السودان: تحالف عسكري جديد لحماية المدنيين.. هل يحدث فارقًا؟

عاين- 13 يناير 2025

أعلنت حركتا تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، وتجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر أبوبكر حجر،  أمس عن تشكيل قوة عسكرية مشتركة لحماية المدنيين بدارفور أطلق عليها “القوة المحايدة” في ظل استمرار الحرب الدائرة منذ أبريل 2023 بين الجيش السودان القوات المتحالفة معه والدعم السريع التي تسيطر على أجزاء واسعة من الإقليم.

 ويهدف التحالف وفقا للبيان التأسيس الصادر في 30 من سبتمبر الماضي، إلى حماية المدنيين، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، وتعزيز التعاون العسكري والأمني بين الطرفين. وقد أكد قادة التحالف على التزامهم بمبادئ القانون الدولي الإنساني، وتعهدوا بالعمل مع المنظمات الدولية والإقليمية لتقديم المساعدات اللازمة للمدنيين المتضررين رقم التحديات الكبيرة المتمثلة في نقص الموارد، وتصاعد التوتر بين الطرفين المتحاربين، والتعقيدات السياسية في السودان.

وأعلنت الحركتان أمس الأحد، تدشين التحالف العسكري،  وطالب رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، من القوات الالتزام بالوثيقة الموقعة بين الحركتين، وتابع قائلًا: في خطاب بالمناسبة:”يجب عليكم أن تكونوا منضبطين ومتماسكين، وأن تسود بينكم روح الرفقة”. وأكد عبد الواحد على ضرورة الالتزام بالقانون الإنساني وعدم تجاوز المهام الموكلة إليهم تمامًا، وقال: “نحن لا نقبل أن ينتهك أحد عناصرنا أي نوع من أنواع الانتهاكات لحقوق الإنسان، لأننا نعمل من أجل حماية الإنسان، ويجب علينا الالتزام بالقانون”.

وأضاف: “يجب أن يعملوا جميعًا لتوفير الكرامة الإنسانية للسودانيين في هذه المناطق، وأن لا يكونوا في خوف من المجهول”. أكد ثقته بالقوات بأنهم سوف يقومون بالمهام الموكلة إليهم على أكمل وجه.

القوة ستنتشر في كل السودان عند الضرورة

من جهته قال رئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر أبو بكر بمناسبة التدشين، إن “تدشين هذا التحالف يمثل التزامًا ثوريًا وشعبيًا تجاه الشعب، وهو خطوة عملية لتوفير الأمن والحماية لكافة المدنيين في مناطق سيطرتنا والمناطق الأخرى بتنسيق مع الأطراف الأخرى. وتابع قائلًا: ‘نحن ملتزمون بفتح الممرات الآمنة وإيصال المساعدات الإنسانية دون تمييز وتأمين حركة القوافل التجارية’.

وأضاف الطاهر حجر، أن “هذا التحالف هو تجسيد للإدارة الشعبية والثورية في بناء سودان جديد قائم على الحقوق والواجبات المتساوية وكرامة الإنسان”. وأكد التزامهم بالعمل بجدية لحماية المدنيين وضمان إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين والالتزام بالقوانين واللوائح التي تنظم عمل التحالف العسكري. وأشار إلى التعاون الكامل من  أجل تشكيل قوة ضامنة لتحقيق الأهداف المشتركة المتفق عليها. كما أكد احترام القانون الدولي الإنساني وضمان تطبيقه في جميع تحركات هذه القوات وعملياتها العسكرية. واختتم الطاهر بقوله: ‘إن هذا التحالف هو خطوة نحو التغيير الشامل الذي يطمح إليه الشعب”.

جانب من استعراض القوة بدارفور

وتهدف القوة “المحايدة” لحماية المدنيين ليس فقط في دارفور، بل في جميع أنحاء السودان عند الضرورة، وتسعى هذه القوة إلى تأمين المدنيين والقوافل الإنسانية والتجارية وحماية العاملين في المنظمات وغيرهم من الأفراد تعمل هذه القوة بشكل منسق عسكري وأمني، ولا ترتبط بمنطقة جغرافية محددة- وفقا للقيادي بحركة تجمع قوى تحرير السودان، فتحي محمد.

 ويضيف فتحي في مقابلة مع (عاين): “نظراً للظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها المدنيون في دارفور، نتيجة للحرب الدائرة وتدمير البنية التحتية، اتخذت قواتنا موقفاً محايداً تجاه جميع الأطراف المتحاربة. وهدفنا الأساسي هو حماية المدنيين وتأمين حرية حركتهم ووصول المساعدات الإنسانية إليهم. نسعى إلى خلق مناطق آمنة بالتعاون مع الجهات المعنية، وتوفير الحماية اللازمة للقوافل التجارية والمدنيين داخل هذه المناطق. وفي حال تعرض المدنيين لأي اعتداء، فإن قواتنا ستتدخل لحمايتهم.”

