أسرى حرب السودان.. متلازمة التعذيب والجوع

عاين- 30 مارس 2025

وضعت قضايا الاختفاء القسري خلال حرب السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع آلاف العائلات أمام حالة ترقب في انتظار عودتهم إلى المنزل ومع ذلك فإن آمال الغالبية تبخرت بلا أمل.

صرح قائد عسكري من الجيش السوداني للصحفيين الجمعة 28 مارس 2025 من جنوب الخرطوم إن قوات الدعم السريع احتجزت نحو 4.7 ألف أسير من المدنيين والعسكريين مشيرا إلى العثور على مئات الأسرى في معسكر طيبة الحسناب دون أن يدلي بالتفاصيل حول مصير بقية الأسرى.

فيما نقلت الحكومة السودانية وجهات طوعية نحو 800 أسير ومعتقل من المدنيين والعسكريين من جنوب الخرطوم الجمعة الماضية عقب استرداد الجيش لمعسكر طيبة الحسناب  إلى مدن ولاية النيل الأبيض للحصول على الرعاية الصحية.

نقل مئات الأسرى إلى النيل الأبيض لتلقي العلاج

مسؤول حكومي

وذكر مصدر مسؤول من حكومة ولاية الخرطوم لـ(عاين) أن ثمانية حافلات نقلت الأسرى والمعتقلين المفرج عنهم بواسطة الجيش من معتقلات الدعم السريع إلى مدن القطينة وكوستي وربك للحصول على الرعاية الصحية والغذائية.

من خلال المتابعات التي حصلت عليها (عاين) من مستشفى كوستي بولاية النيل الأبيض أشارت طبيبة من هناك إلى استقبال نحو 120 حالة من المفرج عنهم من معتقلات الدعم السريع في حالة نفسية وجسدية متدهورة جراء عدم الحصول على الغذاء لفترات تتراوح بين عامين إلى عام.

طبيبة تغذية تنصح بمنح 1200 سعرة حرارية فقط للأشخاص المصابين بالجوع نتيجة الاعتقال

وتابعت: “ينصح خبراء التغذية بحصول الشخص المصاب بهذه الحالة الجسدية على 1200 سعرة حرارية فقط في اليوم لأن الغذاء إذا تجاوز هذا الحد يعرضه للخطر في الأسبوع الأول على الأقل سيعتمدون على وجبة تتكون من قطع صغيرة من الخبز وثلاثة حبات من البيض وكوب من اللبن وقطعة فاكهة هذه الكمية تعادل 120 سعرة حرارية “.

وتابعت: “أفضل قرار اتخذه الجيش هو نقل هذه المجموعة إلى المستشفيات لأن البروتوكولات المتبعة في هذا الصدد تساعدهم على استعادة الصحة الجسدية والنفسية بدلا من الذهاب الى  المنزل واتباع عادات غذائية ضارة بغرض التعويض”.

يحتاج الجوعى المفرج عنهم نحو عام للتعافي الجسدي والنفسي

 طبيبة

وترى هذه الطبيبة أن التعامل مع ملف الأسرى والمعتقلين المفرج عنهم يحتاج إلى عناية طبية ونفسية مستمرة لفترة لا تقل عن ستة أشهر إلى عام داعية وزارة الصحة السودانية والوكالات الأممية الى تمويل قطاع الأسرى والمعتقلين.

وخصصت السلطات السودانية نحو ثمان حافلات للأسرى والمعتقلين الذين عثر عليهم الجيش في مراكز احتجاز سرية بمحلية جبل أولياء بما في ذلك معسكر طيبة التابع للدعم السريع ونقلوا إلى ولاية النيل الأبيض.

وعمدت قوات الدعم السريع على انشاء معتقلات سرية في العاصمة الخرطوم كونها سيطرت على غالبية المناطق قبل أن تخسرها نهاية هذا الشهر وتقول منظمات حقوقية إن قوات حميدتي نشرت نحو 55 معتقلا سريا في جميع أنحاء ولاية الخرطوم وحولت قرابة 33 منزلا في الخرطوم إلى أقبية أمنية لاحتجاز المدنيين وأسرى المعارك.

وقالت المتخصصة في الطب النفسي نفيسة مختار لـ(عاين): إن “الوضع الجسدي يعكس الآثار النفسية للأسرى والمعتقلين بالمراكز التابعة لقوات حميدتي وترى أنهم بحاجة إلى الرعاية الصحية أولًا قبل العرض على الأطباء النفسيين.”

وانتقدت الطبيبة النفسية نفيسة مختار تصوير المفرج عنهم في مقاطع فيديو ونشرها على الشبكات الاجتماعية وأضافت: “بعض المجموعات المتحالفة مع الجيش سعت للتكسب السياسي من خلال نشر مقاطع الفيديو تظهر الأسرى والمعتقلين في وضع نفسي وجسدي سيء للغاية”.

وكانت قوات الدعم السريع تركت مئات الأسرى والمعتقلين من العسكريين والمدنيين في مراكز احتجاز سرية بمنطقة جبل أولياء وعثرت عليهم القوات المسلحة في 26 مارس الجاري بالتزامن مع استعادتها سيطرتها على الخرطوم.

قوات الدعم السريع نقلت 1300 من الخرطوم  أسير إلى غرب البلاد

عامل إنساني

 وأبلغ عامل في القطاع الإنساني بمنطقة جبل أولياء (عاين) أن قوات الدعم السريع أجبرت نحو 1300 من الأسرى أغلبهم من العسكريين للمغادرة إلى  اقليم دارفور وصلت مجموعات إلى شمال كردفان في حالة صحية وجسدية سيئة للغاية.

بينما تشرح المعالجة النفسية مروة إبراهيم في حديث لـ(عاين) الوضع النفسي بالنسبة للمفرج عنهم من المعتقلات. وتقول إن “الشخص الذي تعرض للاعتقال خاصة في ظروف الحرب عادة ما يكون في حالة ذهول وهلع نسبة فقدان الأمل من الوصول إلى مرحلة الحرية”. وتضيف: “عقله لا يستوعب النجاة من المعتقل لذلك يمر بحالتين من الوضع النفسي خلال مرحلة عودته إلى الحياة العادية”.

وتضيف إبراهيم: “الحالة الأولى يمر بإكتئاب حاد نتيجة التعرض للتعذيب والعنف الجسدي أو اللفظي أو الجنسي أو النفسي ويستعيد الذكريات بين الحين والآخر مع تفضيل حالة العزلة والإصابة بالرهاب الاجتماعي”.

وتقول مروة إبراهيم: “الناجون من معتقلات الحرب لا يصدقون أنهم عادوا إلى الحياة ومن الصعب في بعض الأحيان التكيف مع الأماكن المفتوحة بالتالي يواجهون مشكلة في الاندماج الاجتماعي”.

يصاب الأشخاص الذين تعرضوا للاعتقال باكتئاب والشعور بالرغبة في الموت

طبيبة نفسية

أما الوضع النفسي من النوع الثاني وفق مروة إبراهيم يسمى “اضطراب ما بعد الصدمة” يكون الشخص الضحية الذي تعرض للاعتقال في ظروف الصراع العسكري مع الحرمان من الطعام والأدوية غير طبيعيا ولا يستطيع العيش في نفس المكان الذي تم فيه الاعتقال.

وتابع: “لا يستطيع الشخص الشعور بالفرح أو الحزن وفي بعض الأحيان يتمنى الموت وعدم النجاة من المعتقل بدلا من عيش حياة تعيسة مليئة بالكوابيس”.