أكثر من (31) ألف لاجئ سوداني يواجهون الجوع والمرض بأوغندا

عاين – 12 سبتمبر 2024

نجا أمجد حسن وأسرته من نيران الحرب في ولاية الجزيرة أواسط السودان، ووصل إلى دولة أوغندا بعد رحلة لجوء قاسية أنفق خلالها كل ما تبقى له من مدخرات مالية، لكنه اصطدم بواقع أكثر مأساوية، في المخيم الذي يقيم به مع الآلاف وسط نقص في الغذاء والرعاية الصحية، والإيواء وظروف طقس استوائي ممطر طوال العام.

توقفت حصة غذاء محدودة كان يعتمد عليها حسن، وصار في مواجهة الجوع، فهو لا يملك سبيلاً للإنتاج أو تحقيق أي نوع من الكسب المالي في الوقت الراهن، كما لا يمكنه الحصول على أي مساعدات من أقاربه العالقين في السودان، فهم يعيشون أوضاعاً إنسانية وظروف اقتصادية مماثلة، وفق ما يرويه لـ(عاين).

أكثر من 31 ألف لاجئ سوداني، يقيمون في مخيم “كرياندنقو” شمالي العاصمة الأوغندية كمبالا، يهددهم خطر الجوع، بعد أن قلص برنامج الغذاء العالمي المساعدات الإنسانية

المصير نفسه يواجهه أكثر من 31 ألف لاجئ سوداني، حسب حصيلة رسمية، يقيمون في مخيم “كرياندنقو” بمنطقة بيالي التي تبعد نحو 200 كلم شمالي العاصمة الأوغندية كمبالا، حيث يهددهم خطر الجوع، بعد أن قلص برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة المساعدات الإنسانية المقدمة لهم، في ظل انعدام فرص العمل والكسب المالي.

حصار الجوع
لاجئون سودانيون بأوغندا

وبدأ إيواء اللاجئين السودانيين في المخيم، في ديسمبر من العام 2023م، وكان برنامج الغذاء يقدم حصة غذائية للفرد الواحد في الشهر، تشمل 12 كيلوغرام من عيش الريف، و3 كيلوغرامات جنجارو، و500 جرام ملح طعام، ولتر زيت طعام، لكنه خفضها تدريجيا إلى 60 بالمئة؛ ومن ثم إلى 30 بالمئة فقط بعد مضي 6 أشهر، قبل أن يستبدلها بمبالغ نقدية رمزية ستخضع لخطة التخفيض كذلك، وفق ما أبلغ به موظفي الصرف، اللاجئين في المخيم.

وجرى تنفيذ خطة خفض المساعدات الإنسانية في مخيم كرياندنقو، رغم اعتراضات مجتمع اللاجئين السودانيين في المنطقة كونه يقود إلى الجوع ومزيد من المعاناة وسط الفارين من نيران الحرب، بينما تكافح مطابخ مجانية أنشأها متطوعون بإمكانات محدودة، لرفع بعض مآسي اللاجئين مع الغذاء.

برنامج الغذاء العالمي استبدل المواد الإغاثية بمبالغ نقدية نحو 3.5 دولار للفرد في الشهر، وهو دعم قليل مقارنة بالحاجة الفعلية

لاجئ سوداني

“استبدل برنامج الغذاء العالمي المواد الإغاثية بمبالغ نقدية نحو 3.5 دولار للفرد في الشهر، وهو دعم قليل مقارنة بالحاجة الفعلية، مما ساعد على انتشار الجوع في مخيم كرياندنقو”. يقول اللاجئ السوداني بمخيم كرياندنقو أمجد حسن لـ(عاين).

ويروي حسن أنه غامر بمغادرة السودان بعد سقوط مدينة ود مدني في يد قوات الدعم السريع نتيجة لانتفاء فرص البقاء والعيش وسط هذه المجموعات المسلحة، وتوجه إلى أوغندا ظناً منه أنها ستشكل له طوق نجاة، لكنه وجد واقعاً صعباً للغاية، إذ تلقى مساعدات شحيحة لا تكفي حاجته.

ويقول في حديثه لـ(عاين): “أنفقت المبالغ كلها التي تمكنت من الخروج بها من منزلي بمدني، في تكاليف السفر إلى أوغندا، وكانت المساعدات الغذائية العينية رغم قلتها تساعدنا على حياة بسيطة، ولكن بعد وقفها تضاعفت معاناتنا بصورة كارثية، فهناك لاجئون بالكاد يحصلون على وجبة واحدة في اليوم”.

