تجمع المهنيين: قبول شعبي وانتقال المعركة داخل الحزب الحاكم
تقرير: عاين 23 فبراير 2019م
جذب تجمع المهنيين السودانيين منذ ديسمبر الماضي الآلاف من السودانيين، بعدما ظهر وكأن الساحة السياسية السودانية ليس فيها من يستطيع قلب الأوضاع الراكدة رأس على عقب بعد سبتمبر 2013. استطاع تجمع المهنيين السودانيين أن يظهر على السطح كأكبر تيار مُحرك للشارع السوداني منذ وصول الانقاذ الى السلطة في العام 1989. فقاد الشعب السوداني بشكل عفوي ما يقارب الثلاثة أشهر متتالية. كما لقي تجمع المهنيين السودانيين الذي قال عنه المواطن السودان “ لو قال لينا رمضان بكره بنتسحر” في درجة هي الأقرب للإيمان إذ شهد أكبر التفاف من المواطن عامة.
شمل خطابه كافة مكونات الشعب السوداني كلُ بلغته ومصطلحاته فاستشعر الجميع بان الجسم منهم وفيهم. استطاع بالضغط الشعبي نقل المعركة الى داخل اروقة الحزب الحاكم، حيث هدد شبابه بالانضمام الى الشارع في هذه الحالة… الامر الذي شكل ضغط وفق مصدر تحدث لـ(عاين) اكد ان حراك الشباب داخل اروقة الحزب الحاكم، أدى إلى حل حكومة الحوار الوطني ولائية واتحادية وإرجاء تعديل الدستور اضافة الى اعلان حالة الطوارىء و حزمة من الإجراءات الاقتصادية لم يفصح عنه الرئيس البشير.
ورقم ظهور البشير الذي بدء في خطابه امتصاص الغضب الشعبي. الا ان التجمع مازال يتملك زمام المبادرة، حيث اكتفى فقط بإصدار بيان مقتضب عقب خطاب البشير وخرج المئات تلبية لنداء التجمع الذي رفض خطاب البشير. وكانت السلطات السودانية قد صورت تجمع المهنيين بعدة صور لإيقاف الالتفاف الجماهيري حوله، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل الذريع. وهنا بدء السؤال لماذا الالتفاف حول تجمع المهنيين الذي يعرف من قادته ما يساوى عدد أصابع اليد. فهل فقدان الامل في القوى السياسية كان عاملاً، ام ان الاحباطات المتواصلة بسبب التدهور المتكامل شكل دافعاً؟. ام ان الشعب السوداني كان يبحث عمن يواجه السلطات دون خوف؟.
كيف أُعلن عنه؟
يرى متابعون أن تجمع المهنيين السودانيين بات منبرا يعبر عن الامل والتغيير الذي ينشده السودانيين بمختلف قطاعاتهم، ويعتقد البعض الى حد ما استطاع توحيد القوى السياسية المعارضة للنظام الحاكم التي كانت منقسمة، لكنها استطاعت ان تقف بجانب التجمع. تكوينات تجمع المهنيين تشمل تحالف المحامين الديمقراطيين، شبكة الصحفيين السودانيين، ثم لجنة الأطباء المركزية، ولجنة المعلمين السودانيين
اما تجمع المهنيين السودانيين بحسب بعض المصادر التي تحدثت لـ(عاين) فانه تأسس في عام 2013 بعد الاحتجاجات التي عمت البلاد آنذاك وراح ضحيتها المئات برصاص قناصة يتبعون للحكومة السودانية في سبتمبر/أيلول من ذات العام. اتى الإعلان الرسمي عنه في أغسطس/آب 2018 في ظل تكتم على أعضائه واطرافه الرئيسية بسبب القبضة الامنية لنظام الحكم السوداني كما قالت المصادر لـ(عاين) ونشط التجمع في الحراك الفعلي في ديسمبر المنصرم بعد أن انتظمت بعض الولايات موجة احتجاجات بسبب تدهور الحياة وارتفاع أسعار السلع الضرورية.
