بالفيديو “عاين” ترصد استمرار حالات الاغتصاب في دارفور
تقرير: عاين 17 ديسمبر 2019م
قضت أم منيرة التي تسكن معسكر زمزم للنازحين في شمال دارفور ساعات طويلة من القلق في انتظار عودة ابنتها التي ذهبت لقضاء حاجتها بجانب صديقتها سلينا، ورغم محاولات أم منيرة طرد الهواجس والمخاوف بحدوث مكروه لها في الطريق غير الامن حول المعسكر إلا ان قلب الأم كان يحدثها بأن أمرا جلل قد وقع لفلذة كبدها. لم ينم لام منيرة عين وهي تنتظر بنتها للعودة، لكن بدلاً عن عودتها تلقت الاسرة اتصال هاتفياً يحمل في طياته خبرا مؤلما.
والدة صديقتها الطفلة سلينا لم تكن أفضل حالا من صديقتها أم منيرة، وهي تروي ل(عاين) قصة اغتصاب مسلحين لابنتها. تقول عائشة ابراهيم والدة سلينا بأسى بالغ ” الدقاق مشو يجيبو البهائم لكن هجم عليهن المجرمين واغتصبوهن”.
اغتصاب القاصرات
أحداث ليست بالجديدة في منطقة ليست ببعيدة من معسكر زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور لا سيما عندما تخرج الفتيات والنساء لقضاء حوائجهن. هذه المرة كانتا ذاوات الـ(8) اعوام منيرة وسلينا من بينهن في (كمبو) الزراعة الذي يجاور معسكر زمزم للنازحين. تحكي الضحية منيرة لـ(عاين) إنَّ الاغتصاب وقع عليهن منتصف الليل في 13 أغسطس، عندما هاجمهم أربعة رجال مسلحون يمتطون الابل.
تقول منيرة ان احدهم امسك بها واضعاً على فمها تراب لمنعها من الصراخ، بعد أن أبدت مقاومة ال الا انها فوجئت بتصويب السلاح بينما هم اخطر المهاجمين بضربها، ورغماً عن عمرها وجسدها الصغيرين قام الرجلان باغتصابها بالتناوب، وحينما استيقظ بقية اخوتها الصغار تم اغتصابها مرة ثانية امام اعينهم وقام آخر باغتصاب شقيقتها الصغرى. وتواصل منيرة سرد الذكريات المؤلمة مبينة ان اخواتها الصغار لم ينجو من الضرب والتقييد. ولكن احد اخواتها فر هارباً وابلغ الاسرة بالحادثة ” اخوي الكبير جرى كلم ناس البيت” الامر الذي ادى الى هروب المسلحين. وتقول نعيمة دودو والدة منيرة لـ( لقينا منيرة في غيبوبة فبكى ابوها من المصيبة”
حالات منيرة وسلينا في معسكر زمزم الذي يبعد سبعة كيلومترات فقط عن مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور ليست الوحيدة. بينما تقول عائشة ابراهيم لـ(عاين) : “توجد حالات في معسكر زمزم لمقيمين تعرَّضوا للقتل والضرب والاغتصاب، بأعدادٍ كبيرة لدرجة أنني لا أستطيع حصرها كلها، وكان المجرمون ينجون بفعلتهم ببساطة، إلا في هذه الحالة فقط قُبِضَ عليهم”. وأضافت عائشة قائلة: بما أنَّ التربة جافة، فقد تَمَكَّنَ سكَّان المعسكر من تعقُّب آثار أخفاف الجمل والقبض على المعتدين”، قبل ان تشدد “نريد تطبيق العدالة والقصاص ولا شئ غير القصاص”.
لا أثر للتغيير
ويقول عدد من سكان معسكر زمزم للنازحين في استطلاع لـ( عاين) إنه رغم وصول الحكومة الجديدة للسلطة والهدوء النسبي في شمال دارفور، إلا ان القضايا المشابهة لقضية منيرة وسلينا هي الحديث الشائع هذه الأيام، مبدين التخوف من تزايدها. تقول حواء الفاضل آدم، ممثلة نساء معسكر النازحين في منطقة شنقل طوباي : “تمثل الاعتداءات على النساء إحدى المشكلات الرئيسة التي تعانيها معظم النساء في دارفور. تُوجَدُ حوادث اغتصاب كثيرة جداً في شنقل طوباي، تشمل أطفالاً تبلغ أعمارهم 11 عاماً.
تُستهدف النازحات اللاتي يذهبن خارج المعسكرات للزراعة أو جمع حطب النار”. وتوضح حواء الفاضل لـ (عاين) اسباب خروج النساء هي حماية الرجال الذين ظلوا يتعرضون لاطلاق نار وعمليات (قنص) منظمة لذلك يخرجن لجلب الحطب والاكل بسب نقصان الغذاء في المعسكر.
تزايد العنف الجنسي
ظل الامل يحدو الكثيرٌ من النازحين في ولاية شمال دارفور بتسريح الميليشيات المنتشرة ذات الصلة بالحزب الحاكم السابق – كقوات الدعم السريع- بعد ثورة استمرَّت قرابة الـ 9 أشهر وأطاحت بالرئيس السابق عمر البشير ونصبت حكومة انتقالية جديدة. يقول حسن صابر جمعة، الأستاذ بالمرحلة الثانوية بمعسكر زمزم للنازحين: “هذه الاعتداءات لم تتوقف، حتى بعد سقوط نظام البشير وتشكيل الحكومة الانتقالية”. ويعتقد حسن، احد قادة المُعسكر، أنَّ معدل قضايا الاغتصاب ربما يكون متزايداً منذ مجيء الحكومة الجديدة للسلطة ولم يتناقص كما كان يأمل.
ويتفق مع حسن وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام جان بيير لاكروا، الذي قال خلال جلسة تنويرية لمجلس الأمن بالأمم المتحدة في نوفمبر، إنَّ الأعمال الإجرامية في تصاعدٍ بدارفور هذا العام؛ وذلك لأنَّ السلطات حَوَّلَت انتباهها إلى التحديات الأمنية في العاصمة الخرطوم، متجاهلةً أزمة قرابة مليونين من نازحي دارفور. وأضاف لاكروا أنَّ أكثر من ثمانية ملايين شخص في دارفور ما يزالون بحاجة إلى المساعدة والحماية.
تقليص اليوناميد
وفي ذات الإطار يرى ناشط في حقوق الانسان فضل حجب اسمه لـ(عاين) في تقليص وجود البعثة المشتركة للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لعمليات السلام، يوناميد، سبباً مباشرا في زيادة المخاطر حول معسكرات النازحين في دارفور. وكانت يونميد قلصت عملياتها، واقتصرت دورياتها على وسط دارفور إلى جانب تقليل عملياتها بكثير مما كانت عليه السنوات الماضية بشمال وجنوب دارفور.
قال الناشط: “أعمال اليوناميد انحصرت في ثلاث ولايات شمال وجنوب دارفور”. موضحاً أنه مع عدم وجود يوناميد في موسم الحصاد، يصبح النازحون أكثر عرضة للعنف الجنسي والاعتداءات”. وفي ذات الاتجاه تذهب الناشطة في مجال النوع هالة الكارب التي تعمل المديرة الإقليمية للمبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي (صيحة) ، وهي منظمة مهتمة بالبحوث المتعلقة بالنساء والدفاع في السودان. وتشير الكارب الي أنَّ وتيرة الاعتداءات الجنسية في دارفور لم تتراجع في ظل الحكومة الانتقالية التي بدأت عملها منذ سبتمبر الماضي، بل ربما تكون قد تزايدت رغم الدور الكبير الذي لعبته النساء في الثورة.
وتقول الكارب في مقابلة مع (عاين) : “ساهمت النساء في دارفور مساهمة كبيرة في الثورة وخاطرن بحياتهن عندما خرجن إلى الشوارع لتغيير النظام السابق. عليه من واجب الحكومة الجديدة حمايتهن لكن للأسف لم تُتَّخذ خطوات حاسمة لتوفير الحماية لنساء دارفور”.
اغتصاب وصمت
وكانت بعثة اليوناميد وثّقت، عام( 2018،وقوع 152) حادثة عنف جنسي شملت( 199 ) ضحية في ولايات وسط وشمال وغرب دارفور. لكن التقرير نفسه يقرُّ بأنَّ هذا التقدير لا يُشَكَّل سوى نسبة من العدد الإجمالي لأنَّ كثيراً من النساء يُفضِّلنَ عدم الإبلاغ عن هذه الحوادث. إذ يقول الناشط في مجال حقوق الإنسان الذي فضل حجب اسمه إنَّ مجتمع دارفور شديد الحساسية تجاه الوصمة والعار المتعلق بقضايا الاغتصاب، لا سِيَّمَا النساء الكبيرات والمتزوجات. “في معظم القضايا، سيتعيَّن عليك استنتاج إذا ما كان الاعتداء الجنسي قد وقع أم لا. إذا ذكرتْ الضحية أنها ضُرِبَتْ على ساقيها، مثلاً، فهذا يوحي أحياناً بوقوع اعتداء جنسي لأن المعتدين يفعلون هذا لمنع النساء من التحرُّك”.
حادثة اغتصاب أخري وقعت حول معسكر زمزم لكن الصمت منع التعرف عليها منذ العام 2017. ذلك عندما خرجت حليمة يعقوب مع عدد من النساء حول المعسكر لجمع حطب النار. وعلى بعد أمتار من صديقاتها، تم اغتصبها في وضح النهار من قبل رجال يرتدون زَيَّاً عسكرياً ويخفون وجوهمم.
