الجذور التاريخية لثقافتنا، ومعرفة ماهية الشخصية السودانية ، لكن أن موضوع الدولة الدينية بدأ مبكرا، ويسترسل في القول يعتقد بعض المثقفين أن تعليمهم كان محدودا ولكن اطلاعهم على التاريخ العالمي معقول. وينبه بـ ان الاطلاع وحده ليس كافيا، المهم أن تطلع وتملك الحاسة النقدية، التي تجعلك تختار لنفسك خيارا صحيحا.قائلاً ” انا بعتقد انه لا مناص لأي دولة في العالم من أن تحكم حكما
حجر عثرة
يرجع النور حمد أسباب تأخر الدولة السودانية منذ الاستقلال في منتصف خمسينيات القرن العشرين’ الى عوامل أحدها العلاقة بين الدين والدولة، مُعتبرها من أهم الإشكالات التي أعاقت بناء الدولة في السودان؛ مطالباً الناس بفهم هذه الجزئية من ناحية تاريخية. ويتساءل حمد لماذا أصبح موضوع الدولة الدينية جوهرياً في الحوار السياسي السوداني؟. ويجيب في فترة ما بعد الاستقلال، بدأ الحديث عن الدولة الدينية؛ او ان تسمي السودان جمهورية اسلامية، وبرز هذا الى السطح علنية بعد خروج المستعمرين، أن يسمي جمهورية اسلامية، لحسن الحظ كان الاقتراح سقط، ثم وجد معارضة‘.
كاشفاً عن أن الدولة يجب أن تقف على مسافة متساوية من الجميع، “لا يمكن تكون أن الدولة عادلة، إلا إذا كانت دولة ديمقراطية- دولة تكفل الحرية، وتقف على مسافة متساوية من الجميع، من أهل الملل والنحل، داخل إطار الدولة القطرية التي تحكمها” ، واستطرد أن تكون مسلما تحتاج دولة علمانية، لأن الدولة الدينية بطبيعتها، لا تكفل حرية الضمير، بتنقيبها في ضمائر الأفراد، لأنها تفرض شئ من الخارج على الإنسان يكون ضد قناعته، الإنسان لا يولد بقناعة واحدة، ولا تستمر معه القناعة إلى نهاية حياته، الانسان يتغير يتطور وفهمه يتسع ويتعمق، لذلك من الطبيعي أن يصل الإنسان إلى الحقيقة عن طريق التأمل الذاتي والتجربة الذاتية، أي محاولة لإدخال القانون، وإدخال الدولة كمراقب للأفراد، فدور الدولة في ضبط الشارع العام، ليس عليها أن تنقب في ضمائر الأفراد‘.
“الإسلام التبسيطي”
يسرد حمد بدايات إدخال الدين في السياسية في فترة الرئيس الأسبق جعفر نميري، عندما تحالف مع الإخوان المسلمين “نحنا شاهدنا في فترة نميري قوانين سبتمبر، كان زعيم الإخوان المسلمين الترابي يرى أن القانون السوداني، قانون استعماري”، ولابد أن يبدل بالرؤية القانونية الاسلامية التي عليها الترابي ونميري. واصفاً الحديث الذي يدعو الى دولة اسلامية بالتبسيطي، لأنه يجهل مداخل التاريخ الانسانية و الكيفية التي نشأت بها القوانين. خاصة وأن القوانين في كل العالم تتشابه مما لا يعطي خصوصية لدولة دينية فيما يتعلق بالمجال العام. أما المجال الخاص فهو ببيوت الناس، وخلوتهم. وهي نفسها أدب متعارف عليه وفق الثقافة المسيطرة على الأمم في كل أنحاء العالم. لذلك أسلمة القوانين بالصورة التي جرت، والموجودة في فكر الإخوان المسلمين المتسلسلة في اوجه الشبه من حسن الترابي الذي لا يختلف كثيرا عن سيد قطب وحسن البنا. بأ” اعتبارهم مشتركون فكرة سلطوية قروسطية تريد أن تفرض سيطرة شاملة على الناس”. وهي فكرة قائده وراعية لارهاب الناس، ونزع الضمير منهم، وجعلهم مجرد تبع لسلطة خارجية تملي عليهم، وفي النهاية تخلق انسان خائر مستكين خاضع لا يقاوم السلطة، “احنا شوفنا ده في قانون النظام العام و في عهد نميري الذي طبق قوانين الشريعة الإسلامية في فترة حكمه، والشرطة تعطي سلطة لجلد النساء، والبشير بعد تلاتين سنة، يصرح أن قانون النظام العام للشريعة الاسلامية مية وتمانين درجة، أن الأمر كله تخبط، ما يفعل في السودان، لا يفعل في مصر المغرب لبنان، حتى في دول الخليج، باستثناء المملكة العربية السعودية”.
