الحرب ترفع معدلات نمو الفقر بتسارع وسط السودانيين

عاين- 1 ديسمبر 2024

تنمو معدلات الفقر وسط السودانيين بشكل متسارع خاصة الفئات التي تأثرت بالحرب، ولجأت إلى مدن أخرى شمال وشرق البلاد.

يتحدث وسطاء في مجال العقارات عن إخلاء بعض المنازل في مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر بواسطة الملاك؛ بسبب عجز العائلات في سداد الإيجار الشهري لتآكل المدخرات سواء السيارات أو الذهب أو الأموال النقدية عندما نزحوا من العاصمة السودانية بسبب القتال الذي اندلع بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف أبريل 2023.

ساهم العجز في سداد الإيجار في تحويل حياة عشرات العائلات في بورتسودان عاصمة الحكومة المدعومة من القوات المسلحة إلى سلسلة من المعاناة حيث توزع الأفراد على مراكز الإيواء والأقرباء والأصدقاء فيما لجأ البعض إلى مدن أخرى شمال البلاد للعمل في تنقيب الذهب والزراعة في بعض المشاريع الزراعية الصغيرة بولايات نهر النيل والشمالية نظير أجور بالكاد تمكنهم من شراء الطعام.

يشبه الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم، الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تواجه المواطنين في السودان خلال الحرب بحالة من التوهان وانعدام الرؤية في الحاضر والمستقبل. مشيرا إلى أن 25 مليون شخص وفق تقديرات الأمم المتحدة فقدوا وسائل كسب العيش في 16 مدينة مأهولة بالسكان بينها العاصمة السودانية؛ بسبب الحرب التي انعكست على القطاعات الصناعية والتجارية والأسواق والزراعة.

نفاد المدخرات

يقول محمد المجتبى وهو وسيط عقارات بمدينة بورتسودان في ولاية البحر الأحمر لـ(عاين): إن “أزمة العجز في سداد إيجار المنازل في بورتسودان متوقعة في ظل نفاد مدخرات النازحين وتأثر الملاك أيضا بالأزمة الاقتصادية”.

وأردف: “حتى إذا استقدمت مستأجرين جدداً إلى المباني والمنازل يستفسر الملاك عن الدخل الشهري وعما إذا كان لديهم قدرة على سداد المال شهريا بانتظام كما يشترطون في بعض الأحيان عددا أقل من أفراد العائلة؛ لأنهم يعتقدون أن رب العائلة لا يستطيع تحمل نفقات العائلة إذا كان عدد الأفراد أكثر، وفي الغالب يفضلون استئجار المباني للمنظمات والشركات؛ لأنها قادرة على سداد المال”.

ويتابع المجتبى: “خلال الشهور الماضية من منتصف هذا العام حتى نهاية أكتوبر 2024 كانت شاهدا على إخلاء أكثر من عشر عائلات شقق سكنية ومنازل في أحياء شمال وشرق بورتسودان لعجزهم في سداد الإيجار الشهري.. قالوا إن المال الذي لديهم قد نفد”.

جانب من الدمار الذي لحق بسوق ام درمان في العاصمة السودانية

في مكتب صغير وسط العاصمة السودانية كان “أسامة” يدير عمله في شحن السلع من الخرطوم إلى جنوب السودان، وكان يجني نحو ألفي دولار شهريا من خدمات النقل بين دول الجوار، لكنه الآن أصبح عاطلا عن العمل، وفقد منزله وسط الخرطوم.

أنفق أسامة مدخراته على سداد إيجار المنزل ونفقات المعيشة أثناء فترة نزوحه بين ودمدني وكسلا وبورتسودان شرق البلاد، ففي نهاية العام الماضي عندما هاجمت قوات الدعم السريع عاصمة ولاية الجزيرة غادرها على الفور رفقة عائلته إلى كسلا وعندما اجتاحت الحميات مدينة كسلا قرر الانتقال إلى بورتسودان.

ويقول أسامة لـ(عاين): “عندما غادرت الخرطوم في الأسابيع الأولى كانت بحوزتي أموال نقدية من العملات السودانية والدولار الأميركي لم تواجهني مشكلة كل شيء يتم حله إذا دفعت المال.. السكن والطعام والرعاية الصحية كنت أعلم أن مدخراتي ستنفد يوما ما”.

الاعتماد على المعونات

يقول المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين وليد أحمد لـ(عاين): أن “الآثار الناجمة عن استمرار الحرب تتمثل في التدهور الاقتصادي والفقر الناتج عن فقدان وسائل الإنتاج مع اعتماد غالبية المواطنين على المعونات سواء من الأهل أو الأقارب أو الأصدقاء خارج البلاد أو المنظمات الإنسانية”.

وتابع: “تترافق أزمة فقدان سبل كسب العيش للمجتمعات؛ بسبب الحرب مع ارتفاع جنوني لأسعار السلع الاستهلاكية والمعيشية وشح الإنتاج المحلي وتوقف النشاط الاقتصادي والاعتماد الكلي على الاستيراد ما يزيد التكلفة، ويؤثر في القدرة الشرائية للعائلات”.