أربع كتائب

ويقول: محمد:” بعد الإعلان عن التحالف، تم تشكيل لجان مشتركة لوضع الأسس والآليات لتنفيذ هذا التحالف. وشمل ذلك تشكيل لجنة عليا للإشراف على عمل التحالف ولجان أخرى مختصة بالشؤون الإدارية والتنظيمية. وتابع وقد تم البدء في بناء القوة العسكرية المشتركة، حيث تم تشكيل عدة كتائب عسكرية من كلتا الحركتين تجاوز أربع كتائب”.

وتعتمد القوة المشتركة على موارد مالية من كلتا الحركتين، حيث تساهم كل حركة بما تستطيع. وتُدَار ميزانية القوة بشكل مستقل، مما يضمن مرونة عالية في اتخاذ القرارات وتنفيذ المهام الموكلة إليها. وستكون القوة قادرة على التحرك بحرية في أي مكان داخل السودان لتأدية مهامها في حماية المدنيين وتأمين الطرق والمرافق الحيوية. وفقا لفتحي.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دعا في وقت سابق الدول الأعضاء إلى نشر بعثة لحماية المدنيين في السودان، مؤكداً على خطورة الوضع الإنساني وتعرض المدنيين لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. كما طالب بفرض حظر أسلحة شامل على السودان وتوسيع التحقيقات الدولية في الجرائم المرتكبة.

 وتؤكد تقارير حقوقية دولية على الحاجة الملحة لهذه البعثة، مشيرة إلى أن المدنيين يواجهون خطرًا هائلاً بسبب القتال المستمر واستخدام الأسلحة الثقيلة. كما يدعو غوتيريش إلى فرض حظر أسلحة شامل على السودان وتوسيع التحقيقات الدولية في الجرائم المرتكبة.

شرعية القوات

وحول شرعية هذه القوات يعتبر القانوني والمحامي سمير مكين في مقابلة مع (عاين)، إن إعلان الحركات المسلحة في السودان عن حيادها أمر جديد نسبيًا في القانون الدولي، ولا يوجد نص صريح في الاتفاقيات الدولية ينظم ذلك.

ويشير سمير،  إلى أنه وبالرغم من عدم وجود قاعدة قانونية دولية ثابتة بشأن حياد الحركات المسلحة، إلا أن هذه الفكرة يمكن أن تكون خطوة بناءة تساهم في تحسين الوضع الإنساني، خاصة إذا كانت تهدف إلى حماية المدنيين وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتحاربة.

جانب من استعراض القوة بدارفور

ويتابع: “الحياد القانوني للدول، وفقًا للقانون الدولي، ويعني التزام دولة ما بعدم تقديم أي دعم لأي من الأطراف المتنازعة في حرب. وهذا الالتزام يكون إما أحادي الجانب، أي قرار ت اتخذتها الدولة من تلقاء نفسها، أو نتاج اتفاق مع أطراف النزاع. ويعتبر هذا المفهوم من أهم مفاهيم القانون الدولي، وتختص محكمة العدل الدولية بالفصل في القضايا المتعلقة به.”

ووفقا لمكين، في حالة السودان، تختلف ردود الفعل على إعلانات الحياد باختلاف طبيعة العلاقات بين الأطراف المتحاربة. وعلى الرغم من ذلك بالنسبة لقوات الدعم السريع، لا يبدو أن هناك مانعًا من قبول حياد الحركات المسلحة. أما القوات المسلحة، فهي في حالة حرب مع حركة جيش تحرير السودان قيادة عبد الواحد، وتعتبر طرفًا محاربًا لحكومة الأمر الواقع وفقًا للقانون الدولي الإنساني. وهذه المعطيات تجعل من الصعب تصور قبول القوات المسلحة لحياد هذه الحركات.

وزاد: “أي مبادرة تهدف إلى حماية المدنيين وتشجيع الحوار تستحق الثناء والدعم”.

شروط

“نجاح عمل هذه القوات يتوقف بكل أساسي على التفاهمات التي يمكن أن تجريها مع طرفي الصراع أكثر من عملية التفاهمات الثنائية بين الحركتين، وهذا يستوجب اتفاقا وقبولاً للأطراف المتحاربة لهذا الموف الحيادي وان لا تصبح هذه الحركات عرضة للاستهداف باعتبار أن هذا الموقف يمكن يفسر أنه  انحياز لأحد الأطراف أو محاولة لإضعاف طرف آخر من خلال السيطرة على المواقع التي يسيطر عليها. يقول الخبير العسكري عمر أرباب لـ(عاين)

ويتابع: “هذه المسألة نجاحها في عملية تأمين المدنيين تتوقف على الاتفاق مع الأطراف المتحاربة واعترافها بهذا الموقف هذا من جانب سياسي، أما من الجانب العسكري

فيعتمد على مدى قوتها وتأثيرها كقوات محايدة؛ وبالتالي سيتحاشى أي طرف من الأطراف الدخول معها في أي مواجهات، لا سيما أنهم يخوضون حربا في اتجاه آخر”.

ويشير أرباب إلى أمر ثالث مهم يتعلق باعتراف القوى الأخرى بها، سواء كانت داخلية أو خارجية، حتى تعترف بها المنظمات الدولية، وتتعامل مع هذه القوى في عمليات تأمين الإغاثة ووصول المساعدات.