الإغاثة في السودان.. من المسؤول عن تجويع ضحايا الحرب؟

 15 أغسطس 2024

منتدى الإعلام السوداني: غرفة التحرير المشتركة

إعداد وتحرير: صحيفة التغيير

في الوقت الذي تشير فيه بيانات الأمم المتحدة إلى تهديد الجوع لملايين السودانيين، تنفي حكومة الأمر الواقع في بورتسودان وجود مجاعة، وتشكك في دقة هذه البيانات.

يتجلى هذا التباين في تصريحات المسؤولين من جهة وواقع الظروف المعيشية الصعبة التي يعانيها السكان من جهة أخرى، تقول مسؤولة المكتب الإعلامي لغرفة طوارئ شرق النيل هند الطائف في حديثها لـ(التغيير) أن الأزمة الغذائية في الخرطوم قد تفاقمت بشكل كبير منذ بداية الحرب .”فقد أدى نقص المساعدات الغذائية إلى الاعتماد الكامل على المطابخ التكافلية والسلال الغذائية التي تُشْتَرَى من الأسواق المحلية. زيادة على ذلك، تعتمد العديد من الأسر على دعم أبنائها وأقاربها في الخارج لمواجهة أعباء الحياة المتزايدة”.

وأكدت الطائف أن الأسعار في الأسواق تشهد زيادة كبيرة بشكل يومي، مما يعمق أزمة الغذاء، ويزيد معاناة المواطنين. علاوة على ذلك، كشفت عن بيع مواد غذائية منتهية الصلاحية في الأسواق، مما أسفر عن عدد من حالات التسمم، خاصة في محلية شرق النيل.

رد الحكومة

في المؤتمر الصحفي الذي عقد هذا الشهر، بالعاصمة الإدارية بورتسودان، قلل وزير الزراعة أبوبكر البشري من خطورة الوضع، وأشار إلى أن عدد المتضررين ليس كبيرًا مقارنة بإجمالي السكان، وبالتالي لا يمكن وصف الوضع بالمجاعة. وعبّر البشري عن شكوكه في أرقام الأمم المتحدة التي تفيد بأن 755 ألف شخص يعانون الجوع الشديد، كما أبدى تحفظه على قدرة الخبراء على جمع البيانات في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.

مواد إغاثية في مدينة بورتسودان

ورفض فكرة أن تتجاوز منظمات الإغاثة القيود المفروضة على توصيل المساعدات عبر الحدود، كما جدد رفض الحكومة فتح الحدود لمرور المساعدات، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى فتح ممرات مع دول معادية أو مناطق تحت سيطرة قوات الدعم السريع.

اتهامات

بدوره اتهم مستشار قائد قوات الدعم السريع، نزار سيد أحمد، الجيش بالتحكم الكامل في دخول المساعدات الإنسانية ومنع وصولها إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وذلك كعقاب جماعي للمدنيين في تلك المناطق. وأشار إلى تصريحات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في منطقة الدبة، التي أعلن فيها منع دخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة قوات الدعم السريع. وقال لـ(التغيير): من بين الأساليب المستخدمة لتحقيق ذلك، كانت عدم منح أذونات دخول للعاملين في المجال الإنساني وحرمانهم من التأشيرات، بالإضافة إلى فرض قيود أخرى متعمدة.

أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية إبراهيم كباشي في مقابلته مع (التغيير) اعتبر أن التصريحات التي أدلى بها وزير الزراعة حول إغلاق الحدود أمام المساعدات الإنسانية في هذا الوقت غير مناسبة، وأكد أن من الضروري تبني خطاب دبلوماسي يتناسب مع الوضع الراهن، حتى وإن كانت هناك تحفظات حول استخدام العمليات الإنسانية كمدخل للتسليح،.وأردف : رغم أن هذه التحفظات قد تكون مبررة، إلا أن الرسائل التي تُوَجَّه يجب أن تُعبر بلغة تأخذ في اعتبارها المواطنين.

إجراءات الجيش وتأثيرها في الأزمة

الأمم المتحدة أكدت أنها مضطرة لاحترام، أمر الجيش بعدم العبور، مما يضطر شاحنات المساعدات للسفر مسافة تزيد عن 300 كيلومتر شمالاً إلى معبر “الطينة”، الذي تسيطر عليه “ميليشيا” متحالفة مع الجيش السوداني، حيث يُسمح لها بالوصول إلى دارفور. وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.

وقال التقرير إن الجيش “يعمّق أزمة الجوع بين المواطنين، بمنعه إدخال كميات هائلة من المساعدات المرسلة من الأمم المتحدة عبر المعابر الحدودية”.

ونقلت الصحيفة عن جماعات إغاثية أن هذه المساعدات ضرورية لمنع حدوث آلاف الوفيات، وإن رفض إدخال المساعدات من مثل هذه المعابر يؤثر في ما لا يقل عن 2.5 مليون سوداني.

واعتبرت أن التذرع بتهريب الأسلحة “لا معنى له”، إذ يمكن أن تستمر الأسلحة والمقاتلون في التدفق للسودان، الذي يمتلك حدودا في تلك المنطقة طولها أكثر من 1400 كيلو متر، حيث تسيطر قوات الدعم السريع على العديد من نقاطها.

عقبات

“الطائف” اعتبرت أن الجيش ليس وحده من يعرقل وصول المساعدات الإنسانية، بل الطرفين، قوات الدعم السريع والقوات المسلحة، من خلال منع دخولها للبلاد، أو الاستيلاء عليها، أو حتى مصادرتها والتضييق على المتطوعين العاملين في غرف الطوارئ والمنظمات الإغاثية.

محصولات زراعية في سوق بولاية النيل الازرق

إحدى مشاكل النزاع الحالي في السودان، هي العبث بالأزمة الإنسانية، حيث تُستخدم الأوضاع الإنسانية كوسيلة للمساومة مع المجتمع الدولي والمحلي، كما رأى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، وقال: من المؤسف أن الوضع الإنساني أصبح جزءًا من الاستراتيجية العسكرية والسياسية، متجاهلاً حقوق المدنيين الأساسية في الحصول على الغذاء والمأوى خلال الصراع، واعتبر أن الأزمة الإنسانية تتفاقم بشكل متسارع، مع وجود مؤشرات على مجاعة محتملة، رغم بعض الأخبار الإيجابية من مناطق الإنتاج، إلا أن الموارد الأساسية تتعرض للاستغلال من قبل الأطراف المتنازعة لتعزيز مواقعهم العسكرية، مما يزيد معاناة المدنيين.

مصير المعونات

على قلتها، نشأت أسواق سوداء لبيع المساعدات الإنسانية، من قبل التجار، منسق مبادرة “نساء ضد الظلم” إحسان عبد العزيز، أكدت لـ(التغيير) أن المجموعة اهتمت مبكرًا بقضية المساعدات الإنسانية وأهمية وصولها إلى المناطق المتأثرة بالحرب عبر فتح الممرات الآمنة، كما أجرت حوارات مستمرة حولها، وراقبت ما يحدث من فساد وبيع في الأسواق رغم ندرتها، وتابعت. “في 20 نوفمبر 2023، خلال انعقاد مؤتمر القضايا الإنسانية، بالقاهرة، وجهت المجموعة برقية أكدت فيها معوقات وصول الإغاثة إلى مستحقيها، وأشارت المجموعة إلى الفساد وضعف التمويل لمنظمات الإغاثة العاملة في السودان.”

وفي ردها على سؤال (التغيير) عن مصير المساعدات، قالت الطائف “نحن لا نعرف حقيقةً أين تذهب الإغاثات. رأينا صوراً لبيعها في بعض الولايات، واستيلاء بعض القوات عليها، ولكن لا نعرف إن كانت قد استخدمت أم لا، وإذا كانت قد استخدمت، فإننا لا نملك فكرة عن مكان استخدامها أو كيفية ذلك”

مستشار قائد الدعم السريع أكد أن عمليات بيع المساعدات من قبل الجيش تمت بالفعل في بورتسودان وشمال السودان، وقد ضبط الدعم السريع كميات من المساعدات في تشوين القوات التي قام بأسرها في مناطق بحري، وبرأ سيد أحمد الدعم السريع من استخدم أي مساعدات لأنها في الأصل لم تصل إلى مناطق سيطرته، واعتبر أن الجيش هو من حول المساعدات لتغذية قواته في المعسكرات التي فتحها للمجاهدين وكتائب الحركة الإسلامية.

ولم يتسن لـ(التغيير) الحصول على رد من الناطق الرسمي باسم الجيش رغم الاتصال به.

تأثيرات جنيف

بشأن مفاوضات “جنيف”، أشار سيد أحمد إلى أن المباحثات التي كانت تعنى بالشأن الإنساني لم تفشل بدليل دخول طرفي الصراع في محادثات مباشرة مع الأمم المتحدة واتفاقهم على عدد من النقاط المهمة التي رُفِعَت إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

أما دكتور كباشي، فقد أوضح أن مفاوضات “جنيف” شهدت تغييرات كبيرة، حيث يُنظر إليها الآن وكأنها تتعامل مع صراع بين دولتين أكثر من كونها مجرد مجموعة من الأطراف المتنازعة، ورأى أن هذا التوجه يُعتبر مؤشراً خطيراً على تعقيد الصراع.

واعتبر كباشي أن الملف الإنساني في جنيف، خضع لاعتبارات أمنية وسياسية أكثر من خضوعه للاحتياجات الحقيقية للمجتمع السوداني. وذكر أن عدم مراعاة تلك الاحتياجات في جنيف يعد فشلًا في إدارة الحرب بأبعادها الأخلاقية الإنسانية؛ مما دفع بالقوة الراعية للمفاوضات إلى ضرورة اتخاذ خطوات جديدة تركز على معالجة جذور الأزمة.

ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني

#ساندوا_السودان

#Standwithsudan

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *