النازحون لعاصمة السودان البديلة تحت وطأة غلاء أسعار العقارات

عاين- 14 يناير 2023

كغيره من النازحين إلى مدينة بورتسودان، عانى (طارق عبادي) من ندرة العقارات السكنية، مما اضطره لأن يمكث في أحد فنادق المدينة برفقة أسرته المكونة من زوجته وطفلته.  بتكلفة تقدر بـ ٥٠ ألف جنيه، حوالي ٥٠ دولاراً لليوم الواحد، ويقول:” رغم أن وضعي الاقتصادي لا يسمح بذلك، لكني كنت مضطراً إلى الإقامة في الفندق إلى أن عثرت على شقة سكنية صغيرة بها غرفة واحدة في أحد أحياء وسط بورتسودان، استأجرتها بحوالي ٨٠٠ ألف جنيه للشهر الواحد “. 

يصف رئيس شعبة المكاتب العقارية بولاية البحر الأحمر مالك عبدالله عكام في مقابلة له مع (عاين)، زيادة الإيجارات بأنها غير قانونية، ويعزى أحد أسباب الزيادة إلى انخفاض سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار، ويرى أن هذا أثر في أسعار مواد الصيانة والبناء كالحديد والأسمنت، مما جعل جميع أصحاب العقارات والشقق المفروشة يدفعون مبالغ طائلة في سبيل تأهيل عقاراتهم واسترداد هذه المبالغ باستئجارها بهذه المبالغ الكبيرة.

ويقول عكام، إن “إيجار الشقق قبل فترة الحرب كان يتراوح ما بين ٢٥ إلى ٣٥ ألف جنيه سوداني في اليوم، بينما الآن أقل سعر يتراوح ما بين ٣٥ إلى ١٥٠ ألف جنيهاً فضلاً عن أسعار المنازل الكبيرة في المواقع المميزة، فإنه يبدأ من ١٥ إلى ٣٠ ألف دولا”ر.

ويناشد (عكام) ملاك العقارات بمراعاة حالة المواطنين الذين يعانون أوضاعاً اقتصادية بالغة التعقيد.

وفقاً لإفادة أحد الوسطاء في بيع العقارات؛ فإن متوسط أسعار الإيجارات في مدينة بورتسودان يتراوح ما بين ٣٠٠ ألف جنيه إلى ٧٠٠ ألف جنيه سوداني.

ويقول:” أكثر الأحياء التي تشهد طلباً عالياً للسكن هي أحياء وسط المدينة، مثل حي المطار وترانسيت وديم مدينة، الذين يُعتبرون من أرقى أحياء بورتسودان، وذلك لقربهم من مراكز الخدمات، كذلك تتميز البنية المعمارية لهذه الأحياء بشكلها الحضاري، وتتوفر فيها شبكتا كهرباء ومياه، أما بعض المناطق الطرفية خاصة أحياء الديوم الجنوبية مثل حي دار السلام ودار النعيم، فإن أسعارها تبدأ من ٢٠٠ وتصل إلى ٦٠٠ ألف جنيه سوداني، وتوجد بها مشاكل في المياه والكهرباء وهي بعيدة نسبياً مقارنة بأحياء وسط المدينة “.

وفي يوليو الماضي أصدر والي ولاية الجزيرة التابع لحكومة الأمر الواقع إسماعيل عوض الله أمر طوارئ يقضي بتحديد أسعار إيجار الشقق والفنادق واللكوندات بالولاية.

جشع واستغلال

من بين الذين عانوا كثيرا في الحصول على سكن في مدينة بورتسودان شرقي السودان، عمار حسن، الذي نزح مع أفراد عائلته إلى المدينة الساحلية قبل نحو شهرين.

يقول عمار:” الحصول على سكن في بورتسودان أمر في غاية الصعوبة؛ بسبب نزوح عدد كبير من السكان إليها وجشع ملاك العقارات “.

أُجبر عمار على النزوح مع عائلته من منطقة الثورة بمحلية كرري شمال مدينة أم درمان، بعد ستة أشهر من اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل الماضي، إثر تصاعد موجة القتال وتساقط القذائف، وأضاف في حديثه لـ(عاين):” لولا تصاعد الاشتباكات وتساقط الدانات علينا على مدار الساعة في الحي الذي نسكن فيه لما غادرنا بيتنا إطلاقاً “.

وبعد وصول عمار مع عائلته إلى بورتسودان مكث في منزل أحد أقاربه لأكثر من شهر بحثاً عن بيت يؤويه مع عائلته، فعثر بعد رحلة بحث مضنية على منزل في أحد حي طرفي، وانتقل إليه قبل أيام.

يشتكي عمار من جشع مُلَّاك العقارات والوسطاء الذين يطلبون مبالغ طائلة في منازل وشقق متواضعة، وأردف: “من غير المعقول أن تصل إيجارات الشقق إلى أكثر من مليون جنيه، والأحياء العادية إلى مليون جنيه، فيما يصل سعر إيجار البيت في الأحياء الشعبية النائية التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة لـ ٣٠٠ ألف جنيه “لافتاً إلى أن النازحين من مناطق الصراع في الخرطوم عوضا عن أن يجدوا مساعدات من سكان الولايات بتخفيض أسعار الإيجارات يواجهون بجشع أصحاب العقارات.

وذكر أن أعداداً كبيرة من العائلات التي فرت من القتال يلتحفون الأرض، ويفترشون السماء جوار كورنيش مدينة بورتسودان.. إذ لم يجدوا حتى دور للإيواء تستقبلهم بعد أن عجزوا عن استئجار مساكن تؤويهم.

ما أن تمر بالكورنيش الرئيسي الواقع على محاذاة البحر الأحمر، يُمكنك مشاهدة عشرات الأشخاص يفترشون الأرض تحت الأشجار طوال ساعات النهار، علمنا بأنهم نازحون أتوا من مختلف الولايات التي تشهد صراعاً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

لم يجد هؤلاء النازحون مكاناً ليستقروا فيه، فآوتهم شوارع المدينة التي تشهد ازدحاماً حاداً بسبب الوفود المستمرة والمتزايدة.

وينتشر آلاف النازحين من الخرطوم والرعايا الأجانب في حوالي ٢٠ مركزاً للإيواء في ولاية البحر الأحمر، وأقيمت مراكز الإيواء هذه في المدارس ودور العبادة وصالات الأفراح، وتشهد مراكز الإيواء اكتظاظاً حاداً؛ بسبب تزايد أعداد النازحين.

زيادة مبررة

في حديثه لـ (عاين)، أوضح الخبير الاقتصادي د. آدم سليمان بأن سوق العقارات بشكل عام ينقسم إلى قسمين، الأول هو البيع والشراء، بينما الثاني هو التأجير.

وقال إن عمليات البيع والشراء الآن متوقفة، لكن بالمقابل ازدهرت الإيجارات بسبب انتقال المواطنين من مدن إلى أخرى.

ويُرجع (سليمان) ازدياد أسعار الإيجارات إلى الطلب العالي، قائلاً:” القاعدة الاقتصادية تقول بأنه كلما زاد الطلب زاد السعر، لذلك ومن الناحية الاقتصادية، فإن الزيادة مبررة “.

لكن يلفت النظر إلى أن المجتمع السوداني تتداخل عنده القواعد الاقتصادية مع القيم الاجتماعية، لأنه مجتمع يشتهر بقيم التكافل والتراحم عند حدوث كوارث وأزمات، لذلك يعتقد أن أسعار العقارات من الناحية الاجتماعية فيها شيء من استغلال حوجة الناس وعدم المراعاة لظروفهم.

العودة إلى لخرطوم

بعد استئجاره لمنزل في مدينة شندي، عاد (محمد شريف) إلى منزله بأم درمان منطقة الثورة، رغم صعوبة الأوضاع الأمنية وسقوط القذائف العشوائية وتردي الخدمات، لكنه فضَّل العودة إلى منزله بسبب الضغط الاقتصادي الكبير الذي تعرض له خلال الفترة التي كان مستأجراً فيها، ويقول لـ(عاين):” خلال ثلاثة أشهر لم أكن أعمل، وكنت أصرف من بعض المدَّخرات التي كنت أوفرها ما قبل الحرب لشراء سيارة، استأجرت في شندي منزلاً بـ ٥٠٠ ألف جنيه، وأخيراً قررت العودة إلى أم درمان لتخفيف الضغط المعيشي “.

يرى الخبير الاقتصادي د. آدم سليمان أن النازحين محدودو الدخل إذا ظلوا يسكنون كمستأجرين في الأشهر القادمة مع استمرار الحرب، فإن هنالك خيارين يمكن أن يواجهوها، إما أن يمهلهم أصحاب العقارات، أو يخرجونهم بالقانون، وإذا كان لديهم بعض المدخرات، فإن الإيجار سيكون خصماً على المعيشة والمأكل والمشرب والعلاج، بل أن المبالغ الغالية للعقارات السكنية ستؤدي إلى تآكل مدخرات المواطنين؛ مما يتسبب في إفلاسهم.