اجسام ضغط ومطالب
من أبرز مكونات تجمع المهنيين، تحالف المحامين الديمقراطيين، شبكة الصحفيين السودانيين، ثم لجنة الاطباء المركزية، ولجنة المعلمين السودانيين، والمطالب التي يدعو لها، ان يتنحى الرئيس البشير فورا، دون شروط، وتشكيل حكومة انتقالية من الكفاءات الوطنية لفترة 4 سنوات، ووقف الانتهاكات وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، والاتفاق عليها كوثيقة موقعة عام 2019 في الخرطوم. وأما اهداف تجمع المهنيين السودانيين، هو تكوين تجمع يحظى بالثقة بين جماعات قيادات المعارضة، بدلا من الأحزاب التقليدية المعروفة، والبحث عن إيجاد بديل للنقابات الرسمية التي أضعفها النظام الحاكم، منذ استيلائه علي السلطة عام 1989، والسعي إلى إيجاد أداة لتنفيذ العصيان المدني والأحزاب المعارضة، والإضراب كوسيلة للتغيير السلمي المنشود.
شرعية وإقامة بديل
استمد تجمع المهنيين السودانيين شرعيته من أجسام الضغط التي أسستها النقابات بعد أن سيطرت الحكومة وحزبها على النقابات، فجاء التجمع من عدة مكونات بدأت كأجسام ضغط نقابية إلتئمت في جسم واحد وهو تجمع المهنيين. يقول محمد الأسباط أحد قيادات تجمع المهنيين السودانيين لـ(عاين) “تم تكوين هياكل واجسام للمعلمين، الأطباء، والمحامين، وأساتذة الجامعات، انها تعتبر أجسام موازية، والتجمع اعد تقرير في وقت سابق أشار فيه إلى الضائقة المعيشية الخانقة، وأوضح فيه الحد الأدني للأجور، والحكومة الحالية هيمنت على النقابات التي كانت فاعلة وناشطة في أوقات سابقة”، ويضيف المتحدث السابق باسم تجمع المهنيين محمد الأسباط ” خلال 29 عاما، النظام اوصل السودان إلى حالة الإفلاس، والفشل في ادارة البلاد، ومضى متهماً النظام بإيصال البلاد الى هذه المرحلة، ومستبعداً أن يجد حلولا للازمة الراهنة، ولا توجد معطيات لمعالجة الإشكالية المتفاقمة، والتجمع يسعى إلى اقامة البديل الديمقراطي”. وكانت هنالك بعض الاصوات قد تعالت بعدم شرعية التجمع ولكن الكاتب عاطف الحاج سعيد، ويؤكد شرعية التجمع لـ(عاين) بالقول: إن التجمع يستند في تكوينه إلى دستور السودان الانتقالي2005، الذي يكفل ويضمن الحقوق النقابية، ومن ضمنها حق التنظيم والتجمع، ويستند أيضا الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تكفل الحريات للمنظمات النقابية، وحكومة السودان نفسها وقعت على تلك الاتفاقيات وصادقت على الالتزام بها، بما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقيات منظمة العمل الدولية.
فقدان ثقة بالأحزاب
يقول الصحفي عبدالهادي الحاج ل(عاين) ان السودانيين بخبراتهم مع الثورات والتجارب الحزبية، وخبراتهم مع الحكم العسكري والديمقراطي انها قليلة في سنواتها، فبدأوا لا يثقون في الاحزاب سواء كانت من اليمين أو اليسار، واكد الحاج انهم يتطلعون لاي جسم او كيان حتى او كان واجهة لهما، يشترط ان لا يرفع راية حزبية يلتفوا حوله، موضحاً إن هذا ما حدث مع تجمع المهنيين السودانيين الذي اتاحت له ظروفا شتي هذه الميزة. من جهته يقول المواطن عيسى دفع الله لـ(عاين) ان الشرائح الشبابية من الشعب السوداني، لديها وعي ثوري، وانهم مدركون للظروف السياسية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع السوداني، لكن الإشكالية التي تواجههم، فقدانها لكيان يترجم هذا الوعي الثوري، كي تقود إلى ثورة حقيقية خاصة مع توفر الظروف الملائمة لذلك، ومع بروز تجمع المهنيين إلى السطح، وجد روح المسؤولية لادارة الحراك الثوري في الشارع.
“إختراق الركود السياسي”
ظل السودان لفترة طويلة يعاني من عدم توافق الأحزاب السياسية، وعدم المقدرة على خلق مركزية موحدة للمعارضة السودانية، وأن قوي الاجماع الوطني ظلت تعاني من خروج بعض الأحزاب، ثم دخولها، وأن بعض الأحزاب رفضت قيادة فاروق ابو عيسي للإجماع، وكانت نظرتهم للقيادة انها يجب ان تقوم بناء على الوزن الجماهيري، بينما نداء السودان يعول كثيرا على دعم المجتمع الدولي لإحداث تغيير في السودان، يقول الناشط السياسي بكري العجمي لـ(عاين) ان ظهور تجمع المهنيين، وأخذ القفاز في وقت مناسب، ساهم في خلق اختراق للركود السياسي والتنظيمي في البلاد، وطرح التجمع نفسه كمنسق لناشطين ومكونات تعاني من تغافل القيادة السياسية عن جسارة الجماهير، وابتداع الوسائل والآليات الجاذبة والملهمة للآخرين.