قالت حليمة: ” اغتصبوني، ولما كلمت صديقتي قالت لي اسكتي، كلمت خالتي قالت لي نفس الكلام لكن بعد تلاتة شهور بطني طلعت بسبب حادثة الغابة ” والتزمت حليمة الصمت بتكرار عبارة الغابة. ولكن مريم محمد شقيقة والدة حليمة كشفت لـ(عاين) إنَّ أعمام حليمة قيّدوها وطالبوها بتفسير ما حدث، بدافع الشك في أنَّها قد جلبت العار للعائلة بحملها طفلاً خارج إطار الزوجية، وظلوا يتوعدونها بالضرب لسلوكها المحظور. وفي النهاية اضطرت حليمة للاعتراف بكيفية حملها لطفلها، الذي أنجبته بعملية قيصرية في المستشفى. وتعتقد مريم أنَّ هناك نساء كثر في مُعسكر زمزم للنازحين تعرَّضن للاعتداء كابنة شقيقتها لكنهن فضلن الصمت، الامر الذي يشجع الذئاب البشرية على استمرى الاغتصاب واستهداف النازحات، علي حد تعبيرها.
تكتيكات التهجير
يقول نازحون لـ عاين إنَّ أغلبية الاعتداءات الجنسية يرتكبها رعاة مسلحون يرعون الماشية بالقرب من المزارع وعادة ما يبسطون سيطرتهم على الأرض التي كان يملكها النازحون. وتستخدم الميليشيات الاغتصاب وسيلة لإذلال مجتمع النازحين والسيطرة على تحركاتهم، بحسب الناشط في مجال حقوق الإنسان الذي يعمل بدارفور. إذ يقول: “مشكلة دارفور هي الأرض، فالجميع يعتقدون أنَّ الأرض ملكهم. لذا يرهِبون الآخرين ليضمنوا بقائهم بعيداً عن الأرض”. ويرى بعض النازحين ان هذا التكتيك نجح إلى حَدٍّ كبير. إذ تزايدت خشية النازحين من التحرُّك خارج المعسكرات، مما أتاح للميليشيات الرعوية حرية التجوال واستغلال الأراضي الخصبة التي كانت ملكاً لآخرين من قبل. وتقول حليمة يعقوب: ” الخوف دي حصل لكثيرٍ من البنات ، ما لي براي. البنات الكانو بطلعة معاي للغابة هسي ما قادرين يمشن ولا عندهن النيه”.
الإفلات من العقاب
تعزو هالة الكارب استمرار حوادث العنف الجنسي في دارفور إلى ما أسمته ب (عسكرة المجتمع) أي وجود مجموعات مسلحة بلا رقيب في مناطق مدنية وتمتعها بدرجة عالية من الحصانة أمام العدالة. وتشير الكارب، إلى ان نسبة الدعاوى القضائية التي يتم كسبها ضد حوادث اغتصاب الفتيات فوق سن 15 عاماً أقل من واحد بالمئة. وتقول: لـ(عاين): “نحن نعلم أنَّ المعتدين على النساء في دارفور لا يخضعون للمساءلة. ونعلم أنَّ الناس عندما يتقدمون بشكوى ضد المعتدين في مكتب المُدَّعِي العام، فإن القضية لا تبرح مكانها. ولهذا أصبحت قضايا الاغتصاب شائعة بما أنّهم يعلمون أنهم بمنأى عن العقاب”.
اما ضابط الشرطة علي عثمان، فيقول ل(عاين): في مقابلة سابقة، إنَّ محاكمة فرد من قوات الدعم السريع، مثلاً، مستحيلة لانهم يتمتعون بسلطة أقوى من سلطة الشرطة.ويضيف : ” مافي شي ممكن نعمله. الناس خارج القانون ويمكن يقتلونني”. وفي الحالات النادرة التي أُقيمت فيها دعوى على أحد ضباط الدعم السريع، لم تفعل السلطات شيئاً سوى نقله إلى مكان آخر، تفادياً لاعتقاله. وهو ما تؤكده الضحية حواء الفاضل بالقول :إن ضباط الشرطة عادة ما يتفادون متابعة قضايا الاغتصاب، الأمر الذي يجبر النازحين على المغامرة بالخروج من المعسكرات متسلحين بالعصي من أجل حماية أنفسهم. فالحكومة [السابقة] قد نزعت الأسلحة من المدنيين لكنها تركتها في أيدي المجرمين. مطالبة بالقول: “أولاِ يجب تقليل الاعتداءات بنزع السلاح من المليشيات، وتقديم كل من اعتدى على احد للعدالة”.
تعديلات قوانين
لكن هالة الكارب ترى بدلاً من ذلك أنَّ بإمكان الحكومة الانتقالية الجديدة بدء إصلاحات قانونية مع توسيع صلاحيات مكتب المُدَّعِي العام ومراكز الشرطة. وتقترح المديرة الإقليمية لـ (صيحة) إدخال تعديلات على القانون الجنائي، على سبيل المثال، حيث إنَّ التشريع وضع معايير أدلة غير واضحة تتيح للمعتدين فُرَصَاً للتهرُّب من المحاكمة. وتضيف أخيراً، ينبغي للحكومة الجديدة الانضمام للمعاهدات الدولية بما فيها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). بينما يراعي كثير من النازحين في دارفور حقيقة أنَّ التغيير عملية بطيئة، يعتقد الكثيرون أنَّ بمقدور السلطات فعل المزيد من أجل تحسين وضعهم. فهم لا يطلبون الكثير. وتقول حواء الفاضل: “لا نتمنى سوى أن نجد الأمن وأن يتمكن الناس من العيش في سلام وأن يكونوا أحراراً”.