تصوير خاطئ للدين
يمضي حمد متحدثاً لـ(عاين) واصفاً المراقبة اللصيقة للأفراد بالهوس الديني بُغية الاستئثار بالسلطة (ابتلينا به)، جنون السلطة قادنا إلى تصوير الإسلام كأداة للقهر – البطش والسيطرة، وهو ما يتنافى مع الحقيقة. وزاد “انا اعتقد ان الثورة القائمة، انها ثورة اجتماعية اكثر من انها ثورة سياسية”. معرجاً الى الحديث حول مفهوم العلمانية باختلاف تطبيقاتها بالقول: العلمانية نفسها ليست شئ واحد، فعلى سبيل المثال، النظام الرأسمالي، نظام علماني، والنظام الاشتراكي، نظام علماني، كانت بينهما عداوة شديدة، العالم كان مقسوم لكتلتين شرقية وغربية إلى أن تفكك الاتحاد السوفيتي. وحتى داخل المنظومة الغربية الدولة في اسكندنافيا تختلف عن الدولة في انجلترا، والدولة في أمريكا النظام الديمقراطي،نفسه له إشكاليات مختلفة، من نظام رئاسي إلى نظام برلماني، لكن المسألة كلها في حيادية الدولة. أن تكون الدولة محايدة، لان الدولة لا دين لها، وهي جهاز إداري لتنظيم شؤون الناس، ليست لها ولاية على الأفراد في تربيتهم ، “الناس بتربوا في البيوت، وفق عقائد الامهات والاباء يتربوا في المجال العام المدني، في الكنائس والمساجد، ومعابد اليهود، إذا كانوا يهودا”. قائلاً: الدولة العلمانية مقصودة ان يكون عندك فصل بين السلطات، ان يكون هناك دستور، وهذا الدستور، هو الوثيقة التي توفق بين حاجة الفرد والجماعة، ولا تأخذ من حريات الأفراد إلا من القدر الضروري.
تناقض مشروع والثقافة
في الحديث عن العلمانية التي يجب أن تطبق في السودان’ يقول حمد لـ(عاين) العلمانية المتماشية في السودان عندها خصوصية ذو ارتباط بالارث ثقافي على أن تحكمها قيم السودانوية شارحاً ذلك في مثال” ” نحن مجتمع متكافل، الناس يدعمون بعضهم البعض ودي قيمة ممكن ندخلها في الدستور ونرعاها”. وهذه هو الفرق بيننا والمجتمعات الاخرى كالغربية النظام الرأسمالي جرفها أو أضعفها، فبقي الالتزام فردي يهتم بالملكية؛ والعلافات التكافلية غير قائمة. والحديث للنور حمد نحن نحن ممكن نتجه لمنحي اشتراكي بحكم طبيعة بيئتنا الثقافية وسن قوانين داخل دولتنا العلمانية وليس حذو الغرب الحافر بالحافر. علمانيتنا المبتغاه يجب أن تقوم على خلفية روحاني مشتركة بيننا نحن كشعوب سودانية. معزياً فشل الإسلام السياسي في السودان الى استيراد التجارب ومحاولة تطبيقها في بيئة غير مؤاتية لها لا ثقافياً ولا هوية. لذلك انتهج دعاته البطش والقوة ففر الناس من حولهم
المنهج وضرورة المرحلة
اما عن تناقض الاعمال مع الافكار يرى قال: حمد لـ(عاين) ’ تكمن مشكلة الإسلام السياسي في الاتجاهات السلطوية واينما وجد التسلط غابت الديمقراطية؛ التجربة السودانية اثبتت بما لا يدع مجالاً للشك ان الفكر الاسلامي ليست فيه أي فرصة للديمقراطية. ويقيس بذلك أحاديث قادة الاسلام السياسي عن الديمقراطية والحرية التي طرأت على السطح الخطابي بعد أن فقد الترابي السلطة. وهو نفسه لم يتحدث عنها في العشرية الأولية التي امتدت من (1989 ) إلى( 1999) وهو الذي كان مسيطرا واستن عدة اشياء أبرزها الحرب الدينية على الجنوب، وبيوت الاشباح، والقهر، ومصادرة الحريات، وفصل الناس من الوظائف، وتشريدهم، وكل صور القمع التي شاهدناها. يواصل حمد ’ممكن ان تدعو، ولا تخلط ذلك مع السلطة، يعني أن الدولة يجب ان لا تتدخل في شؤون الدين، يعني ان يكون عندك وزارة شؤون دينية، هي تبث خطاب رسمي، تفرضه علي الناس في المدارس، او تدخلو علي الناس في مناهج التعليم، ده كلو خطأ، ومحاولة لغسل الادمغة، ومصادرة حرية الناس، ومصادرة خياراتهم، ونحنا في عهد الانقاذ، مناهجنا اصبحت وهابية، وحتي فيها كلام ضد الأولياء، تخلق حرب دينية وفتنة داخل المجتمع، لمن تتدخل في عقائد الناس، بعدين الله خلق الناس كده، التنوع والتعدد هو افضل شئ في المجتمعات البشرية، والنظام الديمقراطي هو الذي يكفل التعدد، لذلك، انا اعتقد، ان الاسلام السياسي لم يعي الدرس بعد، وانا اعتقد انو ما عندو مستقبل الا اذا مشى في الخط الذي مشى فيهو الغنوشي‘.