حصار الجوع
لاجئون سودانيون بأوغندا

ويضيف: “استبدلت حصص الغذاء بمبالغ مالية بسيطة وهي 14 ألف شلن، نحو 3 دولارات ونص أمريكي للفرد الواحد في الشهر، في حين هذا المبلغ لن يكفي لمدة 3 أيام، حيث شهدت أسعار المنتجات الغذائية التي كانت توزع على اللاجئين مثل عيش الريف والنجارو وهو نوع من البقوليات، وزيت الطعام، ارتفاعا في الأسواق، ولن نتمكن من شرائها بهذه الأموال القليلة”.

وأحدث إيقاف توزيع الحصص الغذائية، فجوة غذائية كبيرة في مخيم اللاجئين السودانيين بأوغندا، وتسبب في جوع الآلاف من الفارين من الحرب، وسط دعوات واسعة من المتضررين بإعادتها.

هناك تعسف من بعض موظفي الإغاثة وإذلال كبير، الشيء الذي يتسبب في فشل العديد من اللاجئين في الحصول على الدعم الإنساني

 لاجئ سوداني

ويقول صديق آدم وهو لاجئ في مخيم كرياندنقو: إن “وقف المواد الغذائية مجحف في حقنا، ويجب إعادتها في أسرع وقت، لأن المبالغ المالية المخصصة لنا لا تكفينا للمعاش، في ظل ارتفاع الأسعار. ومع ذلك فهناك تعسف كبير من قبل بعض الموظفين في صرف المبالغ البسيطة، ويخصصون وقتاً محدوداً للصرف رغم الأعداد الكبيرة من اللاجئين، وبذلك يفشل العديد من الناس في الحصول على حصتهم”.

“ليس هناك أي خيار أمامنا للكسب، حتى الأشخاص الذين لجأوا إلى زراعة محدودة، فإنهم لا يستطيعون العمل وهم جوعى، كما أن الاستفادة من المحصول تحتاج إلى وقت، وينبغي دعمهم خلال هذه الفترة”. يضيف صديق في حديثه لـ(عاين).

وضع كارثي

لم تتوقف معاناة اللاجئين السودانيين في أوغندا عند حد الجوع، لكنها تمتد إلى الإيواء حيث تعرضت المساكن المؤقتة المشيدة للتلف بفضل الرياح والأمطار الغزيرة التي تشهدها المنطقة، وذلك حسب ما أفاد به عادل آدم وهو لاجئ بالمخيم (عاين).

وقال آدم: إن “المشمعات المستعملة في بناء المخيمات انتهت فترة صلاحيتها البالغة 6 أشهر، ولم تشرع المنظمات المعنية في استبدالها كما ينبغي، الشيء الذي جعل اللاجئين يعانون بشدة خاصة وأن المنطقة تشهد معدلات أمطار عالية، فنحن نواجه معاناة كبيرة، ونأمل أن تقف الحرب بشكل عاجل حتى نعود إلى بلادنا ومنازلنا”.

ويشهد مخيم اللاجئين السودانيين في دولة أوغندا حركة دؤوبة من المنظمات المحلية والفاعلين في المجتمع المدني، لكن ما يقدمونه من عون، يعتبر محدوداً وقليلاً للغاية مقارنة بمستوى الحاجة المرتفع للغذاء، ولم تفلح هذه الجهود البسيطة في وقف تدهور الوضع الإنساني في المخيم، ومصير الجوع الذي يهدد الآلاف.

ويصف السكرتير العام للمكتب القيادي لمجتمع اللاجئين السودانيين في أوغندا، عثمان آدم عثمان خلال مقابلة مع (عاين) الوضع في مخيم كرياندنقو بأنه مأساوي وكارثي في عدة جوانب، منها الأكل والشرب والإيواء، في ظل ظروف طقس استوائي ممطر باستمرار وقاسي، وغريب على اللاجئين القادمين من السودان.

وقال إنهم رفضوا قرار برنامج الغذاء العالمي الخاص بوقف توزيع المواد الغذائية العينية، والاستعاضة عنها بمبالغ نقدية محدودة وهي 14 ألف شلن أوغندي نحو 17 ألف جنيه سوداني، للفرد الواحد خلال الشهر، وهو دعم قليل ربما لا يكفي احتياجات يوم واحد، ومع ذلك أصرت المنظمة، وطبقته في يوليو الماضي، متعللة بفشل الموسم الزراعي في أوغندا؛ مما اضطرها إلى نقل الإغاثة من ميناء مومباسا في كينيا بتكاليف ترحيل عالية.

