الحركة الشعبية والحكومة في طريقهما للتوصل إلى اتفاق حول العلمانية
28 يونيو 2021
في حين أن محادثات السلام بين الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال والحكومة لم تنته إلا أن مع انتهاء المرحلة الاولى من المفاوضات، يبدو أن الحركة الشعبية واثقة من أن مطالبها بدولة علمانية ستتحقق.
وأقر وزير شؤون مجلس الوزراء والناطق الرسمي باسم الوفد الحكومي خالد عمر، أن مقترح الاتفاق الإطاري المقدم من الحركة الشعبية وجد قبولا عاما من الوفد الحكومي المفاوض مما اعتبره إيجابيا ويصلح كإطار لوضع اتفاق إطاري لما يليه من اتفاقيات سلام».
كما يعتقد عبد العزيز الحلو، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال (SPLM-N)، أن اتفاق السلام سيتم أخيراً التوصل إليه في المستقبل القريب. و يقود الحلو أكبر حركة مسلحة ضد الحكومة السودانية ويطالب بالسيطرة على 70٪ من ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، والذى رفض في أكتوبر من العام الماضي الانضمام إلى اتفاق جوبا للسلام مع قوى الجبهة الثورية، موضحاً إلى أن مطالب الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بالعلمانية شرط صارم للمشاركة.
وكان رئيس المجلس السيادي الفريق عبد الفتاح البرهان صادق على هذا المطلب في 28 مارس الماضي بتوقيعه على اتفاق “إعلان المبادئ” والذي يوافق على تأسيس دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية في السودان ، حيث يتوافر فيه حرية الدين وحرية المعتقد”. أن تصبح الممارسات الدينية والعبادة مضمونة لجميع السودانيين من خلال فصل الهويات الثقافية والمناطقية والعرقية والدينية عن الدولة “.
و بعد مرور شهران من توقيع إعلان المبادئ عقدت المرحلة الأولى من المحادثات والتي استمرت ثلاثة أسابيع في جوبا لتنفيذ هذا ماتوافقوا عليه في الاعلان. وقد انتهت الجولة الأولى من المحادثات في 15 يونيو الماضي، وعلى الرغم من الصمت الذي دار حول النقاط الخلافية بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية والتي جاء على رأسها توحيد الجيش السوداني ودمج قوات الدعم السريع فيه إضافة إلى الاتفاق على علاقة الدين بالدولة. وفي تصريحات ادلى بها زعيم الوساطة في جنوب السودان توت قلواك ادعى أن الطرفين وجدا أرضية مشتركة بشأن 15 نقطة من النقاط الـ 19 التي تمت مناقشتها.
العلمانية فوق الدستور
وأكد قلواك في بيانه عقب اختتام المحادثات الاولى “أن الجلسة المقبلة ستؤدي إلى اتفاق سلام شامل”. مشيراً أن العائق الرئيسي يتعلق بالشكل الذي ستتخذه العلمانية. وتطالب الحركة الشعبية لتحرير السودان اعتبار فصل الدين عن الدولة مبدأ فوق دستورياً، وهو مفهوم يحل محل الدستور.
وترى الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال إنه إذا تم انتهاك مبدأ علمانية الدولة، فإن لشعبي جنوب كردفان والنيل الأزرق الحق في تقرير المصير، وهو الشرط الذي يثير قلق الحكومة، بعد عشر سنوات من استقلال جنوب السودان. وبشكل خاص بعد أن أعلن البرهان مرسوما دستوريا في وقت سابق من هذا الأسبوع يمنح كلا من ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الحق في الحكم الذاتي.
لكن جمال قريش القائم بأعمال السفارة السودانية في جوبا وجزء من الوفد الحكومي ، قال إن المفاوضات الحالية يجب أن تلتزم بما تم الاتفاق عليه في مارس الماضي ، والذي لم يرد فيه أي ذكر لما هو فوق الدستوري. وأعرب الدبلوماسي عن تفاؤله بتحقيق اتفاق سلام ، مشيراً إلى أن الوفد الحكومي “جاء [إلى جوبا] للتوقيع على اتفاق السلام ، موكداً حقيقة أن “الثقة أصبحت متبادلة الآن”.
الحكومة تواجه إنذارا
نفس الأمل يظهر في صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي لا ترى بديلاً لمستقبل السودان سوى السلام. ويعتقد رئيس وفد التفاوض عمار آمون، أن الحكومة تواجه عدداً لا يحصى من المشاكل وتحتاج إلى توحيد البلاد معالجتها.
وقال آمون لـ(عاين) “الحكومة تواجه الكثير من الضغوط الاقتصادية بسبب سوء الإدارة وتداعياتها على الحياة اليومية للسكان الذين يواجهون الصعوبات اليومية،مما دعا إلى الخروج في الشوارع مطالبين بإسقاط القادة الحاليين. علاوة على ذلك ، فإن الوضع الأمني يتدهور في جميع أنحاء البلاد مع تصاعد النزاعات القبلية – سواء في دارفور أو في الشرق – بالرغم من توقيع اتفاق جوبا. كل هذه العوامل تشجع الحكومة على توحيد الجبهة الوطنية والتوقيع على الاتفاقية ”.
في الوقت نفسه، يخشى الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال آمون من الوفد الحكومي الذي يقوده الفريق شمس الدين كباشي، عضو مجلس السيادة ، ويحذر من إمكانية رفض مطالبهم والذي يجعل من قرار الانفصال وارد. مشيراً إلى امكانية تسمية المناطق التي تسيطر عليها الشعبية بـ”السودان الجديد”. قائلاً:” لقد أنشأنا هناك حكومة مدنية، ونظام قضائي ، وقوة شرطة، ومحليات، ولجان ، ومندوبين … جميع المؤسسات موجودة. يمكننا إعلان استقلالنا في أي وقت.
و لتجنب هذا السيناريو، يقول آمون إنه يجب تحقيق تغييرات أساسية لضمان فصل الدين بوضوح عن الدولة. موضحاً أن شعب جبال النوبة دفع ثمن وحدة السودان طوال هذه السنوات. ويرى أمون أن الطريقة الوحيدة التي لا يمكن بها الانفصال هي أن توافق الحكومة على إزالة جميع القوانين القائمة على أساس الدين. وهذا ، ليس فقط على الورق ولكن في الممارسة العملية. وتصر الحركة الشعبية على جعل يوم الأربعاء هو يوم عطلة نهاية الأسبوع بدلاً من يوم الجمعة من أجل إزالة “الدلالة الدينية” بينما ظل موقف وفد الحكومة رافضاً لذلك.
وقبل أسبوع من انتهاء الجولة الأخيرة من المحادثات في جوبا، قال الرئيس الحلو إنه يجب “تحقيق العدالة ، وأن لا يكون هناك تمييز على أساس الدين”.موضحاً أن هذا لا يعني أن يوم الجمعة يجب أن يكون عطلة بطبيعة الحال. وأضاف الحلو لـ(عاين) “فقط عندما يتم استدعاء صلاة الظهر، يجب على المسلمين التوقف عن أنشطتهم للذهاب للصلاة ، ثم استئنافها بعد ذلك. وأن تستمر الاستراحة لمدة ساعة فقط “. علاوة على ذلك، فإن ما يشهده الوضع الاقتصادي الخطير في السودان لا يسمح في الوقت الحالي لمواطنيه بأن يكونوا عاطلين عن العمل يومين في الأسبوع.
فترة انتقالية جديدة
اتفق طرفي المفاوضات على السماح بفترة ما قبل الانتقال لإتاحة الوقت للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال لإعداد قواتها للاندماج في الجيش الوطني ، وكذلك إنشاء آليات للمساعدة في هذا الانتقال العسكري. وسيتم تحديد مدة الفترة قبل الانتقالية خلال الجولة الثانية من المحادثات المقرر إجراؤها في وقت لاحق من هذا الشهر أو في يوليو القادم.
واقترحت الحركة أن تكون الفترة قبل الانتقالية مدتها 6 أشهر، لتنفيذ مهام إنشاء المؤسسات والآليات المنصوص عليها في اتفاق السلام الذي يتوصل إليه الطرفان، إضافة لوضع إطار دستوري لهذا الاتفاق. ويقول آمون إن بنهاية المرحلة الأولى من المرحلة الانتقالية ستجرى انتخابات تشريعية ورئاسية. كما اتفق طرفي التفاوض على مناقشة البروتوكولات السبعة التي طرحتها الحركة الشعبية والتي تسلط الضوء على الإصلاحات في القطاعات الرئيسية مثل الاقتصاد والأمن بمجرد الاتفاق على خارطة طريق لتنفيذ الاتفاقية.
الطريق نحو السلام
وعلى الرغم من أن اتفاق السلام يبدو أنه يسير على الطريق الصحيح، لا يسع المراقبون إلا التعبير عن تحفظات بشأن تحقيقه. ويقول الصحفي الجنوب سوداني مابيور شيرايلو:”ستوقع الحكومة السودانية اتفاق لأنه ليس لديهم خيار آخر. واضاف “إنهم يريدون دمج قوى المعارضة لزيادة قوتهم”. لكن الفرع العسكري يحاول السيطرة على كل شيء. وبالتالي، فإن تنفيذ الاتفاقية سيعتمد على نواياهم ، ويضيف شريلو الذي تابع الجلسة الأولى لمفاوضات السلام على أساس يومي. “مهما كانت النتيجة ، فإن على السودانيين أن يتوقعوا أن يروا الحلو داخل العاصمة الخرطوم حيث من المتوقع أن ينضم زعيم الحركة الشعبية إما إلى مجلس السيادة أو مكتب رئيس الوزراء.