ويقول المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين: إن “الحرب عطلت الزراعة والصناعة، وضاعفت موجات النزوح إلى مناطق أخرى مع تفشي البطالة وتوسع دائرة الفقر”.

ويشير أحمد، إلى أن نقص المواد الخام بسبب توقف الزراعة والصناعة يؤدي إلى التكالب على الموارد ما يعني أن المجتمعات ستتنافس على موارد شحيحة بالتالي تظهر صراعات عنيفة خاصة بين المجتمعات متعددة الأعراق.

ويعتقد المتحدث باسم تجمع المهنيين، أن هذه العوامل مجتمعة تلقي عبئا على المجتمعات من خلال بروز الفقر والبطالة وظهور أنشطة غير مشروعة كوسيلة للبقاء على قيد الحياة وانحسار فرص التضامن بين أفراد المجتمع.

 وكان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان خلال المؤتمر الاقتصادي منتصف نوفمبر 2024 اعترف بتأثير الحرب على الأوضاع المعيشية مطالبا وزارة المالية بوضع حلول اقتصادية لمساعدة المواطنين على مواجهة التحديات.

عجز حكومي عن الحلول

وتشكو وزارة المالية من توقف التمويل الدولي للسودان خلال الحرب بسبب العقوبات الناتجة عن الانقلاب العسكري والإطاحة بالحكومة المدنية واشتراط المؤسسات الدولية ضخ المساعدات عبر وكالات الأمم المتحدة، وأبلغ وزير المالية جبريل إبراهيم المبعوث الألماني الذي زار بورتسودان خلال شهر نوفمبر 2024 بـ”تقصير المجتمع الدولي” بحق السودانيين، على الرغم من فقدان المجتمعات وسائل كسب العيش.

نزوح 30% من نسبة السكان يعني وضع 4 ملايين شخص ضمن فئة البطالة

محلل اقتصادي

ويقول المحلل الاقتصادي محمد إبراهيم، إن الشبكات الاجتماعية التي كانت تحاول الحصول على أساسيات الحياة بشق الأنفس قبل الحرب أصبحت معدمة تماما في الوقت الراهن بعد 19 شهرا من القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع؛ لأن نزوح 30% من نسبة السكان يعني وضع 4 ملايين شخص ضمن فئة البطالة، ويعني فقدان سبل كسب العيش للمواطنين في الولايات الواقعة خارج دائرة الحرب لعدة عوامل أبرزها عسكرة الحياة والتكالب على الخدمات الشحيحة وشح فرص العمل وتوقف التمويل الحكومي لقطاع التنمية خلال العام 2024 وعدم وضع بنود تنموية في موازنة العام 2025 والتي خصصت جزءا كبيرا من الموارد المالية للإنفاق الحربي والعسكري.

مطبخ جماعي في الخرطوم

بالنسبة للمناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع يعكس المحلل الاقتصادي محمد إبراهيم وضعا مغايرا من خلال توقف حياة المواطنين بشكل نهائي واعتمادهم على تحويلات نقدية من الأقارب وهي حركة أموال غير منتظمة، وفي الغالب يتعرضون إلى الابتزاز من قوات الدعم السريع في مراكز الإنترنت “ستار لينك” التي تشرف عليها هذه القوات.

في الأسبوع الأول للحرب فقد 2.5 مليون شخص أعمالهم في العاصمة السودانية

اقتصادي

وأضاف إبراهيم: “في الأسبوع الأول للحرب منتصف أبريل 2023 فقد 2.5 مليون شخص في العاصمة السودانية العمل في الأسواق والشركات والقطاع المصرفي والصناعي والمؤسسات الحكومية والتجارة والاستثمارات”.

ويرى إبراهيم، أن عمليات النهب التي طالت المواطنين أضرت بالشبكات الاجتماعية وقدرتها على الصمود لفترات طويلة مع استمرار الحرب لأن العائلات فقدوا الذهب والأموال بسبب النهب والسطو بقوة السلاح في الحواجز العسكرية وحتى داخل المنازل والمحلات التجارية.

يعتقد إبراهيم، أن أزمة الشبكات الاجتماعية المعدمة خلال الحرب في السودان تنعكس على المجتمعات نفسها من خلال ظهور أنماط من السلوكيات منها التجنيد العسكري طوعا لجني المال.

في حي الديم العريق وسط الخرطوم، تواجه عائلة سوسن سلسلة من المعاناة التي تبدأ من جلب المياه من الآبار القديمة، مرورا بالبحث عن الخبز في المخابز من سوق جديد نشأ قرب تقاطع باشدار تحت إشراف قوات الدعم السريع وهناك بالإمكان الحصول على نقطة تزويد الإنترنت “ستارلينك” لتلقي التحويلات المالية.

تقول سوسن لـ(عاين): “إن عائلتها تحصل على التحويلات المالية بشكل غير منتظم من الأقارب في بعض الأحيان لا يحصلون على المال لشهرين متتالين يتم تدبير الأمور في المنزل بشتى السبل أو التعاون مع الجيران”.

