كيف تخطط دول الجوار الإقليمي للتأثير على مسار الثورة السودانية؟
تقرير: عاين 27 نوفمبر 2019م
منذ اعلان إسقاط حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير قدمت الدول الخليجية برئاسة المعسكر السعودي إلى جانب دولة الإمارات ومصر، حوالي ٣ مليار دولار خلال الفترة الماضية، مما فتح الباب واسعا امام حقيقة التحالفات الإقليمية للسودان وتأثيرها على مسيرة الثورة السودانية. ويعتقد كثيرون ان الدول الثلاث تساند تمدد وتوسيع المكون العسكري في الحكومة الإنتقالية ودعم سيطرته على الفترة الإنتقالية وما بعدها.
دعم سخي
بحسب تصريح لسفير سعودي سابق، بلغت الاستثمارات السعودية بالسودان إلى أكثر من 12 مليار دولار حتى أكتوبر 2018، في شهر مايو الماضي أكدت الرياض إنها حولت 250 مليون دولار أمريكي للبنك المركزي السوداني، لتخفيف الضغط على العملة المحلية، وكذلك كشف رئيس مجلس الغرف السعودية، سامي العبيدي، أن حجم التبادل التجاري بين الرياض والخرطوم في العام السابق نحو 4.6 مليارات ريال سعودي، 1.2 مليار دولار أمريكي، القطاع الخدمي يستحوذ على النسبة الاعلى. وأكد وزير الصناعة والطاقة الإماراتي سهيل المزروعي إن هدف الزيارة الاخيرة للسودان، الي تنمية السودان عبر القطاع الخاص السوداني الإماراتي، وتعزيز اقتصادها، ثم جعله بيئة جاذبة للمستثمرين، يؤكد وزير المالية السوداني ابراهيم البدوي، أن زيارة الإماراتيين هدفت إلى دفع العمل الاقتصادي بين الطرفين، وتحفيز قطاعه الخاص بين الخرطوم وابوظبي، من التسريع في المشاريع المشتركة.
مصالح مشتركة
القيادي في قوى الحرية والتغيير، خالد عمر سلك، يوضح لـ(عاين) أن السلطة الانتقالية ورثت تركة ثقيلة من النظام البائد، يتمثل جزء منها في إفساد علاقات دول الجوار الإقليمي، ويقول ان الحكومة الانتقالية تضع على عاتقها إصلاح ما أفسدته السلطة السابقة، والسعي إلى إقامة علاقات جوار إقليمي تقوم على قاعدة المصالح المشتركة لشعوب المنطقة، وفي ذات الوقت تحفظ السيادة الوطنية للدولة، ويضيف خالد في هذا السياق جاءت زيارات وفود حكومية متعددة لدول الجوار الإقليمي، من ضمنها المملكة العربية السعودية التي لها علاقات قوية مع السودان، والعمل على تنقية ما علق من شوائب في العلاقات، والحوار، وبحث القضايا المشتركة بين البلدين بكل ما فيها من تعقيدات وملفات صعبة، ويكشف ان المملكة العربية السعودية قدمت دعما سخيا للسلطة الانتقالية، وانه أمر تشكر عليه المملكة، ويمثل اشارة ايجابية إعادة تأسيس العلاقة بين البلدين، على أساس جديد يتجاوز عداوات الماضي التي تسبب فيها نظام البشير المعزول.
ضغوط لصالح العسكر
بينما يؤكد المحاضر في الجامعة الامريكية بالقاهرة، دكتور حامد علي، أن الدولة السودانية منهكة اقتصاديا، ويقول حامد ل(عاين) انها تجتهد للحصول على الموارد، ويطالب بوضع التدابير للعبور الى بر الامان في هذه الفترة، هناك ضغوط من بعض دول الجوار لصالح المجلس العسكري، هذا يضعف مرحلة الانتقال السياسي بعد الثورة، ويكرس الأوضاع المأزومة في البلاد، بعد سقوط نظام المؤتمر الوطني من سدة الحكم.
وينصح علي، الحكومة الحالية أن تتبع سياسة خارجية متزنة، تقف على مسافة واحدة من كل الأطراف، تبني العلاقات بين الشعوب على المصالح، التي تعتبر من هموم وأهداف الثورة السودانية، الحكومة الانتقالية نجحت في إحداث حراك دبلوماسي مقبول.
من جانبه يؤكد دكتور محمد زكريا الناطق الرسمي باسم الجبهة الثورية، ان تركه المؤتمر الوطني البائد تمثل تركة ثقيلة على الوطن، والعديد من الملفات التي تحتاج إلى تدبر، واتزان، وكيفية معالجة هذه الاختلالات، ويقول لـ(عاين)، واشار الى ان زيارة رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء، الى دولة الامارات العربية المتحدة، كانت تلبية لدعوة قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، كانتا من الدول الأوائل التي أعلنت وقوفها إلى جانب الشعب السوداني، ودعمت الثورة الظافرة وحكومته الانتقالية لتحقيق الأمن والاستقرار، لافتا الى ان النظام السابق خلف تركة من الديون الخارجية تفوق الخمسين مليار دولار، ووضع اسمه في القوائم السوداء، وقوائم الإرهاب، أن دول الجوار الإقليمي المملكة العربية السعودية الإمارات العربية المتحدة أن تلعب دور في هذا الجانب، وتسهم ايجابا في رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.
ويشير زكريا، الى ان بقاء السودان في قائمة الإرهاب يعيق السودان في الحصول على تمويل من بيوتات التمويل الدولية، مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، لافتا الى ان دول الجوار الإقليمي يمكن أن تساعد الحكومة الانتقالية في استرداد الاموال التي نهبت ووضعت في البنوك الخارجية، والاقتصاد السوداني أقعدته الحروب، وانهكه الفساد، وتحتاج إلى عون وسند ودعم المجتمع الدولي والإقليمي، ودول الخليج العربي لما تمتلكه واستقرار اقتصادي يمكن أن يسهم في دعم الاقتصاد السوداني، بإنشاء المشاريع الاقتصادية التي تعود بالفائدة لكل الأطراف.
القاهرة مع العسكر
عضو لجان المقاومة بمحلية شرق النيل،محمد علي، يقول أن مسيرة الثورة في السودان تواجه عقبات من بعض الدول التي لها مصالح، ويضيف علي لـ(عاين) ان دولتي قطر ومصر، كل منهما ينظر للسودان أنه حليف استراتيجي في الوقت الراهن والمستقبلي، الدوحة لا تريد زوال نظام الإخوان المسلمين نهائيا، أما القاهرة تعتبر التنظيم مهددا لحكم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.ويشير علي الى ان قطر بتأثيرها المالي والإعلامي قد تلعب هذا الدور في الخرطوم، حتى بعد سقوط النظام الإخواني، من جانب آخر دعم القاهرة العلني للعساكر في الفترة الانتقالية. ويتوقع علي، ان تقع في نهاية الأمر الثورة ضحية لمصالح هذه الدول التي تريد أن تحقق مصالحها، على حساب مصالح السودانيين الذين أسقطوا النظام السابق.
مرونة مطلوبة
يكشف الكاتب عماد عنان ليست الازمة الاقتصادية وحدها التي تواجه السلطة الانتقالية أو المشاركة في حرب اليمن، بل هناك ملفات حملها البرهان وحمدوك إلى المملكة العربية السعودية، هناك ملفات أخرى تقلق حكومة السودان، من أبرزها المساعي لرفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وحث الرياض أن تلعب دور ايجابي في هذا الجانب، نسبة للعلاقة الجيدة بين الرياض وواشنطن في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، يضيف عماد ان الشعارات التي رفعها الثوار، من الاستقلالية وعدم التبعية، وسحب الجنود المشاركة في الحروب الخارجية، وإعلاء مصلحة الوطن، يشير إلى أنها اليوم في مواجهة صعبة مع المصالح التي تقتضي المرونة بعض الشيء، لأنها تتصادم مع شعارات الثورة، أن الدولة تتعامل بمرونة للحصول على الدعم والمساعدات لإنقاذ الوضع الاقتصادي.