يشرح العجمي ان تعامل السلطة بالعنف المفرط ضد المتظاهرين افقدها هالتها التي اكتسبتها خلال الـ3 عقود في الحكم، أن السلمية زائدا اسم المهنيين له شجن لدي العديد من القطاعات الشريفة والنزيهة التي ظلت تعاني من اختطاف المهنية في مؤسسات الدولة، وأنهم ملأوا الفراغ السياسي الذي كاد ان يقتل المواطن السوداني في لحظة تاريخية مفصلية، رغم أنهم بدأوا مطلبيين.
لماذا هذا القبول
يرى المواطن محمد كوري، ان اللغة المستخدمة من قبل تجمع المهنيين السودانيين، لها واقعيتها ووضوحها في تناول القضايا التي تهم المواطن في الشارع السياسي السوداني، يقول كوري لـ(عاين) هذا ما جعل الجميع يتجاوب مع الطرح الذي قدموه، ودحضها ذلك المفهوم السلبي المترسخ في الأذهان، إنها لعبة قذرة التي تروج لها المؤسسات الرسمية أو الخطاب الرسمي للدولة، اما تجمع المهنيين السودانيين، يصعب ان تقول انهم، ليسوا بساسة في وعي الناس، لكنهم سياسيين من الطراز الاول. ويذهب في ذات الات المواطن جاه جبرة حامد قائلاً ان الحكومة منذ أن استولت على السلطة منذ 30 عاما، ساهمت في تغبيش الوعي، واضاف لـ(عاين) ان الة الحكومة في هذه الفترة، روجت كل ما هو شنيع ضد الأحزاب السياسية المدنية والحركات المسلحة، ينشر أعلامها الأكاذيب ضدهم، يضيف هذه الأكاذيب المروجة أدت إلى فقدان الثقة في الأحزاب المدنية والحركات المسلحة، في ذات السياق هذا قاد إلى كراهية السودانيين للحكومة، عبر المقاومة السلبية السخرية، ويسعى حثيثا للتخلص من الظلم والاستبداد، دون الأحزاب السياسية الموجودة في الوقت الراهن، ويريدون كيان جديد يقود إلى التغيير، في هذا الوقت الحرج، ظهر تجمع المهنيين السودانيين، واصبح ملهماً لقيادة الشارع، ولا يريد مكسب اعلامي او سياسي والسبب وراء الالتفاف حول، التخلص من الظلم المتمثل في المجتمع.
“ضغط داخل الوطني“
يرى المحلل السياسي عبد الوهاب الافندي: ان تجمع المهنيين السودانين اعتمد على شريحة جديدة ظلت مهملة طيلة الحقب السياسية التي مرت على البلاد، وهي شريحة الشباب التي كانت ومازالت وقود حقيقي للاحتجاجات الجارية الان. واضاف قائلاً لـ(عاين) “تجمع المهنيين السودانيين رقم انه غير معروف كبقية القوى السياسية الا انه اثر تاثيراً كبيراً على الشباب بما في ذلك شباب المؤتمر الوطني الذي استطاع أن ينقل صراع الاجيال الى داخل اروقة المؤتمر الوطني وهدد بشكل مباشر الرئيس البشير بالاستماع الى صوت الشارع واعلان عدم ترشحه والا سينضم شباب المؤتمر الوطني للشارع”. وزاد الافندي هذا الصراع شكل ضغط على البشير للخروج بمخرجات خطاب حالة الطوارىء ومضى واصفاً بأن الخطاب جاء دون التوقعات وانه سيزيد من الحراك الجماهيري لانه لم يقدم حلول واقعية للأزمة حتى الآن. وفي عشية و ضحاها بات تجمع المهنيين السودانيين هو اللاعب المحوري في ملعب السياسية السودانية بشعارات تسقط بس، يمضى ضغطاً حثيثاً على النظام الذي بدء يتراجع صبيحة كل احتجاجات في الشارع السوداني.