بسبب المشاهد التي أمامها من دمار ونزوح غالبية المواطنين لا تضع هذه الفتاة آمالا في عودة الحياة للعاصمة السودانية كما كانت قبل الحرب فهي تعتقد أن الحرب ستطول وتغير المدينة والمجتمعات بشكل كبير.

شح المال والعمل دفعا مجموعات من النازحين للعودة إلى منازلهم بالخرطوم وتفضيل الحرب على حياة النزوح

مستشار مالي

فيما يقول محمد حمزة وهو مستشار مالي سابق في العاصمة السودانية لـ(عاين): “إن تآكل مدخرات المواطنين عرض ملايين الأشخاص إلى خطر الاستغلال أو النزوح مجددا إلى مناطق أخرى فيما لجأت مجموعات من النازحين إلى عملية المغامرة بالعودة إلى منازلها التي غادرتها مضطرة بسبب الحرب”.

وتابع: “عدد النازحين في السودان يصل إلى 15 مليون شخص حوالي 13 مليون شخص يعيشون أوضاع قاسية جدا لا يحصلون على الطعام يوميا بشكل منتظم من الحكومة أو المنظمات سوى مساعدات المتطوعين. أما بقية المواطنين مثلا في مدينة مثل الأبيض يقطنها نحو 2 مليون شخص، فإن الغالبية يواجهون خطر فقدان الأمان الغذائي والاقتصادي بسبب بقاء المدينة ضمن منطقة حصار عسكري من قوات الدعم السريع”.

ويوضح حمزة بالقول: “مدينة الأبيض تتميز بأسواق المحاصيل وحركة نقل وتجارة المحاصيل الزراعية من مناطق الإنتاج إلى الأسواق وحتى وصول موانئ التصدير انتهت هذه الأشياء في الوقت الراهن أصبح العمال عاطلين عن العمل، وانعكست البطالة على آلاف العائلات مع فقدان الأمل في الحلول أثناء الحرب سواء من الأمم المتحدة أو الحكومة ما لم تتوقف الحرب وتعود الحياة كما كانت”.

وتقول الحكومة القائمة في بورتسودان والمدعومة من الجيش إنها بصدد إجازة موازنة تعتمد على المشاريع الإنتاجية الواقعة تحت سيطرتها شمال السودان مثل مناجم الذهب ورسوم هيئة الموانئ والمطارات والطرق البرية والضرائب الأفقية.

مزارعون في دارفور

يقول المحلل الاقتصادي محمد إبراهيم، إن موازنة 2025 ربما تفاقم معاناة المواطنين خاصة أولئك الذين تأثروا بالحرب بالنزوح وفقدان المأوى؛ لأن وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي تعتمد على زيادة جديدة للرسوم الجمركية على السلع المستوردة وزيادة أسعار خدمات النقل والوقود، وهذه الإجراءات ستقع مباشرة على المواطنين سواء من فئات النازحين أو المواطنين في المدن الواقعة خارج دائرة الحرب.

ويوضح إبراهيم، أن المجتمع الدولي تعهد في مؤتمر باريس بدفع ملياري دولار وهو مبلغ شحيح لا يقابل احتياجات 25 مليون مواطن فقدوا وسائل الإنتاج، وأصبحوا في خانة المجتمعات المتأثرة بالبطالة ومع ذلك لم يلتزم بتعهداته الشحيحة.

وأضاف: “يجب أن يضع المجتمع الدولي مباشرة نحو 10 مليارات دولار لامتصاص أزمة النازحين، وأن يعمل على وقف الحرب أو ستضطر أوروبا إلى مكافحة هجرات غير نظامية لمئات الآلاف من الشبان والفتيات من السودان خلال العام 2025”.

بينما يدعو المستشار المالي محمد حمزة، الحكومة والأمم المتحدة بالعمل على تقليص المتأثرين بانعدام الأمن الغذائي والاقتصادي بتقليص العدد في خطط العام 2025 من 25 مليون شخص إلى 15 مليون شخص بتوسيع رقعة المناطق الآمنة وإعادة المشاريع الزراعية والأسواق إلى دائرة العمل بتوقيع اتفاقيات ملزمة للطرفين بعدم المساس بالمناطق المنتجة.

وتابع: “الأولوية في الوقت الراهن الحفاظ على حياة المواطنين؛ إذ إن فقدان 25 مليون شخص للأمن الغذائي يعني زيادة معدلات الوفيات بالأمراض والوبائيات والعنف المنزلي الناتج عن الفقر والصراعات القبلية”.

ويرى المستشار المالي محمد حمزة، ملايين النازحين بحاجة إلى برامج اقتصادية وتنموية وتشجيع الانخراط في المشاريع الزراعية الواقعة تحت سيطرة الطرفين سواء الجيش أو الدعم السريع وتنفيذ القانون الدولي الإنساني بحماية المدنيين في مناطق الإنتاج والطرق البرية أثناء نقل المنتجات الزراعية.

وتابع: “كلاهما وأعني الطرفين المتحاربين لا يكترثان لهذه الأزمة لا يمكن أن تكتفي بإدارة المعارك العسكرية، بينما يطحن الملايين تحت الجوع وانعدام الدواء والتعليم وفرص العمل”.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *