هل بات السودان في قلب ساحة حرب إقليمية؟

عاين- 8 مايو 2025

بشكل متسارع، تنتقل الحرب في السودان إلى الأجواء بعدما دار رحاها في الميادين لعامين، في تطور كبير لمسار الصراع، وسط ترجيحات بدخول أطراف دولية وإقليمية في خط المواجهة المباشرة، وتنفيذ ضربات جوية على مدينتي نيالا الخاضعة إلى سيطرة قوات الدعم السريع، وبورتسودان التي يسيطر عليها الجيش.

ولم يمض طويلاً على قصف جوي استهدف مطار نيالا وتدمير عتاد عسكري لقوات الدعم السريع حسب ما أعلنته واجهات إعلامية مساندة للجيش، جرى ضرب مدينة بورتسودان شرقي البلاد بطائرات مسيرة، وتستمر الضربات على مدار أسبوع متواصل، حيث طالت المستودعات الاستراتيجية للوقود، ومطار بورتسودان الدولي وقاعدة للجيش في المنطقة، وميناء سواكن البحري، وفندق كورال مارينا.

ومنذ اندلاع الحرب، ظل الجيش السوداني يتهم الإمارات بدعم قوات الدعم السريع، بينما تتهم قوات الدعم السريع إيران ومصر بدعم الجيش، وتزويده بالأسلحة النوعية والطائرات المسيرة التي أحدثت فارقاً في العمليات العسكرية، ومكنته من استعادة السيطرة على ولايتي الجزيرة وسنار، وتحقيق تقدم كبير في العاصمة الخرطوم، وفق ما قاله قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان “حميدتي” في خطابات صوتية مسجلة.

فرضية الدعم الخارجي لطرفي الحرب في السودان إن صحت حسب زعم الطرفين، فإنها كانت سرية، لكن مع تطاول أمد الحرب بدت تلك التدخلات تأخذ الطابع العلني، وهو ما يستشف من الضربة الجوية الدقيقة التي استهدفت مطار نيالا وعدة مواقع في مدينة بورتسودان ومدن أخرى خاضعة إلى سيطرة الجيش، والتي يُتهم على نطاق واسع الحلفاء الإقليميين لطرفي الحرب التورط فيها بشكل مباشر.

ولم تدل قوات الدعم السريع بأي تصريحات حول استهداف مطار نيالا، لكنها تبنت العمليات العسكرية بالطائرات المسيرة على بورتسودان والمدن السودانية الأخرى، وفي المقابل اتهم مجلس الأمن والدفاع الإمارات بشن عدوان على السودان من خلال دعمها لقوات الدعم السريع بالأسلحة المتطورة والاستراتيجية، وقرر خلال اجتماع ترأسه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان هذا الأسبوع قطع العلاقات الدبلوماسية مع أبو ظبي.

بينما قالت الخارجية الإماراتية في بيان صحفي إنها “لا تعترف بقرار سلطة بورتسودان، باعتبار هذه السلطة لا تمثل الحكومة الشرعية للسودان وشعبه”، كما ظلت أبو ظبي تنفي على الدوام التهم الموجهة إليها بدعم قوات الدعم السريع.

البرهان لم يحسم أمره تجاه الإمارات وربما يحتفظ بورقة أخيرة للتخلص من الإسلاميين

باحث في الاقتصاد السياسي

“قطع العلاقات بين السودان والإمارات وفق بيان مجلس الدفاع المشترك برئاسة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لن يطبق على الواقع لأسباب كثيرة”. يقول الباحث في الاقتصاد السياسي محمد كمال، لـ(عاين). ويضيف: “تصريحات البرهان حول هجمات بورتسودان لم تتطرق إلى الإمارات، وظل البرهان متحفظا، ولم يندفع إلى مهاجمة السلطة الحاكمة في أبوظبي وكأنه يحتفظ بورقة أخيرة بالتخلص من الإسلاميين والتقارب مع المملكة العربية السعودية والإمارات”.

ويقول محمد كمال: “قائد الجيش السوداني أمامه فرصة واحدة بعد أن لعب على التناقضات طيلة السنوات الخمسة الماضية ما بين المدنيين المؤيدين للديمقراطية وما بين الإسلاميين وما بين الجماعات المسلحة.. عليه أن يتخلص من الإسلاميين الرافضين لوقف الحرب والذهاب إلى التفاوض؛ لأن الحكومة لا يمكنها مواجهة انهيار سلاسل ومخازن الوقود وتوقف الملاحة الجوية والبحرية مهما امتلكت من أنظمة حماية عسكرية”.

ماذا تريد الإمارات من السودان؟

في العام 2022 كادت الإمارات أن تقترب من الاستحواذ على موانئ في البحر الأحمر على الساحل السوداني في العام 2022 أبرمت صفقة مع جنرالات الجيش قبل أن تتبدد أحلامها إثر اندلاع الحرب في أبريل 2023 عقب توسع نفوذ الإسلاميين داخل الجيش.

تعهدات أبوظبي في ذلك الوقت بلغت ستة مليارات دولار للوصول إلى موانئ “أبي عمامة” على الساحل السوداني بالبحر الأحمر، وتمكنت إلى حد كبير في العام 2021 من ترويض الجماعات القبلية التي تثير التوترات بالتحالف مع قادة الجيش والدعم السريع وبعض زعماء العشائر في بورتسودان.

البرهان في الامارات – ارشيفية

تحولت العلاقة بين تيار داخل الجيش السوداني يقوده عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ياسر العطا والإمارات العربية إلى النقيض خلال الحرب التي اندلعت بين القوات المسلحة وقوات حميدتي الجنرال الذي يحظى بدعم من أبوظبي، وتشير تقارير دولية موثقة إلى تلقيه الأسلحة والإمداد والحماية الدبلوماسية في مجلس الأمن الدولي.

ويقول الباحث الاقتصادي محمد الحاج لـ(عاين): إن “الثروات التي تبحث عنها الإمارات في السودان بدأت خلال العام 2015 بالاتفاق على استخدام 5 مليون فدان وسط البلاد مع نظام البشير إلى جانب الموانئ التي تعتبر حلقة الوصل بين الموارد المنتجة محليا في السودان إلى السوق العالمي تحت سيطرة الشركات الإماراتية”.

ويتابع الحاج: إن “الطموح الإماراتي في السودان يصطدم بالإسلاميين الراديكاليين إلى جانب القوى المؤيدة للديمقراطية التي تقف على النقيض من الطرفين خاصة القوى الراديكالية تجاه الأطماع الخليجية والدولية”. ويزيد:”التقارير الدولية تشير إلى أن تمويل الإمارات لقوات الدعم السريع خلال الحرب ضد الجيش السوداني قرابة 2.5 مليار دولار وهذه الأموال نظير موارد تحقق لها ما لا يقل عن 12 مليار دولار خلال عامين فقط إذا استحوذت على الموانئ والصمغ العربي والأراضي في السودان”.

ساحة صراع إقليمي

وكانت وزارة الخارجية السودانية أكدت الأربعاء السادس من مايو 2025 أن الجهات الحكومية والعسكرية حصلت على معلومات موثقة حول مصادر المسيرات والأسلحة المستخدمة في هجمات بورتسودان ودعت الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية إلى التحرك العاجل لوقف ما أسمته بـ”الإرهاب الدولي” والعدوان على السودان.

ويرى المحلل الدبلوماسي معتز علي أحمد في حديث لـ(عاين) أن قدرة الحكومة السودانية على مكافحة هجوم المسيرات بالمدن الآمنة نسبيا ضعيفة، وتصل مرحلة العجز؛ لأن الإدانات الصادرة من المملكة العربية السعودية ومصر والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لم تمنع الهجوم لليوم الخامس على التوالي فجر الخميس الثامن من مايو الجاري.

ويرى الخبير في شؤون القرن الأفريقي خالد طه، أن السودان بات يتحول تدريجياً إلى ساحة صراع إقليمي ودولي، متوقعا أن تكون المواجهات مباشرة، وليست بالوكالة، لافتاً إلى أن تعدد وبروز دور الفاعلين المؤثرين في حرب السودان لم يبدأ الضربات الجوية وحدها، ولن يقف عندها، فالأمر –حسب تقديره، متصل بتقاطعات المصالح والاصطفافات الإقليمية والدولية، وسيفرز نموذجا جديدا غير الذي نتج في ليبيا واليمن؛ وإن جاء فيه بعض التشابه”.

ويقول طه خلال مقابلة مع (عاين): إن “تطورات الوضع خاصة في بورتسودان قد تقود إلى نقض أو إعادة ترتيب الاصطفافات مع وضد. لكنها ستحمل معها تناحرات تحول الحرب داخليا إلى حرب مجتمعات، وستضاف لها أجندة أخرى متصلة بالسيطرة على الموارد والنفوذ السياسي ومد جسور التواصل مع قوى خارجية من كل الأطراف المسلحة، ولن يصبح الأمر في أيدي الجيش والدعم السريع فقط”.

انفجار مستودعات وقود قرب ميناء بورتسودان- الصورة مواقع التواصل الاجتماعي

يلفت طه الانتباه إلى أن قوات الدعم السريع لم يكن لها حضور أو نشاط عسكري مرئي في الشرق منذ اندلاع الحرب، وهذا لا ينبئ عن تغيير في ميزان القوة بقدر ما يشير إلى انتقال في أدوات المواجهة، وانتقاء لمكان وأثر الضربات الجوية، بالقدر الذي يشير إلى أنه لم يعد هناك بعدا آمن.

“ما يثير الشكوك بشـأن تدخل خارجي في الهجمات الجوية على بورتسودان، هو دقة ضرب الأهداف والذي بحاجة إلى طائرات حديثة ومتطورة، لا تنطلق إلا من خلال قواعد مجهزة خصيصاً لها، وذلك يعززه ما صرح به مدير فندق كورال مارينا ببورتسودان لوسائل إعلام في السودان، والذي قال إن فندقه تم استهدافه بواسطة صاروخ، وليس طائرة مسيرة. وتحتاج الصواريخ إلى منصات إطلاق محددة”. يقول طه لـ(عاين).