الوضع في المخيم مأساوي وكارثي يستوجب تدخلات عاجلة، وظهرت الأمراض المرتبطة بالجوع مثل سوء التغذية وسط الأطفال والشباب والنساء الحوامل

قيادي بمجتمع اللاجئين

وأفاد عثمان، أن الخفض المستمر للمساعدات الإنسانية الموجهة للاجئين السودانيين، وضعهم في مواجهة الجوع مع ظهور وبائيات سوء التغذية، مما دفعهم إلى تأسيس مطابخ مجانية في المخيم استلهاماً لروح التكافل التي يتحلى بها المجتمع السوداني، لكن شح الموارد يهدد تلك المطابخ بالتوقف عن العمل، مما يستدعي تدخلاً عاجلاً لإنقاذها.

وأطلقت لجنة المطبخ المجاني في مخيم كرياندنقو مؤخراً، مناشدة عاجلة للخيرين والمنظمات الطوعية، للتبرع إلى المطبخ الذي يواجه خطر التوقف، وبات يعتمد عليه العديد من اللاجئين السودانيين، قبل أن تدق ناقوس الخطر بشأن الأوضاع الإنسانية السيئة في المعسكر، وشبح الجوع الذي بات يهدده.

حصار الجوع
لاجئون سودانيون بأوغندا

جهود وقف الكارثة

يقول رئيس اللجنة العليا للمطبخ المجاني في مخيم اللاجئين السودانيين في أوغندا، معاوية الحسن لـ(عاين): إن “المبادرة جاءت بعد وقف برنامج الغذاء العالمي المواد الغذائية العينية عن اللاجئين السودانيين في مخيم كرياندنقو شمالي العاصمة كمبالا في شهر يوليو الماضي، وما صاحبه من جوع، أدى إلى حالات سوء التغذية وسط الأطفال والنساء والحوامل، حيث استشعروا المخاطر، وسعوا إلى تخفيف حدة الكارثة بقليل من الطعام يوزع مجانا”.

وشدد أن قرار برنامج الغذاء العالمي الخاص باستبدال المواد الغذائية بمبالغ نقدية رمزية، وضع 31 ألف لاجئ سوداني يقيمون في مخيم كرياندنقو على حافة الجوع وكارثة إنسانية شاملة، يسعون لمجابهتها عبر جهود متواضعة من خلال المطبخ المجاني، والذي يعاني بدوره مشكلة التمويل، ومهدد بالتوقف.

ويقول: “أنشأنا مطابخ في خمسة مربعات سكنية، ونسعى لأن تصل 8 مواقع، بينما يوجد اللاجئون السودانيون في عدد 15 حياً سكنياً في المخيم، ونقدم وجبة واحدة في اليوم، وهي عبارة عصيدة وجنجاروا، يستفيد منها اللاجئون، فنحن نعتمد على تبرعات من بعض اللاجئين المقتدرين أثروا مشاركة طعامهم مع إخوانهم”.

توقف قسري

وسعى معاوية والمتطوعين معه، إلى استقطاب دعم من المنظمات العالمية، لكن لم تستجب لهم أي جهة حتى الآن، وفي ظل الموارد الشحيحة سيضطرون إلى التوقف قسراً حتى من تقديم الوجبة الواحدة في اليوم.

المطابخ المجانية التي يعتمد عليها غالبية اللاجئين السودانيين مهددة بالتوقف نتيجة شح التمويل والموارد المتاحة، الشيء الذي سيفاقم الكارثة

رئيس لجنة المطبخ

وإلى جانب الجوع يعاني اللاجئون السودانيون في أوغندا من تدهور في الخدمات الصحية، فهناك العديد من الأمراض مثل الغدة، وبعض الإصابات لا يستطيع الأطباء العموميين قرب المخيم التعامل معها، مما يتطلب ذهاب المرضى إلى العاصمة كمبالا لتلقي الرعاية الطبية اللازمة، وهي عملية مكلفة تفوق مقدرتهم، وفق معاوية.

وتستمر الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع لأكثر من 500 يوم، بتداعيات إنسانية كارثية يعانيها النازحون في الداخل واللاجئين في الخارج على حد سواء، وسط آمال من الكل بتوقفها والعودة إلى ديارهم، رغم قتامة المشهد والفشل المتواصل للجهود الدولية والإقليمية، في تسوية الصراع سليما بالتفاوض.