وبحسب مصدر رفيع تحدث لـ(عاين) فإن فندق كورال مارينا كان المقر الدائم لإقامة نائب قائد الجيش السوداني شمس الدين كباشي، لكن تم نقله منه قبل فترة قليل من استهدافه بصاروخ الأسبوع الماضي.

إذا لم تفتح قنوات تفاوض حقيقية في ظل حياد إقليمي ودولي، فإن السودان قد يتحول إلى بؤرة استنزاف شبيهة باليمن أو ليبيا

محلل سياسي

ويرى المحلل السياسي مجاهد عبد الله، بأن الذي يجري من صراع في السودان بعد التطورات الأخيرة في نيالا وبورتسودان يكشف عن مشهد إقليمي متداخل، يتجاوز الحسابات السودانية الداخلية، وهذا السياق يعيد إلى الأذهان نمط الحروب بالوكالة، ولكن ربما يتطور إلى مواجهات مباشرة بين أطراف إقليمية في مسرح البلاد.

ويعتقد عبد الله الذي تحدث مع (عاين) أن الاستهداف المستمر لبورتسودان، كأنه يحمل طابعاً استفزازياً من حلفاء قوات الدعم السريع إلى حلفاء الجيش السوداني الإقليميين خاصة تركيا وإيران، بغرض جرهما بشكل مباشر إلى المشاركة في الحرب في السودان، حيث يعتقد أنها نفذت الضربة الجوية الدقيقة على مطار نيالا، وما سببته من خسائر لقوات الدعم السريع.

السيناريو الأرجح هو تحول السودان إلى ساحة صراع مفتوح بالوكالة بين قوى إقليمية متنافسة بين الإمارات وتشاد وكينيا، والتي تتهمها حكومة بورتسودان بدعم الدعم السريع لوجستيا وعسكريا في مقابل مصر وتركيا وإيران، والتي يتهمها الدعم السريع بدعم الجيش السوداني أيضا لوجستيا وعسكريا. وفقا لـ(عبدالله). الذي تابع في مقابلة مع (عاين): “إذا لم تفتح قنوات تفاوض حقيقية في ظل حياد إقليمي ودولي، فإن السودان قد يتحول إلى بؤرة استنزاف شبيهة باليمن أو ليبيا، ولكن بامتداد جغرافي أخطر، وبقابلية أكبر للانفجار الدولي والقوى الإقليمية، وإن بدت مدفوعة باعتبارات أمنية أو استراتيجية، فإنها تقترب من مرحلة كسر التوازن، ما يهدد بحرب مفتوحة لا تبقي ولا تذر”.

نقل مسرح العمليات إلى شرق السودان، هو نتيجة تخطيط وترتيب مسبق، وسيمتد تأثيره في الملاحة البحرية، وأمن البحر الأحمر

خبير في شؤون القرن الأفريقي

بينما يشير الخبير في شؤون القرن الأفريقي خالد طه، إلى أن نقل مسرح العمليات إلى شرق السودان، هو نتيجة تخطيط وترتيب مسبق، وسيمتد تأثيره على شبكات الاتصالات المحلية والدولية، وعلى الملاحة البحرية، وعلى أمن البحر الأحمر وأنشطة تجارة وتهريب السلاح، والتدخل الأجنبي، وتنامي الجريمة المنظمة، فضلا عن سباقات التسلح المحلية عبر مختلف المصادر، وأنشطة الاستخبار الدولي، وربما الجنوح نحو تسديد ضربات خارجية ضد الدول المصنفة ضمن دول العدوان، أو ضرب مصالحها في المنطقة على الأقل.

ويشير طه إلى أن بورتسودان ليست مجرد مدينة ساحلية، بل تمثل بوابة السودان البحرية وعصب الإمداد التجاري والإغاثي. ينعكس أي تهديد لها مباشرة على الأمن في البحر الأحمر، خصوصاً في ظل التوترات الممتدة من باب المندب إلى قناة السويس وخليج العقبة.

ولمنع مزيد من التدهور يتوجب وقف إطلاق نار شامل في السودان، مع ضمانات دولية جدية، يرافقه مسار تفاوضي لا يستثني أحداً، وتعزيز الحضور الإقليمي عبر آلية حيادية – قد تكون من قبل الإيقاد أو الاتحاد الإفريقي – لمنع الانزلاق إلى حرب مباشرة أو بالوكالة، وضبط تدخلات الدول التي تؤجج الصراع، وضمان أن يكون البحر الأحمر منطقة آمنة وخالية من الصراع، وعلى قوى المدنية السودانية أن تعيد توحيد صفوفها وتضغط باتجاه حل سياسي حقيقي، لا مجرد ترتيبات أمنية، وفق ما ختم به خالد طه حديثه لـ(عاين).

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *